الصفحات

كتاب الخدمة الروحة والخادم الروحى لقداسة البابا شنودة الثالث

مقدمة

نقدم لأبنائنا الخدام و الخادمات الجزء الثاني من مجموعة (الخدمة الروحية و الخادم الروحي ) للتعرف بطبيعة عملهم في الخدمة ، وما ينبغي أن تكون عليه حياتهم في قوتها و تأثيرها.

ولقد حدثناكم في الجزء الأول من هذه المجموعة عن :

1-ماهي الخدمة روحياً . و قد تشمل هذا الموضوع 16 نقطة .

2-مركز الله في الخدمة . و قد اشتمل علي 7 نقاط .

3- التواضع في الخدمة .

4-مقاييس الخدمة و نجاحها .

5:8-الخادم الروحي . و قد اشتمل هذا البند علي أربعة موضوعات .

9-العمل الجواني .

و في هذا الجزء الثاني من المجموعة نحدثك عن :

1- الخدمة : أهميتها – مجالتها - فاعليتها

2- قوة الخدمة .

3- النمو في الخدمة .

4- التعب في الخدمة .

5- " مسحني لأبشر المساكين .."

6- الذين ليس لهم أحد يذكرهم .

7- " يهيئ للرب شعباً مستعداً " .

9- الخادم داخل الأسرة .

و انتظر الجزء الثالث حيث نحدثك فيه عن :

1-العمل الإيجابي .

2- العمل الفردي .

3- التشجيع .

4- لاحظ نفسك و التعليم .

5-كثيرون سقطوا داخل الخدمة ، و بعضهم هلكوا .

6- الجدية في الخدمة .

7- الخادم في المجتمع .

8- موضوعات أخري .

و بعد ذلك الجزء الرابع بمشيئة الله .

مايو 1994 البابا شنوده الثالث

الخدمة

*أهميتها

*مجالاتها

*فاعليتها

الخدمة

أهميتها - مجالاتها - فاعليتها

الخدمة

تحدث القديس بولس الرسول عن المواهب المتنوعة " كما قسم الله لكل واحد مقداراً من الإيمان " " بحسب النعمة المعطاة لنا " ، فقال " أنبوة فبالنسبة إلي الإيمان . أم خدمة . أم المعلم ففي التعليم . أم الواعظ ففي الوعظ . المعطي فبسخاء المدبر فباجتهاد " ( رو 12 ك3-8 ) .

و هكذا جعل الخدمة في مقدمة هذه المواهب المتنوعة ، لكي يرينا بهذا أهميتها ...

ربنا يسوع المسيح نفسه ، قال عن ذاته " إن إبن الإنسان لم يأت ليخدم ، و يبذل نفسه فدية عن كثيرين " ( مر 10 : 45 ) . فإن كان السيد المسيح قد جاء ليخدم ، فماذا نقول نحن ، و أية كرامة تكون للخدمة إذن ؟ إن كان السيد المسيح أخذ شكل العبدليخدم البشرية ، فماذا يفعل البشر ؟

و كما جاء المسيح ليخدم ، هكذا رسله ايضاً كانوا خداماً ...

سواء من جهة الخدمة الروحية ، أو الخدمة الإجتماعية ...من الناحية الروحية ، قالوا عن أنفسهم لما أقاموا الشمامسة السبعة . "و أما نحن فنعكف علي الصلاة و خدمة الكلمة " ( أع 6 : 4 ) . و يقول القديس بولس الرسول عن هذه الخدمة الروحية ... و أعطانا خدمة المصالحة ... نسعي كسفراء عن المسيح ، كأن الله يعظ بنا . نطلب عن المسيح ن تصالحوا مع الله " ( 2 كو 5 : 18 ،20 ) . و يقول لتلميذه تيموثاوس " أعمل عمل البشر ، تمم خدمتك " ( 2 تي 4 : 5 ) . و في هذه الخدمة ، قال عن القديس مرقس إنه " نافع لي للخدمة " ( 2 ت 4 : 11 ) . أما من جهة الخدمة الأخري ، فيقول القديس بولس أيضاً :

" إن حاجاتي و حاجات الذين معي ، خدمتها هاتان اليدان " ( أع 20 : 34 ) .

و يمدح العبرانيين فيقول " لأن الله ليس بظالم ، حتي ينسي عملكم و تعب المحبة ... إذ قد خدمتم القديسن و تخدمونهم " ( عب 6 : 10 ) .

إن الآباء لم تكن لهم روح السيطرة ، بل روح الخدمة .

كانوا يخدمون الناس ، و يبذلوا أنفسهم عنهم . و في الكهنوت . كان كل من يرسم علي كنيسة ، يعتبر نفسه خادماً لهذه الكنيسة . يخدم السرائر المقدسة ، و يخدم الله ، و الشعب ... إن القديس أوغسطينوس أسقف هبو ، لما صلي لأجل شعبه ، قال " أطلب إليك يا رب ، من أجل سادتي ، عبيدك " . فاعتبر أن أفراد هذا الشعب ، الذي يخدمه كأسقف ، هم سادته .

و لم تكن كلمة (خادم ) مجرد لقب ، و إنما حقيقة واقعة .

و كان الاباء يتعبون في هذه الخدمة ، إلي اَخر نسمة ...

" في أسفار مراراً كثيرة ... في جوع و عطش ... في برد و عري ، في تعب و كد .. في أسهار ، في أصوام " ( 2 كو 11 : 26 ، 27 ) يسهرون لأجل النفوس ، كأنهم سوف يعطون حساباً " ( عب 13 : 17 ) . كانوا مثل الشموع ، التي تذوب ، لكي تعطي نوراً للآخرين . و ما أجمل قول الشيخ الروحاني في الخدمة " في كل موضع مضيت إليه ، كن صغير أخوتك و خديمهم " ... إن نزعة العظمة ، ليست دليلاً علي القوة ، بل هي حرب .

أما القوي ، فهو الذي يدرب نفسه ، علي أن يكون خادماً .

القديس الأنبا صرابامون أبو طرحة ، كان و هو اسقف ، يحمل الطعام إلي بيوت الفقراء ، في الليل في الخفاء ، و يقرع أبوابهم ، و يترك ما يحمله أمام الباب و يمضي ، و هو سعيد بخدمته. و الأنبا موسي الأسود ، كان يحمل الماء إلي قلالي الرهبان . و القديس بينوفيوس ، كان يدرب ذاته علي أن يقوم في الدير بالخدمات الحقيرة التي لا يقبل عليها الكثيرون ، مثل تنظيف دورات المياه و كنس الدير ، و حمل القاذورات خارجاً ، و سائر عمليات التنظيف ...

و الآباء كانوا يقومون بهذه الخدمات في فرح ، بلا تذمر ...

بل كانوا يتطوعون لهذه الخدمة ، دون أن يطلبها منهم أحد ... و كانوا يقومون بها بكل تواضع قلب ، سعداء بخدمة اخوتهم . قديس يري رجلاً مجذوماً ، فيحمله إلي قلايته ، و يخدمه و ينفق عليه مدة ثلاث اشهر ، لكي ينال بركة خدمته . و ما أكثر الآباء ، الذين بصبر كثير ، فرغوا أنفسهم فترات طويلة لخدمة المرضي ، و خدمة الشيوخ ، كما فعل يوحنا القصير ، مع ابيه الشيخ الأنبا بموا ، في إحتمال عجيب ، حتي تنيح بسلام ، و نال بركته . و قال عنه الأنبا بموا " هذا ملاك لا إنسان " .و كان الآباء ، إن رأوا أحداً مرهقاً في عمل ، يمدون أيديهم في محبة ليحملوا العبْ عنه ، كما قال الرب " تعالوا إلي يا جميع المتعبين و الثقيلي الأحمال و أنا أريحكم " ( مت 11 : 28 ) .

محبة الخدمة :

و في الخدمة نراعي أمرين : محبة الخدمة ، و روح الخدمة .

فمن جهة محبة الخدمة ، يحب الشخص أن يعين كل من هو في حاجة ، و لا يستطيع أن يقوم بنفسه . و مع محبة القلب لكل المحتاجين و الإستعداد لمعونتهم ، قد يوجد تخصص في الخدمة : فهناك من يجد لذة في خدمة الأيتام بالذات ، و إعطائهم ما فقدوه من حنان الأبوة أو الأمومة . و هناك من يجد لذة في خدمة المرضي ، أو العجائز ، أو المسنين ، أو أطفال الحضانة ، أو المصدورين ، أو العائلات الفقيرة ، أو الطلبة المتغربين ، أو الفتيات المعرضات للضياع أو للإنحراف ...

ومحبة الخدمة تلازمه في بيته و في عمله ، و في كل مكان .

إن جلس علي المائدة ليأكل ، يطمئن أن الجالسين معه لا ينقصهم شئ ، فيحضر لهذا كوب ماء . و بقرب من ذاك الملح أو الخبز ... و إذا انتهي الطعام يساعد في ترتيب المائدة و حمل الأواني ، و لا يتركها ثقلاً علي الوالدة أو الأخت أو الزوجة . كذلك إن قام من فراشه ، يرتبه ، و إن خلع ملابسه ، لا يتركها مبعثرة هنا و هناك في إنتظار من يجمعها .

لأن هناك من له خطأ مزدوج : فهو من ناحية لا يخدم غيره. ومن ناحية أخري يترك نفسه ثقلاً علي الآخرين ليخدموه .

و الخادم الحقيقي إنسان حساس نحو إحتياجات الناس : يجلس و يدرس و يتأمل ، ماذا يحتاج غليه الغير ، و كيف يدبر لهم إحتياجاتهم . و هذا أيضاً هو عمل الراعي النشيط و الخادم الروحي الناجح ، الذي يدرس ما يحتاج إليه الناس ، يدبر المشروعات و الأنشطة التي تفي بكافة إحتياجاتهم روحية و مادية ، دون أن يطلبوا منه ذلك .

كثير منا من ينتقد الآخرين ، و قليلون من يهتمون بإصلاحهم .

النقد سهل يستطيعه كل أحد . و لكن إصلاح هؤلاء المخطئين ، هو العمل الروحي ، المملوء من المحبة العملية ، النافع للملكوت ، لأنه لا يحتاج الأصحاء إلي طبيب بل المرضي .

سهل أن تطرد ولداً شاذاً من فصلك . و المطلوب إصلاحه .

و لا شك أنها خدمة عميقة و لازمة ، أن يتفرغ البعض لخدمة الأطفال و الطلبة الشواذ . ما أعظم أجر هذه الخدمة عند الله !ما أجمل أن تخدم الأماكن التي لا يوجد فيها اسم المسيح علي الأطلاق ، أو أن تخدم الذين يسخرون من الدين و التدين ! أو الذين لا يخدموا الكنيسة قبلاً ، و لا يريدون ...غالبية الخدام يبحثون عن الخدمة السهلة المعدة ، و أن يدخلوا علي ما لم يتعبوا فيه ، و يبنوا علي اساس وضعه اَخر ... أما المجاهدين الكبار ، فهم الذين يتعبون في تاسيس خدمات غير موجودة ، و لا مانع أن يدخل خدام اَخرون علي تعبهم ... فهكذا فعل السيد المسيح ، و ترك لنا مثالاً لنعمل . قال الرب : الحصاد كثير ، و الفعلة قليلون . أطلبوا من رب الحصد أن يرسل فعلة لحصاده . وفي كل مكان نجد هذا الإحتياج . و لعلنا نقول : كان الفعلة قليلين في ذلك الزمان يا رب . اما الآن فلنا عشرات الآلاف من الخدام يعملون في كرمك . فهل مازالت تنطبق علينا عبارة " الفعلة قليلون " ؟!

نعم 0 الفعلة الذين لهم قوة الروح فى الخدمة قليلون 0

أقصد الفعلة الذىيعمل فيهم روح الله بقوة ، الذين لخدمتهم تأثيرها العميق وثمرها المتكاثر 0 لا شك فى أن هؤلاء قليلون 0 فالمسألة ليست مسألة عدد ، وإنما المهم هو وجود الخدام الذين لهم فاعلية وتأثير ، وقوة وروح 0 الذين فى افواهم كلمة الرب الحية الفعالة 0

فاعلية الخدمة

إن الإثني عشر لم يبدأوا الخدمة إلا بعد أن حل الروح القدس عليهم و نالوا قوة ( أع 1:8 ) ، و لبسوا قوة من العالي ( لو 24 :49 ) . حينئذ " إلي أقاصي المسكونة بلغت أصواتهم " و في كل الأرض خرج منطقهم " ( مز 19 : 4 ) ... اسطفانوس الشماس ، لأنه كان مملوءاً من الروح القدس و الحكمة ، لذلك لما وقفت أمامه ثلاثة مجامع فلسفية " لم يقدروا أن يقاوموا الحكمة و الروح الذي كان يتكلم به " ( أ‘ 6 ك 10 ) . و بفاعلية عمل الروح في العصر الرسولي " كانت كلمة الرب تنمو ، و عدد التلاميذ يتكاثر جداً في أورشليم ..." ( أ‘ 6 : 7 ) " كان الرب كل يوم يضم إلي الكنيسة الذين يخلصون " ( أع 2 : 47 ) " و الكنائس في جميع اليهودية و الجليل و السامرة ، كان لها سلام ، و كانت تبني و تسير في خوف الرب . و بتعزية الروح القدس كانت تتكاثر " ( أع 9 : 31 ) .

أما نحن فلنا عشرات الآلاف من المدرسين ، و لكن الخدام العاملين بالروح قليلون ...

تأملوا خادماً واحداً مثل بولس الرسول ...لاشك أن إختياره كان حادثاً خطيراً في الكنيسة . لقد تعب أكثر من جميع الرسل (1كو 15 : 10 ) . و تألم و جاهد أكثر من الكل " عدا الأهتمام بجميع الكنائس " و غيرته التي يقول فيها " من يعثر ، و أنا لا ألتهب ؟!" ( 2 كو 11 : 28 ، 29 ) . هذا الذي دعي " رسول الأمم " . ووصلت خدمته من أورشليم إلي أنطاكية إلي قبرص ، ثم إلي اَسياغ الصغري و بلاد اليونان ، و إلي رومه ... و كتب 14 رسالة ، و كرز و هو في السجن.

أننا مستعدون أن نستغني عن عشرات الآلاف من الخدام الذين معنا ، في مقابل بولس واحد ...

و ستكون خدمته أكثر فاعلية من الآلاف ... ربما نجد في أحد فروع الخدمة خمسين خادماً ، و لكن بلا حرارة في خدمتهم . ثم يلتحق بالخدمة خادم جديد ، فيحول الخدمة إلي لهيب نار بقوة الروح الذي فيه ... إن ألسنة النار التي حلت علي التلاميذ في يوم البندكستي ، أعطتهم لساناً نارياً و كلمات نارية ، و خدمة لها لهيب و فاعلية ، و حرارة في الروح ، و حرارة في الصلاة ، و حرارة في الحركة و الأسفار ...

إنها جمرات نار ، ظل العالم يتقاذفها ، حتي أشتعل العالم كله ناراً ، ألهبت القلوب بالإيمان ...

أنظروا ماذا فعل أوغسطينوس مثلاً ، حينما دخل في محيط الخدمة ... و كيف أن تأثيره لم يقتصر فقط علي جيله ، و إنما حتي الآن مازلنا نستفيد من تأملاته .. و تادرس تلميذ باخوميوس ، لما صار راهباً ، كم كان أعمق التأثير الذي أحدثه في الحياة الرهبانية في جميع الأديرة . و كذلك يوحنا القصير الذي قيل عنه إن الأسقيط كله كان معلقاً باصبعه ..

حقاً ، هناك أشخاص في كل جيل ، مميزون في خدمتهم . خدام من طراز خاص . كل منهم "معلم بين ربوة " ( نش 5 : 10 )

أما نحن الآن : فلنا خدام يخدمون الفصول العادية . و لكن الذين لهم قدرة علي خدمة إجتماعات الشبان و الشابات ،و الأسرات الجامعية ، و إعداد الخدام ، أو الذين يتكلمون في مؤتمرات الخدمة . فلا شك أنهم قليلون ...

و العجيب ، أنه علي الرغم من إحتياج الخدمة ، نجد خداماً يتشاجرون و يتنافسون في مكان للخدمة ، تاركين ميادين عديدة غير مخدومة .

في تشاجرهم و تنافسهم ، لا يعطون مثالاً عن روحانية الخدام ، بل يكونون عثرة ن إذ يفقدون روح المحبة و التعاون و إنكار الذات . و في نفس الوقت توجد مجالات عديدة تستوعب كل طاقة مستعدة للخدمة ، و هم يتجاهلونها ، من أجل محبتهم لمكان أو وضع بالذات ، دون محبة النفس البشرية أينما كان موضعها ...‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‌‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍

‍‍‍

مجالات الخدمة :

إننا لو أحببنا النفوس المحتاجة فى كل مكان ، ما تنافسنا مطلقاً على خدمة . فالميادين واسعة . والخدمة بذل وليست تنافساً .

الذى يتنافس فى الخدمة ، إنما تهمه ذاته وليس الخدمة . فإن كانت الخدمة تشغل كل قلبه ، فإنه يعمل على نجاحها بأية الطرق ، وعلى يد أى شخص غيره . فالمهم هو نجاح الخدمة .

والذى يحب الخدمة ، لايشكو إن ثقلت أعباؤها عليه .

بل هو على العكس يفرح بنمو الخدمة ، ويجد لذة فى أن يحمل أثقال الناس ، كما حمل المسيح أثقال العالم كله . ولذلك فإن هذا الخادم لايرفض أية خدمة تعرض عليه ، ولا يفضل خدمة على أخرى ، فيقبل هذه ويرفض تلك ..‍.

لأن هنا يبدو المزاج الخاص ، وليس الإهتمام بإحتياج الآخرين إن الخدمة تتسع للجميع . كل من يريد ، يجد مجالأ.

ما أجمل أن نجد مجالاً فى الخدمة للأشخاص الفاضلين الذين ‍" يحالون إلى المعاش " مستفيدين من وقت الفراغ الذى لهم ، ومن وقار السن ، ومن خبرة الحياة ، ومن مواهبهم ومقدراتهم المتعددة . كما أن الخدمة تعطيهم حيوية و نشاطاً ، و تشعرهم بأن رسالتهم في الحياة لم تنته ، و أن الكنيسة و المجتمع لا يستغنيان عنهم . فالخدمة تستفيد منهم ، و هم أيضاً يستفيدون منها .

كذلك توجد مجالات واسعة لخدمة النساء في الكنيسة .

سواء في مدارس الأحد ، أو الخدمة الإجتماعية ، أو الإشراف علي نظافة الكنيسة ، و علي تنظيم النساء فيها ... و المرأة يمكن أن تكرس للخدمة ، و تعمل عمل الشمامسة . و في هذا المجال يمكن أن تشرف علي خدمات معينة ، مثل دور الحضانة ،و خدمة المشاغل ، و ترتيب النساء في التناول ، و أثناء المعمودية . كما تخدم في إفتقاد العائلات ، و في زيارة المرضي ، و في مجال العزاء ، و في الإشراف علي بيوت الطالبات ، و علي بيوت المغتربات ...

حقاً كما قال الرب : في بيت أبي منازل كثيرة .

ليس فقط في البدية ، و إنما علي الأرض أيضاً ، يوجد منازل و منزلة لكل أحد في بيت الله ...

مميزات الخدمة الروحية :

1-حرارة الخدمة و إلتهابها :

إنها الخدمة الباذلة التي لا تقف عند حد ... مثلها قول الرسول " إذ الضرورة موضوعة علي ، فويل لي إن كنت لا أبشر ... أستعبدت نفسي للجميع ، لأربح الكثيرين ... صرت للضعفاء كضعيف ، لأربح الضعفاء . صرت للكل كل شئ ، لأخلص علي كل حال قوماً ... (1كو 9 : 16 – 22 ) .

