الصفحات

شرح احداث و قراءات احد الشعانين


يوم الأحد من أحداث أسبوع الآلام | أحد الشعانين
دخول السيد المسيح إلى أورشليم هو طريق للقيامة

 
المركبة الكاروبيمية
 
الجالس فوق الشاروبيم            اليوم ظهر في أورشليم
راكبا على جحش بمجد عظيم     وحوله طقوس ني أنجيلوس

2.  هوذا ملكك يأتي إليك هو عادل ومنصور وديع وراكب على.. جحش.. (زك9: 9)
ركب على كروب = الجالس فوق الشاروبيم = المسيح يجد راحته فيهم لأنهم يعرفونه
وهذا معنى أنهم مملوئين أعيناً.. (حز 10: 12) + (رؤ 4: 6). ولذلك يسبحونه قائلين "قدوس قدوس قدوس" (رؤ4: 8).
وطار = نرى في الإصحاح الأول من نبوة حزقيال منظر المركبة الكاروبيمية التي يركبها الله ويطير بها للسماء، وقطعا فالله لا يحتاج لمركبة من الملائكة لتحمله إلى السماء، فهو ساكن في الأعالي بل لا يحده مكان، ولكن هذا التصوير يشير إلى أن من يرتاح الله فيه، فالله هو الذي يحمله إلى أعلى السموات.
واليوم عيد دخول المسيح إلى أورشليم، وأورشليم تشير لقلبي أنا، فكيف يدخل المسيح إلى قلوبنا؟
أن يرتاح المسيح فينا كما يرتاح في الشاروبيم = بأن نعرفه .. كيف؟
هذا عن طريق الأربعة الأناجيل ولذلك فرموزها هي وجوه الكاروبيم (رؤ4: 7).
v    الإنسان= متى أكثر من تكلم عن المسيح ابن الإنسان.
v    الأسد = مرقس قدم المسيح كملك قوى.
v    الثور = لوقا قدم المسيح ذبيحة ليقبل الله الجميع.
v    النسر = يوحنا قدم المسيح ابن الله السماوي.
لكن بدون عمل المسيح فلا قبول لنا.. ومرة ثانية نتقابل مع وجوه الكاروبيم.
v    الإنسان = التجسد
v    الثور= ذبيحة الصليب
v    الأسد = القيامة
v    النسر= الصعود.
والآن ما هو دورنا بعد ما تمم المسيح عمله؟...  تقديس (تكريس وتخصيص) كل طاقاتنا للمسيح.
v    الإنسان = الطاقة العقلية
v    الأسد = القوة العضلية
v    الثور = الطاقة الشهوانية التي كانت طاقة حب لله.
v    النسر = الطاقة الروحية وهذه تعنى ممارسة التسابيح والصلوات مع الأصوام...
 أن نتواضع متخذين المسيح نموذج لنا،  فيسكن الله عندنا "فهو يسكن عند المنسحقين.." (اش57: 15).
بل قل أن التواضع لا معنى له بالنسبة للإنسان، هذا ممكن فقط للمسيح السماوي العالي الذي نزل، أما نحن أصلا فمن أسفل. التواضع لنا حقيقة هو أن ندرك الحقيقة وإننا لا شيء، قيمتنا هي بالمسيح.
وأيضا أن نعطى قيادة حياتنا للمسيح، كما قاد المسيح هذا الجحش اليوم ودخل به إلى أورشليم أو قل نكون كالفرس الأبيض الذي يركبه الفارس (المسيح) الذي خرج غالباً ولكي يغلب (رؤ6: 2).
والملخص فالمسيح يرتاح ويسكن فينا = 1) بأن نعرفه    2) التواضع والانسحاق    3) أن نعطى المسيح قيادة حياتنا وهذه تأتى بأن نسلم تماما كل أمور حياتنا له بدون أي تذمر ونطيع كل وصاياه.
 ومن يقبل ويفعل:
1) يصير مركبة مثل المركبة الكاروبيمية أي يحمله المسيح الساكن فيه فيحيا في السماويات هنا، ويدخل أورشليم السماوية في الأبدية.
2) الذي يسكن المسيح عنده تصير له إمكانيات لا نهائية عبر عنها بولس الرسول بقوله "أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني" (فى4: 13) ونعود لوجوه الكاروبيم:
v    الإنسان = الحكمة            
v    الأسد = الأقوى جسديا          
v    الثور = شهوة الحب كلها لله.  
v    النسر = هذا يحلق روحيا في السماويات وله قوة إبصار عجيبة (الإفراز).
3) بل تكون للإنسان شفاعة في الخليقة، ألم يقل الله عن الأنبا بولا "أن نهر النيل يفيض بسببه". وتغير طبع الثعبان من وجوده مع الأنبا برسوم العريان.
وقيل أن هذا كان عمل الكاروبيم:   
فمن   له وجه الإنسان يشفع في البشر.
والذي له وجه الثور يشفع في حيوانات الحقل.
والذى له وجه الأسد يشفع في حيوانات البرية.
والذى له وجه النسر يشفع في الطيور.
ولا شفاعة في الزواحف فمنها الحية رمز إبليس، ولا شفاعة في الأسماك فهي تحيا في البحر وهو رمز للعالم بشهواته، ومن يحيا فيها فهو ميت.
دخول المسيح أورشليم في موكب عظيم
مت1:21-11 + مر1:11-11 + لو29:19-44 + يو12:12-19
هذا اليوم كان في خطة الله هو يوم إعلان ملكه ونوع ملكه. فدخل المسيح أورشليم في موكب ملك كمنتصر غالب في الحرب، لكن بتواضع ومحبة وما حدث من إستقبال الناس له لم يكن بترتيب بشري إنما هو بترتيب إلهي. وكملك دخل بيت أبيه أي الهيكل ليطهره.
(مت1:21-11)
بيت عنيا وبيت فاجي هما من ضواحي أورشليم فهما تحسبان أنهما من أورشليم. فهناك طريق واحد منهما إلى أورشليم. وبيت عنيا توجد على السفح الشرقي، شمال جبل الزيتون، وبيت فاجي على السفح الشرقي، جنوب جبل الزيتون،
ونلاحظ أن الأناجيل الأربعة إهتمت بهذا الأسبوع الأخير من حياة السيد المسيح فمثلاً إنجيل متى إشتمل على الإصحاحات 21-28 ليروي فيها ما حدث في هذا الأسبوع، أسبوع آلام السيد والذي قدّم فيه السيد نفسه ليكون فصحنا ويعبر بنا من الظلمة إلى ملكوته الأبدي.
