‏إظهار الرسائل ذات التسميات قداسة البابا شنودة الثالث. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات قداسة البابا شنودة الثالث. إظهار كافة الرسائل

صوم الآباء الرسل .. بقلم قداسة البابا شنودة




صوم الآباء الرسل .. بقلم قداسة البابا شنودة


صوم الرسل من الأصوام المهمة لأن السيد المسيح قال لهم عندما سألوا لماذا تلاميذك لا يصومون قال لا يستطيع بنو العرس أن يصوموا مادام العريس معهم فإبتذأ التلاميذ يصومون بعد صعود السيد المسيح، صحيح ليس هو أقدس صيام لأن أقدس صيام هو الصوم الكبير الأربعين المقدسة واسبوع الآلام والأربعاء والجمعة، لكن من ناحية التاريخ والزمن كان أقدم صيام هو صوم الرسل والرسل، اختارهم السيد المسيح بنفسه وقال لهم لستم أنتم اخترتموني بل أنا اخترتكم وارسلتكم لكي تأتوا بثمر ويدوم ثمركم.


فئات آباءنا الرسل


اختارهم من كل نوع وشكل منهم الشيخ مثل بطرس الرسول، والفتى مثل يوحنا الحبيب، والعشار مثل متى، والشكاك مثل توما، اختار ال 12 ثم ال 70 ثم بولس الرسول، مرقس ولوقا الرسولان لم يكونا من الإثنى عشر مع انهم من كتبه الأناجيل.. ولا برنابا، ربما كانوا من السبعين، واختار معهم بعض النساء للخدمة وليس للرسولية مثل مريم المجدلية التي بشرت الرسل بالقيامة، ففيهم المتعلم وفيهم الجاهل.



إعداد السيد المسيح للآباء الرسل


هؤلاء الرسل أعدهم الرب إعداداً جيد جداً فلم يسمح لهم ببدء الخدمة الا بعد فترة إعداد طويلة استمرت أكثر من 3 سنوات.. ومن يعلمهم هو أكبر معلم عرفته البشرية كلها وهو السيد يسوع المسيح له المجد علمهم بتعليمه وقدوته الصالحة وبآيات ومعجزات أمامهم وبمعاملاته مع الآخرين، أعطاهم مثال للخادم الصالح .. ومع كل هذا قال لهم لا تبرحوا اورشليم حتى تلبسوا قوة من الأعالي متى حل الروح القدس من الأعالي حينئذ تنالون قوة وتكونون لي شهوداً



إطلاق الرسل للخدمة ودرساً في إعداد الخدام


ودربهم أيضاً بفترة تدريبية في البداية .. أطلقهم للخدمة واوصاهم ألا يأخذوا معهم ذهب ولا فضة ولا كيساً في مناطققم وأي بيت دخلتموه قولو سلام لهذا البيت فإن كان ابن السلام يحل سلامكم عليه،


وقال لهم الي السامريين لا تمضوا ومدينة للأمم لا تدخلوا .. لماذا؟؟ لأنهم في بداية خدمتهم لم يكونوا يحتملوا طبيعة الخدمة بين السامريين والأمم .. في مرة المسيح نفسه كان متجه إلى اورشليم ومدينة من السامرة أغلقت أبوابها في وجهه فتلميذين من تلاميذه قالوا له هل تشاء يا رب ان تنزل نار من السماء فتحرق هذه المدينة كما فعل ايليا؟ قال لهم لستما تعلمان من اي روح انتما ابن الإنسان لم يأت ليهلك العالم بل ليخلص العالم، لهذا قال لهم ابتعدوا عن السامريين والأمم لأنهم لم يكونوا حمل هذه الخدمة وقتها، لكن بعد ذلك عند حلول الروح القدس عليكم ستكونون لي شهوداً في اورشليم وجميع اليهودية وفي السامرة والى اقصى الأرض، وقال لهم ايضاً اذهبوا اكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها.


السيد المسيح دربهم هذه المدة الطويلة فأعطانا درساً قوياً في اعداد الخدام .. لأنه هناك كهنة يسمحون للبعض بالخدمة دون اعداد ودون تدقيق ان كان الشخص يصلح للخدمة أو لا يصلح، وهكذا أمناء الخدمة.. إما الكاهن غير مبالي أو أنه لا يعرف أو يحب أن يتسامح حتى في العقيدة وهذا غير صحيح.



استلام الآباء الرسل للطقوس والعقائد


السيد المسيح لم يكتف بأنه أعد الرسل مدة أكثر من 3 سنوات ولكن أيضاً أربعين يوم بعد القيامة قضاها معهم ليزيل الشكوك منهم ويحدثهم عن الأمور المختصة بملكوت الله، وفي هذا الفترة سلمهم جميع عقائد الكنيسة وطقوسها، مثلاً من جهة التناول، قال لهم أولاً إصنعوا هذا لذكري لكن كيف يصنعون هذا لذكره؟؟ ماهي الصلوات التي يجب أن تتم ؟؟ هذا قاله لهم بعد ذلك، كيفية رسم القسوس الشمامسة والأساقفة... وهكذا، الكتاب المقدس ليس هو كتاب طقوس ولكن كتاب خلاص ولكن الطقوس اللازمة علمها الرب يسوع للتلاميذ خلال الأربعين يوماً وسلمها التلاميذ إلى الشعب عن طريق التقليد فثبتت في حياة الكنيسة وتسلمتها الأجيال جيلاً بعد جيل.



الآباء الرسل قلوب متفتحة ومطيعة

الآباء الرسل الذين اختارهم السيد المسيح كانوا قلوباً متفتحة مطيعة، تصوروا اثنين راكبين سفينة يصطادوا مثل سمعان بطرس وأندراوس أو مثل يوحنا ويعقوب أخوه، يقول لهم هلما ورائي فأجعلكما صيادي الناس، فيتركوا سفينتهم وشباكهم وأهلهم وكل شىء ويسيروا وراءه لمجرد كلمة.. أو متى الملقب لاوي والذي كان يعمل بمكان الجباية، يعني يعمل عمل اقتصادي مسؤل أمام الدولة، يقول له اتبعني، بهذه الكلمة يترك كل شىء ويتبعه، قلوب متفتحة ومطيعة للدعوة، عندما قال لهم اتبعوني لم يكونوا يعلموا الى أين يتبعوه، حيث لم يكن له مكان معين، لم يكن له أين يسند رأسه، تبعوه الى المجهول، غير الخدام حالياً عند دعوتهم يتسائلوا الى أين؟؟ كنيسة كبيرة أم صغيرة؟؟ في المدينة أم القرية؟؟ المرتب كبير يكفي أم لا يكفي؟؟ وحدي ولا معي أحد؟؟؟ شروووط كثيرة. طبعاً مش كل الكهنة، ولكن البعض يفكر هكذا، الرسل لم يفكروا الي أين ولا ما سيفعلون، حيث انهم طول فترة تبعيتهم للمسيح لم يفعلوا شيئاً، كان المسيح يعمل كل شىء وهم فقط ينظرونه ويصمتون.



