سلسلة مخافة الله 15.. اعتراضات والرد عليها
الاربعاء 21 مارس 2012 - 11:53 ص
بقلم قداسة البابا شنودة الثالث
كثيرون يهربون من عبارة مخافة الله، ويرون أنها لاتتفق مع عهد النعمة. فما هي أدلتهم
يقول المعترض: لماذا أخاف الله، وقد قبل إليه أوغسطينوس، وكان فاجرا لزمن طويل؟! فلماذا أخاف الله
وقد قبل الله إليه أيضا موسي الأسود، وكان قاتلا قاسيا.. وكذلك مريم القبطية، وكانت في عمق الدنس والفساد.. وقبل إليه كذلك مريم المجدلية التي كان فيها سبعة شياطين مرقس 16: 9، كما قبل إليه المرأة الزانية التي رأته في بيت الفريسي لوقا 7: 37
وأنا أطوب فيك يا ابني معرفة كل هذه الأمثلة.. ولكن في مناقشتها معك، أحب أن أسأل: هل لك توبة صادقة مثل كل أولئك القديسين؟ هل لك توبة أوغسطينوس وموسي الأسود، اللذين لم يرجعا إلي الخطية مرة أخري، بل استمرا في النمو الروحي حتي صارا مرشدين لكثيرين، بل لأجيال بعدهما؟ هل لك انسحاق قلب تلك الزانية، التي تذللت جدا وسكبت دموعها أمام جميع الناس؟
هل تعرف كيف اقتاد الله مريم القبطية بالمخافة، إذ صدتها يد الله عند الدخول إلي الكنيسة، وسمرتها في مكانها، فلم تستطع الوصول إلي الأيقونة المقدسة؟ وهل تعرف كيف جاهدت 17 سنة بعد توبتها وهي في إصرارها ثابتة أمام حروب الشياطين المخيفة المستمرة؟ وهل لك الحب الذي كان في قلب القديسة المجدلية، الحب الجبار الذي يمكن أن يبعد عنها المخافة؟
كن مثل كل أولئك في توبتهم وحبهم، حينئذ لا تخاف وتأمل أيضا كيف ومتي وصلوا إلي تلك الدرجة ولكن لاتفترض نفسك في مستوي قديسين، حالتك غير حالتهم، وتوبتك غير توبتهم، ويوجد فارق كبير بينك وبينهم بين بدايتك ونهايتهم!!
إنما ضعهم أمامك، ليبعثوا الرجاء في قلبك. وحاول بكل قوتك أن تسير في طريقهم بنفس الجدية وبنفس العزيمة الصادقة وبنفس المخافة التي بدأوا بها وحينئذ لاتخاف
وتذكر أن الرب قال عن المرأة الزانية التائبة، إنه غفر لها الكثير لأنها أحبت كثيرا
إن وصلت إلي تلك المحبة الكثيرة، وإلي ذلك التذلل وتلك الدموع، تكون قد وصلت إلي المخافة التي توصلك إلي المحبة وتأخذ الوعد الإلهي فلا تخاف
-----
أسمعك تقول: لماذا نخاف والله أب لنا يتراءف علينا؟!
