الوضوح في الأسرة



الوضوح في الأسرة
---------------------------


"الوضوح" يعني أن لا يحاول أي فرد فيها أن يخفي أمراً عن عيون الآخرين. هكذا كانت العائلة الأولى في الجنة عريانين ولا يخجلان "وكانا كلاهما عريانين آدم وامرأته وهما لا يخجلان" (تك 25:2).

قدّرأسرتك :
--------------

لم يكن آدم وحواء في حاجة إلى إخفاء شئٍ أحدهما عن الآخر، ولا يوجد شئ فيهما أو عليهما يسبب خجلهما، لا شيء أثيم أو معيب أو فاضح أو يستحق التوبيخ والملامة. فلم يكن هناك خطية في طبيعتهما، ولا إحساس بذنب أو بالشر أو الخبث في أعمالهما وتصرفاتهما ولم يخجلا من عريهما كالأطفال. لم يشعرا لحظة برغبة في أن يتغطيا؛ إذ أن العري كان علامة البراءة. الخطية هي التي سببت الخجل وأفرزته. كل ما تنبته الأرض عارياً وكل خليقة على الأرض عارية لأنها طاهرة ولا توجد فيها خطية أو أثم تحاول أن تستره وتغطيه.

الخجل يفسد العلاقات الزوجية والأسرية. الخجل بين الزوجين علامة أن المحبة غير كاملة والثقة ناقصة. الخجل من الأبوين يعني أن الثقة في الحنان الأبوي والحب الأبوي لم ينمو بالقدر الكافي بين الآباء والأبناء. ثبات العلاقات الأسرية والثقة المتبادلة بين أفرادها يمنع الخجل مثلما نكون في علاقتنا الروحية بأبينا السماوي، وكما يوضح يوحنا الحبيب "أيها الأولاد اثبتوا فيه حتى إذا أُظهر يكون لنا ثقة ولا نخجل منه في مجيئه" (1يو 28:2).

يقول المرنم داود: اليوم كله خجلي أمامي وخزي وجهي قد غطاني (مز 15:44) وهذا يكون لسان حالنا في أسرنا حينما نخطىء، نخجل أن يعرف أحد أفعالنا الرديئة ونشعر بالخزي فنصمت ونتروى عن أنظار أفراد أسرتنا. وكما يصف هذه الحالة في حزقيال "فتتذكرين طرقك وتخجلين.. تتذكري فتخزي ولا تفتحي فاك بعد بسبب خزيك.. (حز 63:16). خزوا لأنهم عملوا رجساً. كلما زادت العورات في أفراد الأسرة كلما قلّ بينهم الوضوح. . لذلك كانت توبة أفراد الأسرة هامة للحفاظ على الوضوح الأسري.


ولا تشته ما لقريبك :
-----------------------

"لا تشته بيت قريبك. لا تشته امرأة قريبك ولا عبده ولا أمته ولا ثوره ولا حماره ولا شيئاً مما لقريبك" (خر 17:20) لن تسعد مع أسرتك مادمت تنظر إلى ما في بيوت الآخرين. أن الذين افرطوا في شهوة ما ينظرونه في أيدي الآخرين ويتملكونه، يظلوا في سخط ونكد لأنهم لا يستطيعون الحصول عليه. من الأمور التي تفسد سعادة الإنسان أن يشتهي ما لا يستطيعه ولا يملكه. شهوة ما في بيوت الآخرين، دليل على عدم إدراكنا الروحي لنعمة الله وحبه واهتمامه بنا، وقلة الثقة في قدرة الله على إسعادنا وإشباعنا بما لدينا. فالله هو الذي "أشبع الجياع خيرات وصرف الأغنياء فارغين" (لوقا 53:1) وهو الذي يباركنا إلى الشبع "طعامها أبارك بركة مساكينها أشبع خبزاً" (مز 15:132) . فبدل من أن نشتهي ما في أيدي الناس، لنطلب من الله قائلين "أشبعنا بالغداة من رحمتك فنبتهج ونفرح كل أيامنا (مز 14:90).

لا تشته امرأة قريبك. الآخرون لا يُشتهون فهم ليسوا أشياء تمتلك. شهوة الآخرين يعني أن الآخرين في نظرنا أشياء مثل السيارة والطعام والممتلكات، تقتني وتستعمل وتستهلك ويمكن استبدالها حينما نملّ منها. وهذا منتهى الخطورة في المعاملات والعلاقات الإنسانية. فالآخر كيان يحترم وليس شيئاً يمتلك، والآخر يحب ولا يقتني. أن يشتهي رجل امرأة فهذا يعني أنه يريد أن يقتني جسدها وجماله ولا يرى فيها شخصاً يحب. ولا يثق في قدراتها أن نبادله العطاء والأخذ في حياة مشتركة.