الآباء الرسل أشخاص عاطفيين


وأيضاً كانوا أشخاصاً عاطفيين، قلبهم يتحرك بسهوله ليس فقط يوحنا الحبيب الذي كان يتكئ على صدره، وحتى توما الشكاك، عندما سمع عن موت لعازر قال: لو مات نذهب ونموت معه وهذا دليل العاطفة، وأيضاً بطرس الرسول عندما رأى عبد رئيس الكهنة استل سيفه وقطع اذنه وهذا أيضاً تصرف عاطفي، وهذه العاطفة شىء جميل.



قوة الآباء الرسل


هذا كان في البداية، لكن عندما نالوا قوة، كانت قوة عجيبة، قوة في الكلمة وفي تأثيرها، لدرجة أن عظة من بطرس الرسول يوم الخمسين أتت بثلاثة آلاف واحد للإيمان نالوا المعمودية في هذا اليوم.. قوة تأثير، وبعد شفاء الأعرج الذي عند باب الجميل أصبحوا خمسة آلاف، ثم دخل الإيمان جماهير من الرجال والنساء وكان الرب كل يوم يضم الى الكنيسة الذين يؤمنون، جبروت، هكذا كانت الكنيسة في أيام آبائنا الرسل.


وكانت لديهم قوة أيضاً في المعجزات، فهم كانوا يتكلمون ويعظون وربنا يتابعم بالآيات والمعجزات، لدرجة أن بطرس الرسول كانوا يضعون المرضى في طريقه لئلا يقع ظله على أحدهم فيشفى.


وبولس الرسول كانوا يأخذوا المناديل من على قروحه يضعونها على المرضى فيشفوا وتخرج منهم الأرواح الشريرة، ربنا أعطاهم قوة كلمة وقوة إقناع وتأثير، وقوة آيات ومعجزات، وأعطاهم أيضاً قوة إحتمال على السجون بسبب التبشير، وحين جلدوا كانوا يخرجون فرحين أنهم حسبوا مستأهلين أن يهانوا من اجل اسمه.. قوة احتمال عجيبة.


هذا ما استطاعوه به أن يكملوا عملهم.. فكانت القوة هي سمة الكنيسة الأولى في عصر الرسل، قوة من كافة النواحي، على الرغم من العوائق الكثيرة ودسائس اليهود وعلى الرغم من سيطرة الرومان والفلسفات والوثنية، شقوا طريقهم بكل قوة ورغم كل الصعوبات.



فضل الآباء الرسل علينا


هؤلاء الآباء الرسل لهم فضل كبير علينا، للأسف ليس عندنا العديد من الكنائس على اسمائهم، فقط مارمرقس كاروزنا له بعض كنائس على اسمه، والكنيسة البطرسية على اسم بطرس وبولس، وبعض الكنائس الأخرى في أطفيح وأخميم وأبو قرقاص وبنى مزار، فنحن لا نعطي الرسل نصيبهم من الإكرام من هذه الناحية حيث أنهم كنائس قليلة، ولكن باقي القديسين لهم عشرات الكنائيس في كل مكان،


لكن هؤلاء الذين لا نكرمهم كما ينبغي هم أكرمونا ولهم فضل علينا، سلمونا الإيمان والتقاليد وسلموا لنا القوانين الكنسية، أعطونا الدسقولية والتي فيها 38 باب عن أعمال الرعاية، وقوانين الرسل أيضاً 127 قانون في كتابين أصدرتهما دائرة معارف الآباء الشرقيين، وهم الذين وضعوا أساس الإيمان لدرجة أن القديس أغسطينوس في تفسيرة مزمور أساساته في الجبال المقدسة.. قال ان هذه الجبال المقدسة هم الآباء الرسل الذين وضعوا اساس الإيمان، كما قال بولس الرسول: أنا وضعت أساساً وغيري بنى عليه.


وهم أيضاً أول من بنوا كنائس، في العصر الرسولي كانت الكنائس في البيوت أولاً، كان أول بيت تحول إلى كنيسة هو بيت مارمرقس كما ورد في سفر أعمال الرسل اصحاح 12، ومثل بيت أكيلا وبريسكلا أيضاً، وبيت ليديا بائعة الأرجوان وغيرها الكثير، وكانوا يصلوا أحياناً في المقابر، ثم بنوا بيوت وكنائس في (سفر الأعمال 9 : 31) وأما الكنائس في جميع اليهودية والجليل والسامرة فكان لها سلام وكانت تبنى وتسير في خوف الرب وبتعزية الروح القدس كانت تتكاثر.


في صوم الآباء الرسل ليتنا نتذكر الآباء ونأخذ تأملات في حياة كل منهم.