الآيات (1-3): "ولما قربوا من أورشليم وجاءوا إلى بيت فاجي عند جبل الزيتون حينئذ أرسل يسوع تلميذين. قائلاً لهما اذهبا إلى القرية التي أمامكما فللوقت تجدان أتاناً مربوطة وجحشاً معها فحلاهما وأتياني بهما. وإن قال لكما أحد شيئاً فقولا الرب محتاج إليهما فللوقت يرسلهما."
جاءوا إلى بيت فاجي= ومرقس يقول بيت فاجي وبيت عنيا.. ومنه نفهم أن حدود بيت عنيا وبيت فاجي مشتركة ولهم طريق واحد مشترك إلى أورشليم. (وقلنا سابقاً أن بيت عنيا تعني بيت الألم والعناء. أمّا بيت فاجي فتعني بيت التين (ربما لكثرة أشجار التين فيها). ولكن التينة تشير للكنيسة التي يجتمع أفرادها في محبة، وهي في العالم في عناء (الحدود مشتركة) لكن المسيح في وسطها. يفرح بالحب الذي فيها ويشترك في ألامها ويرفعها عنها ويعزيها وهي على الأرض. أتاناً مربوطة وجحشاً معها= أمّا باقي الإنجيليين (مرقس ولوقا ويوحنا) فقد ذكروا الجحش فقط وقالوا لم يجلس عليه أحد قط. وقال معظم الأباء أن الأتان المربوطة تشير لليهود الذين كانوا مؤدبين بالناموس مرتبطين به، خضعوا لله منذ زمان. لكنهم في تمردهم وعصيانهم مثل الحمار الذي إنحط في سلوكه ومعرفته الروحية، يحمل أحمالاً ثقيلة من نتائج خطاياه الثقيلة، والحمار حيوان دنس بحسب الشريعة. وهو من أكثر حيوانات الحمل غباءً، هكذا كان البشر قبل المسيح. أمّا الجحش فيمثل الأمم الشعب الجديد الذي لم يكن قد استخدم للركوب من قبل، ولم يروَّض لا بالناموس ولا عَرِف الله، عاشوا متمردين أغبياء في وثنيتهم، لم يستخدمه الله قبل ذلك ولذلك فهم بلا مران سابق وبلا خبرات روحية. (مز12:49). أتان= أنثى الحمار. جحش= حمار صغير.
ومتى وحده لأنه كتب لليهود أشار للأتان والجحش، أمّا باقي الإنجيليين فلأنهم كتبوا للأمم أشاروا فقط للجحش. ربما ركب المسيح على الأتان فترة من الوقت، وعلى الجحش فترة أخرى ليريح الجحش. لكن الإنجيليين الثلاثة يشيروا لبدء دخول الإيمان للأمم.
ونلاحظ في (رؤ2:6) أن المسيح ظهر راكباً على فرس أبيض يشير لنا نحن المؤمنين. فالمسيح يقودنا في معركة ضد إبليس وخرج غالباً ولكي يغلب فينا.
حينئذ أرسل يسوع تلميذين= رمز لمن أرسلهم المسيح من تلاميذه إلى اليهود والأمم.
 قولا الرب محتاج إليهما= هذه تشير لأن الله يريد أن الجميع يخلصون (يهوداً وأمم).
 ولاحظ أنه لم يقل ربك محتاج أو ربنا محتاج بل الرب محتاج فهو رب البشرية كلها، وأتى من أجل كل البشرية. وهو هنا يتطلع إلى البشرية ليس في تعالي بل كمن هو محتاج إلى الجميع، يطلب قلوبنا مسكناً له وحياتنا مركبة سماوية تحمله. فحلاّهما= هذه هي فائدة الكرازة التي قام بها التلاميذ في العالم، أن يؤمن العالم فَيُحَّلُ من رباطات خطيته (يو22:20، 23) التي كان يحملها كما يحمل الحمار الأثقال على ظهره. الكنيسة تحل أولادها من رباطات الخطية ليملك عليها المسيح ويقودها لكن كفرس في معركة ضد الشيطان.
ونلاحظ أن المسيح لم يدخل أورشليم ولا مرّة، ولا أي مدينة أخرى في موكب مهيب بهذه الصورة سوى هذه المرة لإعلان سروره بالصليب، وهو قبل هذا الموكب فهو حسبه موكبه كملك يملك بالصليب. ويوحنا وحده الذي أشار لهتاف الجماهير بقولهم ملك إسرائيل. ونلاحظ أن المسيح لم يدخل كالقادة العسكريين على حصان فهو مملكته ليست من هذا العالم، ويرفض مظاهر العظمة العالمية والتفاخر العالمي. ويطلب فقط مكاناً في القلوب، يحمل عنها خطاياها التي تئن من ثقلها (كالحمار) فترد لهُ جميله بأن تسكنه في قلبه (مز22:73، 32) فيحولها لمركبة سماوية (مز10:18) إن قال لكما أحد شيئاً= غالباً كان صاحب الحمار من تلاميذ المسيح الذين آمنوا به سراً.
الآيات (4، 5): "فكان هذا كله لكي يتم ما قيل بالنبي القائل. قولوا لإبنة صهيون هوذا ملكك يأتيك وديعاً راكباً على أتان وجحش ابن أتان."
إبنة صهيون= أي سكان أورشليم (أش11:62+ زك9:9) . يأتيك وديعاً= حتى لا يهابوه بل يحبوه لذلك دخل راكباً أتان ولم يركب حصان في موكب مهيب كقائد عسكري. ولكنه الآن يركب حصان، فرس أبيض الذي هو أنا وأنت ليحارب إبليس ويغلب. ومن الذي يغلب إلاّ الذي دخل المسيح قلبه وملك عليه، فدخول المسيح أورشليم يشير لدخوله قلوبنا.
الآيات (6-8): "فذهب التلميذان وفعلا كما أمرهما يسوع. وآتيا بالأتان والجحش ووضعا عليهما ثيابهما فجلس عليهما.والجمع الأكثر فرشوا ثيابهم في الطريق وآخرون قطعوا أغصاناً من الشجر وفرشوها في الطريق."
فرش الثياب هي عادة شرقية دليل إحترام الملوك عند دخولهم للمدن علامة الخضوع وتسليم القلب. ونحن فلنطرح أغلى مالدينا تحت قدميه. فما حدث يعني أنهم يقبلونه ملكاً عليهم، أو يملكونه عليهم. وإستخدامهم لأغصان الأشجار (غالباً شجر الزيتون) مع سعف النخيل يشير للنصرة (نصرة على الخطية) مع السلام. فالنخل يشير بسعفه للنصرة والغلبة (رؤ9:7). والأغصان تشير للسلام (حمامة نوح عادت بغصن زيتون) وهذا ما كان اليهود يفعلونه وهم يحتفلون بعيد المظال، عيد الأفراح الحقيقية وهذا يدل على فرح الشعب بالمسيح الذي يدخل أورشليم. وكل من يملك المسيح على قلبه يغلب ويفرح. وفرش الأرض بالخضرة هو رمز للخير الذي يتوقعونه حين يملك المسيح.
