الصفحات

الضبعة الشاكرة




الضبعة الشاكرة

القمص تادرس يعقوب ملطي

في حديقة الحيوان

إذ كان يوم السبت أجازة رسمية سألت السيدة أجنس ابنها بطرس: "أين تريد أن تقضي يوم السبت يا بطرس؟"

- حيثما تشائين يا أماه.

- أتريد أن تذهب إلى حديقة الحيوان أم إلى متحف الشمع أم إلى متحف الفنون...؟

- منذ مدة طويلة لم نذهب إلى حديقة الحيوان... وأنا أحب الحيوانات والطيور والزحافات!

- غدًا نذهب جميعنا إلى حديقة الحيوان إن شاء الرب وعشنا.

في الصباح المبكر جدًا بعد أن غسل بطرس وجهه وصلى، التقى بوالديه وقبَّلهما، وصار يساعدهما في وضع المأكولات في العربة...

وفي الطريق داخل الحديقة وضعت أجنس يدها على كتف ابنها الصغير بطرس، وكانا يتمشيان معًا ومعهما الأب.

سألت الأم طفلها: "تُرى أي حيوان هو جميل في نظرك يا بطرس؟"

صمت الطفل قليلاً ثم قال: "كل الحيوانات جميلة. إني مُعجب بالأسد والنمر والغزالة والخرتيت والفيل والضبع... الخ"

قالت أجنس: "حقًا كل الحيوانات جميلة يا بطرس. الله أبدع في خلقته. أعطانا كل الحيوانات، لكل حيوان جماله الخاص".

سأل بطرس: "ولماذا لم يجعلها مستأنسة، حتى ألعب مع الأسد، وألاطف النمر ، وأطعم الضبع...؟"

قالت الأم: "في بدء الخليقة كان أبونا آدم يعيش وسط هذه الحيوانات، وكانت ترافقه كما في موكب من الأصدقاء... كان آدم وحواء سعيدين بكل المخلوقات التي تخضع لهما وتحبهما. لكن لما دخلت الخطية ارتبكت الخليقة كلها، وصار بعض الحيوانات مفترسة".

سأل بطرس: "ألا يمكن للخليقة أن تعود إلى ما كانت عليه؟"

أجابت الأم: "إذ كان ما حدث هو ثمر دخول الخطية إلى العالم، فإن الله أعطى لبعض القديسين أن يصادقوا حيوانات مفترسة. سأروي لك بعضًا من القصص... حينما يتصالح الإنسان مع الله تصالحه الخليقة وتخضع له".

الضبعة الشاكرة

فوجيء القديس مقاريوس الإسكندري بضبعة تدخل إلى مغارته، وقد أَمسكت بضبعة حديثة الولادة في فمها... ووضعت الضبعة الصغيرة أمامه ثم تركت المغارة وعادت بعد فترة قصيرة بضبعة أخرى حديثة الولادة...

تطلعت إليه الضبعة كأنها تريد أن تقول له شيئًا. اقترب منها وربت بيده على رأسها، فأحنت رأسها بهدوء، وتطلعت بعينيها نحو الضبعين الصغيرين.

أدرك القديس أن في الأمر سرًا... اقترب من الضبعين فاكتشف انهما مصابان بالعمى... تحنن عليهما، ثم وقف يصلي لأجلهما فانفتحت أعينهما.

فرحت الضبعة جدًا، وأحنت رأسها لتلحس قدميْ القديس، ثم انطلق الثلاثة من المغارة.

في اليوم التالي فوجيء بالضبعة تدخل مغارته، وفي فمها جلد خروف وضعته عند قدميه، وصارت تحرك رأسها كأنها تسأل أن يقبل هذه الهدية علامة شكرها وامتنانها لترفقه بصغارها.

تطلع إلى الجلد فأدرك إنها افترست خروفًا وأكلت لحمه، وجاءت بالجلد إليه لكي يستخدمه. حزن القديس من أجل الخروف المقتول، ومن أجل الراعي الذي فقد الخروف.

ربت القديس بيده على رأس الضبعة في حنان، كأنه يقول لها إنه قد قبل هدية الشكر، لكنه حرك اصبعه وصار يعاتبها، قائلاً:

"أشكركِ على هديتك.

لكن ما ذنب الخروف والراعي؟

سأقبل الهدية بشرط ألا تفترسي بعد أي خروف.

متى جُعتِ تعالِ إليّ وأنا أقدم لك طعامًا".

هزت الضبعة رأسها علامة الطاعة، وخرجت... وبالفعل كلما اشتدَّ بها الجوع كانت تأتي إليه فيقدم لها طعامًا.

امشِ يا مبروك

في صعيد مصر عاش كاهن شيخ في مدينة إسنا، وكان يصلي القدسات الإلهية في أيام الصوم الكبير والأعياد في دير الفاخوري (القديس متى المسكين) بجوار مدينة أصفون، ولم يكن بالقرية المحيطة بالدير مسيحيون، إنما يأتي المسيحيون من بلاد بعيدة للصلاة مع أبينا الكاهن.

في أحد الأصوام ذهب الأب الكاهن إلى الدير قبل الغروب ليعده لاستقبال القادمين للصلاة معه. قام من النوم في منتصف الليل، وإذ كان القمر بدرًا ظن أن الفجر قد حلّ. حمل جرتين على حماره، كان يملأهما من البئر ويحملهما إلى مواضع مختلفة في الدير ليفرغهما في "الزير" (إناء فخاري أكبر) حتى متى جاء الزائرون في الصباح يجدون ماءً للشرب ولغسل أوانيهم.

صار يحمل المياه لمدة طويلة، ولما انتهى من العمل أراد أن يدخل بحماره إلى حجرة بها "تبن"... لكنه إذ تفرَّس في الحمار وجده ليس حماره بل هو ضبع...

ابتسم الأب الكاهن وقال له: "هو أنت؟! امشِ يا مبارك (مبروك) ولا تأتي غدًا".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.