لربنا المجد الدائم إلى الأبد .. أمين

المبـالغـات / بقلم مثلث الرحمات قداسة البابا شنوده الثالث

المبـالغـات
 
بقلم مثلث الرحمات قداسة البابا شنوده الثالث
 
يندر أن يوجد أحد لا يقع في موضوع المبالغة هذه... فالذي ليست المبالغة في طبعه بصفة عامة. نراه يبالغ أحياناً في بعض الموضوعات.. وقد تكون المبالغة في الكلام. وقد تكون في التصرف.. وعموماً فإن عبارة "كل" أو " جميع" إذا قيلت في غير العقائد غالبا ما تكون فيها مبالغة. أو عدم دقة... والناس يبالغون في المديح وفي الذم. في المعارضة وفي التأييد. وأشهر شيء توجد فيه المبالغة هو الشعر. وقد تحوي مبالغاته شيئاً من الجمال الفني. حتي أنه قيل في مبالغات الشعر: إن أعذبه اكذبه...
***
ما أشهر وجود المبالغة في الوصف وبالذات في الشعر:
 قال شاعر يذم آخر. في شخصه. وفي بغلته: لك يا صديقي بغلة .. ليست تساوي خردلة تمشي فتحسبها العيون علي الطريق مشكلة وتخال مدبرة إذا ما اقبلت مستعجلة مقدار خطوتها الطويلة حين تسرع أنملة أشبهتها بل أشبهتك كأن بينكما صلة تحكي صفاتك في الثقالة والمهانة والبله وطبيعي أنه لا توجد بغلة في الدنيا بهذا الوصف! ولكنها المبالغة التي تضفي علي الشعر لوناً فنياً يطرب قارئه...
***
ومن المبالغة أيضاً في الوصف. ما قاله أحد الشعراء عمن لقبها بأنها "عجوز النحس" فقال فيها: عجوز النحس إبليس يراها .. تعلمه الخديعة من سكوت تجد بمكرها سبعين بغلا .. إذا شردوا بخيط العنكبوت وواضح المبالغة في رقم سبعين. وعبارة إذا شردوا. وعبارة خيط العنكبوت! وان هذه العجوز يمكنها أن تعلم إبليس! ويشبه هذا أيضاً ما وصف به شاعر حظه السييء. فقال: إن حظي كدقيق .. وسط شوك بعثروه ثم قالوا لحفاة .. يوم ريح اجمعوه صعب الأمر عليهم .. قال قوم اتركوه إن من أشقاه ربي .. كيف أنتم تسعدوه؟!
حقا ما أدق هذا الوصف وأروعه! دقيق تتطاير ذراته في يوم ريح عاصف. والذين كلفوا بجمعه كانوا حفاة وفي وسط شوك! وصف يعطي صورة للاستحالة. ولكنها المبالغة...
***
إنها مبالغة لاتتهم بالكذب. إنما توصف بالجمال الفني. وتقدم حبكة في الوصف. ودقة وتصويرا... هناك مبالغة أخري ترتبط بلون من الفكاهة. كما حدث لما رأي أحمد شوقي جسر البسفور والدردنيل في حالة سيئة تحتاج إلي إصلاح فأرسل إلي الخليفة العثماني يقول له: أمير المؤمنين رأيت جسرا .. أمر علي السراط ولا عليه له خشب يجوع السوس فيه .. ويمضي الفأر لا يأوي اليه ولا يتكلف المنشار فيه .. سوي مر الفطيم بعارضيه
وطبيعي ان الجسر لم يكن علي هذه الحالة المتهالكة. وإلا كان قد انهار منذ زمن. ولكنها المبالغة التي تصوره في حالة تدفع القارئ "الخليفة" إلي الإسراع باصلاحه..
***
علي أن هناك مبالغات من نوع آخر: مثال ذلك نفاق حملة المحفات أيام الفراعنة: حينما كانوا يحملون فرعونا علي محفة. فينشدون له قائلين: إن وزن المحفة وهو عليها أخف من وزنها لوحدها!! أو قول الشاعر في ذم العبيد:
لا تشتر العبد إلا والعصا معه .. إن العبيد لأنجاس مناكيد ولا شك أنه غير صادق في هذا الذم. لأن التاريخ قدم لنا أمثلة من عبي
د كانوا في منتهي الإخلاص. حتي أن سادتهم تركوا في أيديهم كل شيء. واثقين من أمانتهم.
***
هناك مبالغة أخري. لا تخلو من الكذب: منها المبالغات التي يلجأ اليها التجار في الدعاية إلي ما يريدون بيعه. فيصفونه ربما بما ليس فيه المزايا. بقصد تشويق الشاري لاقتنائه. وغالبا لا تخلو أوصافهم من المبالغة. ونفس الأمر ينطبق علي الدعاية لأمور عديدة. ويختارون لذلك موظفين مشهورين باسم PROPAGANDISTS يعملون في البروباجندا ومنهم الكثيرون ممن يقومون بالاعلانات. وربما يكون كلامهم صحيحاً. ولكنه يشتمل علي شيء من المبالغة. وتشمل المبالغة أيضاً الدعاية في الانتخابات علي أنواعها:
حيث يصورون المرشح. أو يصور المرشح نفسه. بأنه هدية الله لهذا الجيل! وأنه علي يديه سيتم كل إصلاح يرجوه الناخبون! كل ذلك بمبالغة بعيدة كثيرا عن الواقع. وربما بعد أن يتم انتخابه. يظهر أن تلك الدعاية لم تكن تعبر عن الأمل المرجو.
***
تأتي أيضاً المبالغات في نشر الأخبار: سواء بطريقة ايجابية أو سلبية. أي نشر الخبر بمانشتات عريضة أو بخط أحمر. أو نشر الخبر بطريقة لا تظهره وفي الحالتين لون من المبالغة من جهة إظهار أهمية الخبر أو عدم أهميته. حسب سياسة الجريدة أو المجلة التي تنشر. يضاف إلي هذا الأمر: التعليق علي الخبر. تأييدا له أو معارضة أو تجاهلا..!
وقد تظهر المبالغة في نوع الإثارة التي تنشر بها الأخبار:
فقد توضع بعض الأخبار تحت عنوان "مذبحة مروعة" أو "فضيحة كبري" أو "تحقيقات خطيرة" أو "أسرار مثيرة"... وما أكثر ما وصفت بعض الأحداث بأنها جرائم. ثم حكم عليها القضاء بالبراءة!! وربما ما ينشر في جريدة معينة. يكون غير ما تنشره جريدة أخري. سواء بالمبالغة في النشر. أو المبالغة في التقليل من قيمة الخبر. وعلي القارئ أن يكون حكيما في الحكم علي هذا أو ذاك.