آية (9): "والجموع الذين تقدموا والذين تبعوا كانوا يصرخون قائلين أوصنا لابن داود مبارك الآتي باسم الرب أوصنا في الأعالي."
إستعمل البشيرون عبارات مختلفة ولكن هذا يعني أن البعض كان يقول هذا والبعض الآخر كان يقول تلك. وكل إنجيلي إنتقى مما قيل ما يتناسب مع إنجيله. أمّا تسابيحهم فتركزت في كلمة أوصنا نطق أرامي معناه خلصنا فهي مأخوذة من هوشعنا بمعنى الخلاص أي يا رب خلص (هو من يهوه)، فالفرح كان بالمسيح المخلص وغالباً هم فهموا الخلاص أن المسيح سيملك عليهم أرضياً ويخلصهم من الرومان. وهذه التسبحة (أوصنا....) مأخوذة من مزمور (118).
الجموع الذين تقدموا والذين تبعوا= طبعاً هذه تشير لأن بعض الجموع تقدموا الموكب وبعض الجموع ساروا وراء الموكب. ولكنها تشير لمن آمن بالله وعاشوا قبل مجيء المسيح من القديسين، ولمن آمن بالمسيح بعد مجيئه. فالكل استفاد بالخلاص الذي قدّمه المسيح. الكل في موكب النصرة. لذلك فالمسيح نزل إلى الجحيم من قبل الصليب ليفتحه ويخرج القديسين الذين كانوا فيه ويأخذهم إلى الفردوس. فالمسيح هو مخلص كل العالم. أوصنا لإبن داود= إشارة لناسوت المسيح وتجسده. أوصنا في الأعالي= فهو الذي أتى من السماء وسيذهب للسماء.. (يو13:3). ولاحظ أن متى الذي يتكلم عن المسيح إبن داود يشير لهذا بقوله أوصنا لإبن داود فهو تجسد ليرفعنا فيه للأعالي= أوصنا في الأعالي.
 الآيات (10-11): "ولما دخل أورشليم ارتجت المدينة كلها قائلة من هذا. فقالت الجموع هذا يسوع   النبي الذي من ناصرة الجليل ."
سكان المدينة لم يعرفوه. ولكن من سمع عنه وعمل معه معجزات قد عرفوه. وهؤلاء كان أغلبيتهم من الجليليين الذين هم في وسط الجموع. وكل من دخل المسيح قلبه يرتج قلبه فيطرد من داخله كل خطايا تمنعه من الفرح بالمسيح المخلص ويبدأ في التعرف عليه. لقد خطط المسيح دخوله أورشليم في هذا الموكب المهيب ليعلن أنه ملك ولكن على القلوب وكجزء من تدبير صلبه يوم الفصح (الجمعة). فهو بهذا أثار اليهود ضده فهو دخل كملك ظافر، المسيا الآتي لخلاص شعبه (فهو ملك بصليبه).
(مر1:11-11)
إنجيل مرقس كله 16 إصحاح، إستغرق 10إصحاحات منهم    3 سنة من حياة المسيح على الأرض      و6 إصحاحات لأسبوع الآلام (11-16). ممّا يشير لأن مركز الثقل في خدمة المسيح كانت آلامه وفداؤه للبشرية أكثر مماّ هي تعاليمه لذلك تصلي الكنيسة "بموتك يا رب نبشر" وكانت كرازة التلاميذ محورها صلب المسيح وموته وقيامته. ونلاحظ أن زيارة المسيح لأورشليم هي إفتقاده الأخير لهذه المدينة حتى تكون بلا عذر.
آية (4): "فمضيا ووجدا الجحش مربوطاً عند الباب خارجاً على الطريق فحلاه."
 وجدا الجحش مربوطاً عند الباب خارجاً على الطريق= هذا أحسن وصف لحال الأمم. فهم مشبهون بالجحشن لم يتمرن ولم يخضع لناموس الله وشريعته من قبل، يعيشون في وثنيتهم وخطاياهم في غباوة كالجحش، خطيتهم أفقدتهم حكمتهم. مربوطين برباطات خطاياهم وشهواتهم. خارجاً عن رعوية الله كالإبن الضال الذي ترك بيت أبيه فصار على الطريق بلا حماية من أبيه ليس من يضمه ولا من يهتم به. ولكن المسيح إهتم بهذا الإبن الضال وأتى ليحله من رباطاته وأرسل تلاميذه ليحلوه.
الآيات (7، 8): "فآتيا بالجحش إلى يسوع وألقيا عليه ثيابهما فجلس عليه. وكثيرون فرشوا ثيابهم في الطريق وآخرون قطعوا أغصاناً من الشجر وفرشوها في الطريق."
إلقاء الثياب رمز للخضوع، فهل نخضع أجسادنا للمسيح عوضاً عن الشهوات الدنسة. ونلاحظ أن الشهداء فرشوا أجسادهم خلال قبولهم سفك دمائهم من أجل الإيمان كطريق يسلك عليه الرب ليدخل قلوب الوثنيين. والنساك فرشوا أجسادهم بنسكهم فصارت حياتهم طريقاً يسير عليه الرب لقلوب الناس. وهكذا كل خادم يخدم الله ويتألم ويتعب. وعلى كل منّا أن يطرح عند قدمي المسيح إنسانه العتيق فيدخل المسيح لقلوبنا منتصراً. ويعطي لنا الرب مسكناً في السماء، مسكن أبدي (2كو1:5+ مز24:118-26).
آية (10): "مباركة مملكة أبينا داود الآتية باسم الرب أوصنا في الأعالي."
أوصنا في الأعالي= هنا نرى موكب المسيا الموعود، كلنا فيه وهو رأس هذا الجسد المنطلق للسماء.      ومرقس الذي يكتب للرومان أصحاب أكبر مملكة في العالم، يقول لهم أن المسيح أتى ليؤسس مملكة باسم الرب فهي ليست من إرادة إنسان كمملكة الرومان.
(لو28:19-44)
آية (30): "قائلاً اذهبا إلى القرية التي أمامكما وحين تدخلانها تجدان جحشاً مربوطاً لم يجلس عليه أحد من الناس قط فحلاه وآتيا به."
المسيح أتى ليقوم هو بكل العمل الفدائي ولكنه في محبته أراد أن يكون لكل واحد دور وخدمة. فالتلميذين يذهبان ويحضران الجحش، وصاحب الجحش يعطيه للسيد. ونلاحظ أن من يرسله المسيح لخدمة فهو يهيئ له النجاح فيها. ونلاحظ هنا عدم إعتراض صاحب الجحش.