"امرأتك مثل كرمة مثمرة في جوانب بيتك. بنوك مثل غروس الزيتون حول مائدتك" (مز 3:128). أعد نظرتك لامرأتك ولزوجك ولأبنائك لترى فيهم شخصيات مميزة يمكن أن تحب وتقدر. هل ترى امرأتك مثمرة بأعمالها وتعبها في بيتك؟ هل تلاحظ بصماتها على حياتك؟ من ضغط الأمور ومشكلات الحياة اليومية، ننسى فضائل الأزواج وحسنات الأبناء، ولا نعلق إلا على الأمور السيئة والضعفات. وبالتالي- ومع الوقت لا نعتاد إلا أن ننظر إلى عيوب الآخرين، ولا نتعامل معهم إلا من هذه الزاوية فيضج منا الآخرون. كما نحاول، ونحن مخدوعون، أن ننظر إلى حسنات الآخرين خارج عائلتنا، ونشتهي ما نظن أنه غير موجود في أفراد أسرتنا. لذلك من المفيد أن نذكر أنفسنا بحسنات وفضائل أفراد أسرتنا، ونشعرهم بتقديرنا لهم باستمرار، فتعلم أن تشكر وأن تمدح كما تنقد وتذم.

التعقل في التوقعات:
-------------------------

من الأمور التي تفسد الوضوح الأسري، تصور كل فرد فيها أنه من المفروض أن الآخرين يعلمون ما يشعر به وما يريد، وبالتالي فهو يتوقع منهم أن يحققوا كل توقعاته، وأن يلبوا كل احتياجاته، وللأسف التوقعات مبالغ فيها وغير واقعية وبالتالي نصاب بخيبة الأمل في أفراد أسرنا مراراً وتكراراً.

صورة الآخرين في أذهاننا مبالغ فيها وخيالية ودائماً نتوقع من الآخرين أموراً لا يرغبون فيها أو لا يقدرون عليها فنصدم في أفعالهم. فصورة الأبناء في ذهن الآباء مثالية، يتصور البعض منا أن ابنه أفضل الأبناء وأنه ناجح ولا يخطىء، فنقبل أن كل الناس يمكن أن تفشل أو تخطىء إلا أبنائنا. ونصدم صدمة كبيرة في الأبناء حينما يتعثرون أو يفشلون أو يخطئون ونتوقع منهم أن يكون متفوقين وقديسين ومثاليين في كل شيء.


تعامل مع الآخر كما هو :
----------------------------

هذه نقطة البداية. فسوف تكتشف النقاط الجيدة فيه والتي تصنع التقارب بينكم. في العلاقات الأسرية- وخاصة الزوجية، لا تصنع في مخيلتك شكلاً للعلاقة وأحلاماً وردية وتحاول جاهداً أن تفرضها على الآخر، حتى وإن شاركك الآخر نفس الحلم. أحلامنا عادة تغفل واقعنا وقدراتنا الحقيقية. بطرس في لحظة حماس قال للرب يسوع أن أضع نفسي عنك وفي الواقع أنكر الرب، الرب يسوع كان يعلم قدرات بطرس، فلم يتوقع منه أن يضع نفسه عنه وقال له: أتضع نفسك عني!! وحينما أنكره لم يصاب بخيبة أمل فيه.

الوضوح في الأسرة الواحدة ليس حلماً رومانسياً نتمناه في خيالنا. إنه هو لا يُبني على التوقعات الوردية التي نفيق منها على خيبة أمل مريرة وتوتر في علاقاتنا وضعف في روابطنا ببعض. ولكنه واقع يبدأ بقبول الآخرين كما هم وأن تكون توقعاتنا معقولة وقريبة من الواقع. كما أنه من المفيد أن تكون التوقعات مشتركة بالتفاهم والحوار المستمر الذي يعمل على معرفة اهتمامات كل طرف. وبالتفاهم نخلق لنا اهتماماً مشتركاً ونرتب أولوياتنا وقيمنا الأسرية وأن تكون توقعاتنا معروفة ومفهومة جيداً من بقية أفراد أسرتنا.

"وأعطيهم قلباً واحداً وطريقاً واحداً ليخافوني كل الأيام لخيرهم وخير أولادهم بعدهم" (إرميا 39:32

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010