***
نفس المبالغة قد تكون في التقارير أو الشائعات... ما بين سياسة التهويل. أوسياسة التهوين!! مبالغة في خطورة التقرير وخطورة الشائعة. أو مبالغة في الاستهانة بهذه أو تلك.. وربما التهويل في التقارير. تتبعها تحقيقات وإجراءات إدارية حازمة. وينتهي الأمر إلي لا شيء! ولكنها المبالغة التي علي رأي المثل "تجعل من الحبة قبة"..
أما المبالغة في التهوين من أمر معين. قد تنتج عنه فيما بعد نتائج خطيرة لم يعمل لها حساب.
بينما الدقة في التقارير. وفي نقل الأخبار ونشرها. تكون وسيلة لتقديم الحق خالصاً بعيداً عن كل لون من المبالغة..
***
هناك أيضا المبالغة في الحياة الاجتماعية. وفي المناهج السياسية:
فمثلا الحرية ما بين المبالغة في التسيب. والمبالغة في القمع:
الطفل في أمريكا إذا بلغ السادسة عشرة من عمره يصبح لا سلطان لوالديه عليه. وإذا أدبه أبوه. ما أسهل أن يطلب البوليس ليحقق مع أبيه. يضاف إلي ذلك لا تدريس للدين في المدارس الحكومية. لتكون الحرية للطالب في اختيار الدين الذي يريد أو اللا دين!
ونتيجة لهذه المبالغة في الحرية. أن انتشرت الأفكار المنحرفة خلقيا ودينيا. وكما انتشر الشذوذ الجنسي باسم الحرية ! ووجدت جماعات الهيبز والبيتلز. كذلك انتشرت الانحرافات الدينية والفكرية في عشرات المذاهب والنحل. واصبح المجتمع مرتعاً خصبا لجماعات شهود يهوه. والسبتيين الأدفنتست. والمورمون. والعلم المعارض للدين. ومدارس النقد الكتابي وغيرها...!
***
ومن الناحية المضادة. وجدنا المبالغة في القمع. في البلاد الشيوعية. من جهة الإلحاد. وانعدام الملكية في المنازل والأراضي.. كانت المبالغة في الرفاهية قد انتشرت قبل ذلك في عهد القيصرية في روسيا. حتي اصبحت سرج الخيول من الذهب. وبراويز الأيقونات وأغلفة الكتب المقدسة من الذهب أيضاً. ومازالت بقايا هذا الثراء موجودة إلي الآن في متحف الكرملين. وقباب الكنائس من الذهب أيضا. يضاف إلي هذا استخدام الأحجار الكريمة بمبالغة.. فإذا بالشيوعية تعالج العكس بالعكس. تعالج المبالغة في رفاهية رجال الدين والقصر. بالمبالغة في الغاء الدين والتملك. واصبح الشخص لا يملك بيتا بل يستعمله. وأصبح المتقدم لشغل وظيفة يجتاز اختباراً شخصياً. يعترف فيه بعدم وجود الله. وبأن الدين هو أفيون الشعوب. وبأن رجال الدين كلهم كذبة ومضللون! مبالغة في القمع. كانت رد فعل للمبالغة في حكم القيصرية من جهة الرفاهية والتملك والتدين!!
***
كذلك فإن المبالغة في النسك وقوانين التوبة في العصور الوسطي. كانت لها ردود فعل في مبالغة عكسية: قوانين التوبة المتشددة. كما شرحها يوحنا كليماكس في كتابه "الأرجي". مع العقوبات الكنسية من جانب الكنسية الكاثوليكية. أحدثت مبالغة في رد فعل من جانب البروتستانتية في عدم الاعتراف بالرهبنة جملة. وبالقوانين الخاصة بالصوم والخاصة بالعقوبات الكنسية.. كذلك فإن الإباحية والمبالغة في الغناء والجواري أوجدت من الناحية المضادة تشددا في الدين أكثر من ذي قبل. لذلك فإن البعض يعرف الفضيلة بأنها وضع متوسط بين تطرفين: بين تطرف في التشدد. وتطرف في التسيب..
بين الضمير الواسع الذي يقبل ويبرر أخطاء كثيرة. والضمير الضيق الموسوس الذي يظن الخطأ حيث لا يوجد خطأ. أو يبالغ في قدر الأخطاء ويوقع صاحبه في عقدة الذنب
SENSE OF GUILT.
***
المبالغة قد توجد أيضا في الحزن وفي الفرح في التباهي والاتضاع.
هناك من يبالغون في الحزن ومظاهره. وأيضاً في زيارة المقابر. وفي فترات الحداد. وبخاصة ما تقوم به النساء من البكاء واللطم. والبعض يبالغون في حزنهم بطرق غير مقبولة اجتماعياً. ومن ناحية أخري هناك من يبالغون في أفراحهم. بحفلات تستمر الليالي بميكروفونات تذيع الأغاني. وقد تشتمل حفلاتهم علي الرقص والضجيج. وينفقون عليها انفاقات باهظة. ويزعجون الحي كله.. والأمر يحتاج إلي حكمة واعتدال في التصرف.
أيضا نفس المبالغة في الفخر وفي الاتضاع:
* فمن المبالغة في الافتخار. قول عنتر بن شداد:
ولو أرسلت رمحي مع جبان .. لكان بهيبتي يلقي السباعا * أما المبالغة في الاتضاع. فمثالها من يحقر نفسه. وينسب إلي ذاته أخطاء وضعفات ليست له..
***
هناك مبالغات أخري في بعض أمور اجتماعية وتربوية:
* مثال ذلك المبالغة في القسوة في تربية الأبناء. حتي اننا قرأنا في بعض الجرائد أن أباً في تأديبه لابنه علي غلطة معينة. ظل يضربه حتي مات!! يقابل ذلك المبالغة في تدليل الأبناء. مما يفقدهم الأدب واحترام الكبار. ويوقعهم في أخطاء أخري..
* ومن المبالغات أيضاً مبالغة بعض النساء في الزينة. حتي يصلن إلي التبرج. كذلك مبالغة بعضهن في عدم الزينة. مما يجعلهن موضع انتقاد الأقارب والأصدقاء والغرباء.
* ومن المبالغات الاجتماعية المبالغة في تقييد حرية المرأة. حتي تصبح وكأنها سجينة في بيت. وإن خرجت منه. تخرج في قيود أخري.

