أنا يوسف
القمص تادرس يعقوب ملطي
الابن المبارك
في هذا الكتاب يروي لك يوسف الِصدِّيق قِصَتَه منذ طفولته حتى صار بطل مصر، أنقذ مصر والبلاد المجاورة من هلاكٍ محقق.
اسمي يوسف
اسمي يوسف، والدي شيخ وقور يُدعى يعقوب، ووالدتي تُدعى راحيل.
لي أحد عشر أخًا، كلهم يَكْبرونني سنَّا ماعدا أخي الصغير بنيامين، وهو الوحيد من أمي راحيل، التي كانت عاقرًا إلى زمن طويل.
كنا رُعاة غنم، وكان عندنا بقر كثير. أحَببت رعاية الغنم منذ صباي، إذ كنت أحب الحيوانات والطيور كما أعشق الطبيعة.
القميص الملون
رأيت والدي الشيخ جالسًا يستظل تحت شجرة، ويكاد أن يكون كفيف البصر. أسرعت إليه وتحدثت معه، إذ كنت أشعر بعذوبة صوته المتهدِّج، وأشتاق أن أنصت إلى نصائحه لكي أتعلم الحكمة.
قال لي: "هل أنت يوسف ؟"
أجبته: "نعم يا أبي".
ابتسم أبي ومال نحوي، وضَمَّني إلى صدره، وهو يقول: "ماذا أفعل لك يا ابني يوسف؟ إنني سأقدم لك مفاجأة اللَّيلة، ثم قبَّلني.
بالليل إذ كنا نحن الاثنا عشر أخًا جالسين في الخيمة، قدَّم لي أبي يعقوب هدية، وقال لي:
"إنك ابن مُطيع. هذه هدية رمزية لك!"
في استياء شديد تطلَّع إخوتي الكبار نحوي ونحو الهدية.
همس أحدهم : "هدية! لم يقدم لنا أبونا هدية قط!"
همس آخر: "إنه يدلل يوسف ويُفسده".
وقال ثالث: "هل هذا عدل؟ لماذا المحاباة؟!"
صارت نظراتهم إليّ تعني الرغبة في الانتقام، وأنا لم أكن في ذلك الحين أفهم ما يجري حولي.
في خجل شكرت والدي يعقوب، ولم أفتح الهدية... لكن والدي أصرّ على فتحها. وكانت المفاجأة: إنها قميص ملون! إنه لباس الشخص المسئول أو السيد صاحب السلطان!
قال أحدهم: "نحن نتعب طول النهار في رعاية الغنم نرتدى ثيابًا خشنة وجلودًا، ويوسف الصغير يرتدي قميصًا ملونًا... ما هذا الظلم؟
حُلْمان
إذ كنا نجلس سويًا، أعطانى إخوتى ظهورهم، ولم يطيقوا رؤية وجهي.
أما أنا فكنت أحبهم وأشتاق أن أتطلَّع إليهم.
قلت لهم: "بالأمس رأيت حُلمًا، وكان الحُلم واضحًا جدًا. كان وقت حصاد. وكنَّا جميعًا في الحقل. انحنت جميع حزمكم أمام الحزمة التي جمعتها أنا".
لم أكن أدرك أن إخوتي قد تضايقوا جدًا، إذ عرفوا أنهم سيخضعون وينحنون أمامي كسيد لهم.
في ليلة أخرى قلت لهم : "لقد رأيت حُلمًا".
قال أحدهم : "لا نريد أن نسمع شيئًا عن أحلامك!"
قال أبي يعقوب : "اروِ لنا الحلم".
قلت: "رأيت الشمس والقمر وأحد عشر كوكبًا يسجدون أمامي!"
ثار جميع إخوتي، وقالوا: "ماذا تعني؟ أنسجد لك؟!"
تضايق أيضًا والدي قائلاً: "هل تعني إنني أنا ووالدتك (أو من يقوم مقامها- ليئة) وإخواتك نسجد لك؟!"
قلت : "لا أقصد هذا يا أبي، إنما أنا أروي لك ما رأيته في الحلم كما هو".
رحيلي
في أحد الأيام ذهب إخوتي بالغنم إلى مناطق بعيدة. طلب مني والدي يعقوب أن أسأل عن سلامتهم، فذهبت أجول فى المناطق أسأل عنهم. ولما عرفت موضعهم أسرعت إليهم فرحًا.
سمعت أحدهم يقول في سُخرية: "هوذا صاحب الأحلام قادم!"
تطلَّع كل واحد إلى الآخر. وقال أحدهم: "هذه فرصة لاتعوض! ماذا تنتظرون؟ هلم نتخلص منه. لنلقي بجثته في البئر، ونقول لأبينا يعقوب إن وحشًا افترسه. ليبحث عنه ويجده إن استطاع!!"