2- الإفتقاد في الخدمة :

اَباؤنا الرسل لم يؤسسوا خدمات و يتركوها بلا متابعة . بل علي العكس ، كانوا يتابعون خدمتهم و يفتقدونها بشتى الوسائل : بالرسائل ، بتلاميذ من قبلهم ، كما كان بولس يوسل تيطس أو تيموثاوس ، و كثيراً ما كانوا يفتقدونهم بزيارات خاصة ، كما قال القديس بولس عبارته المملوءة محبة " لنرجع و نفتقد أخوتنا في كل مدينة نادينا فيها بكلمة الرب كيف هم " ( أع 15 : 36 ) .

3- خدمة مملوءة بالروح القدس :

و ما أجمل قول الكتاب في ذلك " و بقوة عظيمة كان الرسل يؤدون الشهادة بقيامة الرب يسوع . و نعمة عظيمة كانت علي جميعهم " ( أع 4 : 33 ) . من طبيعة الخدمة الروحية أنها قوية ، لأنها بالروح ... و لأن كلمة الرب " حية و فعالة ، و أمضي من كل سيف ذي حدين ..." ( عب 4 : 12 ) . و لذلك فإنها " لا تلاجع فارغة ، بل تعمل كل ما يسر الرب به ، و تنجح فيما يرسلها له (أش55 : 11 ) .

4- خدمة مملوءة حباً :

السيد المسيح " أحب خاصته ... حتي المنتهي " ( يو 13 ك 1 ) . و بنفس الحب خدمة الرسل . فلم تكن مجرد خدمة رسمية ...

الباب الثاني

قوة الخدمة

إن قوة الخدمة تكمن في عمق تأثيرها ، و ليس في كثرة المخدومين .

ليس المهم عدد السامعين ، بل عدد التائبين منهم .

نعم ، قوة الخدمة ليست في عدد التلاميذ ، إنما في عمق الإيمان الذي فيهم ... إن العظة قد يسمعها عدد كبير من الناس . و لكننا لا ندري كم هم الذين تأثروا بها ، و كم هم الذين حولوا هذا التأثير إلي حياة . و تحسب قوة العظة بمقدار الذين حولتهم إلي الحياة مع الله .و اجتماع الخدام لا تحسب قوته بعدد المحاضرات أو الخدام الحاضرين .

إنما قوة إجتماع الخدام هي في عدد ما ينتجه من المكرسين .

و الكنيسة التي لا تقدم مكرسين للخدمة ، أو للكهنوت أو للرهبنة ، بلا شك خدمتها ضعيفة . لأن الخدمة القوية هي خدمة ولود .. و هناك ملاحظة ، و هي أن الخدمة قد لا تاتي بنتيجة سريعة‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍!

و لكنها لابد أن تأتي بنتيجة ، و لو بعد حين ...

القديس بولس الرسول بكل عظمته الروحية ، و بكل قوته في الخدمة : لما تكلم في اثينا عاصمة اليونان استهزأوا به ، و تهكموا عليه قائلين " ماذا يريد هذا المهزار أن يقول ؟!(أع 17 : 18 ) ... و لم يخرج بنتيجة إلا بشخص واحد هو ديونسيوس الأريوباغي الذي صار اسقفاً لأثينا فيما بعد ... و لكن ما لبثت أثينا أن صارت كلها مسيحية بعد حين . السيد المسيح كانت له خدمة عامة وسط الجموع و الآلاف . و كانت له ايضاً خدمة وسط سبعين رسولاً .

و لكن كانت هناك خدمة مركزة وسط الأثني عشر . و هذه ظهرت قوتها العظيمة في نشر الإيمان .

هؤلاء الذين لا قول لهم و لا كلام ، غلي أقصي المسكونة بلغت اقوالهم ( مز 19 ) . و علي ايديهم كان ملكوت الله قد اتي بقوة ... و معهم أيضاً كانت القوة التي عمل بها القديس بولس بحسب النعمة اللمنوحة له . هذا الذي قال " قد تعبت أكثر من جميعهم . و لكن ليس أنا ، بل نعمة الله العاملة معي " ( 1 كو 15 : 10 ) . أتذكر إنني حينما كنت طالباً في الكلية الإكليريكية ، و كانت دفعتنا خمسة طلبة ،أن وقف أحد الأساتذة في حفل التخرج و قال :

نحن لا ندرس خمسة طلبة في الكلية ، و إنما خمس مدن.

كان يعتبر كل طالب منا مدينة ، اي أنه بعد التخرج سيتكرس خادماً للرب يتولي رعاية إحدي المدن . و للأسف لم يتكرس من دفعتنا سوي طالب واحد ..نعود إلي خدمة الآباء الرسل فنقول إن خدمتهم لم تكن تقاس بعدد الذين يسمعونهم ، وإنما يقول الكتاب في ذلك :

"وكان الرب في كل يوم يضم للكنيسة الذين يخلصون "(أع 2 : 47 ) .

نعم ، الذين يخلصون ، و ليس كل الذين يسمعون ... هنا قوة الكلمة التي تفتح الطريق إلي الخلاص .. و هكذا عندما توليت مسئوليتي الحاضرة ، بدأت بتقسيم الإيبارشيات لكي يكون كل أسقف مسئولً عن منطقة محددة يستطيع فيها أن يخدم منطقة مركزة ، تكون خدمته فيها قوية و مثمرة ... و قد كان ... في القديم كان المطارنة مسئولين عن إيبارشيات واسعة جداً ، لا يقوي المطران علي رعايتها كلها . أما الآن فكل أسقف يستطيع أن يزور كل مدينة و كل قرية في إيبارشيته ،و يرعي الجميع ...

و نفس الوضع نقوله بالنسبة إلى كل كاهن فى كنيسته ....

لم يكن صالحاً أن يكون أب كاهن وحده فى كنيسته ، يقوم برعاية عدة ألاف ، يبلغون فى بضع الكنائس خمسة عشر ألفاً أو أكثر . فكان لابد من سيامة كهنة جدد فى الكنائس تتوزع عليهم الخدمة ، فيقومون بها بجدية ، يهتمون بكل فرد ويقودونه إلى حياة التوبة والنقاوة .

فليست قوة الخدمة فى عدد التابعين لك ، وإنما فى عدد الذين توصلهم إلى معرفة الله ومحبته

بعض الطوائف قد يكثر عدد الحاضرين فى اجتماعاتها ، بسبب المعونات المادية التى تقدم لهم ، بينما لا يكون الإيمان ثابتاً فى قلوبهم ، فإن توقفت المعونات ، توقف الحضور إلى الكنيسة ‍‍‍!! فهل ندعو هذه خدمة ؟!.

وهناك كنائس تهتم بالأنشطة وليس بالروحيات !!

فتجد فى الكنيسة المشغل والمعرض لعمل السيدات ، وتجد النادى للشباب ، وبيتاً للمغتربين . وكذلك تجد بيتاً للمسنين ، مع عدد آخر من المشروعات ، دون الاهتمام بالحياة الروحية . ولكن حسناً قال الرب " وكان ينبغى أن تفعلوا هذه ولا تتركوا تلك " ( مت 23 : 23 ) .

أما الخدمة الروحية ، فهى الخدمة القوية فى تأثيرها .

بطرس الرسول بعظة واحدة فى يوم الخمسين ، قد جذب إلى الإيمان ثلاثة آلاف نفس ( أع 2 ) . وهذه القوة التى تميزت بها العظة ، كان سببها أن قائلها كان ممتلئاً بالروح القدس .

لم يقل الكتاب أن الناس تابوا نتيجة لعظته ، وإنما نخسوا فى قلوبهم وقبلوا الإيمان ، واعتمدوا . بينما وعاظ كثيرين يلقون آلاف العظات ، ولا يدخل فى الإيمان شخص واحد .....

بولس الرسول – وهو أسير – حينما كان يتكلم عن الابر والدينونة والتعفف ، ارتعب فيلكس الوالى (أع 24 : 25 )

السيد المسيح قال كلمة واحدة ، جعلت سامعها يترك كل شئ ويتبعه .

كان متى جالساً فى مكان الجباية ، فقال له السيد " اتبعنى " . فترك مكان الجباية وتبعه . ولم يقل له محاضرة فى التكريس ، وإنما كلمة واحدة ، ولكنها قوية فى تأثيرها وفى روحها جعلته يترك كل شئ ويتبعه .. وهكذا حينما قال لسمعان بطرس وإندراوس أخيه " هلما ورائى ، فأجعلكما صيادى الناس "

المهم هو عمق الكلمة ، وقوة تأثيرها .

وليس عدد العظات أو عدد المؤلفات ، أو كثرة الأنشطة أو كثرة المؤسسات .. هذه هى الخدمة التى نريدها : أشخاص لهم قوة الروح ، يكرزون كرازة لها قوة التأثير ، وكلمتهم لا ترجع إليهم فارغة ، بل تأتى بثمر ، وثمر كثير ....

ما هى إذن عناصر القوة فى الخدمة ؟.

هى مقدار ما فى الخدمة من عمق ، ومن حب وبذل . وأيضاً ما فيها من تأثير ، ومن قدرة على تغيير النفوس إلى أفضل .

ومن الأمثلة على القوة فى العمل ، ذهاب أبينا إبراهيم ليقدم إبنه الوحيد اسحق محرقة حسب أمر الرب له ...

لاشك أن أبانا إبراهيم قدم ذبائح لا نستطيع أن نحصيها ، فى كل مكان يذهب إليه . ولكن هذه الوحيدة هى التى لا يمكن أن تنسى وسط جميع ذبائحه . مع أنه كانت بمجرد النية و لم تتم !!

كانت هذه الذبيحة ( بالنية ) أعظم من جميع ذبائحه التي تمت فعلاً .

بل كانت أعظم من جميع الذبائح التي قدمها الناي طوال عصور التاريخ . و قد سجلها الكتاب ، كدرس للأجيال ، لأنها تحمل قوة لا يعبر عنها في الحب و البذل ، و في الطاعة و الإيمان ، و في ضبط النفس ...عمل اَخر له قوته ، هو تقديم الأرملة للفلسين . إنه مبلغ بسيط ، و لكنه كان من أ‘وازها . لذلك امتدحها الرب ، و اعتبر إنها قد أعطت أكثر من الجميع . القوة هنا هي نوعية العمل ، و ليس في كميته ... لأنها أعطت من أعوازها ، و هي محتاجة و فقيرة و أرملة .

و يمكن أن توجد للأرملة التي أعطت الفلسين ، أمثلة في الخدمة .

منها ذلك الخادم ، الذي لا يمكن أن يعتذر عن الخدمة ، و هو في أيام الامتحانات ، مع احتياجه لكل دقيقة للمذاكرة و المراجعة و الأستعداد للامتحانات... و لكنه يذهب إلي الخدمة . و لا ينسي له الله ذلك ابداً . لأن الوقت الذي أعطاه للخدمة ، قد أعطاه من أعوازه .. و مثله الذي يذهب إلي الخدمة . و هو مريض ، و محتاج إلي الراحة .و لكنه يبذل من هذه الراحة التي هي من أعوازه ، و يقدمها للخدمة . و بالمثل الموظف الفقير المحتاج ، الذي كل مرتبه لا يكفيه . و مع ذلك يقدم العشور ، و ربما يكون مديوناً وقتذاك .

إن العطاء من الأعواز ، يدل علي حب و إيمان :

حب للذين يعطيهم ، و لله الذي أعطي الوصية . و إيمان بأن الله لابد أن يعوض ، و يبارك القليل . كما يدل هذا العطاء أيضاً علي اإهتمام بالغير أكثر من الذات ، ففيه إذن إنكار للذات . و هكذا فعلت أرمله صرفة صيدا ، حينما قدمت قليل الدقيق و الزيت الذي عندها لإيليا النبي ، أثناء المجاعة ...

قوة العمل تظهر ايضاً في قصة داود أمام جليات . . .

إن حروباً كثيرة عرفها العالم و سجلها التاريخ .و لكن لا يوجد فيها كلها ما يماثل جرب داود مع جليات ... كان داود طفلاً بالقياس لذلك الجبار . لم تكن له قوته و لا اسلحته ،و لا خبرته في الحروب ، ذلك الذي خاف منه كل الجيش ...

و لكن قوة داود كانت في غيرته و في إيمانه ...

غيرته في قوله " من هو هذا الأغلف حتي يعير شعب الله ؟! " و أيضاً في قوله " أنا أذهب و أحاربه " ... أما إيمانه ففي قوله لذلك الجبار " اليوم يحبسك الرب في يدي " " أنت تأتيني بسيف و رمح ،و أنا اَتيك باسم رب الجنود ..."من أجل قوة داود – في غيرته و إيمانه – هتفت النسوة قائلات "ضرب شاول ألوفه ، و داود ربواته " .. فما هي تلك الربوات ؟

كانت هذه المرة الوحيدة في حروب داود تساوي ربوات ...

كم من حرب خاضها داود ، و كم كانت له من انتصارات ، فيما بعد وهو قائد عظيم . و لكنها كلها لا تقاس بتلك الحصاة الملساء التي إرتكزت بإيمانه في رأس جليات ... كانت تساوي ربوات ، غذ كان لها عمق معين ، في غيرته التي لم تقبل تعييرات ذلك الجبار . كذلك كان هناك عمق اَخر في عدم خوفه ن و عدم رهبته للموقف ، بل تقدمه للصفوف بمقلاعه و حصوته بكل إيمان أن الله سيدفع الجبار إلي يده ، إلي يده الصغيرة الملساء مثل حصاته ...! حقاً هذه قوة ...ليست مجرد العمل ، بل القوة التي فيه ، الإيمان الذي فيه ...

قوة الخدمة قد تظهر أيضاً في نتائجها :

مثل قوة القديس أثناسيوس الرسولي في الدفاع عن الإيمان . و كيف أنه استطاع أن يحول دفة الموقف كله . و كما قال عنه القديس جيروم : " مر وقت كاد فيه العالم كله أن يصبح أريوسياً ، لولا أثناسيوس " ... و بالمثل نقول عن قوة حياة القديس أنطونيوس الكبير ، التي جذبت بتأثيرها الكثيرين ، حتي إنتشرت تلك الحياة الملائكة في العالم أجمع ...

هناك خدمة قوية ،و لا يلاحظها الناس ، لأنها في الخفاء .

قد يكون هناك اجتماع ناجح ، و تلقي فيه عظة قوية لها تأثير عميق . و ربما يكون سبب هذا النجاح كله ، اجتماع صلاة من اجل الاجتماع . ركب منحنية أمام الله تصلي من أجل أن يمنح الله كلمة للواعظ و استجابة من المستمعين ... هؤلاء المصلون لا يراهم أحد ، و لكنهم يمثلون قوة في الخفاء ...

الناس يعجبون بالنجف الساطع الضياء ، و لا يرون الموتور المولد للكهرباء !

و يمتدحون الضياء الذي يرونه ، و لا يذكرون إطلاقاً المولد الكهربائي الذي هو سبب القوة . لكنه يعمل في الخفاء . إنها خدمة الأساس المخفي و ليس البناء الظاهر .و كم من خدمات قوية جداً تعمل في الخفاء ، و لا يراها أحد ، مثل إرجاع مرتد إلي الإيمان ، أو هداية فتاة منحلة ، أو مصالحة اسرة متخاصمة . إنها خدمة في الخفاء ، و لكنها قوية . و قد تكون وراءها خدمة أخري قوية ،و في الخفاء . و هي قداس مرفوع لأجلها ، و له قوته ...

هناك نوع اَخر من الخدمة القوية غير الظاهرة و هي الخدمة الفردية .

الناس دائماً يمتدحون الاجتماعات العامة القوية . و نادراً ما يلتفتون إلي الخدمة الفردية التي قد تكون أكثر وقعاً و تأثيراً و تأتي بنتيجة قوية في القيادة إلي الملكوت .و تدخل فيها أيضاً خدمة الافتقاد ،و الجلسة الروحية بين أحد الآباء الكهنة و أسرة من رعيته . تري لو خيرت بين إلقاء عظة في اجتماع يحضره المئات ، و خدمة فردية لشاب ضال ، أيهما تختار ؟ لعازر الدمشقي سافر في خدمة هامة لإختيار زوجة لاسحق أصبحت جدة للمسيح . و قد يسر الله طريقه . و لاشك أن ابانا ابراهيم كان يصلي بحرارة من أجل ذلك . و هناك نسأل :

أكان نجاح المهمة بسبب صلاة أبينا إبراهيم ، أم بإخلاص لعازر الدمشقي ؟

قطعاً كان النجاح بكليهما : بالعمل الظاهر للعازر في أمانته و محبته لسيده ن و في العمل المخفي لإبراهيم . و قبل كل شئ لنعمة الله الذي " يسر طريقه ، تتحد قوة العمل و قوة الصلاة .

هناك نوع اَخر من الخدمة القوية ، و هو خدمة القدوة و البركة .

خدمة القدوة هي خدمة صامته ، و لكنها ذات تاثير أقوي من خدمة الكلمة ، لأنه تقدم النموذج العملي للحياة الروحية ، و هو بلا شك أقوي من مجرد الكلام عن تلك الحياة ... أما خدمة البركة ، فتتجلي في حياة أولئك الذين كانوا بركة في أجيالهم ، و قال الرب أثناء شفاعة ابراهيم في مدينة سادوم "إن وجد عشرة (أبرار ) ، لا أهلك المدينة من أجل العشرة " ( تك 18 ) . لم يقل إن صلي هؤلاء العشرة من أجل المدينة ، و إنما إن وجدوا ، مجرد وجودهم هو خدمة كبيرة لأجل المدينة ... لا يهلكهم الرب لأجلهم ... كان إيليا بركة في بيت أرملة صرفة صيدا .و كان أليشع بركة في بيت . و كان يوسف الصديق بركة في أرض مصر . بل كان نوح بركة للعالم كله . من اجله استبقي الله

حياة للبشر استمرت علي الأرض .

الباب الثالث

النمو في الخدمة

في الواقع أن النمو هو شرط أساسي من شروط الخدمة الناجحة . فالخدمة الروحية هي خدمة دائمة النمو . و نمو الخدمة له مظاهر متعددة . فهو نمو في العدد ، سواء بالنسبة إلي الخدام أو المخدومين . و كذلك في تفاصيل الخدمة و في نوعيتها . كما أنه أيضاً نمو في الروح . و لنبدأ بالنمو في العدد :

النمو في العدد :

و لعل أبرز مثال لذلك هو خدمة السيد المسيح و رسله القديسين .

بدأ السيد المسيح بإثني عشر تلميذاً ( مت 10 ) ثم بسبعين اَخرين ( لو 10 ) نسمع عم مائة و عشرين يوم اختيار متياس ( أع 1 : 15 ) . و نسمع أيضاً عن أكثر من خمسمائة أخ ظهر لهم السيد دفعة واحدة بعد قيامته ( 1 كو 15 : 6 ) . كم نعرف أنه كانت تزحمه الجموع ، و الآف5 كانوا يسمعونه ( يو 6 : 10 ) .

و إزداد العدد ، فاعتمد ثلاثة اَلاف في يوم الخمسين ( أع 2 : 41 )

و بعد شفاء الرجل الأعرج علي باب الجميل ، اَمن كثيرون " و صار عدد الرجال نحو خمسة اَلاف " ( أع4 : 4 ) . و استمر النمو حتي يقول الكتاب فيما بعد " و كان مؤمنون ينضمون إلي الرب أكثر ، جماهير من رجال و نساء " ( أع 5 : 14 ) .

بل في كل يوم ، كان ينضم إلي الكنيسة مؤمنون جدد .

و في ذلك يروي سفر أعمال الرسل فيقول " و كان الرب في كل يوم يضم إلي الكنيسة الذين يخلصون " (أع 2 : 47 ) . و يتطور الأمر حتي قيل وقت اختيار الشمامسة السبعة " و كانت كلمة الرب تنمو ، و عدد التلاميذ يتكاثر جداً في أورشليم ، و جمهور كثير من الكهنة يطيعون الإيمان " ( أع 6 : 7 ) ؟

ثم بعد ذلك نسمع عن إنضمام مدن و شعوب .