إكسب قلوب الناس ومحبتهم / بقلم مثلث الرحمات قداسة البابا شنوده الثالث

إكسب قلوب الناس ومحبتهم
بقلم مثلث الرحمات قداسة البابا شنوده الثالث
 
 
   الانسان الحكيم هو الذى يعمل باستمرار على زيادة عدد محبيه, وتقليل عدد من يعاديه. يبذل جهده – على قدر طاقته – فى أن تحيط باستمرار قلوب تحبه. ولا يفسح مجالاً لتكوين عداوة مع أحد, واضعاً أمامه قول سليمان الحكيم "رابح النفوس حكيم"...
     وفى علاقاته مع الآخرين, يتذكر تلك النصيحة الغالية:
" من لا توافقك صداقته, لا تتخذه لك عدوّاً "
ذلك لأن العداوة نار ربما تحرق الطرفين, أو على الأقل طرفاً واحداً منهما. فهى إذن خسارة ينبغى أن يتفاداها كل حريص...
***
     والذى يعمل على ربح النفوس, فليس يعمل ذلك لمجرد صالحه, وإنما لصالحهم أيضاً. ولأجل تنفيذ وصية الله فى أن يسود السلام بين الجميع, وأن تتنقى القلوب من كل ضغينة وحقد, ويتفرغ الناس للعمل الإيجابى البنّاء, بدلاً من إضاعة الوقت و تبديد الطاقات فى السلبيات وفى الصراع. وكذلك لفائدة المجتمع كله حتى يكون بناءً راسخاً يشد بعضه بعضاً... ويتعاون فيه الكل على عمل الخير, وإعطاء صورة جميلة للقيم, وإعطاء صورة جميلة للقيم و للأخلاقيات المعاشة
***
   إن ربح النفوس هو مبدأ رعوى واجتماعى. وهو مبدأ روحى وإدارى فى نفس الوقت...
    فهو لازم جداً لحفظ كيان الجماعة, سواء على مستوى الأسرة أو الدراسة, أو الإدارة والنظام, أو العلاقة مع الله ومع سلام الإنسان داخل نفسه...
    ففى الأسرة, على الزوجين أن يربح كل منهما الآخر, فيعيشان فى سلام, لا يختلفان ولا ينفصلان, بل يراعى كل منهما نفسية الآخر, ويعمل على حفظ المودة مهما اختلفت وجهات النظر إلى الأمور أحياناً. ويجتهد الإثنان فى كسب محبة أبنائهما باستمرار, لا عن طريق التدليل الخاطئ, ولا بأسلوب الحزم القاسى, وإنما بالرعاية والعناية. وهكذا تكون الأسرة مترابطة.
   ولذلك فالأم التى تشكو من متاعب أبنائها, ومن عصيانهم لها أو تمردهم عليها, إنما تعترف ضمناً أنها لم تكسب محبتهم منذ طفولتهم, ولم تكوّن صداقة معهم تحفظهم تحت إرشادها...
***
   كذلك ربح النفوس لازم فى محيط المدارس والمعاهد العلمية.
  والمدرس الناجح يتميز بمحبة تلاميذه له, وإلتفافهم حوله ناظرين إليه كأب ومرشد وصديق, يحترمونه ويثقون برأيه ونصائحه كما يثقون بعلمه وثقافته. وهذا المدرس الناجح- فى ربحه لقلوب تلاميذه – لا يقتصر عمله على التدريس, وإنما يشمل أيضاً التربية والتهذيب, وإعداد جيل نافع لخدمة الوطن ومنتج فى محيط المجتمع.
***
ربح النفوس يلزم أيضاً فى مجال العمل والادارة
 فكل من يريد عملاً, عليه أن يجمع العاملين معه, فى رابطة قوية من الإخلاص له والأمانة فى العمل. وذلك بما يظهره لهم فى كل مناسبة من الاهتمام بهم, وحسن معاملتهم, ورعايتهم مادياً وصحياً. فلا يكون مجرد رئيس يأمر وينهى, ويحاسب ويعاقب, وفى حزم يحرص على سلامة العمل, إنما يكون أيضاً قلباً شفوقاً على العمال, تربطهم به محبة وولاء إلى جوار الطاعة والأحترام..
   إن ربح نفوس العاملين والموظفين، هو الضمان الأساسى لسير العمل ونجاحه، وهو ضمان لاستمرار العمل وحفظه من التظاهر والاعتصام والاحتجاج والمطالبة بحقوق يرون أنها غير متوفرة !!
***
ورابح النفوس، يتصف بأنه يهتم بالكل ويكسب الكل
يفهم نفسية الآخرين، ويعاملهم بما يناسبهم. يهتم بالتعابى ويعمل على إراحتهم. ويربح الضعفاء وصغار النفوس ويشجعهم ويتأنى عليهم ولا يطالبهم بما هو أكثر من قدراتهم.
يحاول أن يكسب المقاومين، فلا يكون سريع الغضب أو ميالاً الى المجازة والانتقام. بل يتصف بالتسامح والصبر والإحتمال .
   أيضاً يحاول أن يحتفظ بكسب الأصدقاء. ولا يخسرهم بكثرة العتاب وشدته. إنما يذكر باستمرار مودتهم، ويغمض العين عن ضعفاتهم أحياناً, ولا يركزّ عليها.
   وبالنسبة إلى عموم الناس, يربحهم بالقدوة الحسنة و بالمعاملة الطيبة وبالجواب اللين الذى يصرف الغضب.
***
ورابح النفوس يحترم الكل, ولا يستهزئ بأحد أو يتهكم عليه.
  ولا يكون نقّاداً ينظر باستمرار إلى النقط السوداء متجاهلاً فضائل الأخرين.
    ورابح النفوس لا يراهم الناس فى طريق الحياة, إنما يحب الكل, ويرجو الخير للكل, ويفرح بنجاح غيره, دون أن يعتبر أحداً منافساً له أو معطلاً.
   ويكون مجاملاً فى شتى المناسبات. يشارك الناس فى مشاعرهم ويكون خدوماً, يساعد من يحتاج إلى مساعدة, ويأخذ بيد الساقط حتى يقوم, ويتعاون فى كل عمل خيرّ...
    ورابح النفوس ينبغى أن يكون دمث الخلق, عفّ اللسان, وبشوشاً, ورقيقاً فى معاملته. ويكون سمح الملامح.
   بهذا يكسب الناس. يكسب محبتهم وثقتهم, ويعيش مع الكل فى سلام بقدر إمكانه

صفات الإنسان الوديع





مقالات البابا شنودة الثالث المنشورة في جريدة الأهرام - مقال يوم الأحد 25-4-2010

الإنسان الوديع هو شخص هادئ لا حدة في صوته ولا صياح. وقد قيل عن السيد المسيح الوديع أنه: لا يخاصم ولا يصيح، ولا يسمع أحد في الشوارع صوته. قصبة مرضوضة لا يقصف، وفتيلة مدخنة لا يطفئ

الوديع لا يصرخ في الناس منتهرًا، ولا يثور. أنه إنسان دمث الخلق، هادئ، يريد دائمًا أن يكسب محبة الناس سواء على الأرض أو في السماء

هنا وأحب أن أفرق بين هدوء الطبع، وبرودة الطبع... فالإنسان الوديع الهادئ لا يثور على الناس، ولا يثيرهم. بينما البارد في طبعه، قد لا يثور، ولكن ما أسهل أن يثير ببروده! وذلك بأن يرد عليهم بردود باردة قد تتعب أعصابهم أو تحطمها. أمَّا الوديع فهو إنسان هادئ يشيع الهدوء في النفس وهو أيضًا طيب القلب، يحب أن يرضي الناس. يحب أن يكون في علاقة طيبة مع الجميع. فلا يغضب من أحد مهما حدث... ولا يستريح إن ترك أحدًا غاضبًا عليه. بل يهمه أن الكل يدعون له بالخير