قال رأوبين: "لا... لن نقتله. لنلقيه في البئر إلى حين، فيتعلم درسًا لن ينساه!"
هجموا عليّ، وخلعوا عنِّي القميص الملون، وألقوني في البئر، وجلسوا يأكلون مما أحضرته لهم.
صرتُ أتوسل إليهم أن يعفوا عني فلم يستجيبوا لصراخي المرّ ودموعي. أخيرًا أنزلوا لي حبلاً، فأمسكت به، ورفعوني، ثم غسلوني من الوحل. ظننت أنهم ندموا على ما فعلوه. لكنني وجدت نفسي بين قافلة معها جمال، وقدمني إخوتي لهم، وقالوا لهم: "هذا هو الصبي؛ إنه جميل وبصحة جيدة، يكون لكم عبدًا يخدمكم، وقدّمَتْ القافلة عشرين من الفضة ثمنًا لي، وكانت دموعي تجري بغزارة من عينيْ.
عاد إخوتي إلى والدي يعقوب، وقدموا له القميص الملون بعد أن لطَّخوه بالدم، وقالوا له وهم يبكون: "انظر! هل هذا هو قميص أخينا؟"
أجاب: "هو بعينه... أين يوسف ابني؟"
قالوا: "أكله وحش ردئ!"
مزق والدي يعقوب ثيابه وكان يصرخ: "ابنى يوسف ليس موجودًا".
إلى السجن
جاءت القافلة بي إلى مصر؛ هناك باعوني إلى فوطيفار رئيس شرطة مصر. تعلمت اللغة المصرية القديمة "الديموطيقية"، كما تعلمت عادات المصريين.
صرت أعمل في بيت فوطيفار بأمانة. أعطاني الرب نعمة في عينيه فأحبني جدًا وسلمني كل شئون بيته.
سألني فوطيفار: "لماذا كل ما تعمله تنجح فيه؟"
أجبته: "إنها عطيَّة الله، فهو يهبنا البركة والنجاح!"
فوجئت يومًا بسيدتي امرأة فوطيفار تمسك بي وكنت أنا وحدي معها في البيت. طلبت مني أن أصنع خطأ، فجريت وهربت من المنزل.
غضبت امرأة فوطيفار عليَّ، واتهمتنى كذبًا لدى رجُلها، فصدَّقها، وألقاني في السجن.
حُلمان آخران
دخلت السجن ظلمًا ولم يوجد من يدافع عني لأني عبد غريب، لكن إلهي كان معي يعطيني سلامًا وفرحًا.
أعطانى الرب نعمة فى عينىْ رئيس بيت السجن، فسلَّمنى كل إدارة السجن.
غضب فرعون على رئيس خبَّازيه ورئيس السقاة، فألقاهما في السجن.
حلم رئيس الخبازين أنه يحمل على رأسه ثلاثة سلال، وكانت الطيور تأكل من خبز فرعون الذي في السلة العليا.
فسَّرت له الحلم بأنه بعد ثلاثة أيام يرفع فرعون رأسه عنه ويعلقه على خشبة، وتأكل الطيور لحمه.
أما رئيس السقاة فرأى كرمة ذات ثلاثة قُضبان، أفرخت وأزْهرت ونضج عناقيدها، وكان كاس فرعون فى يده. أكدَّت له أنه سيعود إلى عمله بعد ثلاثة أيام، وقد تحقق الأمر.
حُلمان لفرعون
بعد سنتين من الزمان، رأى فرعون ملك مصر حُلمين.
الأول سبع بَقَرات قبيحة المنظر رقيقة اللحم أكلت سبع بَقَرات حسنة المنظر وسمينة.
والحُلْم الثاني سبع سنابل رقيقة وملفوحة بالريح ابتلعت سبع سنابل سمينة وحسنة.
انزعج فرعون، واستدعى كل سحرة مصر وحكمائها وروى لهم الحُلمين، فلم يوجد من يفسرهما له.
تذكرني رئيس السقاة وتحدث مع فرعون عني، الذي استدعاني من السجن. حلقت شعرى وأبدلت ثيابي ودخلت على فرعون. أخبرته أن سبع سنوات قادمة مملوءة شبعًا عظيمًا في كل أرض مصر، يتلوها سبع سنوات قحط شديد... وأن تكرار الأمر مرتين هو تأكيد أن الله هو مقرر الأمر وأن الله مُسرع ليصنعه.
قال لي فرعون:
"أنت رجل حكيم،
ضع خطة لإنقاذ البلد فى سنوات الجوع.
أقم في القصر معي،
واستخدم مركبة ملوكية.
إنك تصير مثلي، ليس من يتعداك... أنت الرجل الذي بعدي مباشرة.