ليس فقط في أورشليم ، و إنما أيضاً في كل اليهودية و الجليل و السامرة . حتي الذين تشتتوا من جراء الإضطهاد ، " جالوا مبشرين بالكلمة " ( أع 8 ك 4 ) . و إذا بالسامرة قد اَمنت ، و أرسل إليها مجمع الرسل بطرس و يوحنا لكي يمنحاهم الروح القدس بعد أن اعتمدوا ( أع 8 : 14 – 17 ) . و يسجل سفر أعمال الرسل عبارة جميلة جداً عن هذا النمو يقول فيها :

" و أما الكنائس في جميع اليهودية و الجليل و السامرة ، فكان لها سلام ، و كانت تبني و تسير في خوف الرب . و بتعزية الروح القدس كانت تتكاثر " ( أع 9 : 31 ) .

و انتقل العمل الكرازي إلي " فينيقية و قبرص و أنطاكية " " و اَمن عدد كثير و رجعوا إلي الرب " . " و اجتمع برنابا و شاول في الكنيسة في أنطاكية سنة كاملة ، و علما جمعاً غفيراً . و دعي التلاميذ مسيحيين في أنطاكية أولاً " ( أع 11 : 19 – 26 ) . و بنشاط القديس بولس الرسول و مساعديه إزداد نموالكنيسة ، و انظم إليها كثيرون من بلاد اليونان ، في مكدونية ، في تسالونيكي ، و فيلبي ، و بيريه ،و غير ذلك " فاَمن كثيرون منهم ، و من النساء اليونانيات الشريفات ، و من الرجال عدد ليس بقليل " ( أع 17 : 12 ) . ثم انتقل الإيمان إلي أثينا ( أع 17 ) .

و انتقل الإيمان إلي رومه ، حيث ذهب إليها القديس بولس و بشرها .

و هناك " اقام بولس سنتين كاملتين في بيت استأجره لنفسه . و كان يقبل جميع الذين يدخلون إليه ، كارزاً بملكوت الله ، و معلماً بامر الرب يسوع المسيح ، بكل مجاهرة بلا مانع " ( أع 28 : 30 ، 31 ) . و ذهبت الكرازة إلي مصر و الشرق ، و هكذا إزداد النمو عددياً و جغرافيا ، و تحققت فيهم نبوءة المزمور :

" في كل الرض خرج منطقهم ، و إلي أقصي المسكونة كلماتهم " ( مز 19 : 4 ) .

و استطاعت كنيسة الرسل في حوالي 35 سنة بعد القيامة ، أن تنفذ وصية السيد المسيح الذي قال لتلاميذه " و تكونون لي شهوداً في أورشليم ، و في كل اليهودية و السامرة ، و إلي اقصي الأرض " ( أع 1 : 8 ) . و أيضاً قوله لهم " اذهبوا و تلمذوا جميع الأمم و عمدوهم ... " ( مت 28 ك 19 ) . " اذهبوا إلي العالم أجمع ، و أكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها " ( مر 16 ك 15 ) .

و قد نجحوا في ذلك ، علي الرغم من كل المقاومات ...

سواء مقاومات اليهود و مؤامراتهم ، و القائهم في السجون ، أو مقاومات مجامع الفلاسفة ( أع 6 ك 9 ) ... أو محاكمات الدولة الرومانية . و علي الرغم من الإضطهادات المريرة و عصور الإستشهاد القاسية ،و علي الرغم أيضاً من قلة الإمكانيات التي كانت لهم . نقول هذا لنعاتب ، ليس فقط الذين توقف نموهم ، بل نقص عددهم في بعض المناطق بنمو عمل الطوائف الأخري و أنشطتهم و إغراءاتهم ‍‍

كل من تقابله ، كلمه لتجذبه إلي الله أرثوذكسياً كان أو غير ارثوذكسي .

اذهب و الق بذارك علي كل أرض ، كما في مثل الزراع الذي ألقي البذار ، ليس فقط علي الأرض الجيدة ، و إنما حتي علي الأرض المحجرة و الأرض المليئة بالشوك ، و الأرض التي ليس لها عمق ( مت 13 :3 –9) . و في عملك كخادم ، اذكر الرمز في كلمة الرب التي قالها منذ بدء الخليقة ، و في ايام نوح :

"اثمروا و اكثروا و املأوا الأرض ، و اخضعوها " ( تك 1 : 28 ) .(تك 9 : 1 ) .

و لا تؤخذ هذه الآية من الناحية الجسدانية أو المادية فقط ..، و إنما بمعناها الروحي أيضاً ... و عبارة " اخضعوها " في (تك 1 : 28 ) . تعني من الناحية الروحية " اخضعوها لكلمة الله ، أو لوصيته ز و هكذا نصلي كل يوم قائلين في المزمور " فلتعترف لك الشعوب يا الله ، فلتعترف لك الشعوب كلها ... ليعرف في الأرض طريقك ، و في جميع الأمم خلاصك " ( مز 67 : 2 ، 3 ) . و العجيب أن داود النبي صلي هذا المزمور في وقت كان اليهود فيه ينادون بأنهم شعب الله المختار‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍، و لكنه صلي من أجل الشعوب ، و من أجل خلاص الأمم كلها ... ألعلها كانت نبوءة عن خلاص الأمم ؟ أو هي معرفة نبوية بمحبة الله لكل الشعوب ، و إنتشار الإيمان بين الكل ...‍‍‍

أمثلة للنمو : ‍‍

*أعطانا الرب فكرة عن ذلك في مثل " حبة الخردل " ، غذ قال : " يشبه ملكوت السموات حبة خردل . أخذها إنسان و زرعها في حقله . و لكن متي نمت ، فهي أكبر البقول ، و تصير شجرة . حتي أن طيور السماء تأتي و تتاَوي في أغصانها " ( مت 13 : 31 ، 32 ) .

إن مثل البذرة النامية يبكتنا كثيراً في خدمتنا .

كيف أن بذرة صغيرة تصير شجرة عظيمة ، بنموها ... و أنت ايها الخادم ، هل نموت وزدت نمواً حتي تاَوت الطيور في أغصانك ؟ أم لا تزال بذرة في الأرض ؟‍

*مثال اَخر قال الرب في ( مر 4 : 26 – 28 ) :" هكذا ملكوت الله : كأن إنساناً يلقي البذار علي الأرض . و ينام و يقوم ، ليلاً و نهاراً ، و البذار يطلع و ينمو ، و هو لا يعلم كيف ؟ لأن الأرض من ذاتها تأتي بثمر " أولاً نباتاً ، ثم سنبلاً ، ثم قمحاً ملآن في السنبل " ( مر 4 ) ... فهل خدمتك التي بدأت كحبة قمح ، اصبحت سنابل ملآنة ، و أنت لا تعلم كيف ، لأن روح الله قد عمل فيها بعد أن ألقيت بذارك ، و أصبح النبات ينمو من ذاته و يأتي بثمر .

*مثال ثالث هو الزرع الجيد ، الذي أتي بثمر ، ثلاثين و ستين و مائة ( مت 13 : 23 ) . أما مرقس الرسول فيقول عن هذا النوع من الزرع " و سقط اَخر في الأرض الجيدة ، فأعطي ثمراً يصعد و ينمو ، فأتي واحد بثلاثين ، و اَخر بستين ، و اَخر بمائة " ( مر 4 ك 8 ) . جميلة هنا عبارة " أعطي ثمراً يصعد و ينمو " ...

*مثال رابع هو زنابق الحقل ( مت 6 : 28 ، 29 ). لست أتكلم هنا عن جمال زنابق الحقل ، التي و لا سليمان في كل مجده كان يلبس كواحدة منها . و لست أقصد التركيز علي الإيمان في كيف أن الله قد ألبسها هذا الجمال ، إنما ألفت النظر هنا إلي قول الرب عن هذه الزنابق :

"تأملوا زنابق الحقل كيف تنمو ..." ( مت 6 : 28 ) .

ألا نأخذ درساً من هذه الزنبقة البسيطة ، كيف تنمو فنتمتع نحن بجمالها و رائحتها ... بل ليست الزنبقة فقط ، إنما كل شجرة تنمو ، سواء الجزء الظاهر لنا منها فوق سطح الأرض ، بل أيضاً جذورها المخفاة تنمو ... و هنا نقول لك ملاحظة أخري ، إلهية و كتابية ، و هي :

كلما تنمو و تأتي بثمر ، ينقيك الرب لتأتي بثمر أكثر .

و هكذا يقو الرب عن الكرمة و الأغصان " أنا الكرمة و أبي الكرام . كل غصن في لا يأتي بثمر ينزعه . و كل ما يأتي بثمر ينقيه ليأتي بثمر أكثر " ( يو 15 : 1 ، 2 ) .

*مثال اَخر في النمو هو النخلة و الأرز ، حيث يقول الكتاب :

" الصديق كالنخلة يزهو ، كالأرز في لبنان يعلو " ( مز 92 : 12 ) .

هل رأيت النخل و الأرز ، كيف ينمو ،و يزهو ، و يعلو ؟ إن كنت صديقاً فافعل هكذا ، سواء في روحياتك أو في خدمتك ...هنا ننتقل إلي نوع اَخر من النمو ، هو النمو الروحي .

النمو الروحي :

يقول الأب الكاهن في أوشية الإجتماعات في القداس الإلهي " و أما شعبك فليكن بالبركة ألوف ألوف ، و ربوات ربوات ، يصنعون مشيئتك "...

ليس المهم هو الألوف و الربوات ، و إنما عبارة " يصنعون مشيئتك ".

و لسنا نقصد بنمو الخدمة مجرد النمو العددي ن إنما بالحري النمو الروحي . و هكذا في بدء كنيسة الرسل نري هذا المبدأ واضحاً في قول الكتاب " و كان الرب في كل يوم يضم إلي الكنيسة الذين يخلصون "(أع 2 : 47 ) ... إذن ليس مجرد إنضمام أشخاص جدد هو الذي يمثل عضوية الكنيسة ، إنما الذين يخلصون . لهذا جاهدوا من أجل النمو في الخدمة ، و اذكروا قول الرسول " غذن يا إخوتي الأحباء ، كونوا راسخين غير متزعزعين ، مكثرين في عمل الرب كل حين ، عالمين أن تعبكم ليس باطلاً في الرب " ( 1 كو 15 ك 58 ) .

النمو في الخدمة هو إذن وصية إنجيلية .

القديس بولس الرسول يقول " مكثرين في عمل الرب كل حين " و السيد الرب نفسه يقول " اثمروا و اكثروا و املأوا الأرض " و أيضاً " أكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها " . فما مدي مساهمتك في نمو هذه الخدمة ؟ لتكن خدمتك إذن نامية عددياً و جغرافياً و روحياً . إن لم تزد خدمتك في العدد ، فلا تجعلها تقل . و اعطها عمقاً روحياً في العدد القليل ، حتي لو كان مجرد أفراد أسرتك . قل حينئذ مع يشوع النبي " أما أنا و بيتي ، فنعبد الرب " ( يش 24 : 15 )

إذن لا يكفي نمو عدد الذين يدخلون إلي الكنيسة ، بل يجب أن ينمو عددد الذين يتوبون و يعترفون و يتناولون .

لا تفرح فقط بازدياد عدد الذين ينضمون تلاميذ إلي فصلك ، بل بالحري الذين ينضمون منهم إلي ملكوت الله .

ولا تفرح فقط بالذين يستمعون إلى دروسك ، بل بالحرى الذين يعملون بها وينفذون وصايا الله . كما قال السيد المسيح فى خاتمة عظته على الجبل " من يسمع أقوالى ويعمل بها ، أشبه برجل عاقل بنى بيته على الصخر .... " ( مت 7 : 24 ) . ولذلك نصلى نحن فى أوشية الإنحيل ونقول للرب " أجعلنا كلنا يا سيدنا أن نسمع ونعمل بأناجيلك المقدسة ... "

إن النمو فى المعرفة لا يكفى ، بل يجب أن يكون النمو في العمل بالأكثر .

لقد قال أيوب الصديق للرب " بسمع الأذن قد سمعت عنك . و الآن رأتك عيناي " ( أي 42 : 5 ) . إذن لا نقف عند عبارة " سمعت عنك " ، إنما يجب أن نتدرج منها إلي عبارة " رأتك عيناي " أو إلي قول المرتل في المزمور " ذوقوا و أنظروا ما أطيب الرب " ( مز 34 : 8 ).

هنا في النمو الروحي لمخدوميك ، ينتقلون من السمع إلي الرؤية إلي المذاقة .

النمو في الخدمة (2)

النمو في الخدمة له مجالات متعددة جداً ، و خصائص يمكن أن نعرض لها ، و نلخصها في بعض نقاط :

مجالات النمو :

1-نمو في عدد التلاميذ و الفصول ، و قد تحدثنا قبلاً عن النمو العددي .

2-نمو في الإفتقاد ، بحث يشمل كل أحد . و يتدرج من افتقاد الغائبين ، إلي افتقاد حالات المخدومين في احتياجاتهم المادية و الروحية . و من افتقاد الطلبة في مدارس الاحد ، إلي تحويلعائلاتهم إلي أن يفتقدهم الأب الكاهن .

3-نمو في تنظيم الخدمة . و يمكن في ذلك استخدام الكمبيوتر

4-نمو في إنتشار الخدمة بحيث تشمل القري ،و الأحياء الفقيرة و المساكن العشوائية .ذلك لأن كثيراً من الفروع تهتم بالعواصم و المدن ، و لا تعطي نفس الإهتمام للريف و للمجتمعات الجديدة و لأحياء أخري مهملة . أو قد تهتم بمنطقة الكنيسة ، دون المناطق الأخري المجاورة ...

5-النمو في خدمة كل النوعيات :

فلا تكتفي مدارس التربية الكنسية بخدمة طلبة المدارس ، إنما ينبغي أن تتدرج الخدمة حتي تشمل طبقات من العمال و الصناع ، و توجد برامج خاصة بهم . و كذلك خدمة الأميين و الذين لم يكملوا تعليمهم . مع خدمة البعيدين تماماً عن الكنيسة ، و الذين ليس لهم أحد يذكرهم .

6-النمو في استخدام وسائل الإيضاح :

و نقصد كل ما يمكن استخدامه من الوسائل السمعية و البصرية ... فنحن لا ننكر أهمية المسرحيات و الأفلام الدينية ، و مدي تأثيرها علي الشباب بل و علي الكبار أيضاً . و قد بدأت هذه الحركة الفنية ، و صدرت بعض أفلام عن حياة قديسين و قديسات .و لكن المر يحتاج إلي اهتمام أكبر . و يمكن تصوير كل المسرحيات الدينية الناجحة التي تقوم بها بعض الفروع ، ثم نشرها و تعميم استخدامها . ثم نشر فكرة هذه المسارح في كافة الإيبارشيات . و ضم هذه الرسائل التعليمية في خدمة القري و الأحياء الفقيرة . و يستحسن تكوين لجنة خاصة بهذا النشاط .

7-النمو في الإهتمام بالمكتبات:

لقد تأسست مكتبات للخدمة فى كافة الكنائس تقريباً 0 ولكن غالبيتها خاص بالكبار فقط 0 و يجب أن نمو هذه المكتبات لنشر المعرفة الدينية لكل من مراحل السن ، وبخاصة مرحلة الطفولة التى تحتاج إلى مكتبة خاصة فى كل كنيسة 0

وأتذكر أننى فى سنة 1953 كنت قد أصدرت مجلة للأطفال باسم ( مجلة مدارس الأحد المصورة ) 0 ثم ترهبنت فى العام التالى 0 زإذا بتلك المجلة قد تحولت إلى مجلة للكبار 0 و توقف ذلك العمل التربوى الهام 0 وأرجو بنعمة الله أن أعيده للصدور مرة أخرى بالإستعانة بعدد كبير من المهتمين بالكتابة للأطفال ، و بتأليف القصص و الأناشيد لهم 0

هذا و قد افتتحنا مكتبة للأطفال فى المقر البابوى بالقاهرة ، أحب أن يكون لها مثيل فى كل إيبارشية 0 لأن مرحلة الطفولة هى المرحلة التأسيسية فى حياة كل إنسان ، ويجب أن نهتم جميعا بها 00

8-النمو فى العناية بالخدام أنفسهم وبفصول إعداد الخدام

إنه أمر خطير ، أن يبدأ الخدام عملهم فى الخدمة بدون أعداد كاف 0 و يحتاج الأمر غلى أن تنمو الكنيسة فى إعداد خدامها ، بحيث يكون إعداد الخدام شاملا إلى نواح إيجابية تختص بالعقيدة و الكتاب و الطقس و الروحانية و المعلومات التربوية ، و كذلك الرد على السلبيات التى توجه إلى هذا كله بحيث يعرف الخادم الرد على كل شك و كل بدعة

و حتى الخدام الذين يخدمون حاليا يحتاجون إلى تنشيط معلوماتهم بمناهج تسمى refreshing courses . مع مناهج أخري أعلي advancing courses و تستمر هذه المناهج ن بحيث لا يفقد الخادم روح التلمذة عنده .

9-كذلك ينبغي أن يدرك النمو اجتماعات الخدام .

إذ أن بعض الفروع تجعل اجتماعات الخدام بهدف تعليمات للخدام عن أنشطة معينة ، أو أخبار رحلات أو حفلات و ما اشبه . أو تصبح اجتماعات الخدام مجالاً للحوار و النقاش الذي لا يفيد بل قد يعثر . يجب ان تنمو هذه الإجتماعات في الروح و في المعرفة ، بحيث تفيد كل خادم ، القديم و الجديد ، و تكون منشطة لهم روحياً و علمياً . هذا و قد اصدرنا لكم حتي الآن ستة كتب في الخدمة . و أرجو أن أتابع الكتب الخاصة بالخدمة .

10- النمو في العناية بالشباب .

لأن ظاهرة واضحة توجد في كثير من الفروع . و هي أن عدد الطلبة الذي يكون كبيراً بشكل واضح في فصول المرحلة الإبتدائية ، يظل يتناقص بالتدريج في المرحلتين الإعدادية و الثانوية . و يصبح قليلاً جداً بالنسبة إلي شباب ثانوي و شباب الجامعة . و هذا أمر له خطورته ، و يحتاج بلا شك إلي علاج ... و ربما من الأسباب ، ضعف المعلومات التي تقدم لتلك المرحلة ، أو إلي عدم كفاية المدرسين الذين يشبعون تلك السن ... و لقد أصدرت اللجنة العليا للتربية الكنسية منهجاً مناسباً للمرحلة الثانوية ، و زودته بالكتب المنهجية لمنفعة المدرس من جهة ، و لتوحيد الفكر التعليمي من جهة أخري . و بقي موضوع المدرسين و المتكلمين .

11- النمو في الإهتمام بإعداد المتكلمين .

كلما ينمو الإنسان في السن و المعرفة ، يحتاج إلي مستوي من التدريس أعلي و أعمق ، يمكنه أن يعطيه ما ليس عنده ، و ما يحتاج إليه من معرفة . و من هنا كنا نحتاج إلي مستوي عال من المتكلمين لإجتماعات الأسرات الجامعية ، و لفصول ثانوي و جامعة في مدارس الأحد . و لإعداد هؤلاء أهتممنا بالقسم الليلي الجامعي في الكلية الإكليريكيةو قد إزداد عددهم جداً ، فوصلوا إلي المئات في الإكليريكية الأم بالقاهرة ، بالإضافة الي مئات أخري في فروعها بالوجهين القبلي و البحري . بالإضافة الي ماتقوم به أسقفية الشباب بمؤتمراتها و خدامها و أنشطتها . و المر يحتاج الي مزيد من الإهتمام بموضوع المتكلمين و إعدادهم . و يجب علي المتكلمين المعروفين أن يزدادوا في معرفتهم .و كذلك أن يكون عندهم الإلتزام الكافي في الحضور و عدم التغيب ، و في إعداد موضوعاتهم .و من اجل الإهتمام بالمتكلمين ، و النمو بالمعرفة عموماً ، قمنا بمشروع جديد :

12- مشروع الميكروفيلم و الميكروفيش :

أنشأنا هذا المشروع بنعمة الله الذي كلفنا حتي الآن أزيد من نصف مليون جنيه .و من فوائده في الخدمة أنه يمكننا به أن ننتج كميات من الميكروفيلم و الميكروفيش لجميع مخطوطاتنا في الديرة ،و في الكنائس القديمة ،و في مكتبة البطريركية ،وغير ذلك ...و لكي نزود بنسخ منها مكتبات أديرتنا ، و معاهدنا الدينية ، و كنائس المهجر ، و بعض الكنائس الكبيرة ، و مكتبات المطرانيات في كل إيبارشية .و بهذا تصبح المراجع موجودة و متوفرة لدي كل دارس ، بهدف نمو معرفته و تعمقها ، مع نشر المعرفة القبطية في كل كنائسنا بالمهجر و لاشك أن هذا نمو جديد في نشر المعرفة الدينية . كما أننا بهذا ، يمكننا تبادل الميكروفيلم و الميكروفيش مع مكتبات العالم و جامعاته التي تحتفظ هي أيضا بعدد كبير من مخطوطاتنا القبطية .