والإنسان الوديع يكون هادئًا من الداخل كما من الخارج. إنه ليس مثل بعض الناس الذين يظهرون هادئين من الخارج، بينما في داخلهم ثورة وغليان. وهم يكتمون غضبهم لسبب روحي أو غير روحي، أو لسياسة ما، أو احترامًا لِمَن هو أكبر منهم أو خوفًا من نتائج الغضب... أمَّا الوديع فهو هادئ تمامًا. فمِن الداخل مشاعره وعواطفه وإحساساته في هدوء وسلام قلبي... ومن الخارج له ابتسامة لطيفة بشوشة، يقابل بها أحاديث الناس ومعاملاتهم. ولا يحدث أن يراه الناس وقد اكفهرت ملامحه، أو احمرَّت عيناه. أمَّا الإنسان الذي يبدو هادئًا من الخارج، بينما يغلي في داخله، ليس هو وديعًا في الحقيقة. أقصى ما نقوله عنه إنه يحاول أن يتدرَّب لكي يصير وديعًا

والإنسان الوديع لا ينتقم لنفسه. بل في كثير من الأحيان لا يُدافع عن نفسه، بل يترك اللَّه ليُدافع عنه. أنه كثيرًا ما يتنازل عن حقوقه، بدون أن يحزن. فهو لا يشاء مُطلقًا أن يخسر أحدًا من الناس بسبب هذه الحقوق. فسلامه مع الناس هو عنده أهم من التَّمسُّك بحقوقه. وهو يفعل ذلك تلقائيًا، دون أن يناقش الأمر في داخله. وهو لا يحب أن أحدًا يصيبه أذى بسببه، أو من أجله

والإنسان الوديع يكون دائمًا سهل التفهم، لا يتعب أحد في التعامل معه. إنه يحب باستمرار أن يكسب غيره، لا أن يكسب من غيره. وإذا ما تناقشت أو تحدثت مع إنسان وديع، تجده لا يُقاطعك في الكلام، ولا يحاول أن ينتصر عليك في المناقشة. بل يعطيك كل الفرصة أن تتكلَّم كما تشاء، وتقول ما تشاء، مادام الموضوع لا يمس عقيدة أو إيمانًا. وفي الأمور الإيمانية يقول الرأي القوي بهدوء وبساطة، دون أن يجرح مَن يناقشه. ويترك قوة الرأي تتكلَّم، دون أن يقسو، ودون أن يفتخر. أمَّا في الأمور العادية، فلا يهمه أن ينتصر في نقاش. فليقل القائلون ما يريدون أن يقولون، إن كانت المسائل لا تعنيه

وأحيانًا يجلس في بعض المجالس صامتًا. ومادام ليس مكلَّفًا فيه بمسئولية، فلا داع له أن يظهر! وإن طلبوا إليه أن يتكلَّم رُبَّما يقول: أنا أحب أن أسمع وأستفيد، أو يقول: البركة في فلان... وإن تكلَّم، قد يمتدح مَن سبقوه في الحديث، ولا مانع من أن يقول في كلامه: على رأي فلان... وفلان... إنه إنسان لطيف، يحب الناس صمته وهدوءه إن صمت. كما يحبون كلامه وأسلوبه في الحديث، إن تكلَّم

إن الإنسان الوديع ناجح في تعامله مع الناس: يحبهم ويحبونه. وإن سكت أحيانًا، يكون ذلك بدافع من التواضع والحب، وليس عن انطواء. فهو يُعطي فرصة لغيره لكي يتكلم، ويقدم غيره على نفسه في الكرامة. كما أنه يصمت أحيانًا لكي يستفيد من حديث غيره، ويضيف معلومات جديدة إلى معلوماته. وهو أيضًا لا يميل إلى الدخول مع الناس في صراعات الجدل، مفضلًا السلام... وهو يرضي الذين يحبون الكلام

والإنسان الوديع لا يضغط على أحد، ولا يستعمل العنف. ولا يلح على أحد إلحاحًا شديدًا، لكي يأخذ موافقته على أمر من الأمور، بغير إرادته، بأسلوب الإلحاح والضغط! فهو لا يبحث عن راحته، وإنما عن راحة الناس. لذلك فإن الذين يعاشرونه، يشعرون براحة في عشرته. ويقول كل من يعامله إنه يشعر براحة في التعامل معه. والوديع لا يصر على أن ينتصر لفكرته أو رأيه في الأمور العادية. أمَّا من جهة المبادئ السليمة فهو لا يتنازل. ولكن لا يتشاجر مع الغير بسبب ذلك. ولعل هذا الأمر يحتاج إلى حكمة تمتزج بالوداعة. ومن أجمل ما قيل في ذلك: مَن هو حكيم وعالم بينكم، فليرِ أعماله الحسنة في وداعة الحكمة. لأن هناك حكماء قد يكونون في شرح حكمتهم عُنفاء، يصرون على رأيهم في غيرة وتحزُّب. وقد يسببون بذلك إنقسامًا وتشويشًا!! فحكمة هؤلاء ليست روحية لأنها خالية من الوداعة. أمَّا الحكمة الوديعة فهى مسالمة مترفقة مملوءة أخبارًا صالحة. وليست حكمة حقيقية، تلك التي تفقد أصحابها حياة الوداعة والهدوء، وتجعلهم عنفاء في الدفاع عن آرائهم! يجرحون كل من يهاجمهم، ويخدشون مشاعره

إن العُنف قد يكون إسلوبًا سهلاً وقصيرًا، يوصل بسرعة! ولكن الوديع لا يمكن أن يستخدمه. فإن أعطاه الرب حكمة، فإنه يوصلها إلى الناس بأسلوب هادئ، في طيبة في رقة في لُطف. ولا يغضب ولا يثور إن خالفوه في وقت، أو كانوا بطيئين أو متباطئين في التنفيذ... فإنه يصبر عليهم، ويطيل أناته، إلى أن يتمكنوا من التنفيذ. إنه يعطي فرصة لسامعه، ولِمَن يتتلمذ عليه، لكي يصل حسبما تسعفه إمكانياته. فإن لم يصل اليوم فقد يصل غدًا أو بعد غد، دون التحكم في عامل الزمن، الذي تتحكم فيه أسباب عديدة

