الصفحات

صــوم الرســــل


صـــوم الرســــل
ومكانته الروحيــة في الكنيســة
صوم الرسل من الأصوام التي تحمل معاني روحية غاية في الأهمية بالنسبة للكنيسة. وبالرغم من أنه ثابت فيها منذ العصر الرسولي كصوم يتعلق بوجودها ذاته وباستمرارها على مدى الزمان، إلا أنه صار أحياناً سواء في الماضي أو في الحاضر موضوع حوار ونقاش، وذلك بسبب الجهل بمعناه الأصيل، وبسبب فقدان قيمته الروحية العملية في الكنيسة؛ وهذا مما يؤسف له.
لذلك، وقبل أن نعرض لتحقيق وضعه التاريخي، يلزمنا أن نرسِّخ في الأذهان أهميته الروحية بالنسبة للكنيسة.

أهميته الروحية بالنسبة للكنيسة

فصوم الرسل كان أول صوم تم فيه وبواسطته أول عمل للكرازة والتبشير؛ فهو الصوم الذي وُلدت فيه الكنيسة وظهرت للوجود وتَحَدَّد شكلها في أورشليم وخارجها، أي أن صوم الرسل كان، ولا زال وسيظل أبداً، هو صوم الكرازة والخدمة والإرسالية؛ فهو متعلق أساساً بالشهادة للمسيح. لذلك جاء توقيته بعد حلول الروح القدس، باعتبار أن حلول الروح القدس إشارة لبدء حركة الخدمة: «وفيما هو مجتمع معهم أوصاهم أن لا يبرحوا من أورشليم بل ينتظروا موعد الآب الذي سمعتموه مني . . . ستنالون قوة متى حلَّ الروح القدس عليكم وتكونون لي شهوداً في أورشليم وفي كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض.» (أع 4:1 و8)
هنا اقتران الروح القدس مع صوم الرسل يكوِّن في الحقيقة صُلب الشهادة وقوتها، ويصوِّر أول صورة حية للكنيسة في معناها ومبناها: كرازة وشهادة بالروح: «ومتى جاء المُعزِّي الذي سأرسله أنا إليكم من الآب، روح الحق الذي من عند الآب ينبثق، فهو يشهد لي. وتشهدون أنتم أيضاً لأنكم معي من الابتداء.» (يو 26:15 و27)
أما المصدر الذي نعتمد عليه اعتماداً كلياً في كون الرسل صاموا فعلاً بعد حلول الروح القدس حتى يباشروا الشهادة والخدمة وهم صيام، فهو  الدسقولية .
إذاً، فصوم الرسل حقيقة تاريخية تستمد قوتها وديمومتها من كيان الكنيسة القائم الآن، وليس ذلك فحسب، بل إن كيان الكنيسة نفسه يستمد بداية وجوده تاريخياً وروحياً من هذا الصوم عينه! فالكنيسة كلها وفي كل العالم مديونة لصوم الرسل كيوبيل حي دائم، تعيِّد له على ممر الأجيال ونقطة انطلاق مضيئة تبدأ منها رحلتها لتجديد نشاطها وكرازتها كل عام.
المفهوم القبطى الأرثوذكسى للصوم :
 ينبع من معنى كلمة " صوم "  العبرية سد الفم عن الكلام والأكل ، ( حسب العهد القديم ) ، والأمتناع عن كل ما يلذ الجسد ( حسب معنى العهد الجديد ) ، بالأضافة لما سبق فى العهد القديم .
  + فهو " تدريب " على أمرين هامين هما : ممارسة الصوم بزهد مع ممارسة باقى وسائط النعمة ( صلاة ، أعتراف ، تناول من السر الأقدس ، عمل الخير ، خدمة ، ترنيم وتسبيح ، وتأملات ، وميطانيات ....... الخ ) .
+ للتخلص من خطية مُستعبدة للمرء ، وترك عادات ضارة . وهذا هو الأمر الأول .
أما الأمر الثانى : فهو " التدريب على أكتساب فضيلة جميلة أو أكثر " – فى كل صوم – وفى نهايته " إمتحان للنفس " ، هل تم التخلص من الخطية أو العادة الردّية ؟! ، وهل تم إكتساب فضيلة معينة ؟! فإن لم يكن ذلك قد تحقق ، فقد أتعب الصائم نفسه ، وحرم ذاته من طعامه اللذيذ ، دون فائدة روحية ، وهذا ما يحدث للأغلبية الصائمة بلا حكمة .
 + وعلى هذا الأساس ، يجب أن نتذكر قول المرنم القبطى :* الصوم .. الصوم .. للنفس ثبات ..... طوبى لمن صام عن الزلات .* ليس الصوم معناه الجوع .... بدون التوبة والرجوع .
 + ويكون الصوم لكافة الحواس : * صوم العين عن النظرات الشريرة .* صوم اللسان عن الكلام الباطل .* صوم الآذان عن سماع كلام الإدانة والذم .
+ ويقول القديس مارإسحق السريانى : " إن صوم اللسان أفضل من صوم البطن ، وصوم القلب عن الأفكار الشريرة أفضل من الإثنبن .      
+ ويقول ذهبى الفم : " لا تقل إنى صائم بماء وملح ، وأنت تأكل لحوم الناس بالمذمة والإدانة " .
 + وحدد الرب الصوم المقبول  : * بعدم الغضب ( مت 6 : 16 ) .
والصلح والسلام أولاً ( مت 5 : 24 ) .وشرحه بالتفصيل فى سفر إشعياء [ أصحاح 58 : 3 -  8 ]
3 يقولون: لماذا صمنا ولم تنظر، ذللنا أنفسنا ولم تلاحظ ؟ ها إنكم في يوم صومكم توجدون مسرة، وبكل أشغالكم تسخرون
4 ها إنكم للخصومة والنزاع تصومون، ولتضربوا بلكمة الشر. لستم تصومون كما اليوم لتسميع صوتكم في العلاء
5 أمثل هذا يكون صوم أختاره ؟ يوما يذلل الإنسان فيه نفسه، يحني كالأسلة رأسه، ويفرش تحته مسحا ورمادا. هل تسمي هذا صوما ويوما مقبولا للرب
6 أليس هذا صوما أختاره: حل قيود الشر. فك عقد النير، وإطلاق المسحوقين أحرارا، وقطع كل نير
7 أليس أن تكسر للجائع خبزك، وأن تدخل المساكين التائهين إلى بيتك ؟ إذا رأيت عريانا أن تكسوه، وأن لا تتغاضى عن لحمك
8 حينئذ ينفجر مثل الصبح نورك، وتنبت صحتك سريعا، ويسير برك أمامك، ومجد الرب يجمع ساقتك
وموجزه :
* رفض الصوم مع الملذات والمسرات ، أو الإنشغال بالماديات والكماليات ( 58 : 3 ) .* صوم مع خصام ، وشكوى وتذمر ، ورفع الصوت ( 58 : 4 ) .* إدانة الآخرين ، والأحاديث الباطلة والفارغة .( 58 : 9 )
+ والصوم المقبول يكون :* بتوبة وإعتكاف للتأملات والصلوات ( يوئيل 2 : 15 ) .* بروح الإتضاع ، وعمل الخير ( إش 58 : 7 ) ، وتقديس يوم الرب للعبادة ، والإجتماعات ، والإفتقاد ( 58 : 13 ) .
 + أما بركات الصوم المقبول :* الشفاء الروحى والجسدى ، وقبول الصلوات ، والتلذذ بعشرة الله ( إش 58 : 8 – 14 ) . 
فليكن الصوم فترة للتدريبات الروحية . لا ليكون مجالاً لنيل أجرأرضى ، أو لتقليد الآخرين ، أو لأى هدف مادى ، أو صحى ( بهدف عمل رجيم ) . 
+ نصلى أن يقبل الرب أصوامنا وذبائحنا .