13- النمو في انشطة الخدمة :

توجد فروع للخدمة تقتصر علي التدريس فقط . و فروع أخري لها أنشطة كثيرة . و هدف النمو في الخدمة هو نشر أنشطتها في كل مكان .و قد توجد فروع لها الروح و الرغبة ،و ليست لها الإمكانيات التي تساعدها علي تنشيط الخدمة ز و هذا الأمر يحتاج إلي افتقاد الفروع ، و إلي معرفة احتياجاتها ، و توفير هذه الإحتياجات لها . وبنعمة الله سوف أعمل على تكوين لجنة من الخدام المعروفين لافتقاد فروع الخدمة ، مع تحديد موعد شهرى للإلتقاء بالخدام فى النقر البابوى لأدرس معهم شئون الخدمة واحتياجاتها ، والعمل على نموها ونهوضها .

14- البحث عن المفقودين :

سواء من المخدومين أو الخدام ، و البحث عن اسباب فقدهم ، و عمل كل ما يمكن من أجلهم .

15- النمو في روحيات الخدام :

ذلك لأنه كلما نما الخادم روحياً ، علي هذا القدر تنمو ايضاً روحيات المخدومين معه .و كلما هبط مستواه ، يحدرهم معه إلي أسفل .هذا الأمر يعالجه الخادم مع نفسه ومع أب إعترافه . كما أن كل فرع خدمة ينبغي أيضاً أن يراعي روحيات خدامه . فللخادم شروط روحية يجب أن يتصف بها كل خادم ز و علي الكنيسة أن تراقب هذا الأمر . وعلي كل الكنيسة أن تراقب هذا الأمر . و علي كل خادم و كل فرع ، أن يقوم بتقييم خدمته evaluation و يدرس عوامل الضعف ، أو مظاهره ، لكي يتفاداها فتنمو خدمته .

16- النمو في التكريس :

التكريس هو مقياس اَخر من مقاييس النمو في الخدمة . و كلما دخل الإنسان في مجال محبة الله و خدمته ، كلما إزدادت رغبته في توفير وقت أزيد للخدمة . و غذ ما نما في ذلك ، كلما إتجه إلي تقديم وقته كله للرب . و هكذا يدخل في نطاق التكريس . سواء كخادم أو كاهن أو راهب ... و مع حاجة الكنائس إلي عدد كبير من الكهنة يسامون لخدمتها ، نلاحظ أن بعض فروع الخدمة لا يوجد فيها من يصلح لتقديمه لخدمة الكهنوت ! و هذا أمر يؤسف له جداً ، لأنه يدل علي أن النمو قد توقف فيها عند حد مدرسي الفصول ...!!هذه الفروع بالذات تحتاج إلي عناية خاصة ، و إلي تقييم خدمتها و معرفة أسباب توقف نموها ، و علاج ذلك .

الباب الرابع

التعب فى الخدمة

كل واحد سيأخذ أجرته بحسب تعبه (1كو 3 :8 )

و لسنا نقصد هنا تعب العالم الباطل ، بل التعب لأجل الملكوت. أما تعب العالم الباطل ، فهو يشبه تعب سليمان في أمور الرفاهية و الغني ، حيث قال بعد ذلك " ثم التفت أنا إلي كل أعمالي التي عملتها يداي ، و إلي التعب الذي تعبته في عمله ، فإذا الكل باطل و قبض الريح ، و لا منفعة تحت الشمس " ( جا 2 : 11 ) . أما التعب الذي تتعبه لأجل الله ، فهو تعبك من أجل خلاص نفسك ، و من أجل بناء الملكوت .و سوف نركز الآن علي هذا التعب في الخدمة .

إن كل تعب تتعبه من أجل الله ، هو محفوظ لك في ملكوته .

بقدر ما تتعب هنا ، ترتاح في الأبدية . و بقدر ما تحتمل هنا سوف تتنعم هناك . و كما قال أيوب الصديق " هناك يستريح المتعبون " (أي 3 : 17 ) . و بحسب تعبك لأجل الله : علي الأرض يحسن مستواك الروحي ، و في الأبدية يحسن مصيرك . و هؤلاء الذين تعبوا في بناء ملكوته " يستريحون من أتعابهم ، و اعمالهم تتبعهم " ( رؤ 14 : 13 ) . و ما أجمل قول القديس بولس الرسول عن التعب في الخدمة :

" إذن يا أخوتي الأحباء ، كونوا راسخين غير متزعزعين ، مكثرين في عمل الرب كل حين ، عالمين أن تعبكم ليس باطلاً في الرب " ( 1 كو 15 : 58 ) .

ذلك " لأن الله ليس بظالم حتي ينسي عملكم و تعب المحبة الذي أظهرتموها نحو إسمه ، إذ قد خدمتم القديسين و تخدمونهم " ( عب 6 : 10 ) . نعم ، هؤلاء سوف يستقبلهم الرب بعبارته المعزية " تعالوا إلي يا جميع المتعبين و الثقيلي الأحمال ، و أنا أريحكم " ( مت 11 : 28 ) . أريحكم ليس علي الأرض فقط ، بل في السماء أيضاً . علي الأرض ترتاح ضمائركم و قلوبكم . و في السماء ترتاح ارواحكم ... قال بولس الرسول عن عمله في الخدمة " أنا غرست ، و أبولس سقي ... و الغارس و الساقي هما واحد .و لكن كل واحد سيأخذ أجرته بحسب تعبه " ( 1 كو 3 : 6 ، 8 ) .

إن الأنصبة في الملكوت ليست واحدة .

فكما يقول الرسول " لأن نجما يمتاز عن نجم فى المجد "( 1كو 15 : 41 ) ومادام الله سوف يجازى كل واحد بحسب عمله " ( مت 16 : 27 ) إذن عليك أن تبذل كل جهدك فى خدمة الله ،

أنت هنا على الأرض ، عالما أن الله يرقب عملك ويحسب لك كل تعبك 0 كما قال لملاك كنيسة أفسس " أنا عارف أعمالك وتعبك وصبرك 00 وقد إحتملت ولك صبر ، وتعبت من أجل إسمى ولم تكل " ( رؤ 2 : 2 ، 3 )

إن تعبك يدل على مقدار محبتك لك وملكوته 0

فالذى يحب الله ، لا يسمح أن يعطى لنفسه راحة ، بل يجاهد حتى يوصل كل إنسان إلى قلب الله 0 كما قيل عن داود النبى ونذره لإله يعقوب " إنى لا ادخل إلى مسكن بيتى ، ولا أصعد على سرير فراشى ، ولا أعطى لعينى نوما ، ولا لأجفانى نعاسا 00 إلى أن أجد موضعا للرب ، ومسكنا للإله يعقوب " ( مز 132 : 2 – 5 ) فاسأل نفسك : ماهو مقدارتعبك من أجل الرب ؟

هوذا بولس الرسول الذى تعب أكثر من جميع الرسل ( 1كو 15 : 10 ) يشرح لنا بعضا من أتعابه فىالخدمة ، فيقول :

00 فى الأتعاب أكثر ، فى الضربات أوفر ، في السجون أكثر ، في الميتات مراراً كثيرة . من اليهود خمس مرات قبلت أربعين جلدة إلا واحدة . ثلاث مرات ضربت بالعصي . مرة رجمت ... بأسفار مراراً كثيرة ، بأخطار سيول ، بأخطار لصوص ، باخطار من جنسي ... بأخطار من الأمم ، بأخطار في المدينة ، بأخطار في البحر ، بأخطار من أخوة كذبة . في تعب و كد ، في اسهار مراراً كثيرة . في جوع و عطش ... في برد و عري . عدا ما هو دون ذلك : التراكم علي كل يوم ، الإهتمام بجميع الكنائس ..." ( 2 كو 11 : 23 – 28 ) .

و أنت يا أخي ، ما هو تعبك في الخدمة ، إذا قورن بكل هذا ؟ أعرف أن كل ما تتعبه في خدمة ، مسجل لك في سفر الحياة .

حينما تفتح السفار في يوم الدينونة ، و حينما تكشف كل الأعمال ، ستجد كل ما عملته مسجلاً لك ... حتي كأس الماء البارد الذي تقدمه لأجل الله ، هذا أيضاً لا يضيع أجره ( مت 10 : 42 ) . كل خطوة تخطوها إلي الكنيسة ، أو في إفتقاد إنسان ، هذه أيضاً محسوبة لك ، تنال أجرها في الملكوت ... كل حبة عرق تسكبها ، كل كلمة تعزية تقولها .. كل ذلك مسجل لك في سفر الحياة .

لا تقل أنا تعبان في الخدمة ، و لا يشعر بي أحد !

كلا ، فإن الله يقول لك تلك العبارة التي كررها لكل ملاك من ملائكة الكنائس السبع : " أنا عارف أعمالك " ( رؤ 2 ، 3 ) . حتي إن لم تجد تقديراً علي الأرض ، ستجد كل التقدير في السماء . و الأعمال المخفاة سوف تظهر ، و تنال عليها أجراً أكبر ... بل صدقني ، حتي أتعابك التي قد نسيتها أنت ، هي نسيتها أنت ، هي محفوظة عند الله . إنه يذكرها لك ،لن ينساها . و سوف يقول لك في ذلك اليوم ، ، مع كل أخوتك الذين تعبوا مثلك و خدموا :

" تعالوا يا مباركي الرب . رثوا الملك المعد لكم منذ تأسيس العالم " ( مت 25 : 34 ) .

إن الله لا يمكن أن ينسي تعبك و خدمتك . بل أقول إنه حتي الرسل لم ينسوا أبداً الذين تعبوا معه في الخدمة . هوذا بولس الرسول يقول في رسالته لأهل رومه " سلموا علي مريم التي تعبت لأجلنا كثيراً ... سلموا علي تريفينا و تريفوسا التاعبتين في الرب . سلموا علي برسيس المحبوبة التي تعبت كثيراً في الرب " ( رو 16 : 6 ، 12 ) . و عندما أرسل إلي تلميذه تيموثاوس ، أوصاه أن يقيم اعتباراً حسناً ، فليحسبوا أهلاً لكرامة مضاعفة ، و لاسيما الذين يتعبون في الكلمة و التعليم " ( 1 تي 5 : 17 ) .

فإن كان الرسول يذكر الذين تعبوا ، فكم بالأكثر يذكرهم الله .

لذلك لا تفكر أبداً أن تعطي نفسك راحة في خدمتك . بل اتعب في تحضير الدروس و في الإطلاع ،و اتعب في الإفتقاد و في حل مشاكل الناس . و اصبر في إحتمال المقاومات التي تصادفك في الخدمة ن و لا تترك خدمتك بسببها . اتعب في إعادة الشاردين من الله الرافضين التوبة ، و كما قال الرسول " خلصوا البعض بالخوف ، مختطفين من النار " ( يه 23 ) . و اذكر قول الكتاب :

" من رد خاطئاً عن ضلال طريقه ، يخلص نفساً من الموت ، و يستر كثرة من الخطايا " ( يع 5 : 20 ) .

حقاً إن النفس الثمينة التي مات المسيح لأجلها ، تستحق منك أن تبذل كل تعب في سبيل خلاصها . لذلك جاهد و لا تيأس ، حتي إن تأخر ثمر تعبك في الظهور . استمر . لا تترك غيرك يتعب ، و أن تدخل علي تعبه ( يوم 4 : 38 ) . بل اشترك في التعب ، اياً كان الجهد الذي تبذله .

و لا تقف لتتفرج علي الذين يتعبون . فملكوت الله ليس للمتفرجين .

إنما الملكوت للذين يتعبون في بنائه . تأمل كيف تعب القديس اثناسيوس الرسولي في حفظ الإيمان و في مقاومة الأربوسيين ، حتي أنه نفي عن كرسيه أربع مرات . و تأمل كيف تعب بولس الرسول ، و استطاع أن يقول أخيراً :

"جاهدت الجهاد الحسن ، أكملت السعي ، حفظت الإيمان . و أخيراً قد وضع لي إكليل البر .." ( 2 تي 4 : 7 ) ... تأمل أيضاً كيف تعب نحميا كثيراً يبني سور أورشليم . و كيف لاقي مقاومات ، و صبر عليها حتي أكمله عمله ...

و اعلم أنك في خدمتك ، سيشترك الله معك . و لن يتركك تتعب وحدك .

و نحن نصلي في الكنيسة و نقول للرب " اشترك في العمل مع عبيدك " . و القديس بولس الرسول يقول عن نفسه و عن أبولس " نحن عاملان مع الله " ( 1 كو 3 : 9 ) ... إن الله باستمرار يعين خدامه في خدمتهم : يعمل معهم ، و يعمل فيهم ، و يعمل بهم . لذلك في خدمتك ، حاول أن تكون مجرد اَلة في يد الله يعمل بها . وصل في قلبك هذا المزمور :

"إن لم يبن الرب البيت ،فباطلاً تعب البناءون "(مز127 : 1) .

لذلك فالخدمة تحتاج أيضاً إلي تعب في الصلاة لأجلها ،لكي يتولاها الله بعنايته ، و لكي تشعر بيد الله فيها . لأنك ربما تفكر أن التعب في الخدمة ، هو مجرد تعب ذراعك البشري . كلا . فقد قال الرب " بدوني لا تقدرون أن تعملوا شيئاً " ( يو 15 : 5 ) . لذلك جاهد في أن تشرك الله معك في الخدمة ن بصلوات ، باصوام ، بمطانيات ، بصراع مع الله ...

و حذار من أن تبحث عن الخدمات السهلة ، أو تدخل إلي الخدمة من الباب الواسع !

ذلك لأن كثيرين من الذين لا يحبون التعب في الخدمة ، يهربون من الخدمات التي تحتاج غلي جهد كبير ن أو التي تصادفها بعض المشاكل ! و لا يقبلون إلا الخدمة السهلة . و قد يبررون المر ببعض كلمات تواضع ! كأن ييقول الشخص " أنا أصغر من هذا الأمر . أنا لم أصل إلي مستوي هذه الخدمة . أنا ليست لي مواهب " ... و الرب يرفض كل هذه الإعتذرارت . و قال لأرميا " لا تقل إني ولد . لأنك إلي كل من أرسلك إليه تذهب ، و تتكلم بكل ما اَمرك به " ( أر 1 ك 7 ) .
الخدمة الصعبة تظهر فيها يد الله ، كما يظهر فيها بذل الإنسان و تعبه .

كما تظهر فيها محبته للملكوت ، و محبته لخلاص الناس ، و عدم إهتمامه بنفسه و براحته ، و استعداده لحمل الصليب في الخدمة ، و عدم تذمره علي الضيقات في الخدمة ... و مثل هذه الخدمة لها أجر كبير . و هي التي دعا إليها الرب تلاميذه ، حينما قال لهم " ها أنا أرسلكم كغنم في وسط ذئاب " ( مت 10 : 16 ) ... و لم يهرب تلاميذ الرب من خدمه كهذه :

نعم ، خير لنا أن نتعب لكي يستريح الناس .

لا أن نستريح نحن ، و نتركهم يتعبون ...

الباب الخامس

مسحني لأبشر المساكين

قيل عنه في تلك النبوءة " روح السيد الرب علي . لأن الرب مسحني لأبشر المساكين . أرسلني لأعصب منكسري القلوب . لأنادي للمسبيين بالعتق ، و للماسورين بالإطلاق ..." ( أش 61 : 1 ) . و لعلنا نسأل : من هم أولئك المساكين الذين قد جاء الرب ليبشرهم ؟ إنهم كثيرون ...

في مقدمتهم تلك البشرية المسكينة كلها ، المحكوم عليها بالموت بسبب الخطية ، و تحتاج إلي الفداء .

و لذلك قيل عن الرب إنه " جاء لكي يطلب و يخلص ما قد هلك " ( لو 19 : 10 ) . جاء يبشر كل هؤلاء بالفداء الذي سيقدمه عنهم ، " لكي لا يهلك كل من يؤمن به ، بل تكون له الحياة الأبدية " ( يو 3 : 16 ) . و هكذا وقف الملاك في يوم ميلاد الرب يبشر الرعاة قائلاً " ها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب . إنه ولد لكم اليوم مخلص هو المسيح الرب " ( لو 2 : 10 ، 11 ) .

جاء السيد المسيح أيضاً لكي يبشر بالخلاص أبرار العهد القديم الذين رقدوا علي الرجاء .

أولئك الذين قيل عنهم إنهم " لم ينالوا المواعيد ، بل من بعيد نظروها و صدقوها و أقروا أنهم غرباء و نزلاء علي الأرض " ( عب 11 : 13 ) . جاء يبشرهم أن باب الفردوس الذي أغلق منذ خطيئة اَدم ، سوف يفتح بعد الصليب ، و سيدخل كل أولئك الأبرار في الفردوس ... و سوف يدخل معهم أيضاً اللص اليمين ( لو 23 : 43 ) .

جاء يبشر البشرية التي اضلها القادة العميان من الكتبة و الفريسيين ( مت 23 ) بقدوم التعليم السليم .

فسوف يخرجهم من الحرفية التي نادي بها أولئك الذين جلسوا علي كرسي موسي ، فأغلقوا باب الملكوت . لا هم دخلوا ،و لا جعلوا الداخلين يدخلون ( مت 23 : 13 ) . و هكذا جلس المعلم الصالح علي الجبل ،و قال للجموع عظته العجيبة التي كرر فيها عبارة " سمعتم إنه قيل للقدماء ... أما أنا اقول لكم.. " ( مت 5 ) .
جاء أيضاً يبشر البشرية التي فقدت الصورة الإلهية التي خلقت بها ( تك 1 : 27 ) بأن أعاد لهم تلك الصورة ليحاكوها .

و هكذا ترك لهم مثالاً في كل فضيلة و في كل بر ، حتي كما فعل هو يفعلون هم أيضاً ( يو 13 : 15 ) . و هكذا نصح القديس يوحنا الرسول قائلاً " من قال إنه ثابت فيه ، ينبغي أنه كما سلك ذاك ، يسلك هو أيضاً " ( 1 يو 2 : 6 ) .

جاء الرب يبشر المساكين . و كان من قبل، حتي في العهد القديم ، يهتم بالمساكين .

و هكذا قال الرب لموسي حينما دعاه إلي الخدمة " إني قد رأيت مذلة شعبي ... و سمعت صراخهم بسبب مسخريهم . إني علمت أوجاعهم ، فنزلت لأنقذهم " ( خر 3 :7 ، . و هكذا فعل الرب أيضاً في عصر القضاة ... فأقام لهم القضاة ... و خلصهم من ايدي أعدائهم .. من أجل أنينهم بسبب مضايقهم و زاحميهم " ( قض 2 : 18 ) . إنه الرب الذي باستمرار يعين المساكين ..

و هكذا أيضاً وقف الرب مع يعقوب في مسكنته ضد أخيه عيسو المتجبر .