الآيات (37-39): "ولما قرب عند منحدر جبل الزيتون أبتدأ كل جمهور التلاميذ يفرحون ويسبحون الله بصوت عظيم لأجل جميع القوات التي نظروا. قائلين مبارك الملك الآتي باسم الرب سلام في السماء ومجدٌ في الأعالي. وأما بعض الفريسيين من الجمع فقالوا له يا معلم انتهر تلاميذك."
سلام في السماء ومجدٌ في الأعالي= قارن هذه التسبحة بتسبحة الملائكة يوم ميلاد المسيح "المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام" فهما مشتركتان في المجد في الأعالي ومفترقتان في السلام على الأرض هذا ما يقوله الملائكة. بينما يقول البشر سلام في السماء. فالملائكة فرحت بالسلام الذي صنعه المسيح على الأرض، أمّا البشر فيفرحون بالسلام الذي على الأرض ويتطلعون بفرح للسلام الذي سيحصلون عليه في الأعالي، فرحين بهذا السلام المعد لهم في السماء. وهكذا نتبادل شركتنا مع السمائيين. بينما نلاحظ أن أعداء ملكوت الله لا يفرحهم التسبيح ولهذا طلب الفريسيين من المسيح أن يسكتهم. ولنلاحظ أن المسيح إذ يقترب من قلوبنا (أورشليمنا الداخلية) فيتحول كل كياننا الداخلي إلى قيثارة يعزف عليها الروح القدس تسابيح فرحة. هذه التسابيح الفرحة هي بمناسبة نزع العداء بين السماء والأرض الذي أتى المسيح ليصنعه بصليبه، فصار سلام في السماء مع الأرض إذ لم يعد الله عدواً لنا ولا السمائيين أيضاً. أمّا المجد الذي في الأعالي فيعني إنفتاح السماء بأمجادها على الإنسان ليتمجد في الأعالي. حقاً كان الروح القدس ينطق على أفواه هؤلاء بهذه النبوات والتسابيح. القوات التي نظروا= المعجزات التي صنعها السيد المسيح خصوصاً إقامة لعازر.    
ولوقا الذي يتكلم عن المسيح شفيعنا الذي صالحنا مع الله إختار القول سلام في السماء ومجد في الأعالي فالمسيح بشفاعته حملنا للسماء ليكون لنا سلام مع السماء، ومجد في الأعالي.
آية (40): "فأجاب وقال لهم أقول لكم انه إن سكت هؤلاء فالحجارة تصرخ."
من عبد الأوثان من الأمم صارت قلوبهم حجرية كأوثانهم، حتى هؤلاء آمنوا بالمسيح وسبحوه. بل يوم الصليب تحركت الحجارة وتزلزلت الأرض فعلاً.
الآيات (41-44): "وفيما هو يقترب نظر إلى المدينة وبكى عليها. قائلاً انك لو علمت أنت أيضاً حتى في يومك هذا ما هو لسلامك ولكن الآن قد اخفي عن عينيك. فانه ستأتي أيام ويحيط بك أعداؤك بمترسة ويحدقون بك ويحاصرونك من كل جهة. ويهدمونك وبنيك فيك ولا يتركون فيك حجراً على حجر لأنك لم تعرفي زمان افتقادك."
لقد خربت أورشليم سنة 70م فعلاً بسبب شرورها. ونحن سنهلك كهؤلاء أيضاً مثلها إن لم نستجب لصوت الروح القدس ونتوب فنفرح ونسبح كهؤلاء وكان بكاء المسيح كما بكى على قبر لعازر إعلاناً لحزنه عمّا حدث للبشر من موت وفساد "في كل ضيقهم تضايق" والمسيح هنا يشير إلى ما تم بواسطة الرومان بقيادة تيطس وتدميره لأورشليم. ويهدمونك وبنيك فيك= قيل أن المجتمعين في أورشليم يوم أهلكها تيطس حوالي 2مليون بسبب عيد الفصح في تلك السنة. أحرق منهم تيطس حوالي 120.000على صلبان وقتل 1.2مليون وباع آلاف كعبيد والباقون ماتوا في مجاعة رهيبة حتى أن الأمهات أكلن أبناءهن. فمن يرفض المسيح يخرب ومن يقبله يفرح ويسبح. راجع (مت37:23، 38+ أش7:1) هذه أجرة العصيان.
حتى في يومك هذا= لو كنت يا أورشليم قد قبلتيني كمخلص ما كان سيحدث لك ما سيحدث. ما هو لسلامك= الإيمان بالمسيح طريق سلام لها. أخفى عن عينيك= عدم الإيمان هو عمي بسبب خطاياها.
(يو12:12-19)
الآيات (12، 13): "وفي الغد سمع الجمع الكثير الذي جاء إلى العيد أن يسوع آت إلى أورشليم. فاخذوا سعوف النخل وخرجوا للقائه وكانوا يصرخون أوصنا مبارك الآتي باسم الرب ملك إسرائيل."
وفي الغد= أي يوم الأحد. إذاً الوليمة كانت يوم السبت. الذين حضروا حفل العشاء أذاعوا النبأ السار أن يسوع الذي يريدونه كملك سيأتي إلى أورشليم. والجمع الذي إحتشد كان أغلبهم من الجليليين ومن الذين سمعوا بمعجزة إقامة لعازر فتحمسوا للقائه. وأمام هذا الإستقبال الحافل تأكدت مخاوف الفريسيين ورؤساء الكهنة ووقفوا ينظرون خائفين وحاقدين. وسعف النخيل هو رمز للنصرة والبهجة (لا40:23+ رؤ9:7). وهم رأوا أن يسوع هو المسيح المسيا الذي تنبأ عنه الأنبياء وأنه سيأتي من نسل داود ليعيد لهم الملك (صف15:3-17+ لو32:1-33) فهم كانوا يحلمون بإستعادة كرسي داود بل وأن يحكموا العالم كله. ونرى من (1مك51:13+ 2مك4:14) أنهم كانوا يستقبلون الملوك بسعف النخيل. ووجدت عملات مسكوكة من  أيام سمعان المكابي عليها سعف النخيل. والنخيل شجرة محبوبة لأنها ترتفع شامخة نحو السماء فارشة أغصانها مثل التاج كأذرع تتوسل دائماً. خضراء على الدوام تزهر وتثمر لمئات السنين (مز12:92-13+ نش6:7-8) وفيه نرى النفس المحبوبة للمسيح تشبه بنخلة.
ويوحنا إختار قول الناس أوصنا مبارك الآتي باسم الرب= فالمسيح أتى بقوة إلهية لخلاص الإنسان وتجديده، هو ابن الله الذي أتى ليخلقنا خلقة جديدة.