إنه أب بكل ما تحمل هذه الكلمة من معني قال عنه المرتل في المزمور لم يصنع معنا حسب خطايانا ولم يجازنا حسب آثامنا.. كبعد المشرق عن المغرب أبعد عنا معاصينا. المزمور103: 12 ، 10
حسن يا ابني أنك استخدمت هذا المزمور وهذه الآيات بالذات وليتنا نقرأها معا ونري ماذا تعني؟ يقول المرنم
كما يترأف الأب علي البنين، يتراءف الرب علي خائفيه
ولم يقل يتراءف علي الباقين في خطاياهم، أو علي المستمرين في كسر وصاياه بل قال يتراءف علي خائفيه المزمور 103: 13. وقال في مراحم الرب ومغفرته لأنه مثل ارتفاع السموات فوق الأرض، قويت رحمته علي خائفيه المزمور 103: 11
أراك عرضت آيات توافق فكرك، وتركت الباقي!أخذت الآيتين 12 ، 10 من المزمور103 بينما تركت الآيتين 13 ، 11 وكان ينبغي أن تأخذ المزمور كله، لكي تفهم المعني متكاملا من جهة معاملة الله
فحقا هو رحيم ورؤوف وطويل الروح.. ولكن لكي نتوب، وحينئذ يتراءف علي خائفيه، ولا يجازيهم حسب آثامهم. لأنهم بخوف الله قد تابوا، وبالتوبة محيت خطاياهم وهكذا لم يعد الله يجازيهم علي آثام قد غفرها ولايصنع معهم حسب خطايا تابوا عنها
الله يعاملك كأب ولكن ينبغي أن تعامله كابن له. حقا هو أب لنا، ولكنه لايحابي
انظر ماذا يقول القديس بطرس الرسول في هذا المعني.. إنه يقول أن كنتم تدعون أبا الذي يحكم بغير محاباة حسب عمل كل واحد فسيروا زمان غربتكم في خوف. رسالة بطرس الرسول الأولى 1: 17
إنه أب بكل ماتحمل الكلمة من معني الأبوة ولكنه أب قدوس لايرضي بالخطية وهو أب عادل لايحابي أولاده ومادام سيحكم علي أعمالنا بغير محاباة إذن فلنخف من إغضاب هذا الأب، ولنخف من أن نفقد محبته
الله أب لنا وكأب يعاتب أولاده علي عصيانهم
وهكذا تبدأ نبوءة أشعياء النبي بعبارة اسمعي أيتها السموات وأصغي أيتها الأرض فإن الرب يتكلم: ربيت بنين ونشأتهم أما هم فعصوا علي إشعياء 1: 2
وماذا أيضا؟ يقول الرب في سفر ملاخي النبي الابن يكرم أباه والعبد يكرم سيده فإن كنت أنا أبا فأين كرامتي؟ وإن كنت سيدا فأين هيبتي؟ ملاخي 1: 6
ألا نقول إذن إن الوقوف ضد كرامة الله وهيبته أمر يدل علي عدم وجود مخافة الله في القلب؟!وهذا ضد تعليم الكتاب
فإن كنت ابنا لله فأين كرامة الله كأب لك؟
-----
يقول البعض: لماذا أخاف الله وهو ليس فقط أبا وإنما تمتزج أبوته بالطيبة والعطف
هنا وأجيب: هل لأن الله أب طيب نستغل نحن طيبته ونتجاهل كرامته وهيبته؟! وننسي جلالة وأبوته؟! أيلزم إذن أن يشتد في معاملته لنا لكي نطيعه ونخافه ونهابه؟ وإن نسينا هيبة الله باسم الحب أيكون هذا حبا حقيقيا؟ ومادام الله أبا أليس من حقه كأب أن يؤدبنا؟ وأن نخشي تأديبه
هوذا الرسول يقول الذي يحبه الرب يؤدبه.. إن كنتم تحتملون التأديب، يعاملكم الله كالبنين فأي ابن لايؤدبه أبوه؟! ولكن إن كنتم بلا تأديب قد صار الجميع شركاء فيه فأنتم نفول لابنون العبرانيين 12: 6 - 8
إذن فلا ننتظر من الأب العطف فقط بل أيضا التأديب ولنثق أن التأديب نافع لنا إنه يغرس فينا مشاعر المخافة فنطيع الله ونحيا