من صفات الوديع أيضًا أنه متسامح: إن أخطأت في حقه، لا يخطأ في حقك. إن له طباعًا لا يستطيع أن يتجاوزها، وله مبادئ لا يمكنه أن يكسرها. فهو لا يستطيع أن يخطئ

والإنسان الوديع لا يتحدث من فوق، من موقع السُّلطة، مهما كان في مركز عالٍ أو رئاسة. والناس يدافعون عن الوديع دون أن يُدافع هو عن نفسه 

عَشَر قيادات متنوعة / بقلم مثلث الرحمات قداسة البابا شنوده الثالث

عَشَر قيادات متنوعة
بقلم مثلث الرحمات قداسة البابا شنوده الثالث
 
 
كل إنسان سائر فى طريق الحياة، يرى أن أشياء معينة تدفع مسيرته، وتحدد له كيف يسلك... فما هى هذه الدوافع التى تقوده؟ إنها تختلف من شخص إلى آخر. نذكر من بينها:
1- هناك إنسان يقوده فكره فى التمييز بين الخير والشر
يقوده فهمه الخاص. فما يراه حقاً، هو الحق بالنسبة اليه. وما يراه باطلاً، فهو الباطل بالنسبة اليه: وفهم هذا الانسان ليس مضموناً. هل هو ناضج أم متعثر؟ ويقول الحكيم "توجد طريق تظهر للانسان مستقيمة، وعاقبتها طرق الموت".
حقاً، ما أصعب أن يركن الانسان إلى فكره ليقوده، وبخاصة لو كان من المبتدئين، وإن كانت الأمور التى أمامه تحتاج إلى عمق فى الفحص، وإلى خبرة...
****
2- هناك إنسان آخر تقوده رغباته وشهواته:
فهو يسعى لتحقيقها، ويرى أن له كل الحق فى ذلك. بينما ليس لديه وقت ليفحص هذه الرغبات، وهل هى سليمة أم مخطئة. وإن فكرّ فى ذلك، يجد فكره مؤيداً لرغباته! وكما نقول دائماً "إن الفكر كثيراً ما يكون خادماً مطيعاً لرغبات النفس"!
****
3- إنسان ثالث يقوده مرشد روحى:
ومن اللازم أن يكون هذا المرشد خبيراً، وسليم الفكر، غير متحيز لإتجاه معين. وإلا انطبق المثل القائل "أعمى يقود أعمى، كلاهما يسقطان فى حفرة". لأنه إن ضل هذا المرشد، يضل كل من يتبعه... والله – تبارك اسمه – لا يقصد أن الطاعة له تتحول إلى اى إنسان أياً كان، حتى إن كان أحد الوالدين. ذلك لأنه "ينبغى أن يطاع الله أكثر من الناس"... فلا نعصم المرشدين، إنما نُحكمّ الضمير...
****
4- هناك أشخاص آخرون تقودهم الأحلام أو الرؤى:
فليست كل الأحلام والرؤى من الله. لذلك ينبغى على كل انسان أن يكون لديه الإفراز الكافى، الذى يدرك به هل الأحلام التى رآها هى من الله، أم من الشيطان، أم من العقل الباطن، أم من أمور مترسبة فى نفسه نتيجة لقراءات أو سماعات أو مناظر أو قصص أو رغبات كامنة فى نفسه، تحولت إلى أحلام؟؟!
إن الشيطان، إذا تيقن أن اشخاصاً يؤمنون بالأحلام، ما أسهل عليه أن يقودهم بأحلام مضللة من عنده...
****
5- هناك أشخاص آخرون تقودهم الكتب، ووسائل النشر والإعلام:
فالفكر الذى يقرأونه فى كتاب ما، أو فى جريدة أو مجلة مشهورة، ما أسهل عليهم أن يعتنقوا هذا الفكر، وربما يتحمسون له ويرددونه بلا تفكير، وكأنما قد صاروا مجرد صدى لما قرأوه..!
على أن الانسان الحكيم لا يضمن كل ما ورد فى كتب، أياً كانت شهرة الكاتب! بل يقرأ بعقل وتمييز، ويحترس من بعض الأفكار الجديدة التى تخالف بعض الثوابت التى تسلمها من قبل. بل يفحص ويسترشد، ويرفض ما يجب رفضه...
****
6- هناك أيضاً من تقوده الدَفعة الأولى The First Push
كإنسان أول علاقة له بالحياة الفكرية أو الفلسفية، أقنعوه بالفكر الشيوعى على اعتبار أنه الطريق السليم إلى الاشتراكية الحقة، وحسن توزيع الثروة بمساواة بين الجميع فلا غنى ولا فقير، وبأن الدين هو أفيون الشعوب، لأنه يخدّر الفقراء فى واقعهم البائس فلا يحتجون عليه، بل يقبلونه بالتسليم للارادة الالهية!! لذلك من يتلقى هذا الفكر، يستمر فى الدفعة الأولى التى دفعته..
إنه مثل كرة ألقاها أحدهم من على جبل: ففى الإتجاه الذى ألقاها فيه تظل تتحرك وتتدحرج بدون تفكير..!
على مثل هذا الشخص أن يوسّع ذهنه لمناقشة الأفكار الأخرى، ولا يتحمس لفكره الأول، فى رفض لكل ما يقابله من نقد...
كذلك كل من كان إنتماؤه الأول إلى هيئة ما، يتحمس لها مهما إنحرفت أو تغير مسارها...
****
7- هناك انسان آخر تقوده عوامل نفسية معينة:
كأن يكون فى نفسيته عامل الخوف. فيقود الخوف حياته، ويوصله الخضوع لأية رئاسة والاستسلام لأية سلطة. أو يكون فى نفسيته عنصر المجاملة أو عنصر الإشفاق أو ما شابه هذه المشاعر، فتقوده نفسيته إلى اتجاهات ربما تكون بعيدة تماماً عن الحق!
وهكذا تختلف تصرفات الناس حسب نوعية نفسياتهم وقيادتها لهم: ما بين انسان يقوده الهدوء الذى فى طبعه، وآخر يقوده العنف الذى تتميز به نفسيته.. واحد يقوده الطموح، وآخر تقوده القناعة والرضى بما هو فيه، وثالث يقوده الزهد. كل منهم حسب نوعية نفسيته...
فإن كان شخص غضوباً، يرى أن الوسيلة المثلى هى أن ينفذ ما يريده بالعنف والشدة. لأن هذه – فى نظره – هى الطريقة الفعالة التى توصل إلى المطلوب بسرعة ونجاح وبنتيجة مضمونة!! ولا شك أن هذا التفكير غير سليم، ولا يتفق مع الحق.
ولكنه على أية الحالات، يدل على أن البعض تقودهم نفسياتهم وطباعهم، وليس الفكر أو الحكمة.
****
8- هناك نوع آخر من الناس تقوده المنفعة أو المصلحة الخاصة:
يزن كل شئ بمقدار ما ينتجه من نفع خاص به. ويرى أن هذه المنفعة هى الحق بالنسبة اليه. ويقول هذا هو حقى، أو هذا هو الخير بالنسبة لى. ولا يضع أمامه أية مقاييس للحق أو للخير، سوى المنفعة. وطبعا يعنى منفعته الخاصة، وليست المنفعة العامة!
مثل هذا الشخص: إن أردت أن تقنعه بأى أمر، فهذا هو المفتاح الذى تدخل به اليه: أعنى ما يعمله من نفع...
****
9- هناك نوع آخر، تقوده التقاليد أو القدوة أو التيار العام:
ونذكر فى مقدمة هذا النوع: الأطفال، والمبتدئين، والعامة، ومن هم فى مستوى هؤلاء واؤلئك... فحسب الأمثلة التى أمامهم ينقادون، وحسب روح الجماعة يسيرون بالتيار السائد...
هذا النوع يأخذ مبادئه وقيمه من المجتمع الذى يعيش فيه، سواء مجتمع الأسرة أو المدرسة أو العمل، وما فى تلك المجتمعات من تأثيرات وأفكار وتوجيهات...
لذلك ننصح بأهمية وجود القدوة الصالحة فى محيط الأسرة. فهى المنبع الأول الذى يتلقى فيه الانسان أولى أمثلته، وفيها القيادات الأولى التى يصادفها... وإلى جوار ذلك ما يجب أن تكون عليه القدوة فى دور التعليم، وفى مراكز الشباب وفى مجال الرياضة...
وكذلك كل ما تقدمه الأفلام من توجيهات وإيحاءات ترسخ فى العقول والنفوس، وتقود البعض – عن طريق التقليد – إلى مواقف عملية فى الحياة، متأثرين بما رأوه
****
10- قياة أخرى تعتبرمن أهم القيادات، وهى الضمير
على شرط أن يكون ضميراً صالحاً، مؤسساً على الخير المطلق، وما توحى به وصايا الله وتعاليمه. وهذا الضمير يمكن أن يسيطر على كل القيادات الأخرى، بحيث أن تسنده إرادة خيرّة قوية
لأنه قيل أحياناً عن الضمير إنه قاضِِ عادل. ولكن الضعف يقف أحياناً فى سبيل تنفيذ أحكامه. ونقصد ضعف الارادة، وليس ضعف الضمير