الأمتــلاء بالـــروح

ولا تسكروا بالخمر الذي فيه الخلاعة، بل امتلئوا بالروح ( أف 5: 18 )
عملية الامتلاء بالروح القدس هي عملية تجري باستمرار، وليست اختبارًا مُميزًا يحصل عليه المؤمن مرة واحدة في الحياة. فالترجمة الحرفية للوصية هي هكذا: "كونوا ممتلئين بالروح". وقد يبدأ الأمر باختبار مُميز، لكنه يجب أن يستمر فيما بعد في اختبار الحياة اليومية. فامتلاء اليوم لا ينفع للغد. ولا بد أن تكون حالة الامتلاء هذه رغبة الكثيرين. وهي في الواقع حالة المؤمن المثالية على الأرض. وهذا يعني أن الروح القدس يقوم بعمله في المؤمن المسيحي.
لكن كيف يمكن للمؤمن أن يمتلئ بالروح القدس؟ لا يُخبرنا الرسول بولس بهذا الأمر في رسالة أفسس؛ فإن الأمر لنا هو بالامتلاء. لكن يمكننا أن نعرف من أماكن أخرى في كلمة الله أنه لكي نمتلئ بالروح يجب علينا أن نفعل التالي:
1 - نعترف بالخطايا المعروفة في حياتنا ونطرحها عنا ( 1يو 1: 5 - 9). فمن الطبيعي ألاّ يقدر روح الله القدوس أن يعمل بحرية في حياة تتساهل مع الخطية.
2 - نقدم ذواتنا للرب بالكامل ( رو 12: 1 ، 2). وهذا يتطلب التسليم الكامل لإرادتنا وفهمنا وجسدنا ووقتنا ومواهبنا وكنوزنا. فكل ناحية من نواحي حياتنا يجب أن تُستودع لسيطرته الكاملة.
3 - نجعل كلمة المسيح تسكن فينا بغنى ( كو 3: 16 ). وهذا يتطلب قراءة كلمة الله ودرسها وإطاعتها. فعندما تسكن فينا كلمة المسيح بغنى، فالنتائج التي تتبع هي نفسها التي تأتي نتيجة الامتلاء بالروح القدس.
4 - أخيرًا، يجب علينا أن نُخلي أنفسنا من الذات ( في 2: 5 ). فلكي نملأ وعاءً معينًا بسائل ما، علينا أن نفرغه من القديم الذي فيه. لذلك يجب أن نفرّغ نفوسنا من ذواتنا إذا أردنا الامتلاء بالروح.
كتب أحدهم مُعلقًا على هذا الموضوع قائلاً: "فكما تركتم عبء خطيتكم واسترحتم على عمل المسيح الكامل، هكذا اتركوا أيضًا كل عبء الحياة والخدمة، مُستريحين على عمل الروح القدس الجاري في داخلكم. لذلك ضعوا أنفسكم كل صباح تحت سيطرة الروح القدس واستريحوا مُسبحين مستودعين ذواتكم للرب لكي يدبر نهاركم ويعتني بكم. عوِّدوا أنفسكم خلال النهار الاتكال على الرب وإطاعته بفرح متوقعين منه أن يقودكم ويُنيركم ويقوّمكم ويعلّمكم ويعمل فيكم ومعكم ما يريده. عندئذٍ يظهر فينا ثمر الروح القدس كما يريد لمجد الله"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.