آدم وحواء
القمص تادرس يعقوب ملطي
آدم وحواء
أتريد أن تعرف كيف بدأت الحياة البشرية؟
اقرأ أول قصة في الكتاب المقدس. إنها تحكي لنا عن عالمنا، كم كان جميلاً عندما خلقه الله خصيصًا للإنسان. لقد خلق أبوينا الأولين آدم وحواء، اللذين فتحا أعينهما ليجدا حولهما جنة ممتعة. لقد كانا عروسين في غاية السعادة، يتمتعان بالحياة مع الله المحبوب.
تخبرنا القصة أيضًا عما حدث لهذين العروسين عندما عصيا الله.
جنة جميلة
غرس الله جنة في عدن شرقًا (في منطقة العراق). وكان ينمو فيها كل أنواع الأشجار والنباتات. وعلى حدودها يجري نهر ماؤه يكفي لزراعة عدن كلها. ويتفرع من هذا النهر أربعة أنهار هي:
نهر فيشون، يحيط بأرض بها ذهب وحجر الجزع.
نهر جيحون، يحيط بأرض كوش.
نهر حداقل، يجري شرقي أشور.
نهر الفرات.
كان آدم سعيدًا جدًا، يتحرك قي الجنة كعصفور يطير؛ لا يعرف الغضب ولا الكراهية ولا حب الكرامة؛ لا يعرف الهموم؛ ولا يضطرب من أجل الغد. كل ما يشغله هو صداقة الله له. كان سعيدًا بالله الذي وهبه أن يتمتع بما يتنسمه وما يلمسه وما يأكله، كما وجد متعة في الزراعة ورعاية الجنة!
لم يحرمه الله من شيء، وبحبه أعطاه وصية سهلة، حتى يفرح بطاعته لله كعلامة على الصداقة معه، إذ يرد حب الله له بالطاعة. لقد طلب منه ألا يأكل من شجرة معرفة الخير والشر التي في وسط الجنة، وقد أحاطها الله بأنواع كثيرة من الأشجار حتى لا يشعر آدم بالحرمان.
آدم صديق الحيوانات والطيور
تطلع آدم حوله فرأى مخلوقات كثيرة جميلة ومتنوعة.
رأى حوله مخلوقات تمشي على أربعة أرجل، ولها أصوات عجيبة، لكنها لا تتكلم. بعضها ضخم جدًا وقوي لكنها تخضع له، تشتاق أن تخدمه. وبعضها صغير للغاية حتى بالكاد يمكنه أن يراها. كما شاهد مخلوقات تطير حوله في الجو، لا يمكنه هو أن يفعل ذلك، إذ لم تكن بعد لديه طائرة أو مركبة فضاء. وكل ما كان يطير حوله إنما ليهبه متعة وفرحًا. نظر إلى المياه فرأى كائنات تسبح في وسط المياه وتنزل إلى الأعماق، فكان يتأمل فيها وهو على الشاطيء، ولم تكن لديه غواصة لينزل بها إلى أعماق المياه.
كان الله يلتقي بآدم الذي يجري إليه ويتحدث معه ويشكره.
- أهذا هو عملك يا الله؟
- هذا هو عملي، الذي صنعته لأجلك يا آدم...
لقد قدمت لك كل الحيوانات والطيور وكل ما هو حولك وتركت لك الحرية لتعطيها أسماءها.
- أهكذا تحبني يا الله؟
- إني أحبك يا آدم وأكرمك أمام كل الأرض!
- أشكرك وأسبحك وأمجدك أيها الخالق العجيب في حبه! إني أحبك يا رب!
التفت الحيوانات والطيور حول آدم، وكأنها جاءت تحييه...
ربت آدم على فرو أحد الوحوش القوية البنية، ذات أسنان قوية ومخالب كبيرة، وقال له: "أنت أيها الوحش القوي ملك الحيوانات، لتعش في الغابة، سأناديك أسدًا". هزّ الأسد رأسه فرحًا، وأخذ يزأر بصوتٍ عالٍ.
