لابد أن أخرج فورًا!
لاتخف... الرب معك!
جاءني جون يومًا وقد بدت عليه علامات الخوف. سألته عن سبب خوفه، فأجاب بإن جيرانه قد تحدثوا بالأمس عن الشيطان.
- هل تخاف من الشيطان يا جون؟
- نعم، إني أخاف منه.
- لكنك أنت ابن المسيح، فكيف تخاف منه؟
- لأنه قوي!
- هو قوي، لكن مسيحك أقوى منه، لاتخف... الرب معك!
- ألا يستطيع أن يغلبني؟
- إن تركت السيد المسيح وسرت مع عدو الخير يغلبك. لكنك إن صليت دائما، وقرأت في كتابه المقدس، واعترفت بخطاياك، وتناولت من جسده ودمه، لن يقدر أن يغلبك.
- لماذا أخافني الجيران منه؟
- لاتخف...
انظر إنه في أيقونة الشهيد مارجرجس منكسرًا تحت قدميه، وأيضًا في أيقونة الأمير تادرس ورئيس الملائكة ميخائيل.
- لكنني لست مثلهم.
- حقًا إنك لست مثلهم، لكن مسيحك يسندك ،وهم أيضًا يصلون من أجلك.
- سأروي لك يا جون قصة حقيقية.
+++
لابد أن أخرج فورًا
منذ حوالي ثلاثين عامًا جلست مع مؤمن تقي، قال لي:
في أيام الحكم التركي كانت إحدى قريباتي إنسانة ورعة تحب الله جدًا وتقية في معاملاتها مع الناس، خاصة الفقراء.
أصيبت السيدة بمرض شديد، فكانت تعاني من آلام مُرَّة لم تقدر أن تحتملها. كانت تعيش في مدينة إسنا بالصعيد. حاول الأطباء معالجتها فلم يستطيعوا.
في وسط آلامها مرّ في الطريق رجل مغربي معروف بالسحر. تحت آلام المرض طلبت أن يحضر ويعالجها بالسحر بالرغم من رفض العائلة لذلك. أصرَّت على ذلك فدخل المغربي الحجرة التي كانت تنام فيها. وضع الساحر طبقًا في وسط الحجرة، وبدأ يتمتم ببعض الكلمات، وكان أغلب الحاضرين متضايقين، لأن في هذا لجوء إلى الشيطان لا إلى الله.
فجأة قام الرجل المغربي في غضب يجمع كل ما أخرجه من حقيبته ويسحب ما وضعه في الطبق.
قال له أحدهم: "ما الذى حدث؟"
أجاب بغضب: "لا بد أن أخرج فورًا"
سأله أحدهم: "هل نحن أغضبناك في شيء؟"
واذ سأله الحاضرون عن السبب قال:
"إنني عاجز تمامًا عن ممارسة السحر...
لأول مرة في حياتي أعجزعن هذا العمل...
في هذه الحجرة قضى إنسان تقي ليلة كاملة يصلي بالمزامير منذ عشرين عامًا. وهذا ما يقيد كل حركتي"
دُهش الحاضرون ومجدوا الله، إذ كانوا يعلمون أن مطران إسنا والأقصر بات ليلة في هذه الحجرة منذ عشرين عامًا.
إذ رأت المريضة ذلك تعزت جدًا، وفضلت أن تتألم وتتكل على الله عن أن تستريح بالسحر وعمل الشيطان.
عرفت السيدة أن الصلاة أعظم وأقوى من كل قوى الشيطان، فصارت تتلو المزامير ورفع الله عنها آلامها.
هل يخلصه مسيحه؟
جلسة هادئة
منذ زمن بعيد جلس أريانا والي أنصنا- في صعيد مصر بجوار ملوي- مع نفسه في هدوء يتساءل:
"هوذا مصر كلها تعرفني!
لا، بل والعالم كله يفخر بي!
والإمبراطور دقلديانوس يعتز بي!
لقد قتلت ألوف ألوف من المسيحيين،
وعرفت كيف أعذبهم.
ليس في العالم كله من ينافسني!
نعم... هوذا الإمبراطور يزور الإسكندرية، وحتمًا يلتقي بي ويكافئني لأنه يريد أن يفتح عينيه فلا يجد مسيحيًا واحدًا. وأنني سأحقق له حلمه!
لكنني لست انتظر مكافأة...
إنني أكره المسيحيين،
ولا أطيق مجرد اسم يسوع الناصري المصلوب...
إنني لا أطلب رضاء أحد، حتى الإمبراطور نفسه، إنما ما أفعله ينبع عن أعماق قلبي.
إنني أخدم إلهي بقتل المسيحيين! وأريح ضميري.
لقد أقسمت بحياة إلهي إني أمحو كل أثر لهذا المسيح ولا أترك أحدًا من أتباعه يعيش.
سأعذبهم و أقتلهم!
هكذا كان يفكر أريانا الوالي العنيف لكن سرعان ما بدأ يعود بذاكرته إلى آلاف من الصور قد انطبعت في أعماقه وهو يعذب المسيحيين، فصار يناجي نفسه قائلاً:
"لقد عذبت الألوف... لكنني لم أستطع أن أنزع الابتسامة عن كثيرين منهم حتى في لحظات العذاب.
إنني لا أنسى كيف استقبلني أهل مدينة إسنا بالترانيم والتسابيح بفرح لأنهم يقولون إنهم ذاهبون إلى المسيح عريس نفوسهم!
لا أنسى أطفالاً ورضع كانوا يشهدون لمسيحهم...
لقد تحولت السجون المظلمة الكئيبة إلى مصدر فرح... فكانوا ينشدون بقوة خاصة حينما يعرفون أن يوم استشهادهم اقترب.
إنه أمر محير...
ترى ماذا؟
ألعلهم أقوى من الموت؟
ألعل مسيحهم قوي؟ مستحيل!!!
كلما قتلت آمن وثنيون بمسيحهم... ما هذا؟!"
بقي أريانا إلى ساعات يجول بفكره ما فعله في مدن كثيرة خاصة إسنا وأخميم، وكيف عذب أمراء وأشراف، أطفالاً ونساء، شيوخًا وشباب، مدنًا بأسرها بلا رحمة... عاد فأقسم بإلهه أنه لن يتوقف عما بدأ به... إنه يخدم المجتمع ويخلصه من يسوع الناصري المصلوب.
+++
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.