عيسو الذي قال " اقوم و أقتل يعقوب أخي " ( تك 27 : 41 ) . و لكن الله ظهر ليعقوب أثناء هروبه و عزاه برؤيا السلم الواصل بين السماء والأرض . و قال له " ها أنا معك ، و احفظك حيثما ذهب ، و أردك إلي هذه الأرض " ( تك 28 : 15 ) . و كما وقف الله إلي جوار المساكين ، وقف أيضاً ضد العتاة القساة . و قال لقايين أول قاتل من بني البشر " صوت دم أخيك صارخ إلي من الأرض ..." ( تك 4 : 10) . و في كل هذا ما أجمل قول الكتاب :

"يقاوم الله المستكبرين . أما المتواضعين فيعطيهم نعمة " ( يع 4 : 6 ) .

وقف اله مع إيليا النبي ، لما كان في موقف المسكنة ، هارباً من بطش الملكة إيزابل ، و هو يقول للرب " ... تركوا عهدك ، و نقضوا مذابحك ،و قتلوا أنبياءك بالسيف . و بقيت أنا وحدي . و هم يطلبون نفسي ليأخذوها " ( 1 مل 19 : 14 ) . و وقف الرب مع داود الشاب في مسكنته ،و هو هارب من شاول الملك الذي يطارده من مكان إلي أخ . و لكنه وقف ضد داود الملك لما تسلط وتقسي قلبه علي اوريا الحثي ، فعاقبه ( 2 صم 12 : 9- 12 ) . و وقف الله مع ليئة الضعيفة العينين التي تفتقد محبة زوجها ، و أعطاها نسلاً أكثر من راحيل المحبوبة المدللة ، لأن الرب يبشر المساكين ...

ووقف الله مع الأمم المحتقرين من إسرائيل .

الذين كانوا " بدون مسيح ، أجنبيين عن رعوية إسرائيل ، و غرباء عن عهود الموعد " ( أف 2 : 12 ) . فقربهم إليهم ، و طعمهم في الزيتونة الأصلية ( رو 11 ) و قال " يأتون من المشارق و المغارب ، و يتكئون في أحضان إبراهيم ، بينما بنو الملكوت يطرحون في الظلمة الخارجية " . و مدح الرب قائد المائة الأممي ، و قال : لم أجد في إسرائيل كلها إيماناً مثل إيمان هذا الرجل " . و مدح أيضاً المرأة الكنعانية المتذللة قدامه ...

و بشر الرب الخطاة المساكين ، المذلين في توبتهم ، و أدان الأبرار المتعجرفين في برهم .

فعل ذلك في مثل الفريسي و العشار . لم ينظر إلي الفريسي المتكبر ، الذي وقف يصلي بانتفاخ قلب و يقول " أشكرك يا رب إني لست مثل سائر الناس الظالمين الخاطفين الزناة ، و لا مثل هذا العشار . أنا أصوم يومين في الأسبوع ، و أعشر جميع أموالي . بينما نظر الرب إلي العشار المسكين الذي في مذلة لم يستطع أن يرفع نظره إلي فوق ، بل قرع صدره في إنسحاق و هو يقول ارحمني يا رب ، فإني خاطي " . فخرج مبرراً دون ذاك ( لو 18 : 9 – 14) .

كذلك فعل الرب مع الخاطئة التي بللت قدميه بدموعها ،و فضلها علي الفريسي الذي أدانها ( لو 7 ) .

لقد بشر هذه المسكينة بالمغفرة ، و قال لها " مغفورة لك خطاياك .. اذهبي بسلام " .

و نفس الوضع فعله مع مسكينة أخري ضبطت في ذات الفعل ، و أذلها القساة طالبين أن ترجم حسب الشريعة . و لكن الرب خلصها من بين أيديهم ، و طلب منهم أن يلتفتوا إلي خطاياهم ، قائلاً لهم " من كان منكم بلا خطية ، فليرجمها بأول حجر " ( يو 8 : 7 ) . و قال للمسكينة " و أنا أدينك . اذهبي و لا تخطئي أيضاً " .

و قال الرب عن الخطاة " ما جئت لأدعو أبراراً بل خطاة إلي التوبة .

و بشر كل أولئك بالخلاص عن طريق التوبة . و قال إنه يكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب ، أكثر من تسعة و تسعين باراً لا يحتاجون إلي توبة " ( لو 15 : 7 ) . وضرب في نفس الصحاح ثلاثة أمثال لقبول التائبين ، و فرح الرب بعودتهم إليه . هي مثل الإبن الضال ، و مثل الخروف الضال ، و مثل الدرهم المفقود .و ما أجمل حبوه في الشفقة علي أولئك الخطاة المساكين في عودتهم ، حينما قال عن الخروف الضال : " و إذ وجده ، حمله علي منكبيه فرحاً " ( لو 15 : 5 ) .

و من المساكين الذي جاء الرب يبشرهم . المرضي و المصروعين من الشياطين .

و قد قيل عنه في ذلك إنه " كان يشفي كل مرض و كل ضعف في الشعب .. فأحضروا إليه جميع السقماء المصابين بأمراض و أوجاع مختلفة ، و المجانين و المصروعين و المفلوجين ، فشفاهم " ( مت 4 : 23 ، 24 ) , هكذا كان اشفاقه علي المساكين من المرضي ، و بخاصة الأمراض المستعصية التي يعجز أمامها الأطباء ، أو التي تطول مدتها مثل مريض بيت حسدا الذي قضي في مرضه 38 سنة ن و هو مسكين ليس له إنسان يلقيه في البركة ( يو 5 : 2 – 9 ) . فتقدم الرب و شفاه .

إن هذا يعطينا درساً في اٌلإشفاق علي المرضي .

إن كنا لا نستطيع أن نشفيهم ، أو نساهم في علاجهم ، فعلي الأقل نزورهم حسب وصية الرب ( مت 25 : 36 ) ، و نقدم لهم كلمة عزاء ، و نرفع من معنوياتهم ، و لا ننساهم في اَلامهم .

و مذل ذلك مرضي الروح أيضاً ، الذين يئسوا من خلاصهم ...

هم يحتاجون إلي من يبشرهم بالخلاص ، إلي من يقول لهم ما قاله الرب لزكا العشار " اليوم حصل خلاص لأهل هذا البيت ، إذ هو ايضاً إبن لإبراهيم " ( لو 19 : 9 ) .

انظروا عمل الرب بعد القيامة : جاء يبشر بطرس الذي بكي بكاء مراً بسبب إنكاره للمسيح وقت صلبه ( مت 26 : 75 ) فجاء يبشره في مسكنته و مذلة نفسه ، و يقول له " أرع غنمي . أرع خرافي " ( يو 21 : 15 ، 16) . كما جاء يفتقد توما في شكوكه و يعيد إليه الإيمان ( يو 20 : 27 ) .

ما أجمل عبارته في تبشيره للمساكين :

" من يقبل إلي ، لا أخرجه خارجاً " .

هو جاء أيضاً يبشر المساكين من المحتاجين . ويقول لهم " اطلبوا تجدوا ، اسألوا تعطوا ، اقرعوا يفتح لكم " ( مت 7 : 7 ) . و يعطينا بذلك مثالاً أن نعطي للمحتاجين ما يعوزهم ، عالمين أننا في ذلك إنما نعطي الرب نفسه الذي قال : " مهما فعلتموه بأحد أخوتي هؤلاء الأصاغر ، فبي قد فعلتم " ( مت 25 : 40 ) . جميل أن نذكر هذا الأمر في مناسبة العيد ، و نبشر المساكين و جميل أن نتذكر قول الرب في تبشيره للمساكين :

"تعالوا إلي يا جميع المتعبين و الثقلي الأحمال ، و أنا أريحكم " ( مت 11 : 28 ) .

ليتنا نفعل مثله أيضاً ، و نعمل بكل جهدنا علي إراحة المتعبين و الثقلي الأحمال . و في نفس الوقت نحترس من أن نزيد ثقلاً علي أحد ، أو ننتقد إنساناً في تعبه . و كذلك نشفق علي اليائسين الذين انقطع رجاؤهم .و يقول لكل منهم " أنا معك . لا يقع بك أحد ليؤذيك " ( أع 18 : 10 ) .و بالنسبة إلي كل هؤلاء ، يوصينا الرسول قائلاً :

" شجعوا صغار النفوس . اسندوا الضعفاء تأنوا علي الجميع " ( 1 تس 5 : 14).

فليكن الرب مع كل هؤلاء ، يقويهم ،و يقودهم في موكب نصرته ،و يبشرهم بالخلاص ، له المجد من الآن و إلي الأبد اَمين .

الباب السادس

خدمة الذين ليس لهم أحد يذكرهم

في صلاة تحليل نصف الليل للآباء الكهنة طلبة عميقة جداً و مؤثرة في معناها و هي :

" اذكر يا رب العاجزين و المنقطعين و الذين ليس لهم أحد يذكرهم " نعم ، هؤلاء الذين لم يجدوا أحداً يهتم بهم ، و لا حتي يذكرهم في صلاته هؤلاء الذين أهملهم الكل ، و ربما قد نسوهم أيضاً . لا شك ، أنه يوجد أشخاص لا يحس أحد بالآمهم ، و لا باحتياجاتهم ، و لا بضياعهم . كأنهم ليسوا أعضاء في جسد الكنيسة . و لعله تنطبق عليهم تلك الأبيات التي وردت في قصيدة " النجم " :

أنا ملقي في ضلالي ليس من

أسقف يرعي و لا من مفتقد

فطريقي في ظلام دامس

قد ضللت الله دهراً لم أجد

ذلك الهادي الذي يهدي يدي

يذكرنا بهذا النوع أيضاً مريض بيت حسدا الذي قضي في مرضه 38 سنة دون معونة من أحد . قال للسيد المسيح عن حالته " ليس لي إنسان يلقيني في البركة " ( يو 5: 7 ) . إنها خدمة جميلة أن نخدم تلك النفوس المسكينة المحتاجة ، التي لا تجد من يهتم بها و يفتقدها .

الأحياء غير المخدومة :

هناك أحياء توجد فيها كنائس تخدمها ، و يوجد فيها اَباء كهنة روحيون و نشطاء يقومون بإفتقاد كل بيت ، و كل أسرة و كل فرد زو يعرفون كيف يوفرون الخدمة اللازمة لكل أحد ، يحلون الإشكالات ، و يتلقون الإعترافات ،و يحيطون ابناءهم بجو روحي ... إنها أحياء مخدومة . و لكن ماذا نقول عن الأحياء و المدن و القري غير المخدومة ، التي لا تجد أحداً يذكرها ؟! و ماذا نقول عن الخدام الذين يفضلون أن يرسموا كهنة علي المدن الكبيرة و الأحياء المخدومة ، و يرفضون القرى و الأحياء المحتاجة إلي خدمة ؟! هل هذا هو أسلوب السيد المسيح ، الذي كان يترك التسعة و التسعين ، و بحث عن الواحد الضال المحتاج إلي خدمة ؟! نعم إنه الراعي الصالح ، الذي كان " يطوف المدن و القري كلها ، يعلم في مجامعها و يكرز ببشارة الملكوت ، و يشفي كل مرض و كل ضعف في الشعب " ( مت 9 : 35 ) . نعم إنه المعلم الصالح الذي قال لتلاميذه : " لنذهب إلي القري المجاورة لأكرز هناك ، لأني لهذا خرجت " ( مر 1 : 28 ) . إن الذي يفضل بهرجة المدينة علي حاجة القرية ، إنما هو يفكر في ذاته ، بطريقة علمانية ،و لا يفكر في إحتياج الآخرين و خدمتهم !

و نفس هذا الكلام نقوله عن :

خدمة أولاد الشوارع :

اذكر أن هذا الأمر قد هز عاطفتي جداً في الأربعينات ، و أنا خادم ... و قلت في ذلك الوقت لزملائي : إننا نخدم الأطفال الذين في المدارس ، و الذين يلبسون ملابس نظيفة ، و ننسي خدمة الأولاد " الغلابة " . و أتذكر إنني وقتذاك جمعت لنفسي فصلاً جديداً لخدمته ...و كان فصلي هذا من أولاد الشوارع ، و من بائعي الليمون ، و ماسحي الأحذية ،و أطفال اَخرين يقفزون علي الشمال في الترام ، و أحياناً يقذفون الجمعية بالطوب . و اهتممت بهؤلاء الأولاد روحياً ، و كنت أحبهم جداً .. و شاءت الظروف أن أنتقل إلي خدمة في منطقة أخري و هي أحد الأيام و أنا سائر بالقرب من " حكر عزت " قفز أحد الصبيان الصغار من محل ماسح أحذية و جري نحوي يسلم علي في محبة و هو يقول " أنا تلميذك " ... اذكر هذه القصة فتنفعل مشاعري في داخلي . ما أحوج هؤلاء إلي الفتات الساقط من خدمتك ... بينما اَخرون متخمون بخدمات مركزة !! إن الذين يعيشون في الحواري و الأزقة و القري ، هم يحتاجون أكثر ... فالذي يسكن في الشارع الكبير قد يجد كثيرين يخدمونه ، أما الذي يسكن في " العطفة " ، , الدرب ، و الزقاق ، فربما يكون من الذين ليس لهم أحد يذكرهم ... لذلك ما أجمل ما فعله أخوتنا الذين كرسوا جهودهم لخدمة أحياء الزبالين ،و بعض الأحياء الشعبية الأخرى في القاهرة . و ما أجمل الذين يجمعون الأطفال الفقراء من الطرقات ، و أولاد الصناع و العمال و الكنائس و الذين لا عمل لهم و يوصلون إليهم كلمة الله التي يوصلوها إلي أولاد الأغنياء ... جميلة تلك العبارة التي وردت في الدسقولية عن الراعي أنه يجب أن " يهتم بكل أحد ليخلصه " . لذلك سررت لما قال لي أحد الآباء الكهنة إنه سيقيم قداساً كل يوم إثنين فسألته لماذا ؟ فقال " من أجل الحلاقين و أصحاب وظائف أخري ... عطلتهم هي في هذا اليوم . و آخرون من أصحاب النوبتجيات لا يجدون فراغاً إلا في يوم معين . و من المفروض في الكنيسة أن توفر الرعاية لكل أحد و من بين هؤلاء ، نذكر :

خدمة الشباب المنحرف :

إننا – للأسف الشديد – نهتم فقط بالشباب الذي يأتي إلينا في الكنيسة في إجتماعات الشبان ، أو مدارس التربية الكنسية ، أو في الأنشطة و الخدمات و نكتفي بهذا . و يندر أن تكون لنا خدمة وسط الشباب الذي يتسكع في الطرقات ، أو يضيع وقته في الملاهي و في المقاهي و الذي يدل شكله ولبسه و حديثه علي أنه بعيد تماماً عن الكنيسة . أمثال هذا الشباب ، هو من النوع الذي ليس له أحد يذكره ، بل بالأكثر قد يوجد متدينون يحتقرونه و يرفضون حتى الحديث معه ... كيف يخلص هؤلاء إذن ؟ أليسوا هم أيضاً محتاجين إلي رعاية ؟! إن الأسقف حينما يرسم علي إيبارشية ، إنما يرسم عليها كلها ، و ليس سيامته من أجل الصالحين فيها فقط ، المترددين علي الكنيسة ن إنما من أجل الكل . عمله أن يطلب و يخلص ما قد هلك 0 لو 19 : 10 ) كما فعل سيده و تحت عنوان ط ما قد هلك " ، تدخل فئات كثيرة من الذين ليس لهم أحد يذكرهم : طلبة شطبهم خدام التربية الكنسية من قوائمهم لكثرة غيابهم . و عائلات أعتبرها الآباء الكهنة أنها ليست من أولاد الكنسية بسبب سلوكها . ألوان عديدة من المنحرفين الذين يفضل كل الخدام البعد عنهم خوفاً ، أو حرصاً أو عجزاً ، أو ياساً ...! ليس لهم أحد يذكرهم . ما أخطر أن يوجد إنسان ، تيأس منه الكنيسة ، أو تنساه ، أو تتجاهله أو تحتقره ، أو تطرده ، أو تعتبره من أهل العالم !

نتحدث عن نوع اَخر من الذين ليس لهم أحد يذكرهم ، و هو :

المنسيون فى الإفتقاد :

قد توجد عائلات في السكندرية أو في القاهرة ،تمر عليها سنوات عديدة لا يزروها أحد من الآباء الكهنة . و لا تهتم الكنسية بهؤلاء ، إلي أن يهتم بهم الشيطان و يفتقدهم ! و حينئذ تبدأ الكنيسة تتعرف إلي أحدهم في قضية طلاق ، أو في حادث إرتداد. و كان السبب في كل هذا ن أن هؤلاء ليس لهم أحد يذكرهم ، مع أنهم ليسوا في قري فقيرة أو نائية ، و إنما هم في القلب العاصمة !

نحن أحياناً لا نهتم بالحالة ، إلا بعد أن تصل غلي أسوأ درجاتها و لو ذكرناها في بادئ الأمر ، ما كنا نحزن في نهايته ... لست اقصد بالذين ليس لهم أحد يذكرهم ، المحتاجين إلي الرعاية في مجاهل أفريقيا ، أو الهنود الحمر في أمريكا ن مع حاجة كل هؤلاء بلا شك !

إنما اقصد " الهنود الحمر ط في قلب العاصمة ، أو في قلب المدينة العامرة و ربما قريباً من الكنيسة ! إن التخصص في خدمة " الضالين " أمر لازم في الرعاية ... بلا شك كانت المرأة السامرية واحدة من الذين ليس لهم أحد يذكرهم ، و كذلك زكا العشار ، و متي العشار ، و آخرون و قد قال السيد المسيح " لا يحتاج الأصحاء إلي طبيب بل المرضي " . فهل يمكن أن يتخصص بعض الخدام في مثل هذه الخدمة ؟

هناك نوع من الخدام كنا نسميهم " خدام الحالات الصعبة " .

الحالات الصعبة :

كانوا يذهبون إلي الحالات التي تبدو معقدة ، التي وصلت إلي أسوأ درجاتها . و مع ذلك لم يفقد الخادم الأمل منها . الحالات التي قد لا تقبل الخدام و قد تطردهم ، أو التي لا تقبل كلاماً و لا إقناعاً ، و تصل إلي لون من الإصرار و العناد يدفع إلي اليأس ... هذه الحالات بالنسبة إلي كنائس أخري ، كانوا يتركونها يائسين ، و ينفضون أيديهم منها ، و تبقي ضمن الذين ليس لهم أحد يذكرهم ... أما خدام الحالات الصعبة ، فكانوا يفتقدون هذه الحالات ، ولو في آخر رمق ، و هم متالمون لأن الحالة لم تكن قد افتقدت منذ البدء إن الخدمة الصعبة لها اجر أكبر عند الله ن لن الخادم يتعب فيها ن و الله لا ينسي تعب المحبة ... دعوة يوسف الرامي لخدمة السيد المسيح أمر سهل ن و لكن من الصعب أن تدعو رجلاً كزكا . فرق بين أن تدعو إنساناً كيوحنا الحبيب إلي إجتماع ، أن تدعو اَخر كشاول الطرسوسي ... سهل ان تفتقد العائلات المنحلة و التعب في حل مشاكلها و مصالحة المتخاصمين فيها إن الأجر الكبير ليس لمن يزرع الأرض الجيدة ن إنما لمن يستصلح الأراضي البور و الأراضي المالحة ، و يحولها إلي أرض زراعية جيدة . فتلك الأراضي البور ربما كانت لمدة طويلة من النوع الذي ليس له أحد يذكره بسبب صعوبة العمل فيها .

