الصفحات

الحق - بقلم مثلث الرحمات قداسة البابا شنوده الثالث

الحق
ما هو الحق ؟ وما أضرار أنصاف الحقائق ؟
كيفية  ( الدفاع عن الحق ) وأخطاء في ذلك الدفاع
بقلم مثلث الرحمات قداسة البابا شنوده الثالث                                                   
ما هو الحق ؟
كلمة الحق لها عدة معان، سنحاول أن نشرحها:
أولاً : الحق بمعني الصدق Truth
فلان يقول الحق أي يقول الصدق. وفي المحكمة يقسم الشاهد أن يقول الحق، بهذا المعني. والسيد المسيح كان كثيراً ما يبدأ كلامه بعبارة ( الحق الحق أقول لكم ) ومن كلمة الحق، اشتقت
كلمة ( تحقيق ). أي فحص الأمر من جميع جوانبه. وسماع الرأي، والرأي الآخر بهدف الوصول إلي الحقيقة.. أما الذي يسمع من جانب واحد، فلا تتضح له الصورة الحقيقية،وإنما مجرد وجهة نظر.
ثانياً : كلمة الحق تعني أيضاً ما يستحقه الانسان، أي حقوقه.
 ومنها عبارة ( حقوق الإنسان ) Human rights  وهنا يقول البعض ( هذا من  حقي )
 ( وليس من حقك ) ونتكلم عن حقوق الشعب، وحقوق المرأه، والحقوق المهضومة لبعض الشعوب، أو يطالب شخص باستحقاقه في الميراث، أي بحقه فيه.
ثالثاً : وكلمة الحق تعني في داخلها معني العدل.
 والإنسان الحقاني Fair  هو الذي يعطي كل ذي حق حقه، أي الإنسان العادل. وقديماً كنا نسمي وزارة العدل : وزارة الحقانية وما زال قضاتها ومحاموها من خريجي كلية الحقوق، أي الكلية التي تدرس فيها حقوق الأفراد والجماعات، لكي ينال كل إنسان حقه، ويتدرب علي أن يحكم حكماً حقانياً أي عادلاً .
رابعاً : الحق أيضاً هو ضد الزيف والبطلان أي True  أو Lyenuine  
فالذهب الحقيقي هو الذهب الخالص، وليس المزيف أو المخلوط.
والمعني الحقيقي للكلمة، هو المعني الذاتي لها، وليس المعني الرمزي أو المجازي أو الشبيه. والمواطن الحقيقي هو ابن الوطن بالحقيقة الذي يحبه ويفديه، وليس مجرد مواطن بالبطاقة الشخصية، أو أكتسب حق المواطنة بطريقة ما.
الشيء الحقيقي هو الحقيقي في جوهره، وليس اكتساباً فالابن الحقيقي هو الذي أنجبه الأب من صلبه، وولدته الأم من أحشائها. وليس هو الابن عن طريق التبني أو الانتساب.
الشمس مثلاً نورها حقيقي من ذاتها. بعكس نور القمر الذي يكتسبه من انعكاس نور الشمس عليه.
خامساً : الحق أيضاً هو اسم من أسماء الله سواء في الإسلام، أو في المسيحية
تكلمنا عن معني كلمة ( الحق ). ننتقل إلي نقطة أخري وهي :
أنصاف الحقائق
عندما يقسم الشاهد في ساحة القضاء يقول ( أقسم أن أقول الحق، كل الحق، ولا شئ غير الحق ) .. وهنا أركز علي عبارة ( كل الحق ) 00 وأتدرج إلي خطورة ( أنصاف الحقائق ). وكما يقولون :أنصاف الحقائق ليست كلها حقائق وأيضاً أنصاف الحقائق ليست إنصافاً للحقائق ففي أنصاف الحقائق ربما يرد جزء معين من الأحداث،
 ولا يذكر الجزء الآخر المهم. أو قد يقال رد الفعل، دون أن يقال الفعل الذي أدي إليه. أي تذكر النتيجة دون ذكر أسبابها.
آمراه قد تشكو زوجها، وتشرح إساءة معاملته لها . وتترك النصف الآخر من الحقيقة، وهو أغاظتها له بطريقة أثارته جداً . فخرج عن وعيه أو فقد أعصابه، فأهانها.. وهنا تحكي ما حدث لها، كأنه مجرد تصرف خاطئ من الزوج، وليس رد فعل لتصرفها.