الآيات (14-15): "ووجد يسوع جحشاً فجلس عليه كما هو مكتوب. لا تخافي يا ابنة صهيون هوذا ملكك يأتي جالساً على جحش أتان."
لا تخافي= فدخول المسيح لأورشليم كان للسلام ولم يأتي ليحارب الرومان وتسيل الدماء في أورشليم لكن ليملأ القلوب سلاماً. بل ليصنع سلاماً بين السماء والأرض. وكان دخوله وديعاً هادئاً وليس كالملوك الأرضيين يصنعون حرباً ويطلبون جزية. والجحش يستعمله الفقراء وفي هذا درس لليهود المتكبرين الذين يحلمون بملك أرضي. وفي تواضع المسيح هذا إشارة لأن أحلام اليهود في مملكة عالمية هي أوهام خاطئة. ودرس لكل من يحلم بمجد أرضي أنه يجري وراء باطل.
آية (16): "وهذه الأمور لم يفهمها تلاميذه أولاً ولكن لما تمجد يسوع حينئذ تذكروا إن هذه كانت مكتوبة عنه وانهم صنعوا هذه له."
لم يفهمها تلاميذه أولاً= كثيراً ما لا نفهم أعمال المسيح أولاً ولكننا من المؤكد سنفهم فيما بعد. وأنهم صنعوا هذه له= أي أنهم إشتركوا في تكريم المسيح كملك، وإشتركوا في تنفيذ النبوات، فهذه عائدة على النبوات. لم يكن التلاميذ فاهمين ولا الشعب ولا الفريسيين وكم من أمور تجري في حياتنا ونحن لا نفهمها. علينا أن لا نطالب بالفهم فسيأتي يوم ونفهم. لكن علينا بالإيمان.
آية (19): "فقال الفريسيون بعضهم لبعض انظروا أنكم لا تنفعون شيئا هوذا العالم قد ذهب وراءه."
هذه نبوة من فم الأعداء بإيمان العالم وذهابه وراؤه، ونرى غيظهم من ضياع سلطانهم. لا تنفعون شيئاً=  هذه مثل "راحت عليكم". فالناس تركتهم وهذا هو ما أغاظهم.
طلب اليونانيين أن يروا يسوع (يو20:12-36)
الآيات (20-22): "وكان أناس يونانيون من الذين صعدوا ليسجدوا في العيد. فتقدم هؤلاء إلى فيلبس الذي من بيت صيدا الجليل وسألوه قائلين يا سيد نريد أن نرى يسوع. فآتى فيلبس وقال لإندراوس ثم قال إندراوس وفيلبس ليسوع."
يقرأ هذا الفصل في الساعة الأولى من ليلة الإثنين من البصخة المقدسة، فهذا هو الوقت الذي دار فيه هذا الحديث بعد دخول الرب لأورشليم. ويقرأ باكر عيد الصليب، فالصليب هو خلاص كل العالم، وهو محور كلام السيد المسيح هنا في ضرورة حمل الصليب. ومن يفعل يرى يسوع. ونرى هنا أن اليونانيين الأمم جاءوا لتحية المصلوب ملك اليهود، كما جاء المجوس الوثنيين لتحية المولود ملك اليهود، لكي يجمع المسيح في حياته ومماته الشرق والغرب، فالكل يسجد له ويعبده، كلاهما (يونانيين ومجوس) هم من الخراف التي ليست من هذه الحظيرة (اليهود)، كلاهما يفتتحان عصر قبول الأمم. ولاحظ أن في ميلاده رفضه اليهود. فولد في مذود ومجده الأمم. فتش عنه المجوس ودبر هيرودس قتله. والآن يقبله الأمم اليونانيين ويدبر اليهود لقتله. واليونانيين هنا هم أصحاب الجنسية اليونانية وليسوا من يهود الشتات لكنهم تهودوا إذ قيل أتوا ليسجدوا، ولكنهم كانوا يعيشون في الجليل معجبين باليهودية، ولأنهم في نظر اليهود دخلاء فمكانهم في الهيكل في دار الأمم، لذلك جاءوا إلى فيلبس ليدبر لهم مقابلة مع المسيح لأن المسيح كان داخل الهيكل. ونلاحظ أن اليونانيين أتوا لفيلبس لأنهم يعرفونه من الجليل حيث يقيم يونانيين كثيرين. ونلاحظ أن فيلبس اسمه يوناني فربما كان له قرابة معهم. هم سمعوا عن المسيح ومعجزاته وإستقباله وتطهيره للهيكل فأعجبوا به وأرادوا أن يروه.
الآيات (23-24): "وأما يسوع فأجابهما قائلاً قد أتت الساعة ليتمجد ابن الإنسان. الحق الحق أقول لكم  إن لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتمت فهي تبقى وحدها ولكن إن ماتت تأتى بثمر كثير."
رأى المسيح في مجيء اليونانيين باكورة الحصاد الذي سيحصد بواسطة موته. فحبة الحنطة تشير للمسيح الذي سيدفن بعد صلبه ليأتي بالأمم واليهود. والمسيح إنتهز الفرصة ليعلن إقتراب ساعة موته والتي بها سيكون الخلاص لكل العالم يهوداً ويونانيين أي يهوداً ووثنيين. يتمجد= بصليبه وموته ثم بقيامته وصعوده وجلوسه عن يمين الآب. وبذلك يكون الموت بداية للحياة المجيدة السمائية للأمم كما لليهود وبهذا يتمجد يسوع. وفي هذا تشابه مع البذرة في دفنها. اليونانيون أتوا ليروا مجد يسوع الذي دخل في إستقبال عظيم وطهر الهيكل. لكن نجد يسوع يتكلم عن موته. فالصليب هو مجده. وهذا عكس الملوك الأرضيون الذين يفتخرون بالمظاهر. وعلى كل مؤمن أن يميت ذاته مثل حبة الحنطة في هذا العالم، وهذا ما سوف يعطيه حياة أبدية. ومن يميت ذاته يكون المسيح بالنسبة له هو الطريق للقيامة والحياة. أمّا من إنغمس في لذات هذا العالم فيكون قد إختار الموت كما أن البذرة لو تركت بدون دفن يأكلها السوس (مت39:10). ولو تُركت البذرة في المخازن دون أن تُدفن في الأرض لأكلها السوس، بل لظلت هكذا بدون جمال، مجرد بذرة يابسة لكنها متى ماتت نبتت وأثمرت وأينعت وأخضرت الحقول وتوجت بالسنابل لذلك فالتضحية هي باب الإثمار والإنتاج، والصليب باب المجد. وأمّا الحبة التي ترفض التضحية وترفض الصليب تظل وحدها بلا منظر، بلا ثمار وبلا مجد. والثمار ستأتي أيضاً بتلاميذه الذين سيبذلون حياتهم. قد أتت الساعة= المسيح يعلن أن ساعة الصليب إقتربت، الذي به سيدخل الأمم (اليونانيون) للإيمان. هم أتوا ليروا مجد أرضي. ولكن أتت الساعة ليعرف الجميع معنى المجد الحقيقي السماوي. والمسيح إذ مات ودفن ثم قام عرفه الكل، وآمن العالم به. هو حبة الحنطة التي إذ تموت في التربة وتتحلل يخرج منها سنابل خضراء مملوءة (المؤمنين في كل العالم). فعمل المسيح الفدائي أعطى حياة لكثيرين جداً في كل العالم. وبالصليب سيرى الأمم واليهود المسيح رؤية قلبية بالروح القدس فيعرفوه ويؤمنوا به فيتمجد ابن الإنسان.