رأى آدم حيوانًا يقفز بين أغصان الأشجار وكأنه يحييه بطريقته الخاصة، دعاه قردًا... قفز القرد على ظهر الأسد وأخذ يلعب...
جاءت بعض الطيور من أغصان الشجر، واستقرت على ظهر حيوان ضخم، وكانت تغرد معًا كأنها جوقة من الموسيقيين... دعا آدم الحيوان ديناصورًا ودعا الطيور: بلابل وكناريا...
أطلق آدم أسماء مختلفة لكل أنواع الحيوانات، فأعطى اسمًا للكلب الذي كان يداعب آدم ويلحس قدميه ويديه، وأعطى اسمًا للحصان الذي صار يركبه ويجري به في الجنة شرقًا وغربًا، وهكذا بقية الحيوانات والطيور والزواحف، وكان آخر الأسماء هو الحية.
مرت الأيام، وآدم في كل مرة ينادي أسماء جديدة، وكان قلبه يلهج حبًا وشكرًا، وهو يقول:
"يا سيدي، لقد أعطيتني أصدقاء ومعاونين كثيرين، ماذا أرد لك من أجل أعمال محبتك؟"
أسعد زوجين في العالم!
إذ كان الله يتمشى في الجنة حيث كل شيء بفيض ووفرة رأى الحيوانات والطيور أزواجًا أزواجًا، أما آدم فينقصه شيء، إنه وحيد بدون شريك. ليس جيدًا للإنسان أن يعيش وحيدًا!"
نادى الله آدم الذي كان يعمل في الجنة بفرح... وكان هذا هو الصوت الوحيد الذي سمعه آدم. جرى آدم نحو صوت الرب مثل المغناطيس عندما يجتذب إبرة البوصلة. كان يجري عبر الأشجار، وهو يقول: "هأنذا يا رب!"
دار الحوار التالي بين الله وآدم:
- ما رأيك في هذه الحيوانات والطيور والأسماك؟
- إنها لرائعة! أشكرك يا سيدي.
إني أحبها جميعًا، إنها أصدقائي.
- لكنها لا تتحدث معك يا آدم. ولا تأكل معك.
إنني أخلق لك رفيقة تكون معينة لك.
تكون لبقة ومتفهمة ومحبة.
تتحدث معك وتسندك.
طلب الله من أدم أن ينام، وإذ استيقظ وجد بجواره امرأة خلقها من جنبه، لتكون قريبة جدًا من قلبه. لم يخلقها من رأسه حتى لا تسيطر عليه، ولا من رجليه حتى لا يتسلط عليها...
فرح آدم جدًا بهذه الامرأة، وقال: "إنها من عظمي ومن لحمي!" مدّ يده إليها، وصار يتمشيان معًا في الجنة... وكان يروي لها خبراته المفرحة مع الله، كيف يلتقي معه كل يوم ليتحدثا معًا. صار يحدثها عن معاملات الحيوانات والطيور معه، وكيف أعطى لكل منها اسمًا، كما حدثها أيضًا عن وصية الله بخصوص شجرة معرفة الخير والشر التي في وسط الجنة، وإنه لا يقترب إلى هناك حتى لا يشغل ذهنه بالأمر.
عاشا معًا بروح المرح، يقطفان الثمار ويأكلان، يسبحان في النهر، ويستظلان معًا في النهار تحت الأشجار... وكانا عريانين دون أن يخجلا. كانا يعملان معًا بروح التفاهم، يكتشفان كل يوم أشياءً جديدة.
عند كل غروب كان الله يظهر لهما ويتحدث معهما، وهما يحدثانه عما فعلاه طول النهار بكونه صديقهما الحميم.
حوار مع الحية
صنعت حواء سلة لتضع فيها الفاكهة التي كانت تلتقطها من الأشجار. وفي ذات يوم إذ كانت تجمع الثمار وصلت إلى منتصف الحديقة. هناك شاهدت شجرة كبيرة مليئة بالثمار، فتذكرت حواء ما قاله الله لرجلها آدم، إذ أعطاه حرية الأكل من كل الأشجار ماعدا هذه الشجرة.
