الصفحات

فلك نوح


القمص تادرس يعقوب ملطي

فلك نوح

حديث الله مع نوح

خرج آدم وحواء من جنة عدن، وعبرت السنوات وتزايد نسلهما جدًا. ونسى البشر الله خالقهم ورعايته ووعوده الصادقة. عاشوا يمارسون الشر، ويمارسون العنف. فحزن الله أنه خلق الإنسان.

في وسط البشرية كلها وجد الله إنسانًا واحدًا صالحًا يُدعى نوحًا، هذا أحب الله ووثق في مواعيده، وصنع ما هو صالح.

تحدث الله مع نوح كما مع صديق له، وقال له:

"انظر يا نوح، فقد امتلأت الأرض عنفًا وفسادًا.

كنت أود أن يكون الإنسان سفيرًا لي على الأرض، قديسًا كما أنا قدوس.

كنت أشتاق أن يحمل الإنسان صورتي ويكون دومًا على مثالي، لكنه أساء الحرية التي وهبته إياها،

واستغل عطاياي في الشر،

وقاوم عملي، ورفض حبي، ولم يسمع لوصاياي، ولم يذعن لتحذيراتي المستمرة.

هأنذا أهلك كل البشرية، وكل خليقة حية أوجدتها لأجله.

سأغطي العالم بطوفان عظيم، وأغسله كما بمياه.

أما أنت وعائلتك، فأعطيكم وعدًا، وأقيم معكم عهدًا.

إن أردتم الحياة فاصنعوا لكم فلكًا حسب المواصفات التي أقدمها لك.

يكون الفلك سفينة عظيمة تُصنع من خشب جُفرٍ، وتطليه بالقار ليمنع تسرب الماء إليه، وتصنع فيه طاقة وبابًا في جانبه.

تدخل الفلك أنت وعائلتك.

وتأخذ معك اثنين من كل خليقة حية: ذكرًا وأنثى،

من الطيور والحيوانات والزواحف، لكن من الحيوانات التي يقدم منها ذبائح لله سبعة أزواج.

وتأخذ معك طعامًا من كل نوع تقتات به أنت والخلائق التي معك".

تصرف أبله

أسرع نوح واستأجر أناسًا يصنعون له فلكًا حسب أمر الرب، فكان كل المارين به يحسبونه غبيًا. فكانوا يقولون:

"ماذا جرى لنوح؟

ألعل انشغاله بالله أفقده وعيه؟!

هل يصنع إنسان فلكًا على أرضٍ يابسة؟!

هل ستتحول الأرض إلى نهر أوبحر أو محيط؟!

أما يعرف كيف يصرف أمواله، فيشتري بها خشبًا وأدوات لا نفع لها؟!"

هكذا عاش نوح زمانًا يسمع بأذنيه كلمات السخرية، ويشاهد نظرات عجيبة نحوه، حتى من نفس العمال الذين يدفع أجورهم بسخاء.

كان يُحدّث كل من يلتقي به عن التوبة، فكانت كلماته بالنسبة لهم غباوة وجهالة!

فلك أم سجن؟!

فجأة شاهد الناس منظرًا غريبًا، فقد بدأ نوح يُدخل الطيور والحيوانات والدواب مع الطعام إلى الفلك، كما دخل هو وعائلته- فكانوا يقولون:

"تُرى ما ذنب هذه الحيوانات والطيور والدواب ليسجنها معه؟!

ألعله يقيم حديقة حيوانات مغلقة يعيش مع عائلته في داخلها؟!"

كان نوح يصارع بين فرحه الشديد بطاعته لله وحزنه على عدم إيمان الناس وترقبه هلاكهم الحتمي.

لقد أغلق الرب بنفسه الباب على نوح ليطمئن على سلامته هو ومن معه.

طوفان فريد

صار الكل يتطلعون إلى باب الفلك وهو يُغلق وهم يضحكون ويسخرون، قائلين: "وماذا بعد غلق الباب؟"

جرت الأحداث بسرعة، إذ نزلت الأمطار، واشتدت جدًا. تعالت الصرخات المرة، وحاول البعض الصعود إلى أسطح المنازل أو الجري نحو الجبال ليتسلقوها. لم تتوقف الأمطار لمدة أربعين يومًا نهارًا وليلاً، فارتفع الفلك على المياه التي بلغت فوق قمم الجبال.

غرقت الأرض وهلك الناس مع الحيوانات والطيور والدواب والمزروعات، ولم ينجُ إلا الفلك ومن فيه...

أخيرًا أرسل الله ريحًا هبت على الأرض، فتوقف المطر، وبعد مئة وخمسين يومًا استقر الفلك على قمة جبل أراراط بأرمينيا.

فتح نوح طاقة الفلك وأرسل غرابًا فكان يتردد عليه.

أرسل حمامة فلم تجد مقرًا لرِجلها فرجعت إليه. مدّ نوح يده وأدخلها عنده.

بعد سبعة أيام أرسلها مرة أخرى، فجاءت إليه تحمل في منقارها ورقة زيتون خضراء، فأدرك أن المياه قلت عن الأرض.

بعد سبعة أيام أخرى أرسلها للمرة الثالثة فلم ترجع إليه، فأدرك أنه يستطيع أن يخرج هو وعائلته وما لديه في الفلك إلى العالم الجديد. كشف نوح الغطاء ولم يخرج إلا بعد أمر الله له.

قوس قزح

خرج الكل متهللاً، يرى العالم وكأنه قد اغتسل؛ أجمل مما كان عليه. وكان أول ما صنعه نوح أنه بنى مذبحًا للرب، وقدم ذبائح شكر ومحرقات لله.

من أجل نقاوة قلب نوح وطاعته وشكره لله، أعطى الله وعدًا لكل البشرية، قائلاً:

"لا أعود ألعن الأرض...، ولا أميت كل حيّ، ما دامت الأرض قائمة.

سيكون على الأرض نهار وليل، صيف وشتاء، وزرع وحصاد!"

بارك الله نوحًا وأعطاه سلطانًا على كل خليقة الأرض، وأقام معه ومع نسله ميثاقًا أو عهدًا ألا يحدث طوفان فيه ينقرض كل البشر وتخرب الأرض كلها. علامة ذلك أنه يرسل قوس قزح بألوان طيفه الجميلة، يظهر في السماء ليذكرنا بميثاقه الإلهي ووعده لنا جميعًا.

الفلك الجديد

الكنيسة هي الفلك (1بطرس 3: 20)، فيه ندخل كما دخل نوح وعائلته. ونغتسل بالمعمودية، حيث ندفن مع المسيح ونقوم. سيحملنا الرب إلى عالم جديد، هو السماء بكل مجدها، حيث نرى الله وعرشه وكل السمائيين. هناك نشكر الله ونسبح اسمه القدوس، ونحيا معه إلى الأبد.

القمص تادرس يعقوب ملطي 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.