هناك طائفة أخري نذكرها و هي :

المساجين

المساجين يحتاجون غلي عناية خاصة تعيد إليهم كيانهم و معنوياتهم ، وتعيدهم غلي الله و إلي الحياة النقية معه ، سواء و هم في السجن ن او بعد خروجهم منه . و كثيرون يرون المساجين من الحالات الصعبة ، فلا يفكرون في خدمتهم ، و يتركونهم ضمن الذين ليسلهم أحد يذكرهم ... اذكر شاباً كان محكوماً عليه بالإعدام منذ حوالي ثلاثين عاماً . وزاره الفاضل المتنيح القمص ميخائيل إبراهيم و استطاع أن يقوده إلي التوبة و الإعتراف و إلي الإستعداد للموت . و عاش الفترة السابقة لإعدامه في حياة طيبة مع الله والناس ، و في سلام قلبي عجيب و كان محبوباً جداً من كل أسرة السجن التي تعاملت معه . و لاقي الموت بفرح و ذهب إلي المشنقة و هو يحيي و يداعب الذين حوله ، و بكي عليه ضابط و موظفين السجن ... هذا الشاب وجد قلباً يذكره ، و هو تحت حكم الإعدام . و ظل هذا القلب إلي جواره إلي أن لاقي ربه في سلام و الإبتسامة علي شفتيه . إن المسجون الذي لا تستطيع أن تنقذ رقبته من المشنقة ، قد تستطيع من ناحية اخري أن تنقذ نفسه من الجحيم ...حقاً ما هي الخدمة الروحية التي نقدمها نحن إلي هؤلاء المسجونين ؟ بل ما هي الخدمة الإجتماعية التي يلاقيها المسجون بعد خروجه من السجن . علي ان هناك نقطة هامة جداً في هذا الموضوع وهي :

خدمة أسرات المسجونين . و بخاصة أولئك الذين سجن عائلهم ، و اصبحت الأسرة مهددة تماماً بالإنهيار المالي و المعنوي . هل وجدت خدمة منظمة ثابتة لمثال هذه العائلات ، و تعهدتها بالعناية و الإفتقاد و المعونة ؟ حرصاً عليها من التفكك و من الضياع ، و خوفاً عليها من افنهيار افجتماعي أو الخلقي ، و سداداً لكل إحتياجاتهم المالية ...؟ أم أمثال هذه العائلات ، تدخل تحت عنوان :

الذين ليس لهم أحد يذكرهم .

مجموعة أخري من الناس ، نحب أن نوجه الأنظار إلي خدمتهم روحياً وهم :

الفقراء و المتعطلون :

لست اقصد من يذكرهم مادياً ، فكثيرون يذكرونهم ، إنما أقصد بالذات خدمتهم روحياً ...

توجد مكاتب للخدمة الإجتماعية في البطريركية و في المطرانيات و في جميع الكنائس ، تقدم معونات مالية و عينية لهؤلاء ، و تساعدهم علي أن يجدوا لهم عملاً و مصدراً للرزق . و هذا حسن جداً ، و نرجو أن يصل إلي صورته الكاملة و لكن المشكلة ليست هنا . و إنما هي هذه :

ما أكثر ما يأتي الفقراء إلي مكاتب الخدمة الإجتماعية ، بأساليب من الكذب و الخداع و الإحتيال .و قد نعطيهم حاجتهم المادية ،و تبقي نفوسهم ضائعة ‍‍

و علي الرغم من المساعدات التي تقدم لهم ، هم لا يزالون من الناحية الروحية ضمن الذين ليس لهم أحد يذكرهم ...‍‍

و بعض الكنائس تقيم لهم إجتماعاً روحياً ، ينظر إليه بعض الفقراء كمجرد مقدمة‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍للمعونة ... و لا يكون له العمق الذي يغير حياتهم ، و يقودهم إلي التوبة و يبعدهم عن الكذب و الإحتيال ... فعلي مراكز الخدمة الإجتماعية أن تعرف أنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان " ( مت 4 : 4 ) . و إنهم كما يفحصون الحالة الإجتماعية لمن يأخذ معونة مالية ، عليهم أن يهتموا بالمحتاجين من جهة روحياتهم ، لكي يقودهم إلي حياة أفضل .. و إن كان هذا يحدث بالنسبة إلي من يتقاضون معونات شهرية ثابتة ، فهل يحدث هذا الإهتمام الروحي أيضاً للحالات الطارئة التي تأخذ معونة و تمضي ، و لا تعرف الكنيسة شيئاً عنها بعد ذلك ؟

يمكن أن نضم إلي هؤلاء مجموعات أخري و هي :

الملاجئ و المعوقين :

نفس الوضع : ربما أهم ما تقدم لهؤلاء ، هي العناية المادية و الإجتماعية و قد يبقون من الناحية الروحية و النفسية ضمن الذين ليس لهم أحد يذكرهم . و كثيراً ما تقدم لهؤلاء العناية العلمية و التأهيل المهني و الوظيفي ، و البحث لهم عن عمل . و وسط التركيز الشديد علي هذا الأمر ، يبقي هؤلاء محتاجين إلي عمل روحي كبير ، لكي ينجوا من العقد النفسية ، و يتربوا التربية الروحية الصالحة ، التي يجدون فيها الحب و الحنان و المعاملة الطيبة ،و الصلة القوية بالله . و مع العناية باللاجئين ، قد تبقي أسراتهم ضمن الذين لا أحد يذكرهم ‍كل ما يستطيع الملجأ أن يقدمه ، هو أن يتلقي الطفل اللاجئ مع أسرته و قد لا يفكر بعد ذلك في هذه الأسرة و كيف تعيش مادياً و روحياً ؟ و ما الخدمة التي يمكن تقديمها لها ؟

مجموعة أخري قد لا توجد من يهتم بها روحياً و هي :

المرضى :

غالبية إهتمامنا بالمرضي يتركز في حالتهم الصحية . أما من الناحية الروحية ، فليس من أحد يذكرهم ‍و قد يكون إنسان في مرض خطير ، و بينه و بين الموت خطوات قصيرة . و مع ذلك لا يهتم أحد بابديته ، و لا يعده لها . بل كثيراً ما يحيطه الكل بالأكاذيب مخفين عنه مرضه ن حتي لا يتعب نفسياً . و قد يحيطونه بالتسليات العالمية أيضاً .. و قد يجلس الزوار و الأقارب حول المريض ، إلي ساعات طويلة ، في أحاديث مستمرة يسلونه بها ، دون أن يعطوه فرصة للصلاة و التوبة ... لماذا لا يوجد خدام روحيون متخصصون في زيارة المرضي ، يعرفون كيف يتحدثون معهم حديثاً روحياً و نفسياً ، و يهتمون بأبدية الذين قد قرب رحيلهم لكي يعدوهم لهذا الرحيل ، فتخلص نفوسهم في ذلك اليوم ؟‍‍

كلمتكم في هذا المقال عن الفقراء و المحتاجين ، و عن المرضي و المساجين ، و الشبان المتسكعين ...

و أود أن أتعرض لمجموعة علي عكس كل هؤلاء ، و تدخل ضمن الذين ليس لهم أحد يذكرهم ، و هي :

الأغنياء و أصحاب المناصب :

هؤلاء قد يستحي الخدام أو الكنهة من أن يحدثوهم عن التوبة و التخلص من خطاياهم ... و ربما كل ما تطلبه منهم الكنيسة هو تبرعاتهم ن أو توسطهم في أمور تهم الكنيسة أما أرواح هؤلاء و قلوبهم و أبديتهم ، فليس لها أحد يذكرهم ‍إنهم أيضاً يحتاجون إلي الكلمة توصلهم إلي الله فيتوبون ، إن كانوا محتاجين إلي توبة ... لهذا اشترط الكتاب في السقف أنه " لا يأخذ بالوجوه " ، أي لا يجامل هؤلاء الأغنياء و العظماء ، و بخاصة المتبرعين منهم ، علي حساب روحياتهم و لا نقصد أن يستخدم البعض معهم أسلوب الشدة ، كما وبخ المعمدان هيرودس ... إنما علي الأقل ، فليستخدم معهم أسلوب التوجيه الروحي ، الممتزج بالإحترام و المودة ، كما فعلت أبيجايل مع داود الملك ، لما أراد الإنتقام لنفسه ، و يقتل نابال الكرملي (1 صم 25 ) . أو يستخدم معهم أسلوب الحكمة التي تكلم بها ناثان النبي مع داود أيضاً (2 صم 12 ) .

الباب السابع

يهيئ للرب شعباً مستعداً

نعم ، ما أجمل هذه العبارة التي قالها ملاك الرب في البشارة بميلاد يوحنا المعمدان : إنه " من بطن أمه يمتلئ من الروح القدس ، و يرد كثيرين من بني اسرائيل غلي الرب إلههم . و يتقدم أمامه بروح إيليا و قوته .. لكي يهيئ للرب شعباً مستعداً " ( لو 1 : 15 – 17 ) و قيل ايضاً عنه في نبؤة ملاخي " هأنذا أرسل ملائكي ، فيهيئ الطريق أمامي ط ( ملا 3 :1 ) ( مر 1 : 2 ) .

و كيف يهيئ الطريق قدام الرب ؟

بأنه " كان يكرز قائلاً : ياتي بعدي من هو اقوي مني ، الذي لست انا أهلاً أن أنحني و أحل سيور حذائه " ( مر 1 : 7 ) ( مت 3 : 11 ) " أعدوا طريق الرب ، اصنعوا سبله مستقيمة " ( مت 3 : 3 ) . و كيف كان يوحنا يهيئ للرب شعباً مستعداً ؟ .. ذلك بقيادتهم إلي التوبة ..كان يكرز بمعمودية التوبة . و يقول للناس : " أنا أعمدكم بماء التوبة " " اصنعوا ثمار تليق بالتوبة " ( مت 3 : 11 ، 8 ) .

نقول هذا لأن كثيرين كل خدمتهم هي قيادة الناس إلي مجرد المعرفة ، و ليس إلي التوبة ...‍

لكن ما اجمل المعرفة التي تقود إلي التوبة ...التي لاتخاطب العقل فقط ، إنما تعمل في القلب ليلتصق بالله ... لقد خلق الله شعباً يملأ الأرض كلها . و هو يريد ، الجميع يخلصون ،و إلي معرفة الحق يقبلون ( 1 تي 2 : 4 ) . و قد ترك الرب هذا الشعب غلي مجموعة من الوكلاء ( لو 12 : 42 ) أو إلي مجموعة من الكرامين ( مت 21 : 33 ) . لكي يعدوا للرب شعباً مستعداً . و وضع أمامهم هذه الآية : " من رد خاطئاً عن ضلال طريقه ، يخلص نفساً من الموت و يستر كثرة من الخطايا " ( يع 5 : 20 ) .

و المعروف أن الخلاص بالمسيح وحده ، الذي " ليس بأحد غيره الخلاص " ( أع 4 : 12 ) . فما معني عبارة " يخلص نفساً " هنا ؟ معناها : يقودها إلي الخلاص الذي بالمسيح يسوع . أو يهيئ هذه النفس للخلاص ، بالإيمان و التوبة . في يوم من الأيام ذهب صموئيل النبي إلي بيت لحم ، ليمسح واحداً من أولاد يسي البيتلحمي ملكاً للرب . فقال : " تقدسوا و تعالوا معي إلي الذبيحة " . و يقول الكتاب عنه : " و قدس يسي و بنيه ، و دعاهم إلي الذبيحة " ( 1 صم 16 : 5 ) .

فما معني كلمة " قدسهم " هنا ؟ معناها نفس العبارة : هيأ للرب شعباً مستعداً .. و هذا الوضع ذاته قيل عن الشعب قبل سماعهم الوصايا العشر .. " قال الرب لموسى : إذهب إلي الشعب ، و قدسهم اليوم و غداً .. و يكونوا مستعدين ... فأنحدر موسى ، و قدس الشعب ... " ( خر 19 : 10 ، 14 ) . هو أيضا هيا للرب شعباً مستعداً ، لسماع كلمته ..

ما أعظم هذا الأمر ، أن نهيئ للرب شعباً مستعداً ...

شعباً مستعداً لقبول الخلاص ، شعباً مستعداً لنوال نعمة الرب في المعمودية ( إن كانوا كباراً ) أو في التقدم للتناول من الأسرار المقدسة ... شعباً مستعداً للتوبة ، مستعداً للشركة مع الروح القدس ، أو مستعداً لخدمة الرب و بناء ملكوته ... أنظروا ماذا يقول بولس الرسول :

" خطبتكم إلي رجل واحد ، لأقدم عذراء عفيفة للمسيح " ( 1 كو 11 : 2 )

من فيكم يستطيع أن يقدم نفوساً عفيفة للرب ؟ يهيئ له نفوساً مستعدة لمحبته ... كانت هذه هي وظيفة يوحنا المعمدان . لقد هيأ هذه العروس – اي الكنيسة – للرب . هيأها له بالتوبة ، بمعمودية التوبة.و لما سلمها له ، وقف في فرح يقول : " من له العروس فهو العريس . أما صديق العريس الذي يقف و يسمعه فيفرح .. إذن فرحي هذا قد كمل " ( يو 3 : 29 ) .

و عروس الرب قد تكون نفساً واحدة ، أو شعباً أو شعوباً .

قد تكون فصلاً في التربية الكنسية ، و قد تكون كنيسة بالنسبة إلي أب كاهن ، و قد تكون إيبارشية بالنسبة إلي أب أسقف . و قد تكون شعباً أو شعوباً كمسئولية الآباء الرسل ، و غيرهم من الآنبياء . و قد تكون الكنيسة كلها التي يقدمها المسيح ، حينما يسلم الملك للآب ( 1كو 15 : 24 ) ، أو هي أورشليم السمائية التي أبصرها القديس يوحنا الرائي

" ... كعروس مزينة لعريسها " ( رؤ 21 : 2 ) .

نعم ، هذه هي وظيفة الخدام و الوعاظ و الكهنة و الرعاة و كل صيادي الناس ، أن يهيئوا هذه العروس – أي النفوس – لعريسها ، مزينة بالفضائل " معطرة بالمر و اللبان ، و بكل أذرة التاجر " ( نش 3 : 6 ) .

إنهم يهيئون النفوس ، فتبدو جميلة أمام الرب .

تلبس ثوب البر ، أو تلبس ثياباً من نور ، وينشدون لها تلك الأغنية الجميلة " كل مجد إبنة الملك من داخل ، مشتملة بثياب موشاة بالذهب ، و مزينة بأنواع كثيرة " (مز 45 ) . كان هذا أيضاً هو عمل الآنبياء في العهد القديم ، و عمل الوحي الإلهي ، الذي هيأ شعباً مستعداً لقبول الخلاص و الفداء و التجسد الإلهي ، بنبوءات و رموز ... و هو أيضاً عمل الملائكة القديسين الذين قيل عنهم :

" أليسوا جميعهم أرواحا خادمة ، مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص " ( عب 1 : 14 ) .

هؤلاء هم الملائكة الحالة حول خائفي الرب و تنجيهم من كل شر ... هؤلاء الذين نقول عنهم للرب في صلواتنا باستمرار " احطنا يا رب بملائكتك القديسين ، لكي نكون في معسكرهم محفوظين و مرشدين " . تهيئة النفوس هي أيضاً مسئولية كل الذين يعملون في كرمه . فأحدهم يغرس ، و الثاني يسقي ، و الله ينمي .و كلهم عاملون مع الله ( 1 كو3 : 6 ، 9 ) ... و لكن من أجل قلة العاملين في ئهيئة النفوس للرب ، لذلك يقول لنا :

" الحصاد كثير ، و لكن الفعلة قليلون . أطلبوا إلي رب الحصاد أن يرسل فعلة لحصاده " ( مت 9 : 37 ) .

و مع ذلك يحتاج الرب إلي فعلة من نوعين ... لا يكونون مثل أولئك الكرامين الأردياء الذين قال لهم الرب " ملكوت الله ينزع منكم ، و يعطي لأمة تعمل ثماره " ( مت 21 : 43 ) . و الذي يهيئ للرب شعباً مستعداً عليه أن يكون طويل البال ، لا يضجر بسرعة . حتى إن كانت الشجرة لا تصنع ثمراً لسنوات طويلة ، لا يقطعها للتو ، بل يتركها سنة أخري ، و ينقب حولها و يضع زبلاً ، لعلها تأتي بثمر ( لو 13 : 8 ) .

هناك كثيرون مسئولون أن يهيئوا للرب شعباً مستعداً ، منهم الآباء و الأمهات في محيط الأسرة .

الأطفال في أيديهم عجينه لينة يمكنهم تشكيلها بالطريقة التي ترضي الرب ، بالتعليم و التدريب ،و بالقدوة الحسنة ، وبوضع الأساس الروحي القوي ، الذي تبني عليه الحياة الروحية راسخة ، لا تزعزعها محاربات العدو من الخارج ... للأسف كثير من الأسرات ، تهمل تربية أولادها ، معتمدة علي الكنيسة و مدارس الأحد . و لكن هذا لا يعفيها مطلقاً من المسئولية أمام الله ، ناسين قول الكتاب :

" رب الولد في طريقه . فمتي شاخ أيضاً ، لا يحيد عنه " ( أم 22 :6) .

و أيضاً قول الرسول " أيها الاَباء لا تغيظوا أولادكم ، بل ربوهم بتأديب الرب و إنذاره " ( أف 6 : 4 ) . إن التاريخ يحدثنا عن أمهات قديسات ، أعددن للرب أبناء صالحين قادوا شعوباً . مثل يوكابد الذي كان من ثمرة بطنها و تربيتها موسي النبي ، و مريم النبية ، و هارون رئيس الكهنة . و كذلك تلك الأم القديسة التي أنجبت القديس باسيليوس الكبير رئيس أساقفة قيصرية كبادوكيا ، و أخيه القديس غريغوريوس أسقف نيصص ، و أخيه القديس بطرس اسقف سبسطية ،و أختهم القديسة ماكرينا المرشدة الروحية و رئيسة الدير ...

هؤلاء الأمهات القديسات أدركن عمل الإشبين في الكنيسة .

الكنيسة تسلم الأمهات الأطفال بعد المعمودية لكي يقمن – كإشبينات – بتربية هؤلاء الأطفال تربية روحية في مخافة الله و محبته . فإن قامت الأمهات بواجبهن الروحي ، يمكنهم حينئذ إعداد شعب مستعد للرب . و تستطيع الأم أن تعطي إبنها من الروحيات أضعاف ما تعطيه له مدارس الأحد ، و تحفظ له النقاوة التي خرج منها من المعمودية ، بل تنميها أكثر و أكثر . و تهيئ ابناءها للرب و خدمته ... و ينشأ الأبناء علي حياة القداسة في ( كنيسة البيت ) ...

كذلك عمل الكنيسة أن تهيئ للرب شعباً مستعداً ...

تقوم بتهيئته عن طريق الكرازة و نشر الإيمان ، و عن طريق الأسرار المقدسة : و بخاصة المعمودية و المسحة المقدسة ، و سري التوبة و الإفخارستيا . و كانت الكنيسة في القديم تهيئ المؤمنين للعماد عن طريق فصول الموعوظين ،و شرح قانون الإيمان لهم كما في كتاب القديس كيرلس الأورشليمي .

بل كانت الكنيسة تعد شعباً مستعداً للإستشهاد .

تعلمه تفاهة الحياة الأرضية ، و تدربه علي حياة الزهد في المادية و تثبته في حياة الإيمان ،و تشرح له كيف أن الموت مع المسيح أو لأجل المسيح يؤهله إلي الحياة معه في الفردوس .و أن الموت ليس سوي إنتقال إلي حياة أفضل في عشرة الله و ملائكته و قديسيه ... و ما أكثر الكتب التي حفظتها لنا مكتبة أقوال الآباء و موضوعها [ الحث علي الإستشهاد ] ... و بهذا كله كان الشهداء يتقبلون العذابات و الموت في شجاعة و فرح ...

كانت الكنيسة تعد المؤمنين أيضاً للأبدية .

تعدهم لملاقاة الرب ، سواء في الموت الشخصي أو في مجئ الرب . و كانوا يستخدمون عبارة (ماران اَثا) أي ربنا اَت ، كما كثب القديس بولس الرسول ( 1 كو 16 : 22 ) . تعدهم للأبدية ، بعد الخوف من الموت ، و بحياة التوبة و القداسة ، و بالتعليق بالسماء والحياة الخري . و بقول بولس الرسول " لي إشتهاء أن أنطلق و أكون مع المسيح . ذاك أفضل جداً " ( في 1 : 23 ) .