وقفت حواء أمام الشجرة، وقد التفت حولها الحيوانات تداعبها، وكانت الطيور تهيم في الجو تغرد، وكان الكل في شبه حفل يومي مفرح... كان الكل فرحًا ماعدا الحية، فقد ملأ الحزن كيانها لأن آدم وحواء على علاقة طيبة مع الله.
لم تكن حواء تسمع إلا صوت الله ورجلها آدم، لكن في هذا اليوم ولأول مرة تسمع كلمات مفهومة تصدر عن فحيح الحية الخبيثة:
"حواء! حواء!
لماذا لا تذوقين من ثمار هذه الشجرة التي في وسط الجنة؟
ألم يسمح لكما الله أن تأكلا من أية ثمار تريدونها؟!
هل منعكم الله من أكل ثمار أية شجرة في الجنة؟!"
أجابت حواء يمكننا أن نأكل من الثمار أو النباتات التي نريدها ماعدا ثمر هذه الشجرة، وإلا هلكنا".
بضحكة ساخرة أجابت الحية: "يا للغباوة! أتصدقين هذا الكلام؟! مستحيل تموتي! فإن أكلتي منها تملأك المعرفة، وتصيرين حكيمة كالله، وتميزين بين الخير والشر. جربي بنفسك، فسترين أن ما أقوله هو حق!"
همست الحية في أذني حواء لتكمل حديثها معها، قائلة: "إنك إذا ما أكلتي من هذه الشجرة تنالين قوة بها تميزين الخير عن الشر، وتصيرين مثل الله، لهذا أمر ألا تلمسا الثمرة ولا تأكلان منها!"
تحركت حواء نحو الشجرة وهي تصارع بين وصية الله ومشورة الحية، وفي هدوء تطلعت إلى الشجرة فوجدت ثمارها شهية للنظر ومبهجة للعيون! رفعت يدها في تردد حتى أمسكت بفرع من فروعها... وبدأت تسأل نفسها: "لماذا يحرمنا الله من هذه الثمرة الجميلة المنظر؟! هل يُسر الله بحرماننا؟! وما هو الضرر الذي يصيب الحية من حرماننا من الأكل؟!... دخل روح الشك من جهة الله في فكرها يصحبه تصديق مشورة الحية.
مدت حواء يدها لتقطف ثمرة واحدة وهي تقول: "لأجرب ثمرة واحدة!"، وإذ قضمتها قالت: "يا لها من ثمرة شهية!" وكانت الحية تراقبها من وراء شجرة صغيرة لترى ماذا يحدث.
استغيب آدم زوجته فصار يبحث عنها حتى وجدها نصف مختبئة وراء أغصان الأشجار. سألها آدم أين أنتِ؟"
أجابت حواء وهي تغطي خوفها بابتسامة عريضة: "إنني أجمع الثمار كما اتفقنا. انظر إلى هذه الثمرة، كم هي لذيذة... إنها لا تشبعك، لكنها تملأك معرفة!"
قال آدم: "هل هذه من ثمر شجرة معرفة الخير والشر؟"
أجابت: "لا تضطرب! فإنها ألذّ ثمرة في الجنة؟"
قال آدم: "لكن الله قد أمرنا ألا نأكل منها وإلا متنا!"
ضحكت حواء واقتربت من آدم لتقول له: "ألا تصدق عينيك... لقد أكلت منها، ولم أمت!"
صمت آدم قليلاً، ليسمعها تقول: "انظر فإنني حية وصارت لي معرفة. تذوقها أنت أيضًا فنصير نحن الاثنان كالله عارفين الخير والشر!"
كانت الحية تتابع الحوار بين الزوجين في ابتسامة خبيثة.
أمسك آدم بالثمرة من يد زوجته واشترك معها في أكلها... وللحال شعر هو وزوجته بإحساس لم يختبراه من قبل: شعور بالخوف الشديد ممتزج بالخزي والعار، كما أدركا أنهما كانا عريانان.
