بقلم قداسة البابا شنودة الثالث
صلاة الثلاثة تقديسات،هي لون من التسبيح،لأنها تأمل في صفات الله الجميلة: تأمل في لاهوت الله، وفي قداسته، وفي قوته، وفي حياته التي لا تموت لأن الله إذن هو قدوس ولأنه قدوس فهو الله
لأن الله هو وحده القدوس (رؤ15:4) لأنه ليس أحد صالحاً إلا واحد وهو الله (مت 19:17) وقداسة الله لا تحد كلما نتأملها، نشعر بأي مقدار نحن خطاة، فيستد كل فم (رؤ3:19). ونحن حينما نقول قدوس الله، نحني هاماتنا أمامه، فلماذا ؟ نحني رؤوسنا لسببين: أولاً إجلالاً لعظمة الله وقداسته. ثانياً لأننا حينما نذكر قداسة الله، إنما نذكر في نفس الوقت خطايانا وفقداننا لصورته الإلهية، فننحني قائلين ها مطانية أمامك ليس أحد بلا خطية، وإن كانت حياته يوماً واحداً علي الأرض إننا في أشياء كثيرة نعثر جميعنا (يع 3: 2) وإن قلنا إننا لم نخطئ نضل أنفسنا وليس الحق فينا (1يو 1:8). ننحني أمام هذا القدوس، الذي السموات والأرض مملوءتان من مجده وكرامته والذي علي الرغم من قداسته ومجده يقبل أن يلتفت إلينا، هذا الناظر إلي المتواضعات، غير محتقر طبيعتنا الساقطة وهو في ملء قداسته، ولا مزدرياً ضعفنا وهو في ملء قوته!! بل علي العكس كبعد المشرق عن المغرب، أبعد عنا معاصينا (مز 103:12).
قدوس الله:
إن كان هذا تأملنا في قداسته، فكيف نتأمل كلمة الله؟ الله غير المدرك غير المفحوص الذي هو فوق فهمنا، وأعلي من مستوي عقولنا. نؤمن به وبوجوده ولكن لا تستطيع لغاتنا القاصرة أن تعبرعنه تعبيراً سليماً فكل صفة من صفاته غير المتناهية تقف أمامها كلمات لا ينطق بها (2كو 2: 4) وكما قال أحد القديسين "ما من مرة تكلمت اللغة عن اللاهوت، إلا وقصرت في التعبير حقاً، يدعي اسمه عجيباً (أش 9:6). هذا ما قاله أشعياء النبي والله نفسه حينما سأله منوح عن اسمه أجاب لماذا تسأل عن اسمي، وهو عجيب (قض13:18) إنه الله غير المرئي الذي لم يره أحد قط (يو 1:18) الذي قال لنبيه العظيم موسي: لا تقدر أن تري وجهي لأن الإنسان لا يراني ويعيش (خر 33:20) نعم، هو الله الذي معرفته فوق الاستقصاء الذي قال له الابن الكلمة هذه هي الحياة الأبدية، أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك (يو 17:3) وقال أيضاً عرفتهم اسمك وسأعرفهم،ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به (يو 17:26) إنه الله الكائن الذي كان، الدائم إلي الأبد ، الجالس علي كرسي مجده،المسجود له من جميع القوات السمائية
نذكر اسمه في تسبحة الثلاثة تقديسات، فنحني رؤوسنا له خشوعا وإجلالاً أفواهنا تتقدس حينما نلفظ اسم الله القدوس ولذلك علينا أن نحتفظ بقدسية أفواهنا وشفاهنا وألسنتنا وأن نذكر قول أشعياء النبي، حينما سمع تسبحة الثلاثة تقديسات من أفواه السارافيم فقال ويل لي قد هلكت لأني إنسان نجس الشفتين (أش 6:5)
قدوس القوي:
الله قوي في قداسته، وقدوس في قوته هو القدوس القوي، لأنه لا يستخدم قوته إلا بكل قداسة هناك أقوياء ليسوا قديسين، كالذين يستخدمون قوتهم في الفتك بالضعفاء، أو في الكبرياء والهزء بالآخرين مثل جليات الجبار ( 1صم 17) أو الأقوياء الذين يستخدمون قوتهم في الإيقاع بالآخرين من إبليس (1بط5:8). هذا الإله القدوس القوي، هو الذي استخدم قوته في الخلق، فخلق الملائكة القديسين والسموات التي تحدث بمجد الله والفلك الذي يخبر بعمل يديه (مز19:1) وهو القوي الذي قهر الشيطان وجعله ساقطاً مثل البرق من السماء (لو10:18) هو القوي الذي انتصر عليه في التجربة علي الجبل. وقال له اذهب ياشيطان (مت 4:10) فذهب وجاءت ملائكة لتخدمه، هو القوي الذي عمل معجزات لم يعملها أحد من قبل (يو 15: 24) وهو القدوس الذي طهر الهيكل، وقال مكتوب بيتي بيت الصلاة يدعي وأنتم جعلتموه مغارة لصوص (مت 21:13،12) هو القوي الذي وهو علي الصليب حطم كل تعب الشيطان الذي تعبه منذ بدء الخليقة هوالقوي المعطي نعمة لتلاميذه والمؤمنين فيستطيعون أن يصنعوا القوات والعجائب، وتخضع لهم الشياطين باسمه (لو 10:17) (مر 16:17). ونحن نفرح باستمرار أننا في حمي الله القدوس القوي الذي به وبقوته، يستطيع كل منا أن يقول مع القديس بولس الرسول: أستطيع كل شئ في المسيح الذي يقويني (في4: 13) معتمداً علي قول هذا القدوس القوي كل شئ مستطاع للمؤمن (مر 9:23) وهكذا يغني مع أيوب الصديق قائلاً للرب عرفت أنك تستطيع كل شئ ولا يعسر عليك أمر (أي 42:2). هو قدوس وقوي في أزليته، وفي تجسده أيضاً: قدوس في تجسده، إذ ولد بدون زرع بشر، وبدون الخطية الأصلية وقال جبرائيل الملاك في تبشيره لأمه العذراء مريم القدوس المولود منك يدعي ابن الله (لو1:35). وكان قوياً قي قيامته، إذ خرج من القبر وهو مغلق وعلي بابه حجر عظيم كما كان قوياً أيضا بعد قيامته، إذ دخل العلية علي التلاميذ والأبواب مغلقة (يو 20:19). وبهذا تغني القديس بولس الرسول قائلاً لأعرفه وقوة قيامته وشركة آلامه ( في 3:10). ونحن نؤمن أن هذا القوي في قيامته سيقيمنا نحن أيضاً سيغير شكل جسد تواضعنا،ليكون علي صورة جسد مجده بحسب عمل استطاعته أن يخضع لنفسه كل شئ (في 3:21). إنه قدوس الله وقدوس القوي وأيضاً
قدوس الحي الذى لا يموت
إن كان قد مات بالجسد فهو بلاهوته حي لا يموت وإن كانت روحه بالموت قد فارقت جسده، فإنه بروحه المتحده بلاهوته قد نزل إلي أقسام الأرض السفلي وسبي سبياً (أف4: 8، 9) وأخذ أنفس قديسي العهد القديم الراقدين علي رجاء القيامة وفتح باب الفردوس وأدخلهم هناك ثم أدخل معهم اللص اليمين وفي اليوم الثالث قام من الأموات وظهر لتلاميذه وأراهم نفسه حياً ببراهين كثيرة (أع 1:3). وظل يظهر لهم أربعين يوماً هذا الحي الذي لايموت ظهر للقديس يوحنا الرائي في صورة مهيبة جداً وقال له لا تخف أنا هو الأول والآخر والحي وكنت ميتاً وها أنا حي إلي أبد الآبدين آمين ولي مفاتيح الهاوية والموت (رؤ 1: 18،17). هذا الحي يحلف به البعض أحياناً ويقولون والمسيح الحي ويقول الإنجيل فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس ( يو1: 4) وهو أيضاً يقول عن نفسه أنا هو القيامة والحياة من آمن بي ولو مات فسيحيا (يو11:25) إنه القدوس الإله القوي الحي نناديه ونقول ارحمنا في الثلاثة تقديسات بعد عبارة قدوس الله قدوس القوي قدوس الحي الذي لا يموت نقول له يا من ولد من العذراء ارحمنا يا من صلب عنا ارحمنا يا من قام من الأموات ارحمنا أنت وحدك القدوس ولكننا نحن خطاة فارحمنا وعبارة (ارحمنا) من أكثر العبارات تكراراً في صلواتنا فنحن نكررها مراراً في صلاة الثلاثة تقديسات ونكرر عبارة أيها الثالوث القدوس ارحمنا ثلاث مرات ونقول كيرياليصون ( يارب ارحم) 41مرة ونختم كل ساعة من صلوات الأجبية بالطلبة التي نقول فيها ارحمنا يا الله ثم ارحمنا بل في مقدمة كل صلاة نرتل المزمور الخمسين الذي أوله ارحمني يا الله كعظيم رحمتك وفي رفع بخور العشية وفي مناسبات عديدة نقول نحن أفنوتي ناي نان أي يا الله ارحمنا وأحياناً نقول في القداس لحن جي ناي نان أي ارحمنا وما أكثر ما نردد هذه العبارة حينما نذكر قداسة الله في لحن أجيوس نتذكر خطايانا فنقول (ارحمنا). ارحمنا يا رب في ضيقاتنا وتجاربنا ارحمنا واغفر لنا كرحمتك يا رب ولا كخطايانا وفي تسبحة الثلاثة تقديسات نقول:يا رب اغفر لنا خطايانا يارب اغفر لنا آثامنا يارب اغفر لنا زلاتنا
------------ --------- --
تخلى النعمة
حياة الإنسان الروحية، تتوقف فى نجاحها أو فشلها، على مدى عمل النعمة فيه، ومدى استجابته أو رفضه لعمل النعمة
والنعمة تساعد الإنسان باستمرار، تسنده لكى يسير فى الطريق الروحى، وتنبهه وتقيمه إذا سقط
ولكن النعمة الإلهية لا ترغم الإنسان على فعل الخير ...
فما تزال حريته مكفولة وإرادته قائمة، يشترك مع النعمة فى العمل، أو لا يشترك، أو يقاوم عمل النعمة فيه مقاومة تؤدى إلى سقوطه، أو استمراره فى السقوط
إذن فى بعض الأحيان يتخلى الإنسان عن مشاركة النعمة وفى أحيان تتخلى النعمة عنه لكنه لون من التخلى الجزئى فالتخلى الكلى يؤدى حتماً إلى هلاك الإنسان
فما هى أسباب هذا التخلى ؟ وما حكمته ؟
قد يكون سبب التخلى، هو اهمال المؤمن وصده المستمر لعمل النعمة، فتتخلى عنه لكى يشعر باحتياجه
وهذا التخلى يقوده إلى عمق أكبر فى صلاته وفى صومه، وفى توبته وإلتصاقه بالله
وقد يكون التخلى بسبب الكبرياء، أو تعاليه على الساقطين
فتتركه النعمة قليلاً فيسقط، ويشعر بضعفه فلا يعود يتكبر، ويشعر بثقل الحرب على الساقطين، فيشفق عليهم، ولا يدينهم سواء فى السر أو العلن
وقد تتخلى عنه النعمة قليلاً، ليختبر الحروب الروحية
ويدرك مدى عمقها، واحتياج المؤمن فيها إلى معونة إلهية، لأنه لا يمكن أن ينتصر بذراعه البشرية بدون نعمة
وقد تتخلى عنه النعمة ليتعود الحرص والتدقيق، أو ليتعود الصبر وانتصار الرب
والرب فى كل ذلك يقول للنفس البشرية (لحيظة تركتك وبمراحم عظيمة سأجمعك) (إش 54 : 7)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.