وهو ذا القديس بولس الرسول يتابع كلامه فيقول قد كان لنا آباء أجسادنا مؤدبين وكنا نهابهم أفلا نخضع بالأولي جدا لأبي الأرواح فنحيا؟ لأن أولئك أدبونا أياما قليلة حسب استحسانهم وأما هذا فلأجل المنفعة لكي نشترك في قداسته العبرانيين 12: 9 - 10
ولأن الرسول يعرف أن المخافة ليست محبوبة عند الكثيرين وكذلك التأديب فإنه يختم كلمته بقوله ولكن كل تأديب في الحاضر لايري أنه للفرح بل للحزن وأما أخيرا فيعطي الذين يتدربون به ثمر بر للسلام العبرانيين 12: 11
إذن أبوة الله لنا، ليست لمجرد التدليل
إنما هي بالأكثر للتقويم والتهذيب والتأديب لكي تنصلح حياتنا فنحيا ومن هنا ينبغي أن تمتزج محبتنا البنوية لله بالمخافة كما قال الرسول عن آبائنا بالجسد كنا نهابهم وكانوا مؤدبين لنا هنا المخافة بمعني المهابة والطاعة وليست بمعني الرعب، تخاف لكيلا تخطيء
-----
يقول البعض: لماذا مخافة الله بينما من صفات الله اللطف والحنان
والرسول يقول ولكن حين ظهر لطف مخلصنا الله وإحسانه لا بأعمال في بر عملناها نحن، بل بمقتضي رحمته خلصنا.. رسالة بولس الرسول إلى تيطس 3: 5,4
ونجيب بأن الحديث عن لطف الله هو نصف الحقيقة، فإن الرسول نفسه يقول: هوذا لطف الله وصرامته.. رومية 11: 22
ويكمل أما الصرامة فعلي الذين سقطوا وأما اللطف فلك أن ثبت في اللطف وإلا فأنت أيضا ستقطع. رومية 11: 22
-----
يقول المعترض: لكن الله طويل الأناة ورحوم
فنجيب: ولكن لايليق بنا كأبناء وكمؤمنين أن نستغل طول أناة الله لنتمادي في خطايانا! كما لو كانت رحمة الله ستار لاستهتارنا وهوذا الرسول يوبخ كل من يستغل طول أناة الله فيقول: أم تستهين بغني لطفه وإمهاله وطول أناته غير عالم أن لطف الله إنما يقتادك إلي التوبة ولكنك من أجل قساوتك وقلبك غير التائب تذخر لنفسك غضبا في يوم الغضب واستعلان دينونة الله العادلة الذي سيجازي كل واحد حسب أعماله.. رومية 2: 4 - 6
ليس حنان الله إذن مجالا للاستهتار!! ولا طول أناته معناه إنه راض علي الخطية أو متسامح فيها ولا يعاقب!! حاشا فإن كل هذا لايتفق مع صلاح الله غير المحدود ولا مع عدله
كلا وإنما الله لايريد أن يمسك بك وأنت في حالة خطأ فتهلك بل يعطيك فرصة لتتوب. عليك أن تخاف إذن من طول أناة الله. لئلا يأتي الوقت الذي يمتليء فيه كأس الغضب فتنتهي الفرصة التي أعطيت لك للتوبة وهنا تتعرض لدينونة الله المخيفة. رؤيا يوحنا اللاهوتي 2: 21
لقد أطال الله أناته جدا علي فرعون أيام موسي فهل معني هذا أنه لم يعاقبه
وقد أطال الله أناته فترة علي الأموريين لأن كأس الأموريين لم يكن كاملا وقتذاك التكوين 15: 16 فلما اكتمل ذنبهم دفعهم ليد موسي النبي
-----
إني لأعجب لمعترض يستشهد بقول للقديس أوغسطينوس تحب ثم تفعل بعد ذلك ما تشاء
محال طبعا أن يفهم من قول القديس أن تفعل ما تشاء من الخطية والاستهتار بل أن ما يقصده هو أن تفعل ما تشاء داخل محبتك لله، فلا تسلك حرفيا داخل المحبة
-----
يعترض البعض بأن المخافة تتفق مع العهد القديم أما العهد الجديد فهو عهد النعمة والحب
ونحن قد أوردنا من قبل آيات عديدة خاصة بالمخافة في العهد الجديد لا داعي لتكرارها
أستأذنك الأن يا قارئي العزيز في أن أختم حديثنا عن موضوع مخافة الله، لكي نلتقي في موضوع آخر إن أحبت نعمة الرب وعشنا