وقد يأتيك شخص ويشكو أن خصمه قد فقأ له إحدى عينيه في مشاجرة بينهما. وبالتحقيق تجد أن ذلك الخصم قد فقئت كلتا عينيه في نفس المشاجرة، أما الشاكي فينطبق ينطبق عليه المثل القائل ( ضربني وبكي، وسبق وأشتكي )..! وبالمثل قد تكون نفس الشكوى من يقول ( رئيسي في العمل قد عاقبني وخصم لي أياماً من مرتبي. دون أن يذكر الذنب الذي بسببه خصم له رئيسه تلك الأيام!
وهكذا فإن أنصاف تلك  الحقائق. علي الرغم من صدقها لا تعطي صورة حقيقية عما حدث. أو علي الأقل لا تعطي صورة متكاملة.
وقد تظهر خطورة ( أنصاف الحقائق ) في مجال الفهم الخاطئ للدين أو العلم كأن يعتمد شخص علي نص معين، دون أن يذكر عبارة معينه دون أن يذكر المناسبة التي وردت فيها والتي تبين المقصود منها.
وهكذا يقول الكثيرون إن أنصاف المتعلمين لهم خطورتهم، بل يمكن أن نصفهم بأنهم أشباه المتعلمين. مثالهم أيضاً الذي يصف لأحد أصدقائه دواء قد جربه وأختبر فائدته، دون أن يعرف الآثار الجانبية لهذا الدواء Side effect  أو المحاذير التي بسببها يمنع استخدام هذا الدواء. ولكن الصديق علي الرغم من إخلاصه إنما ينصح بأسلوب ( أنصاف الحقائق )!
وقد يقول شخص عن انهزام دولة معينه في حرب مشهورة، إن سبب انهزامها هو ( كذا ) .. وقد يكون هذا السبب صدقاً، ولكنه ليس كل الأسباب. فهناك أسباب كثيرة أدت إلي انهزامها. وما ذكره، إنما مجرد واحد منها. وقد تكون الأسباب الأخرى أكثر خطورة !
وبنفس الأسلوب من يتحدث عن مشكلة البطالة، أو مشاكل الاقتصاد، وما أشبه، ويركز علي سبب واحد له أهميته في نظره هو وفي تقديره بينما توجد أسباب أخري لا يعرفها أو لم يدرسها. ولا يكون حديثه هو الحق الخالص، أو لا يكون هو ( كل الحق ) والسبب هو الجهل ..
ننتقل بعد كل هذا إلي نقطة أخر وهي
ما هو ضد الحق
إن كان الحق هو الصدق. فبلا شك أن الكذب ضد الحق سواء كان هذا السبب مقصوداً أو غير مقصود.
كذلك كثيراً ما تكون الشائعات ضد الحق. وربما تنتشر هذه الشائعات بسرعة فائقة ويتداولها الناس بدون فحص أو تفكير، وينشرونها بدورهم. ويساهمون بهذا في تضليل شريحة واسعة من المجتمع. وقد يعتذرون فيما بعد أنهم فعلوا ذلك بحسن نية !! وأنهم خدعوا كالذين قاموا هم بخداعهم عن طريق نشر الشائعات.
النفاق أيضاً ضد الحق : وهو مدح إنسان بما ليس فيه، مع معرفة ذلك تماماً. وقد يحدث في مجال الأسرة، أو الزملاء في العمل، أو في نفاق تماماً بين مرؤوس في العمل ورئيسه لكسب رضاه ونوال الترقية.. أو نفاق بين خطيب وخطيبته، يظهر زيفه بعد ذلك في الحياة الزوجية.. اننا لا نمنع بعض المجاملات الخفيفة المعقولة والمقبولة كلون من أدب الحديث. أما لو تطور الأمر إلي النفاق مع خطورة أنواعه، فإنه يكون ضد الحق، وكثيراً ما يكون مكشوفاً .
الرياء أيضاً ضد الحق. وهو أن يتراءى الإنسان علي غير حقيقته. كما و كان بفضائل ليست له. وقد قال الشاعر في ذلك :
                     ثوب الرياء يشف عما تحته            فإذا التحفت به فإنك عاري
ويدخل في هذا الأمر من يظهرون غير ما يبطنون. ومن يبتسمون ابتسامات صفراء، ومن يبكون بدموع التماسيح!!
-الصداقة الزائفة هي كذلك ضد الحق: قد يدعي شخص أنه صديق لآخر، بينما يجره معه إلي الهاوية !! أو يشجعه علي الخطأ، ويكون هذا التشجيع ضد الحق،يجعله يستمر فيما هو فيه من السقوط. وقد يدعي أنه يحبه، بينما هذا
( الحب ) الزائف يضيعه تماماً. وهذه الصداقة ليست صداقة بالحقيقة. فالصديق الحقيقي ينبغي أن يساعد صديقه علي الخير ولا يتسبب في ضياعه.