إني متأكد أنك تدرك خطة الله... اعمل ما يحسُن في عينيك".
إخوتي الجياع
مرت السبع سنوات الأولى، وبدأت السنوات العجاف. وكنت قد بنيت مخازن ضخمة جدًا لمواجهة الجفاف...
كنت أتوقع مجيء إخوتي ليشتروا حنطة من مصر. وبالفعل جاء جميعهم فيما عدا أخي بنيامين. سجدوا أمامي دون أن يعرفونني، أما أنا فعرفتهم، وقلت لهم: "إنكم جواسيس"، ووضعتهم في السجن لمدة ثلاثة أيام، ثم أصدرت أمرًا:
"إن كنتم لستم جواسيس اذهبوا إلى بلدكم واحضروا أخاكم بنيامين إلىّ، وأنا أحتفظ بأحدكم في السجن".
وُضعت الحنطة فى عدال (أكياس) تسعة منهم، ودفعوا الثمن. لكنني أمرت برد فضتهم في عدالهم.
في الطريق اكتشف أحدهم أن الفضة فى عداله؛ ولما فتح الثمانية الآخرين عدالهم وجدوا فضتهم فيها. خافوا جدًا لئلا يظن فرعون أنهم لصوص، لكنهم لم يعرفوا ماذا يفعلون، غير أنهم ذهبوا إلى أبيهم ومعهم الحنطة والفضة.
فرغت الحنطة فقال لهم أبى يعقوب أن يرجعوا إلى مصر، ووافق بالكاد أن يرافقهم بنيامين بعد أن تقدم يهوذا أخي إليه ليضمن عودة بنيامين.
جاء إخوتي التسعة الكبار وبنيامين الصغير ومعهم الفضة المردودة وفضة أخرى وهدية...
وقفوا أمامي، فطلبت أن يأتوا إلى بيتي.
هيأوا الهدية، ولما دخلت البيت سجدوا أمامي إلى الأرض. فسألتهم عن سلامتهم وسلامة أبينا، وأطمأنيت أنه حيّ.
تطلعت إلى أخي بنيامين ابن أمي، فحنت أحشائى إليه، ودخلت المخدع وبكيت. غسلت وجهي وخرجت إليهم.
قدموا لهم الطعام، وكانت حصة بنيامين خمسة أضعاف... فى الصباح انصرف إخوتي وحميرهم. وإذ خرجوا من المدينة طلبت من الموكل على بيتي أن يسعى وراءهم يبحث عن كأسي الذي أشرب فيه...
فتش الرجل فى عدالهم فوجدوه فى عدال بنيامين. مزق إخوتى ثيابهم، ورجعوا إلىّ، ووقفوا أمامي على الأرض. طلبت منهم أن يبقى بنيامين لي عبدًا ويرجع الباقون إلى أبيهم يعقوب بسلام.
تحدث معي يهوذا أخي، وقال إنه لايمكن أن يبقى الغلام وإلا مات أبوه يعقوب، فإنه يحبه جدًا، وطلب أن يبقى هوعبدًا لي. قال الكل إنه لن يمكنهم العودة إلى أبيهم بدون بنيامين.
لم أستطع أن أضبط نفسى لدى جميع الواقفين عندي، فصرخت: "اخرِجوا كل إنسان عني". ثم أطلقت صوتي بالبكاء، وقلت لهم: "أنا يوسف أخوكم! أحيّ أبي بعد؟!"
ارتعبوا ولم ينطقوا بكلمة.
قلت لهم: "أنا يوسف أخوكم الذى بعتموه إلى مصر.
إنه لاستبقاء حياة أرسلني الله قدامكم.
ليس أنتم أرسلتموني إلى هنا بل الله..."
وقعت على عنق أخي بنيامين وبكيت، وبكى بنيامين على عنقي. قبّلت جميع إخوتي وبكيت.
أعطيتهم عجلات كأمر فرعون، وقدمت لهم زادًا وحللاً وصرفتهم... وقلت لهم: "لاتتغاضبوا فى الطريق".
لا أعرف كيف أصوِّر لقائي بأبي يعقوب، فقد صعدتُ بمركبتي لاستقباله... وقعت على عنقه، وبكيت على عنقه زمانًا.
لن أنسى كلماته لي: "الآن أموت بعدما رأيت وجهك أنك حيّ بعد".
بعد موت أبي خاف إخوتي لئلا أنتقم منهم، لكنني بكل محبة قلت لهم:
"لا تخافوا.
لأنه هل أنا مكان الله؟
أنتم قصدتم لى شرًا.
أما الله فقصد به خيرًا...
لاتخافوا.
أنا أعولكم وأولادكم".
عزّيتهم وطيّبت قلوبهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.