دخل المسيح إلى أورشليم كملك يملك على قلوب محبيه، دخل وسط جو كله محبة وفرح، محبة منه لأورشليم (رمز لكنيسته) ودخل ليصلب ويكون حبة حنطة تموت ليؤسس كنيسته ويملك عليها، ودخل ليصلب، فالصليب هو قمة الحب، وأمام محبته هذه ملكته كنيسته عليها، على قلوب أولادها. ومن ملكوه على قلوبهم وجعلوه يتعشى معهم كما حدث مع أسرة سمعان الأبرص ولعازر بالأمس سيجعلهم يتعشوا معه في السماء عشاء عرس الخروف (رؤ19: 9) ويتمجدوا. ويرفع من كانوا في بيت العناء، بيت عنيا على الأرض إلى مجد السماء. فشركاء الألم شركاء المجد. والمسيح كان وسط أحبائه، وقد قبل أن يسلم نفسه للموت، تاركاً نفسه لأحبائه ليكفنوه. وكان هذا الحب ترطيباً لآلامه. لكنه كان قد بدأ طريق الصليب. طريق إعلان أعظم حب من الله للبشرية. ومازال للآن كل حب معلن، كل زجاجة طيب مكسور هو مُفرح لقلب المسيح، الزجاجة المكسورة هي صليبي ولكن طريق المجد هو الصليب، هذا ما رأيناه مع المسيح، وهذا هو الطريق الذي يدعونا إليه المسيح. (الحب+ حمل الصليب).
آية (25): "من يحب نفسه يهلكها ومن يبغض نفسه في هذا العالم يحفظها إلى حياة أبدية."
نرى هنا التطبيق العملي. من يبغض نفسه= يموت عن شهوات العالم. هنا المسيح يرد على سؤال اليونانيين وعلى كل من يريد أن يرى يسوع. فمن يريد أن يرى يسوع فليصنع ما صنعه يسوع ويموت عن العالم. من يحب نفسه= النفس هنا تشير للحياة الطبيعية الحسية. أمّا الحياة الأبدية فهي الحياة الحقيقية، فمن يترك لذاته الحسية الخاطئة الآن يكون كمن يدفن نفسه وبذلك يرتفع ليستحق الحياة الأبدية، والحياة الأبدية هي المسيح والمعنى أن من يصلب الأنا تظهر حياة المسيح فيه. ولنبدأ بحفظ الوصية وإيثار الآخرين على أنفسنا ونقدم توبة حقيقية، فالتوبة هي دفن الجسد العتيق وإيثار الآخر هو دفن للأنا. وأمّا من لا يريد أن يكون كحبة الحنطة المدفونة ويمت فلن يأتي بثمر، من يرفض خدمة الآخرين ويرفض إعطاء الحب للآخرين ويحيا في عزلة وإنفرادية متلذذاً بحسياته الجسدية يكون كبذرة في المخازن بلا جمال ولا مجد معرضة للفساد والسوس محرومة من الحياة الأبدية. فلنحمل صليب يسوع حتى الموت. ومن يتمسك بالمادة لا يمكن أن يرتقي إلى فوق (السماويات). ومن يلتصق بشيء فانٍ يفنى معه (كملذات الدنيا). هذا هو طريق رؤية المسيح.
 
آية (26): "إن كان أحد يخدمني فليتبعني وحيث أكون أنا هناك أيضاً يكون خادمي وإن كان أحد يخدمني يكرمه الآب."
المسيح هنا يقدم مفهوم الخدمة فهي ليست مجرد خدمة للآخرين بل هي أن نسير في طريق المسيح أي الصليب. فليتبعني= كيف نتبعه إن لم نقبل أن نحمل الصليب. ونسير في طريقه بحفظ وصاياه وقبول أي صليب يوضع علينا (مت38:10، 39). فالإيمان الصادق بالمسيح هو أن نسير في طريقه ونتحمل في سبيله كل أنواع الجهاد الروحي فمن يشاركه آلامه سيشاركه أمجاده (رو17:8). حيث أكون أنا يكون خادمي= أي يكون له نفس طريق المسيح أي الصليب ثم المجد. إن كان أحد يخدمني= لا يقصد بهذا خدمته في العالم بينما هو في الجسد لأن ساعة موته قد إقتربت. ولكن تعني حفظ وصاياه وخدمة أولاده، ويتشبه به فهو أتى ليَخْدِمْ لا ليُخْدَمْ. يكرمه الآب= من يتبع المسيح ويخدمه حاملاً صليبه سينال كرامة من الله الآب (مت40:10+ 1صم30:2). وهنا المسيح يشرح وحدة الذات الإلهية بينه وبين الآب. فمن يكرمه الإبن يكرمه الآب أيضاً، ولا يعود عبداً بل يصير ابناً للآب. ونحن نكرم القديسين والشهداء فالآب يكرمهم. ولنلاحظ أنه لا صليب بدون تعزيات (2كو3:1-10). وهذه التعزيات هي عربون الأفراح والأمجاد السماوية فشركاء الألم شركاء المجد. ومن يلقي نفسه بإيمان في طريق الصليب يبدأ يتذوق هذا العربون. يخدمني= [1] يحفظ وصيتي [2] يخدم رعيتي.. كيف؟ يحمل الصليب مثلي: [1] يموت عن شهوات العالم [2] قبول أي ألم.
آية (27): "الآن نفسي قد اضطربت وماذا أقول أيها الآب نجني من هذه الساعة ولكن لأجل هذا أتيت إلى هذه الساعة."