وبالمثل شاب يدعي أنه يحب فتاه. بينما شعوره نحوها ليس حباً، بل هو شهوة  ! وتحت ستار ما يسميه حباً، يضيع أخلاقها وسمعتها ومستقبلها  ولا يمكن أن يكون ما بينهما حباً بالحقيقة، مادام يخلو من القيم !
-ضد الحق أيضاً : الخداع
وما أكثر أنواع الخداع : منها ما يحدث قبل الزواج بين الخطيبين، في فترة الخطوبة أو ما قبلها، مما قد يؤدي أحياناً إلي بطلان الزواج، أو إلي انهيار الحياة الزوجية وأيلولتها إلي الطلاق.
ومن الخداع ما يحدث في مجال التجارة، في الدعاية إلي المبيعات غشاً، وفي أنواع السمسرة وما يختلط بكل ذلك من كذب !
ومن الخداع ما يروج إليه البعض من قدرة علي تمكين غيرهم من السفر والهجرة، وإذا هم أمام سراب لا يتحقق منه شئ.. أو من الادعاء في قدرتهم علي توظيف غيرهم، ولا يكون هذا إلا خداعاً!
ولسنا في مجال تفصيل أنواع الخداع، فلننتقل إلي نقطة أخري :
***
الدفاع عن الحق
قبل أن أتكلم عن هذه النقطة، لابد أذكر ثلاث ملاحظات :
1-عليك أن تأخذ حق الله من نفسك، قبل أخذه من الآخرين !
فما أكثر الذين يلبسون ملابس المصلحين، وينادون بالدفاع عن الحق، وهم أنفسهم في حاجة إلي أن يهتموا أولاً بأنفسهم ليصلحوا ما فيها من أخطاء أو من فساد.كما قال السيد المسيح لرؤساء اليهود الذين طلبوا منه الموافقة علي رجم المرأة الخاطئة، فقال لهم : ( من كان منكم بلا خطية، فليرميها بأول حجر )  أو كما قال الشعراء عن امرأة خاطئة أخري مثل هذه :
         أسألت من نبذوك نبذ المنكر               كم بينهم من فاجر متستر
         الصائمون المفطرون علي الدم            الظامئون إلي النجيع الأحمر
        من كل عاد في ملابس عادل               أو مجرد يزهي بلبدة حيدر
        ودعوك بائعة الأثيم من الهوي        كذبوا فإن الذنب ذنب     المشتري
2-ينبغي لمن يدافع عن الحق، أن يعرف ما هو الحق، ويثق أن ما يدافع عنه هو حق..
لئلا فيما يظن أنه يدافع عن الحق، يكون مدافعاً عن باطل !!
فكثيراً من الناس يتحمسون للدفاع عن أمور يوقنون تماماً في داخلهم أنها هي الحق، بينما بعيدة تماماً عن الحق  وما دفاعهم إلا لون من الحماس الباطل مدفوعين إليه بجهل، أو بخضوعهم لشائعات معينة أو لقيادة مضللة.كما قيل في العهد القديم ( يا إسرائيل مرشدوك مضلون ).
3-الذي يدافع عن الحق، ينبغي أن يدافع بأساليب حقانية:
لانه قد يدعي إنسان انه يدافع عن الحق، أو عما يظنه حقاً، ولكن بأسلوب بعيد عن الحق تماماً!!  كأن يتجاوز حقه في الكلام، أو يقول كلاماً ليس من حقه شعور الآخرين، أو نشر اتهامات مختلفة، مما يدخله في جريمة السب العلني والقذف، ويعرضه للمحاكمة. إذ يكون قد أساء إلي غيره إساءة كبيرة، وبغير وجه حق. كما يكون قد وقع في خطايا عديدة يدينه الله عليها. ويكون الحق قد ضاع فيما يظنه دفاعاً عن الحق .
-إن من الكلمات الهامة التي نذكرها في مجال الحديث عن الحق، قول الكتاب عن العدل والحق: ( مبرئ المذنب،ومذنب البريء، كلاهما مكرهة للرب ).
ذلك لان مبرئ المذنب ضد الحق، وأيضاً مذنب البريء ضد الحق. والحق هو الله. فكلاهما إذن ضد الله أو ضد وصاياه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.