كانت الكنيسة تعدهم ضد الشكوك و الهرطقات .

بتثبيتهم في الإيمان المستقيم ،و بقول القديس بطرس " مستعدين في كل حين ، لمحاربة كل من يسألكم عن سبب الرجاء الذي فيكم " ( 1 بط 3 : 15 ) . و كانت الكنيسة تعد شعبها بالرد علي كل الهرطقات و البدع ، بالمجامع المقدسة و كتب الاَباء و بالتعليم القوي ، حتي لا ينحرف أحد عن إيمانه بما يبذره المبتدعون من شكوك ...

و كانت الكنيسة بمداومة التعليم تهيئ للرب شعباً مستعداً.

كما قال القديس بولس لتلميذه تيموثاوس " لاحظ نفسك و التعليم وداوم علي ذلك . فإنك إن فعلت هذا ، تخلص نفسك و الذين يسمعونك أيضاً " ( 1 تي 4 : 16 ) . و هكذا كانت الكنيسة تشترك أن يكون الأسقف صالحاً للتعليم ( 1 تي 3 : 2 ) " لكي يكون قادراً أن يعظ بالتعليم الصحيح ،و يوبخ المناقضين " ( تي 1 : 9 ) . وحتي بالنسبة إلي المخطئين ، تقول الدسقولية " اصلح الذنب بالتعليم " .

و كانت الكنيسة تعد للرب شعباً ، بالتأديب أيضاً ...

كما يقول القديس بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس الأسقف " وبخ انتهر عظ " ( 2 تي 4 : 2 ) " الذين يخطئون وبخهم أمام الجميع ، لكي يكون عند الباقين خوف " ( 1 تي 5 :20 ) . و من أجل الإحتفاظ بقدسية الكنيسة أمر القديس بولس من جهة خاطئ كورنثوس " أن يسلم مثل هذا للشيطان لإهلاك الجسد ، لكي تخلص الروح في يوم الرب " ( 1 كو 5 : 5 ) . و وبخ أهل كورنثوس قائلاً لهم " اعزلوا الخبيث من بينكم " ( 1 كو 5 : 13 ) . و يقول القديس يهوذا غير الإسخريوطي " و خلصوا البعض بالخوف ، مختطفين من النار ، مبغضين حتى الثوب المدنس من الجسد " ( يه 23 ) .

و كانت الكنيسة تهيئ للرب شعباً ، عن طريق الصلاة و تشجيع صغار النفوس و الضعفاء .

إذ يقول الرسول في ذلك " شجعوا صغار النفوس ، اسندوا الضعفاء ، تأنوا علي الجميع " ( 1 تس 5 : 14 ) . و يقول أيضاً " اذكروا المقيدين كأنكم مقيدون معهم ، و المذلين كأنكم أنتم أيضاً في الجسد " ( عب 13 : 3 ) . و قيل عن السيد المسيح له المجد إنه كان " قصبة مرضوضة لا يقصف ، و فتيلة مدخنة لا يطفئ " ( مت 12 : 20 ) . و من أجل تهيئة شعب لله ، كانت الكنيسة تصلي أن يرسل الرب فعلة لحصاده ،و أن يعطي الرب قوة الخدام ،و حكمة للرعاة و سمعاً و قبولاً من المخدومين . كذلك تشجع الشعب علي السهر الدائم علي خلاص أنفسهم ، كما قال الرب " اسهروا و صلوا لئلا تدخلوا في تجربة " ( مت 26 : 41 ) . و كما قيل عن حراسات الليل إنهم كانوا " كلهم قابضون سيوفاً و متعلمون الحرب . كل رجل سيفه علي فخذه من هول الليل " ( نش 3 : 8 ) .

و الكنيسة تعد للرب شعباً مستعداً في الحروب الروحية .

تقول لأولادها " اصحوا و اسهروا لأن إبليس خصمكم كأسد زائر ، يجول ملتمساً من يبتلعه هو . فقاوموه راسخين في الإيمان " ( 1 بط 5 : 8 ، 9 ) . و تجعلهم مستعدين لملاقاته ، بضبط النفس ، و بالصلاة ، و التداريب الروحية ، و المداومة علي الإعتراف و التناول ، مستعدين ضد كل غواية و فكر " مستأسرين كل فكر لطاعة المسيح " ( 2 كو 10 : 5 ) . في كل ما قلناه إسأل نفسك :

كم نفساً إستطعت أن تهيئها للرب ، حتي تكون مستعدة للحياة معه و الثبات فيه ؟

الباب الثامن

تكونون لي شهوداً

قال السيد الرب لتلاميذه " و تكونون لي شهوداً في أورشليم ، و في كل اليهودية و السامرة و إلي أقصي الأرض " .

إذن فالإنسان المؤمن لا يكتفي بأن يعرف الله ، إنما ينبغي ان يكون شاهداً له ، يعرف الناس به ...

من الأمثلة الواضحة في هذا المر ن المرأة السامرية التي لما عرفت الرب ، لم تستطع أن تصمت . و غنما ذهبت لأهل بلدها ، و قالت لهم " تعالوا و أنظروا إنساناً قال لي كل ما فعلت " ( يو 4 : 29 ) . و من الأمثلة الأخري فيبلس لما عرف المسيح ، لم يقتصر علي معرفته ،و إنما " وجد نثانائيل و قال له : وجدنا الذي كتب عنه موسي في الناموس – يسوع الذي من الناصرة " ( يو 1 : 45 ) .

و هكذا كان الواحد له تأثير علي غيره ، يضمه إلي الرب .

من الجائز أنك لا تكون من الناس الكبار الذين أعطاهم الرب خمس وزنات ،و لا حتي من الذين أخذوا وزنتين .و ليست لك سوي وزنة واحد . هذه أيضاً لابد ان تتاجر بها و تربح . و لابد ان تسأل نفسك هذا السؤال الهام :

ما مدي شهادتي للمسيح ؟ من هم الذين أوصلتهم إلي الرب ؟

لا تحاول أن تعتذر او تتهرب ز لا تقل ليست لي مواهب و لا أصلح ، كما قال موسي ط لست صاحب كلام . أنا إنسان اغلف الشفتين . أنا ثقيل الفم و اللسان " ( خر 4 : 10 ) ( خر 6 : 30 ) .و لا تقل كما قال أرميا " لا أعرف ان أتكلم لأني ولد " ( أر 1 : 6 ) . لأن الله لم يقبل استعفاء موسي و لا أرميا . أريد أن أقول لك ماذا تفعل إن لم تكن لك مواهب ، أو حسبت نفسك كذلك ...
اشهد للرب بحياتك ، بروحك ، بسلوكك ، بمعاملاتك ...

و حينئذ ينطبق عليك قول الرب ط فليضء نوركم هكذا قدام الناس ، لكي يروا أعمالكم الحسنة ،و يمجدوا اباكم الذي في السموات " ( مت 5 : 16 ) . و بهذا تكون قد شهدت للرب ... علي الأقل شهدت بأن وصاياه ممكنة التنفيذ ،و ليست مجرد مثاليات خيالية ، كما يظن البعض ...! و كل من يراك يقول :

حقاً " إن أولاد الله ظاهرون " (1 يو 3 : 10 ) .

نعم ، ظاهرون و مميزون : في حياتهم و تصرفاتهم و أسلوبهم الروحي ،و طريقة معاملاتهم ، و نوعية ألفاظهم المنتقاة ... و كل من يستمع إليك يقول " لغتك تظهرك " ( مت 26 : 73 ) .و لكي تكون لك هذه الشهادة ، ينبغي أن تكون لك حياة روحية نقية و مثمرة . و علي الجانب الآخر ، لا يستطيع أحد أن يشهد لله بكلامه فقط ، بينما حياته خاطئة . حينئذ سوف تقف حياته ضد كلامه الروحي ، و تفقد ذلك الكلام تأثيره ...

أيضاً يمكنك أن تشهد لله في بيتك ، وسط عائلتك ...

أهل بيتك يعيشون معك باستمرار ،و ينجذبون إليك برابطة الأم ، و بينك و بينهم محبة طبيعية و علاقة طيبة ... فهم أقرب إلي التأثر بك ، إن كنت ذا تاثير . و إن كنت لا تستطيع أن تشهد لله في بيتك ، فكيف تشهد للغرباء ؟! إنما هناك شرط لشهادتك في بيتك ، أن تكون حياتك بلا لوم أمامهم ،و أن تقول لهم ما تنفذه فعلاً في حياتك من الفضيلة و نقاوة السيرة . و إلا فإنهم يقولون لك " أيها الطبيب ، إشف نفسك " ( لو 4 : 23 ) .

و إن لم تستطع في بيتك أن تشهد للرب وسط الكبار ، فعلي الأقل افعل ذلك وسط الصغار ، مع الأطفال ...

الأطفال الذين إذا أحبوك يقلدونك . و إن أحببتهم يلتفون حولك ، و يحبون أن يسمعوا منك حكاية أو ترتيلة أو كلمة تعليم . خذ هؤلاء مجالاً لخدمتك ، و قل " ها أنا و الأولاد الذين أعطانيهم الرب " ( أش 8 : 18 ) ( عب 2 : 13 ) . و إن كنت رب أسرة و مسئولاً عن هؤلاء الأطفال ، تقول " أما أنا وبيتي ، فنعبد الرب " ( يش 24 : 15 ) .

لذلك فالإنسان الذي لم يستطع أن يدبر أهل بيته حسناً ، لا يصلح أن يكون كاهناً .

لأن هذا هو أحد الشروط التي اشترطها الكتاب فيه ، إذ يقول "يدبر أهل حسناً " . له أولاد في الخضوع بكل وقار " ( 1 تي 3 ك 4 ) . و يتابع الرسول فيقول " و إنما إن كان أحد لا يعرف أن يدبر بيته ، فكيف يعتني بكنيسة الله ؟!" ( تي 3 : 5 ) . إذن موضوع الشهادة في البيت أمر هام .

فالأم إشبينة لإبنها في وقت العماد .

استلمته من الكنيسة لتربيه في خوف الله ن و تدربه علي حياة الفضيلة ، و تعلمه الصلاة و الترتيل ثم الصوم حينما يكبر ، و تعطيه القدوة الصالحة ، و تجعله يحب الكنيسة و كل ما فيها ... ثم تدربه في نضوجه علي الإعتراف و التناول ... وكذلك الأب يقف أمامه قول الرب في سفر التثنية " و لتكن هذه الكلمات التي أنا أوصيك بها اليوم علي قلبك ، و قصها علي أولادك . و تكلم بها حين تجلس في بيتك ..." ( تث 6 : 6 ، 7 ) . هذا من الناحية الإيجابية . أما من الناحية السلبية ، فإن الرب الذي يثور في البيت ، و يشتم و يتشاجر ، فإنه يكون عثرة لأولاده في روحياتهم ... و ينطبق عليه عقاب الرب للذين يعثرون الصغار (مت 18 : 6 ) ...

يمكنك أيضا أن تشهد للرب وسط أصدقائك و معارفك ...

وسط زملائك في العمل ، و في اماكن نشاطك كلها . تقدم شهادة للروح الطيبة ، للحياة الفاضلة ز لعفة اليد ،وعفة اللسان ، وحسن التعامل مع الآخرين . و تقدم مثالاً للمحبة التي تعطي و تبذل و تضحي ، و تنقذ الآخرين و تساعدهم . بحيث كل إنسان يتعامل معك ، يحب الحياة التي تحياها ، و يمجد الله بسببك ...

أنا لا أقصد بشهادتك للرب ، أن تقيم نفسك معلماً لغيرك " .

و إنما أن تقدم لهم الأمثولة الطيبة للحياة الفاضلة . و إن سألوك عن شئ ، تكون مستعداً للإجابة في وداعة و إتضاع قلب ... و هنا أنتقل إلي نقطة أخري و هي :

الشهادة للرب في محيط الخدمة .

هذا إذا دعتك الكنيسة أن تخدم ، و قدمت لك مسئولية تقوم بها .و طبعاً ليس كل إنساناً خادماً في الكنيسة . و لكن لاشك أن المسئولين فيها إن وجدوا فيك الغيرة المقدسة و روح الخدمة و الإستعداد و الإمكانيات ، لا بد أن يستخدموك . و إن لم تكن لك خدمة رسمية ، يمكن أن تزور المرضي ن و أن تعزي الحزاني .و في كل مناسبة كهذه أو غيرها ، تقول كلمة طيبة حسبما يعطيك الرب ان تقول ، لا كعظة إنما كعزاء ... و تذكر في حياتك الروحية و في صلتك بالناس قول الرب :

" كل شجرة لا تصنع ثمراً جيداً ، تقطع و تلقي في النار " ( مت 7 : 19 ) .

و هكذا قال المعمدان أيضا ( مت 3 : 10 ) . و الثمر الذي تصنعه ، بعض منه خاص بك ، و البعض خاص بغيرك ممن تشهد للرب في حياتهم ، و تقودهم لحفظ وصاياه . وثق أنك إن عملت في هذا الميدان سوف يعطيك الرب مواهب و الإمكانيات . فهو يقول عن الغصن المثمر " كل ما يأتي بثمر ، ينقيه ليأتي بثمر أكثر " ( يو 15 : 2) .

ما أعمق حياة الذين شهدوا للرب و أتوا بثمر كثير ...

يونان النبي يدخل الملكوت ، و خلفه 120 ألفاً من أهل نينوي . و القديس الأنبا أنطونيوس يدخل ربوات ربوات من الرهبان و النساك و القديس بولس الرسول يدخل إلي الملكوت ، و خلفه مدن كثيرة كرز فيها بإسم الرب ... و أنت ماذا فعلت ؟ من ستدخله معك إلي الفردوس ؟

الإنسان الروحي له رسالة مع كل شخص يدفعه الرب إلي طريقه ، كما فعل فيلبس مع الخصي الحبشي .

لقد قابله في الطريق ، فرافق مركبته .و انتهي الأمر بأن اَمن ذلك الخصي علي يديه ، فعمده ، و مضي ذلك الرجل في طريقه فرحاً ( اع 8 : 26 – 39 ) . و كم من أشخاص القاهم الرب إلي طريقك ، و لم تفعل شيئاً لأجلهم ، بينما كان الصوت يرن في أذنيك " تقدم و رافق هذه المركبة " ( أع 8 : 29 ) . زملاؤك و جيرانك و محبوك ،و ربما البعض ممن قابلتهم عفواً ، و كانوا يحتاجون إلي كلمة الرب من فمك . و كانت الفرصة متاحة ، و لم تستغلها!!

هناك من يشهدون للرب بألسنتهم . و هناك من يشهدون له بطريق غير مباشر .

كمن يقدم لشخص كتاباً ن و يقول له " ليتك تقرأ هذا الكتاب ، فإنني قد إستفدت منه كثيراً " ...أو يقدم لغيره شريط كاسيت أو فيديو ...أو يدعوه إلي إجتماع ... أو كاب كاهن مثلاً لا يجيد الوعظ ،و لكنه يدعو إلي كنيسته وعاظاً مقتدرين يتأثر أولاده بعظاتهم . كما أنه يغذي مكتبة الكنيسة بكتب نافعة جداً لأولاده – و يكون في كل ذلك قد شهد للرب بطريق غير مباشر ...

يا ليت لقاءاتنا مع الناس ، تكون فيها لمسة روحية ...

و لو بطريقة غير مباشرة ، لا تبدو مصطنعة أمام الناس . و الخادم الروحي يستطيع أن ينتهز الفرصة التي يقدم فيها كلمة منفعة ، أو يستشهد باَية لها تأثيرها ، أو بقول أحد القديسين . و يكون قد قدم رسالة للسامعين ، دون أن يبدو في موقف الواعظ . و أحياناً تكون أمثال هذه الكلمات ذات تأثير أعمق ، مع أنها تبدو كما لو كانت قد أتت عفواً ، في بساطة و في حكمة ز

ليتك تأخذ هذا التدريب في لقاءاتك مع الناس ...

ألا تستطيع ان تجد فرصة طوال يومك ، تقول فيها كلمة يمكنها أن تثبت في قلوب سامعيك أوفي عقولهم ؟!

أم يمر اليوم عليك عقيماً ، دون أن تشهد للرب . فيه شهادة واحدة ...!!و دون أن يرد إسم الله علي فمك !

أنا أعرف أن الكتاب المقدس له استعمال في غرفتك الخاصة . و لكن هل له استعمال في علاقاتك الإجتماعية ؟

و حينما تأتي المناسبة تخرج من كنزك – أي من محفوظاتك – جدداً و عتقاء ، كما قال الرب ( مت 13 :52 ) ... و هذا يحدث إن كان في ذاكرتك رصيد من الآيات لشتي المناسبات . و كانت لك النية لاستخدام ما في ذاكرتك . وكذلك إن كانت لك الحكمة في إختيار المناسبة ...

كم من أناس لهم اشتياق أن يسمعوا . و للأسف لم يجدوا من يكلمهم ، علي الرغم من اختلاطهم بخدام الكنيسة ...!! و قد يعاشرون خداماً سنوات و سنوات ، و يكون الواحد منهم ، متكلماً و لطيفاً ن ولكنه لا يتحدث عن الله ... كما لو كان يخجل أن يذكر اَية ، أو كلمة من أقوال الآباء ، أو قصة من قصص القديسين ، أو حديثاً عن فضيلة من الفضائل ، أو نصيحة مفيدة ... و كأنه شجرة خضراء مملوءة ورقاً ، و لكن بلا ثمر ...!!

حاول أن تختبر هذا الأمر ن أن تتكلم عن الله ...

أن يكون في كلامك عمق روحي . أن تقصد توصيل رسالة من الله إلي الناس . و ستري أن النتيجة ستكون طيبة جداً . حتى لو استفاد كم كلامك شخص واحد من بين مجموعة ، فهذه بركة و نعمة . لقد تحدث القديس بولس الرسول في أثينا .و تأثر بكلامه شخص وسط جمع من المستهئزئين به ، هو ديونسيوس الأريوباغي ( أع 17 : 34 ) . وكان أول أسقف لأثينا فيما بعد ...

رسالتك أن تلقي البذار ، و اترك الثمار لطبيعة الأرض .

فهكذا علمنا الرب في مثل الزارع (مت 13 ) . و ثق أن الذي لا تثمر فيه كلمتك اليوم ، ربما تثمر بعد حين ، حينما تهيئ نعمة الرب أرضه للإثمار . استمع إلي قول الكتاب " إلق خبزك علي وجه المياه ، فإنك تجده بعد ايام كثيرة " ( جا 11 : 1 ) . لماذا لا يكون الرب علي لسانك ، و يشغل جزءاً من أحاديثك ؟!و لماذا لا تكون لك الغيرة المقدسة التي تدفعك دفعاً إلي العمل في ملكوت الله ن و الشهادة للرب في عالم مظلم ؟ استمع قول الرسول :

"من رد خاطئاً عن ضلال طريقه ، يخلص نفساً من الموت ، و يستر كثرة من الخطايا " ( يع 5 : 20 ) .

حاول إذن أن تعمل في هذا المجال ، بدلاً من أن تسمع عن الخطاة ، فتنقدهم و تشر بهم ، أو تحتقرهم ، دون أن تعمل علي خلاص احد منهم !! أو إن شهدت للرب في حياتهم ، تشهد لما ينتظرهم من جهنم النار ، دون أن تفتح باب التوبة أمامهم ، و تختطفهم من النار لتخلصهم ( يه 23 ) .

إن الشهادة لله ينبغي أن تكون في حكمة و في حب ...