النفس هي قاعدة المشاعر الإنسانية. أمّا الروح فهي أداة الإتصال بالله بها يتحدث مع الله وينعكس هذا في تعبيراته وتعاليمه. وإضطرابه هنا يشير لأنه إنسان كامل وهو الآن يتصوًّر الثمن الذي عليه أن يدفعه وهو الموت وحمل خطايا كل البشرية حتى يراه اليونانيين ويراه كل من يؤمن. الإضطراب لا يعني الخوف فالمسيح لا يخاف من الموت فما يجعلنا نخاف من الموت هو الخطية والمسيح بلا خطية. ونخاف من الموت فما بعد الموت مجهول لنا، أما المسيح فيعرف المجد السماوي. إذا هو ليس خوف بل هو إنفعال عاطفي شديد داخل النفس. ليس من أجل آلام الصليب ولكن [1] من أجل الخطايا التي سيحملها وهو القدوس البار. والخطية بالنسبة له شيء مكروه جداً. [2] من أجل الموت الذي سيتذوقه وهو الحي المحيي. القيامة والحياة. والموت ليس من طبيعته. [3] حجب وجه الآب عنه، وهذا فوق مستوى إدراكنا.[4 ] خيانة الناس الذين احبهم وكراهيتهم له، وهذا ضد طبيعته(المحبة فالله محبة).  ولكن لإتصاله الروحي بالآب كان له قرار حاسم هو التوجه إلى الصليب مهما كان الثمن= ولكن لأجل هذا أتيت= لأجل [1] محبته للبشر [2] طاعته للآب. كان قراره موجه بكل قوة نحو إتمام المشيئة الربانية وبكل حسم أيضاً. ماذا أقول= المسيح لا يسأل، بل هو يلفت النظر لإضطرابه وإنفعاله نتيجة المعركة مع الموت والتي في نهايتها يموت الموت. وهو كان يصلي ويصرخ (عب7:5) ليخرج منتصراً من هذه المعركة ويضاف إنتصاره لحساب الإنسان ويكون للإنسان حياة عوضاً عن الموت.
نجني من هذه الساعة= أعطني الإنتصار على الموت بالقيامة. وقبول الآب واستجابة الآب أعلنها بقيامة الإبن.
الآيات (28-30): "أيها الآب مجد اسمك فجاء صوت من السماء مجدت وامجد أيضاً. فالجمع الذي كان واقفاً وسمع قال قد حدث رعد وآخرون قالوا قد كلمه ملاك. أجاب يسوع وقال ليس من اجلي صار هذا الصوت بل من أجلكم."
إسمك= إجو إيمي (يونانية)= أنا هو= يهوه (عبرية) يهوه صار إسماً للمسيح. مجد إسمك= مجد إبنك. فالمسيح يطلب أن يمجده الآب ويؤيده في هذه المعركة مع الموت لينتصر على الموت. ولكن لنلاحظ أن الآب والإبن واحد فمجد الإبن هو مجد الآب أيضاً. ولذلك فالمسيح ليس مشتاقاً أن يمجده الآب، بل هو مشتاق أن يتمجد جسده، ويكون هذا المجد لحساب كنيسته التي هي جسده. وهذا المجد يبدأ بإنتصاره على الموت، ويعطي حياته هذه للمؤمنين وهي حياة أبدية ثم يصعد للسماء ويتمجد بجسده، ويكون هذا المجد لكل من يغلب من المؤمنين. والصوت الشديد كان ليسمعه المجتمعون فيؤمنوا بالمسيح بعد أن ظهرت علاقته بالآب. والله سبق وكلم موسى وإبراهيم وكثير من الأنبياء والآن يكلم ابنه ليظهر العلاقة بينه وبين إبنه، إلاّ أن اليهود لم يفهموا. رعد.. ملاك= الله يتكلم لكن كل واحد يسمع بحسب إستعداده ونقاوة قلبه واهتمامه فالبعض فهموا أن هذا صوت فقالوا ملاك والبعض لم يفهم أبداً فقالوا رعد. وعموماً فصوت الرعد يصاحب كلام الله كما حدث مع موسى. ونلاحظ أن المجتمعين لم يميزوا صوت الله ولم يفهموا ما قيل، فالناس في بشريتهم وخطيتهم لا يستطيعون أن يسمعوا صوت الله. ونلاحظ أن صلاة المسيح ليست مثل صلاتنا وفيها نرجو ونتذلل وننسحق ليقبلنا الله، ولكن هي نوع من إعلان الصلة بينه وبين أبيه ومن خلال هذه الصلة تنسكب القوة الإلهية لتساند الجسد الضعيف حتى ينتصر في معركة الموت. ويرى الناس هذه الصلة فيؤمنوا بأن المسيح هو من الله. وصلاة المسيح حيث أنه واحد مع الآب ومشيئتهما وإرادتهما واحدة تشير لأنه يعلن مشيئة الآب التي هي مشيئته أيضاً. مجدت= في حياته ومعجزاته وبره وأن كل الإتهامات ضده إرتدت على مقاوميه. كما شهد الآب للابن في العماد والتجلي وقال "هذا هو إبني الحبيب" وكما شهدت الملائكة له يوم الميلاد قائلة "المجد لله في الأعالي.." هنا الآب يشهد للمجد الذي للابن منذ الأزل= وأمجد أيضاً= المجد الذي سيصير لناسوته بعد موته إذ يقوم ويصعد للسماء ويجلس عن يمين الآب. وسيؤمن به كل العالم ويسجدون له. بل من أجلكم= إذاً الصوت ليس لتشجيع المسيح لكن ليؤمنوا (هو إعلان للناس).
آية (31): "الآن دينونة هذا العالم الآن يطرح رئيس هذا العالم خارجاً."
