الصفحات

وضوح الهدف


وضوح الهدف
===============
الأحباء في الرب.. نحن جميعًا سائرون في طريق الحياة وأود أن أناقش معكم خطة لهذه المسيرة، وأول سؤال نتقابل معه في هذا الحديث هو..
ما هي أسباب نجاح الكثيرين؟
وللإجابة عن هذا السؤال.. يجب معرفة أن مقومات أو عوامل النجاح كثيرة.. بل وكثيرة جدًا، وفي مقدمة هذه العوامل أو الأسباب التي تؤدى إلى النجاح.. هو أن الذين نجحوا في حياتهم كانت أمامهم أهدافًا واضحة، سعوا إليها، واستخدموا كل إمكانياتهم في تحقيقها.
فالهدف الواضح أمامهم جعـل لحياتهم قيمة وللوقت ثمن، واستثمروا هذا الوقت لمنفعتهم، لأنهم شعروا أن هناك شيئًا يعيشون من أجله (هدفًا واضحًا)، فأصبحت كل لحظة من لحظات حياتهم لها لذة وقيمة - حياة هادفة لها قيمتها - وأصبحت كل دقيقة لها ثمنها الغالي عندهم.
فمحبة الهدف والسعي إليه، والرغبة الداخلية في تحقيقه يُعطي الإنسان حماسًا، وقوة، ونشاطًا روحيًا في السعي نحوه لتحقيقه.
أما الإنسان الذي يعيش بلا هدف.. فحياته تكون مُملة وليست لها قيمة والأيام مثل بعضها.
حياة بلا معنى ولا طعم ولا قيمة، وليس لها اتجاه ولا ثبات.. ويكون إنسانًا مضطربًا وقلقًا في كل طُرقه وفي كل ما يفعلهُ.
هذا الشخص الذي بلا هدف غالبًا ما يشعر أن حياته ليس لها معنى ولا طعم ولا فائدة.. ولا يكون له اتجاه ولا ثبات في شيء.. بل يكون إنسانًا دوارًا ليس له رأي مستقر في شيء.
إذا وُفق في عملاً ما.. لا يستقر فيه، ولا يُعجبهُ شيء.. بل يتنقل من عمل لآخر، ولا يُحقق أي ربحًا من عمله أيًا كان.. ربحًا ماليًا أو تدرجًا وظيفيًا.. كل يوم في مكان لا يستفاد من هذا ولا ذاك.
يشعر هذا الإنسان أن حياته رخيصة ليـس لها ثمـن.. لماذا يحيا؟! لماذا خُلق؟! لا يشعر بأن له دور في الحياة أو رسالة يوصلها للآخرين.
بل كثيرًا ما يتساءل هؤلاء الأشخاص الذين يحيون بلا هدف سؤالاً خطيرًا ومُحيرًا.. لماذا نحيا؟! لماذا خلقنـا الله؟! ما هو الغرض من حياتنا، وما هو الهدف منها؟!
هؤلاء الأشخاص بالحقيقة مساكين لأنهم يعيشون ولا يعرفون لماذا يعيشون! تجرفهم دوامة الحياة القاسية، التي لا يدركون فيها كيف يكون مصيرهم من حياتهم هذه.
هنا نصل إلى بعض الأهداف التي يحيا من أجلها الناس على وجه الأرض، وبالتأكيد سوف تكون مختلفة عن بعضها.. فكلاً منا قد يكون له هدف مُخالف نهائي لأخيه، بل يمكن أن يكون متناقض.. وعلى حسب الهدف تكون الوسيلة التي يُحقق بها كل شخص هدفه.
فبعضنا قد يكون هدفه المال، والآخر الوظيفة أو اللقب أو السلطة، والآخر النجاح في العمل، والبعض شهوته اللذة أيًا كانت (لذة حواس أو لذة أكل وشرب أو لذة جسد أو لذة الراحة)، والبعض يكون هدفه الزواج والاستقرار في بيتًا يبدأ به حياة جديدة، وآخرين يكون هدفهم النجاح في الدراسة بكافة مستوياتها.
هنا نقول.. نحن لا نستطيع أن نسمي كل هذه الأهداف أهدافًا.. بل يمكن أن يُقال عليها شهوات أو رغبات داخلية داخل كل إنسان.. وإن مجازًا حسبناها أهدافًا.. تكون أهدافًا مؤقتة أو زائلة.. لأنها سطحية لا عُمق لها.. ولأنها مُحددة بزمن ونهاية معينة.
هنا ينطبق عليها قول السيد المسيح لمرثـا أخت لعازر: "فأجابَ يَسوعُ وقالَ لها: مَرثا، مَرثا، أنتِ تهتَمينَ وتضطَرِبينَ لأجلِ أُمورٍ كثيرَةٍ، ولكن الحاجَةَ إلَى واحِدٍ" (لو10: 41-42).
هدفنا الوحيد هو الله
الهدف الوحيد للإنسان الروحي هو الله وليس غيره.. فإذا كان يحيا بهذا الفكر وهذه الحياة يكون هدفه هو.. السعي المستمر إلى الله.. وبسعيه المستمر يعرف الله، ويحبه، ويثبت فيه، ويكون علاقة قوية مع الله، فيسكن الله في قلبه، ويسكن هو نفسه في قلب الله ويصرخ مع المرنم.. "معكَ لا أُريدُ شَيئًا في الأرضِ" (مز73: 25). فالتصاقه بالله وتذوقه حلاوة الله وعشرته الجميلة يمكن أن يستغنى عن كل شيء أرضي.
ومحبة الله التي من القلب تقود الإنسان إلى الزهد والتجرد من المقتنيات الأرضية التي تُثقل على الإنسان مشوار حياته، لأنها تشوش الحيـاة الروحيـة.. فكمـا قال الأنبا موسى الأسود "محبة المقتنيات تزعج العقل، والزهد فيها يمنحه استنارة".
فكلما اختبر الإنسان حلاوة الله وذاق من شهد العشرة معهُ، يكون بداخله إيمان أكيد وثقة أن كل شيء في الدنيا باطل.. "فإذا الكُلُّ باطِلٌ وقَبضُ الريحِ، ولا مَنفَعَةَ تحتَ الشَّمسِ" (جا2: 11).
ونجد أيضًا في سفر الأمثال "النَّفسُ الشَّبعانَةُ تدوسُ العَسَلَ" (أم27: 7)، فالنفس الشبعانة بالله وبتذوق حلاوته تدوس كل شهوات ومغريات العالم.
أهداف زائفة
لكن هذا الطريق قد لا يعجب الشيطان ولا يرتاح له، فهو يجول في الأرض ينشر فسادًا، ويوزع أهدافًا على البشر.. وبالتأكيد ما يوزعه هو أهداف زائفة مثل: سراب الصحراء أو مثل البخار الذي يظهر قليلاً ثم يضمحل.
فالشيطان يبذر ويزرع آمالاً ورغبات كثيرة على البشر، وهدفه الوحيد هو أن يتوه هذا الإنسان، ويفقده هدفه الأساسي وهو وجوده المستمر مع الله واستعداده للأبدية.
هذه الرغبات والآمال والأهداف الشيطانية - التي يوزعها الشيطان على البشر - ينتقل بها أهل العالم في جحيم هذه الرغبات فيما لا يمكن أن تُشبعهم لأن يوجد شيء خفي في حياة الإنسان وهو الحنين المستمر إلى الغير محدود، ومَنْ هو غير المحدود إلا الله مالئ كل مكان.
ولإلهنا المجد الدائم في كنيسته المقدسة..
 من الآن وإلى الأبد آمين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.