قال آدم: إننا عريانان. لقد أعطى الله الحيوانات فراء وجلدًا لتدفئتها، ووهب الطيور ريشًا، أما نحن فلم يُعطنا شيئًا من هذا!!"
جرى الاثنان ليختبئا وراء شجرة تين، وصارا يقطفان منها بعض الأوراق العريضة ويخيطانها معًا على شكل بنطلون قصير.
ماذا يحدث لزهرة جميلة ترفض أن ترتوي من الماء أو تحرم نفسها من ضوء الشمس؟ إنها تذبل بعد ساعات قليلة! هذا ما حدث لآدم وحواء عندما حرما نفسيهما من الله، وقالا له: "لا!". خسرا صداقته وشعرا بالحرمان من الحياة والسعادة، وصارا فقيرين مع كل ما يملكانه: الجنة كلها! تسلل الخوف والكراهية والحسد... إلى قلبيهما، وعرفا الشر لأول مرة!
"انصتي" قال آدم لحواء: "إني أسمع صوتًا! إنه صوت الرب يتمشى في الجنة!"
لأول مرة يختفي الاثنان من وجه الله، إذ فقدا صداقته لهما بمخالفتهما وصيته.
نادى الله آدم: "أين أنت؟ ولماذا أنت خائف؟"
خرج آدم وحواء من مخبأهما، وفي خجل شديد قال آدم: "سمعت صوتك في الجنة فخشيت، لأني عريان فاختبأت".
قال له الله: "من أعلمك أنك عريان؟ هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك أن لا تأكل منها؟"
أجاب آدم: "المرأة التي جعلتها معي أعطتني من الشجرة فأكلت".
سأل الله حواء: "ما هذا الذي فعلتِ؟"
أجابت حواء: "الحية أغرتني فأكلت".
نظر الرب إلى الحية وقال: "لأنكِ فعلتِ هذا ملعونة أنتِ من جميع البهائم... على بطنك تزحفين في التراب طول أيام حياتك. وأجعل عداوة بينك وبين المرأة، وبين نسلك ونسلها. هو يسحق رأسك، وأنتِ تسحقين عقبه".
زحفت الحية متسللة بعيدًا وقد غطى التراب جلدها؛ فابتسمت حواء سعيدة، لأن الله عاقب الحية.
التفت الرب إلى حواء وقال: "لقد أخطأت وعصيتِي وصيتي، وأصغيتي إلى كذب الحية. لذلك فمن الآن تعرفين الألم عندما تلدين". والتفت أيضًا إلى آدم وقال له: "لقد أفسدت كل ما دبرته لك، لأنك لم تصغِ لوصيتي، لهذا يلزمك أن تخرج من الجنة، وتعمل بتعب، وتأكل بعرق جبينك. لن تكون الحياة بعد سهلة إنها مملوءة آلامًا. لن أراك بعد هنا. إنك تخرج وهناك تموت، لأنك من تراب وإلى تراب تعود... تعال الآن لأصنع لك ولزوجتك ملابس من الجلد، فلا تبقيان عريانين".
تسلل آدم وحواء من الجنة عقابًا لهما، وحزن الله إذ رأى آدم وحواء في مذلة وقد تغيرت حياتهما تمامًا. لقد عرف أن نسلهما يواجهان حياة مُرّة...
تطلع آدم وحواء وراءهما فرأيا ملاكًا عظيمًا يقف عند الباب يحمل سيفًا من نار فحزنا جدًا. لكن الله لم يفقدهما الرجاء، إذ بقى يحبهما جدًا. لقد وعدهما بمن يسحق رأس الحية، أي الشيطان؛ وعدهما إنه يرسل إليهما كلمته مولودًا من عذراء، أي من نسل المرأة. هذا هو الوعد بالمخلص...
لقد أرسل رجاله وأنبياءه يشهدون عن مجيء المخلص، حتى جاء بالحق ربنا يسوع المسيح، وردّ لنا كرامتنا، ووهبنا الخلاص، قائلاً:
"هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية" يوحنا 3: 16.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.