قال دينونة ولم يقل الدينونة. فالدينونة مُعَرَّفَةْ بالـ هي في نهاية العالم. دينونة= يسقط بعنف نتيجة ضربة قوية ويخرج خارج دائرة المصارعة إذ إنهزم، هذا معنى الكلمة. والإنتصار ليس أن الله إنتصر على إبليس بل المسيح الإنسان إنتصر لحسابنا عليه ليجذبنا بصليبه للسماء والغلبة هي لمن يؤمن (1يو4:5). ولكن هناك دينونات كثيرة كلٌ في ميعادها. فمحاكمة المسيح الظالمة سيقع ذنبها على من حكموا عليه، ولذلك خربت أورشليم. ولأن من حكموا على المسيح ظلماً يحركهم الشيطان فلابد أن يسقط الشيطان بعد أن ساد العالم بظلمته طويلاً (لو18:10-19). ولقد إنكشف إبليس أمام الكل وصارت حيله معروفة مدانة لأولاد الله. المسيح ببره أظهر شر العالم والشيطان الذي يحرك العالم حين صلب العالم المسيح. فلا عذر لإنسان يسير وراء العالم. لقد كان الصليب دليل إدانة العالم على كل شروره، فالعالم عوضاً عن أن يفرح بالمسيح قام  عليه وصلبه (يو19:3+ 39:9+ 11:16). ومعروف أن الشيطان رئيس هذا العالم (يو30:14). ولقد تحوَّل الصليب إلى مجد للمسيح وحياة للمؤمنين وقوة يهزمون بها الشيطان، وصار الصليب عار ودينونة وإدانة لمن صلبه ولمن لا يؤمن به. بالصليب سلب الله كل سلطان لإبليس على البشر (مت29:12). وجرده من  كل نفوذ له كان يذلهم به ويجعلهم عبيداً له (كو14:2-15). ومن ثم خلعه من عرشه وطرحه خارج العالم ليصير مجرد مخلوق حقير شرير متمرد على الله ينتظر في سجنه ساعة الدينونة (2بط4:2) مقيداً بسلاسل بعد الصليب (رؤ1:20-3). ينتظر أن يلقى في النار الأبدية في نهاية الأيام (مت41:25+ مر24:1).   ولكن طرحه بدأ بالصليب= الآن يُطرح لم يعد للشيطان سلطان على أولاد الله. هو خارج دائرة من هم للمسيح. هو يحاربهم لكن لا سلطان له عليهم. وقوله دينونة العالم أي كشف وجه العالم الغادر والمقصود بالعالم هو المادية المعادية لروح الله. ونلاحظ أنه بالمعمودية يخرج الشيطان تماماً من حياة المؤمنين ولكن يظل يحاربهم من خارج (لو21:11-22). والمسيح أعطانا القوة أن نطرده وأعطانا سلطاناً أن ندوس عليه بعد أن حررنا منه. ولكن هناك من يذهب له وبالتالي يفقد حريته لذلك ينبه المسيح أن لا نفعل ذلك (يو36:8). بالصليب أدينت الخطية فينا أي ماتت وأصبحت بلا سلطان علينا (رو3:8).
الآيات (32-33): "وأنا إن ارتفعت عن الأرض اجذب إلىّ الجميع. قال هذا مشيراً إلى أية ميتة كان مزمعاً أن يموت."
المسيح إرتفع على مرحلتين الأولى على الصليب (يو14:3+ 28:8) ثم الصعود (مر19:16+ لو51:9+ أع11:1). وكان الصليب هو طريق الصعود لأعلى فهو كان الخطوة الأولى. لذلك صار المؤمنون يشتهون الصليب بسبب الخطوة التالية وهي الإرتفاع للمجد (يو1:14-3) كان كل هذا رداً على طلب اليونانيين أن يروه. فهو سيجذبهم لأعلى وليس فقط سيرونه. بإرتفاع المسيح على الصليب سيجذب المؤمنين إلى الحياة الأبدية. مشيراً= كلمة صليب كانت لعنة وصارت إرتفاع للمجد. لقد صارت كلمة إرتفاع تشير للصليب وتشير للصعود أيضاً، بل صارت قوة جبارة تجذب البشر للسماء وعكس قوى الشر. هو يجذب لكن ليس كل واحد يستجيب، وقوله الجميع= يهود وأمم.
آية (34): "فأجابه الجمع نحن سمعنا من الناموس إن المسيح يبقى إلى الأبد فكيف تقول أنت انه ينبغي أن يرتفع ابن الإنسان من هو هذا ابن الإنسان."
تنبأ الأنبياء عن أن ملك المسيح أبدي (دا 13:7-14+ أش7:9+ حز25:37+ مز3:89-4، 35-36+ مز4:110) ولكن اليهود فهموا هذه النبوات خطأ لأنهم ظنوا أن ملك المسيح سيكون على الأرض ولم يفهموا أن ملكه سيكون ملك أبدي سماوي. ولذلك حينما قال المسيح إن إرتفعت عن الأرض (32) فهمها اليهود أنه سيموت، ومن هنا حدث اللبس فكيف يموت وهو المسيا الذي سيملك إلى الأبد. وكان خطأ اليهود فهمهم السطحي فكيف يقيم المسيح ملكاً أبدياً على أرض مصيرها الفناء. هو قال عن نفسه أنه ابن الإنسان فبحسب فهمهم أنه لو كان المسيح فإبن الإنسان لن يموت.
الآيات (35-36): "فقال لهم يسوع النور معكم زماناً قليلاً بعد فسيروا ما دام لكم النور لئلا يدرككم   الظلام والذي يسير في الظلام لا يعلم إلى أين يذهب. ما دام لكم النور آمنوا بالنور لتصيروا أبناء النور تكلم يسوع بهذا ثم مضى واختفى عنهم."
فيها رد على تصورهم أن المسيح سيبقى على الأرض إلى الأبد. ومعنى كلامه لا لن أبقى للأبد على الأرض كما تظنون. وهنا فالسيد يعطيهم نصيحة لأنهم متشككين حتى ينتفعوا بفرصة وجوده معهم فهو النور القادر أن يقودهم. فهو ليس إنسان ذي جسد عادي مثل باقي البشر، بل هو الله نور من نور (يو12:8+ 5:9+ 6:1-10+ 19:3) وطالما قال السيد عن نفسه أنه هو النور. ونفهم من الكتاب المقدس أن النور هو الله ذاته (أي19:38+ دا22:2+ مز2:104+ مز1:27) وواضح أن المسيح يدعوهم لأن يؤمنوا به ليصيروا أبناء النور= أي من يؤمن بالمسيح يتغير كيانياً، يصير خليقة جديدة، يصير نوراني (هذه مثل "يصير نيرِّاً كله" لو36:11). ثم مضى وإختفى عنهم= غالباً كان إختفائه بطريقة عجيبة ملحوظة من أمامهم رمزاً لأن نوره الذي كلمهم عنه سوف يختفي قريباً كتحذير لهم من عدم إيمانهم.. ولكنهم لم يؤمنوا، هم يريدوا أن يسير الله بحسب فكرهم وليس العكس. ولاحظ تسلسل كلام الرب فهو قال أولاً سيروا في النور ثم تقدم خطوة فقال آمنوا بالنور= آمنوا بي. فسيروا ما دام لكم النور= في ترجمة أخرى (القطمارس) فسيروا في النور، ومن يسير في النور سيعرف المسيح ويؤمن به، أي من ينفذ الوصية سيلتقي بالمسيح ويعرفه، بل يسكن عنده الآب والإبن (يو23:14). يدرككم الظلام= أي الشيطان والمعنى إن لم تقبلوني سيسيطر عليكم الشيطان. إذاً إنتهزوا الفرصة فمن لا يسير في النور لن يصل للحياة الأبدية.
(مت17:21):-
المسيح يبيت في بيت الألم (عنيا) فهو يرفض الملك الزمني الذي أراده له الذين إستقبلوه في أورشليم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.