استمع إلي القديس بولس و هو يقول " ايها الأخوة ، إن أنسيق إنسان فأخذ في زلة ، فاصلحوا أنتم الروحانيين مثل هذا بروح الوداعة ، ناظراً إلي نفسك لئلا تجرب أنت ايضاً . احملوا بعضكم اثقال بعض " ( غل 6 : 1 ، 2 المعني قال بولس الرسول لشيوخ أفسس الذين استدعاهم من ميليتس " لم أفتر أن أنذر بدموع كل أحد " ( أع 20 : 31 ) .

و لتكن شهادتك للرب مقنعة و مشبعة و دسمة .

تستطيع أن تجذب بها نفوس الناس ن فيفرحون بما يسمعونه من كلامك . كما قال سمعان بطرس للسيد المسيح " إلي من نذهب ؟! و كلام الحياة الأبدية هو عندك " ( يو 6 : 68 ).

و ثق أنك في شهادتك للرب ن سوف تستفيد أنت ايضاً .

سوف تنمو في الروح ، و في معرفة كلمة الرب . و سوف تدخل في شركة الروح القدس ، حينما يتكلم روح الله من فمك ( مت 10 : 20 ) . و ستجد نفسك مدفوعاً إلي تنفيذ ما تقوله لغيرك . و ينطبق عليك قول الرسول : " تخلص نفسك و الذين يسمعونك أيضاً " ( 1 تي 4 : 16 ) . و سيدخل في حياتك عنصر الحب : حب الله و ملكوته ، و حب الناس . وحينما تري ثمر خدمتك في الناس ، سيدخل الفرح إلي قلبك .كما انك سوف تكتسب خبرات روحية في الخدمة و عمل الله فيها و فيك ز و ستدفعك الخدمة إلي الصلاة ، فتصلي لأجل المخدومين و لأجل نفسك ... وهكذا تنمو روحياً ...

في شهادتك لله ، أتراك إذن تعطي أم تأخذ ؟

لا شك أنك تأخذ أكثر مما تعطي . فإلي جوار كل ما ذكرناه من فوائد روحية ، ستأخذ أيضاً أكاليل لجهادك ( 2 تي 4 : 8 ) . و سيكون لك شرف العمل مع الله ( 1 كو 1 : 8 ) . و يمنحك الله نقاوة ليكثر ثمرك ، لنه قال " أنقيه ليأتي بثمر أكثر " ( يو 15 : 2 ) .

الباب التاسع

الخادم داخل الأسرة

وضع خاطئ :

العجيب أن كثيراً من الخدام عندهم إزدواج في الشخصية :

فهم في محيط الخدمة بطريقة ، و داخل الأسرة بطريقة أخرى عكسية

في مدارس الأحد : ملاك طاهر ، إنسان لطيف ، بألفاظ كلها إتضاع ورقة ، كأن يقول " صلوا من أجلي ، أنا الخاطئ ، أنا الضعيف ، غير المستحق " ... أما داخل الأسرة ، فهذا الخاطئ غير المستحق يبدو علي حقيقته ، الغضب و العنف ، و ربما الإنتهار و الشتيمة و الضرب ....! لذلك فالشخص الذي يرشح للكهنوت من الخدام ، لا تكفي فكرة زملائه الخدام عنه ، إنما أيضاً رأي أفراد اسرته فيه ... ربما يحاول أن يكون قدوة خارج الأسرة ، و لكنه في أسرته غير ذلك . قد يفتقد و يخدم الكثيرين خارج الأسرة . و لكن لا خدمة له داخل أسرته .

و أحياناً يخدم داخل أسرته ، فيتحول إلي رقيب علي كل أحد ، عنيف في رقابته ، معلم و مؤدب ، يأمر و ينهي ، بطريقة تنفر من الدين .

أتذكر خادماً أيامنا، رأي عند أخته في البيت أدوات مكياج ، فثار عليها ، و شتمها و صفعها علي وجهها ، وألقي بأدوات المكياج من البلكون !! فهل هذا اسلوب روحي في الخدمة ؟! و هل هذه طريقة تجعل اخته تحب التدين ، أو تحترم خدام الكنيسة ... بل لا مانع عند مثل هذا ( الخادم ) من أن ينتهر أباه و أمه ، إن كان تصرف أحدهما لا يعجبه .

فهو إما انه لا يخدم الأسرة ن أو يخدم بكبرياء و عنف .

و قد ينطوي علي نفسه داخل أسرته ، و يشكو من أنه يعثر من الأسرة ، و أنه علي يعثر من الأسرة ، و أنه علي خلاف بينهم في كل المبادئ الروحية . و قد يحدث أن أسرته تمنعه من الخدمة و من الكنيسة ، لأنها تري أن ( تدينه ) قد حوله إلي الصلف و إلي العنف ، و البعد عن المحبة و اللطف ز أو تري أنه قد أهمل دروسه و واجباته بحجة الخدمة و مواعيدها و متطلباته ... بل أن أسرته هي التي تعثر منه و من تصرفاته ! هنا و نسأل – من الناحية الإيجابية – عن كيفية الخدمة داخل الأسرة ...

كيف يخدم ؟

1- بالتعاون مع أهل البيت :

هناك خادم يعطي درساً عن السامري الصالح في مدارس الأحد . و لكنه لا يكون سامرياً صالحاً في بيته . إن الدين ليس مجرد معلومات تلقي علي الناس ، إنما هي حياة نحياها... لذلك كن خدوماً و متعاوناً في البيت . تدخل البيت ، فلا تجد والدتك قد انتهت من تجهيز الطعام بعد ... فلا تغضب و لا تلقي محاضرة في حفظ المواعيد ، إنما أدخل و ساعدها في تجهيزه ، كن معها أيضاً في إعداد المائدة . و إن إنتهيت من تناول طعامك ، فلا تتركهم يحملون بقاياك و يغسلون أطباقك . و إنما اشترك في ذلك . هل الأمر يكلفك بضع دقائق ؟ إنها شئ بسيط تساهم به في مساعدة والدتك و أخواتك . بل تنال بركة دعاء الوالدة و محبتها لك لأنك تساعدها و لا تتركها وحدها .

بعض (الخدام ) لا يكتفون بعدم تعاونهم في خدمة البيت ، بل يحملون أهل البيت ثقلاً في خدمتهم .

يستيقظون من النوم ، و يخرجون إلي العمل ، و يتركون كل شئ مبعثراً في حجرتهم ، لمن يتولي عنهم ترتيبه ! لماذا لا ترتب فراشك حالما تستيقظ من نومك ؟ و لماذا لا ترتب ملابسك و مكتبك قبل أن تخرج من البيت . لماذا تعتبر أن الخدمة هي فقط تحضير الدروس و إلقاؤها . ألست الخدمة هي أيضاً التعاون مع أهل البيت ؟

لماذا لا تتعاون مع أخوتك الصغار في أن تشرح لهم دروسهم .

أو تساعدهم في ما يحتاجون إليه . و هكذا يحبونك و يتعلقون بك .و بهذا الحب يمكنك أن تفيدهم روحياً . لماذا لا تتعلم بعض الهوايات التي تستطيع بها أن تصلح بعض الآلات الكهربية في البيت أو ما يشابهها ، فتساعدهم اقتصاديا بدلاً من إنفاقهم علي ذلك ؟

2- نقطة أخري في خدمتك للبيت هي البشاشة و المحبة .

كن في بيتك بشوشاً ، تشيع جواً من البهجة و الفرح في البيت ، و تجعل الكل يحبونك ، و بخاصة الصغار ، بوجهك البشوش الحلو ،و بابتسامتك اللطيفة ،و ما تقصه علي أخوتك من حكايات و ألغاز ، بمرحك و لطفك ... و لا تكن مثل أولئك الذين لا يحفظون من بستان الرهبان غير عبارة " ادخل إلي قلايتك و ابك علي خطاياك " ، و لا يحفظون من الكتاب المقدس سوي قول الحكيم " بكاَبة الوجه يصلح القلب " ( جا 7 : 3 ) .و هؤلاء يكتفون فقط بحياة التجهم و الكاَبة و التزمت و البكاء ، بل يريدون أن يكون كل أهل البيت مثلهم مكتئبين !!

و يشيعون أن الضحك خطية ! و يلومون كل من يضحك !

و إن ضحك أهل البيت ن يعتبرون هذا منهم إنحلالاً !! و ينسون قول الكتاب " و للضحك وقت " ( جا 3 : 4 ) ، و قول الكتاب " افرحوا في الرب كل حين ، و أقول ايضا افرحوا " ( في 4 : 4 ) . و إن من ثمار الروح " محبة فرح سلام " ( غل 5 : 22 ) . إن القديس أرسانيوس أشتهر بالدموع ، و لكنه أمام الناس كان بشوشاً . فلا تجعل أهل بيتك يتصورون أن كل من يدخل في الحياة الدينية ، تتحول حياته إلي كاَبة ، لئلا يخافوا من التدين بسببك !! بل إعطهم فكرة عن البشاشة الروحية و سلام القلب !!

3-نقطة ثالثة في خدمتك للأسرة هي إحترامك للكل .

احترس من أن يكبر قلبك بسبب تدينك ن فتحتقر الآخرين أو تدينهم ، أو أن تكلمهم من فوق ...! لأن كثيرين حينما دخلوا إلي محيط الخدمة ، وضعوا في ذهنهم لافتة مكتوب عليها " عظ ، وبخ ، انتهر " ( 2 تي 4 : 2 ) . و بهذا الإنتهار أصبح أهل البيت يحترسون من ألفاظهم القاسية ،و تعبيراتهم الخالية من الإحترام بالنسبة إلي الكبير و الصغير . و ينسون أن هذه العبارة قد ارسلها القديس بولس الرسول إلي تلميذه تيموثاوس الأسقف ، و ذكر له الأسلوب " بكل أناة و تعليم "(2 تي 4 : 2 ).

فهل أنت تقيم نفسك اسقفاً للبيت ، أم أنت مجرد خادماً ؟

و حتي الأسقف لا يكون دائم التوبيخ ، بل قيل له بالنسبة إلي الكبار " لا تنتهر شيخاً ، بل عظه كأب ، و العجائز كأمهات ، و الأحداث كأخوة .." ( 1 تي 5 : 1 ) بل قيل عن الأسقف ايضاً أنه يكون محتشماً حليماً غير مخاصم (1تي 3 : 2 ، 3 ) و لا يكون غضوباً ( تي 1 : 7 ) ...

فلا تجعل محبة الخدمة تخرجك عن فضيلة الأدب و إحترام الغير .

و الرسالة الروحية التي تريد أن تنقلها إلي الآخرين ، قدمها لهم بكل محبة و لطف و إحترام ، و في عفة اللسان ، و بتواضع القلب ... حتي أخوتك الصغار ، إن طلبت منهم طلباً ،و قلت للواحد منهم " عن إذنك .. لو تسمح .. ممكن كذا " .. هو نفسه سيتعلم منك هذا الأسلوب الرقيق ،و يستخدمه في حديثه مع غيره ، و بهذا تكون قد خدمته عن طريق القدوة العملية .

حاول في خدمتك العائلية أن لا تجرح شعور أحد .

و لا تتكلم بكلمة تجرح شعور إنسان . بل إحترم الكل ، فيحترمونك و يتعلموا منك إحترام غيرهم ، و يتعلموا أيضاً اللطف في الحديث ،و ادب التخاطب ، و النصح الهادئ .و إن كانت هناك نصيحة تقدمها لأبيك أو أمك ، أو من في مستواهما ، فاحرص جيداً ألا تتكلم كمعلم ..! احتفظ بتوقير من هو أكبر منك سناً أو مقاماً .

4- يمكنك – بالنسبة إلي الكبار – أن تقدم التعليم غير المباشر .

كأن تحكي قصة هادفة من قصص الآباء ، أو تأملاً في اَية معينة دون أن توجهها إلي أحد معين ، أو خبرة لحكيم ، أو فكاهة لطيفة تؤدي نفس الغرض ، مع حذف كل عبارة موجعة يتصادف وجودها في ما تقصه من القصص . و احذر من أن تجلس إلي أبيك و تقول له " أريد يا بابا أني أكلمك كلمتين من أجل خلاص نفسك ؟ ... كما لو كان خلاص نفسه في خطر ، أو كان هالكاً يحتاج إليك أن تنقذه ... بل يمكن أن تحكي قصة لأخوتك الصغار ، و يسمعها أبوك عفواً أو قصداً ...

5- يجب في خدمتك العائلية أن تتصف بالتواضع و الحكمة .

لا شك أن الحكمة تعلمك التواضع ، و تعلمك الأسلوب المهذب الذي تتكلم به . و لا تظن أنك لكي تصلح الكبار تتجرأ عليهم ، أو لكي تصلح الصغار تتسلط عليهم . و لا تستخدم أسلوباً – فيما تحاول به أن تخلص غيرك – تهلك نفسك . كن صغيراً باستمرار في محيط أسرتك . لا تشعرهم فيما تقدمه من نصائح ، أنك أصبحت أوسع منهم فكراً ، و أكثر معرفة ، أو أنك أكثر منهم روحانية ، و أنفي منهم قلباً ... !

إنك بهذا الأسلوب المتعالي ، تخسر صداقتهم ، و تخسر نفسك .

ماذا تستفيد إن كانت طريقتك في الخدمة قد علمتك السيطرة ،و عودتك علي الغضب و الإنتهار و قساوة القلب ، و أوجدت حاجزاً بينك و بين قلوب الأخرين ؟! تعلم إذن البشاشة و اللطف ، قبل أن تبدأ أية خدمة . و أعرف أن كل نفس حساسة ،و عليك إذن أن تراعي حساسيتها في خدمتك لها .

6- اعرف أن عملك هو الإقناع و ليس الإرغام .

أنت مجرد شاهد للحق ، كما أمرنا الرب قائلاً " تكونون لي شهوداً "(أع 1 :8 ) . أما أن ترغم أهلك و أخوتك علي السلوك السليم ، فليس هذا هو عملك . بل إن الله نفسه قال للشعب " أنظر قد جعلت اليوم قدامك الحياة و الخير ،والموت و الشر .. قد جعلت قدامك الحياة و الموت ، البركة و اللعنة ، فاختر الحياة كي تحيا " (تث 30 : 15 ، 19 ) ،فإن أقنعتهم بالخير ،وفعلوه باختيارهم ، ينالون أجرهم علي ذلك . أما إن فعلوا الخير إضطراراً بضغط منك ، و بدون إقتناع ، فأي أجر ينالونه ؟!

لا تظن خدمتك أن تنصح ، و ترغم ، و يتوبخ ، و تهدد ،و تعاقب .

ليس هذا هو اسلوب خدمة تنخذه مع أخوتك الصغار او أخواتك ، أو مع الكبار بأسلوب اقل . و الإ فسوف تقول الأسرة عنك " ليته ما دخل في محيط الخدمة . لقد كان قبل ذلك أكثر لطفاً و حباً و إحتراماً لغيره ... في خدمتك لا تفقد أحداً حريته ، إنما ساعده أن تتجه حريته نحو الخير ز ساعد أفراد أسرتك أن يحبوا الله . و إن أحبوه سوف يحبون الخير ، و سوف يفعلون الخير تلقائياً ، دون إرغام ، و دون توبيخ .و ستكون إرادتهم قد تظهرت ...

7- و في خدمتك احترس من الحرفية في التعليم .

لا تكن فريسياً في تعليمك ، سواء في داخل البيت أو خارجه . و نذكر بهذه المناسبة موقفك من وسائل الترفيه في داخل الأسرة أو في خارجها . لا موقفاً حرفياً يكون سبب نكد و عكننة علي الأسرة كلها ،و لا موقفاً متسيباً لا قدوة فيه و لا ضوابط . إنما تصرف فحكمة ، بخط واضح سليم بين الخير و الشر ، بحيث تكون مقنعاً ، لا متطرفاً في رأيك ، و لا مستبداً بفكرك بدون إقناع .

من حقهم أن يكون لهم ترفيه . و من واجبهم أن هذا الترفيه يكون نقياً بلا خطأ .

لا تعاملهم كرهبان أو نساك زاهدين . و ايضاً نبههم إلي مواضع الخطأ ن بحكمة و باستمرار اعط صورة مشرقة عن تدينك . لا تقدم لهم الدين كدواء مر يجب عليهم أن يشربوه لكي يشفوا و يصحوا ، إنما قدمه كمتعة روحية لهم . و لا مانع من أن يتدرجوا في ذلك . كما فعل الآباء الرسل مع الداخلين في الإيمان من الأمم ( أع 15 : 28 ، 29 ) . و كما قال القديس بولس الرسول لأهل كورنثوس " سقيتكم لبنا لا طعاما ، لأنكم لم تكونوا بعد تستطيعون " ( 1 كو 3 : 2 ) .

8- قدم لهم في خدمتك ، أنموذجاً بنجاحك في حياتك .

سواء في حياتك الدراسية بتفوقك الذي تفرح به اسرتك ، أو في حياتك الإجتماعية بكونك موضع محبة و ثقة الآخرين ن أو في حياتك الروحية بكونك بلا لوم ، لا يمسك عليك أحد خطأ ، أو في حياتك العملية بصفة عامة . إن رأوك هكذا مثالاً طيباً ، يحترمون حياتك ، و بالتالي يحترمون أيضاً أسلوبك و مبادئك ، فيتخذونك قدوة لهم ز و هكذا تكون قد جذبتهم عملياً غلي طريق الرب الذي احبوه في حياتك . تحبك أسرتك ،و تفتخر بك ،و تقبل كلامك إن تحدثت عن الله . و إن دعوتهم إلي الكنيسة ، يذهبون معك . بل قد تجد اباك يقول لأخيك الصغير " تعلم من اخيك فلان ، و انظر كيف هو ناجح و محبوب و لا يخطئ في شئ .

حينما تكون ناجحاً و متفوقاً ، و تأخذ حق الله من نفسك ، قبل أن تأخذه من غيرك ، حينئذ تكون موفقاً أيضاً في خدمتك لأسرتك .

لأنك ستكون إنساناً متوشحاً بالفضيلة ، و لست مجرد متحد عن الفضيلة . و سوف تكون درساً لغيرك ، حتى لو كنت صامتاً لم تتحدث ...

9- يمكنك بعد كل هذا أن تلقي كلمة الله .

ابدأ بأخوتك الصغار . إنهم يحبون الحكايات و سيحبونك جداً إن سمعوا منك حكايات ، من الكتاب ، من سير القديسين ، من قصص الحيوانات ، من أخبار التاريخ ... و أيضاً هم يحبون الأناشيد . علمهم تراتيل و ألحاناً . حفظهم أيضاً آيات منن الكتاب ، و قدر لهم مسابقات و ألغازاً ... و سوف يكونون فصلاً خاصاً لك . حتى لو بدأت بطفل واحد ، ثم جر وراءه أطفالاً من فروع الأسرة ن أو من أصدقائها و جيرانها . و سيأتي وقت تحب والدتك أن تسمع حكايتك ، منهم أو منك . و كذلك والدك ... و يمكن أن تكون الحكايات أثناء الجلوس علي المادئة ، أو في حجرة المعيشة ، مقدمة للأطفال ، و سيسمعها الكبار معهم ، بطريق غير مباشرة .

10- العبادة في محيط العائلة :

يمكن للأسرة المتدينة ، أن يكون لها عبادة مشتركة ، بصفة عامة أو جزئية ... إنه موضوع يحتاج إلي مقال خاص .

نصائح لخدمة أسرتك

1-لا تكن عثرة للأسرة بل اجعلهم يحبون التدين في شخصك .و يحترمون اسلوبك في الحياة .

2-كن لطيفاً في ما تقدمه من نصائح .و ابعد عن روح الكبرياء و التسلط . بل احترم الكل .

3- لا تحاول أن تفرض عليهم جوا من الخشوع الإجباري ، أو جواً من التزمت و التضييق .

4- كن حكيماً في أصوامك ، و لا تسبب قلقاً للأسرة . و لا تجعلها تشكو خوفاً عليك ، فينكشف صومك خارج الأسرة .

5- كذلك كن حكيماً في عبادتك و خدمتك ، و لا تدعها تؤثر علي حياتك الدراسية ،و لا علي مسئولياتك العائلية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.