المعرفة - بقلم مثلث الرحمات قداسة البابا شنوده الثالث

المعرفة
أنواعها . منافعها . مضارها
بقلم مثلث الرحمات قداسة البابا شنوده الثالث
                                                       
لقد أعطانا الله عقلاً يمكنه أن يعرف..
.. ولكنه أراد لنا أن نعرف ما يفيدنا وينفعنا. وأيضاً ما يفيد وينفع الآخرين. أفراداً كانوا أو جماعات..
غير أن المشكلة التي قابلت الإنسان منذ البدء. هي أنه أراد أن يعرف وحسب أياً كان نوع المعرفة.
كان الإنسان الأول يعرف الخير فقط. ولكنه -للأسف الشديد- بدأ يعرف الشر أيضاً. وبهذا أضر نفسه وأضر غيره.
إذن تأكد من سلامة كل معرفة تصل إليك
وتأكد من فائدتها. قبل أن تقبلها.
واعرف ان المعرفة ليست غاية في ذاتها. وإنما هي وسيلة للمنفعة. اختر إذن هذا اللون من المعرفة.
* * *
معرفة الله
يقولون إن أعلم الناس. هو من يعرف شيئاً عن كل شيء. كما يعرف كل شيء عن شيء ما "بلون من التخصص". وأري أن هذه العبارة مبالغ فيها جداً. فلا يوجد انسان يعرف كل شيء عن شيء ما. ولا أن يعرف شيئاً عن كل شيء.
أما الله -تبارك اسمه- فهو يعرف كل شيء عن كل شيء.
ومعرفته مطلقة ويقينية. وغير محدودة.
* الله يعرف الخفيات والظاهرات: يعرف ما في القلوب. وما في الأفكار وما في النيات. لجميع الناس. ويعرف ما في باطن الأرض. وما في علو السماوات. بينما الإنسان لا يعرف شيئاً من كل هذا.
* والإنسان -إن عرف- إنما يكون ذلك بوسائط متعددة. كالمقاييس والمكاييل. والأشعة والتحاليل. وأجهزة كثيرة جداً للوصول إلي ما يمكنه معرفته... أما الله فيعرف كل شيء بدون واسطة..
* والإنسان يجاهد لمعرفة طبائع الأشياء. أما الله فيعرفها لأنه هو الذي وضع لكل شيء طبيعته. الإنسان مثلاً يحاول بمجهودات ضخمة أن يعرف أماكن البترول في باطن الأرض. أما الله فمعرفته لذلك ناتجة عن كونه هو الذي وضع البترول في تلك الأماكن. وينطبق ذلك أيضاً علي مواضع الذهب وكافة المعادن. وأنواع الكائنات البحرية وغيرها..
* الله يعرف المستقبل والغيب. أما الإنسان فلا يعرف..
* * *
أنواع من المعرفة
* هناك معرفة حسية تأتي عن طريق الحواس. يعرفها الناس بالنظر. أو باللمس. أو بالشم. أو بالسمع. وما أضعف حواسنا. فلا تدرك كل شيء.
* وهناك معرفة عن طريق العقل. نعرفها بالدراسة أو بالاستنتاج.
* وهناك معرفة للروح. وليست لكل الناس.
* غير أن هناك معرفة أخري هي نوع من الكشف أو الإعلان الإلهي.
ويدخل في هذه: الوحي الإلهي الذي يصل إلي الأنبياء. وأيضاً استجابة من يصل إلي الله قائلاً: "عرّفني يا رب طرقك. فهّمني سبلك"...
* أما أسمي معرفة. فهي معرفتنا لله نفسه.
* * *
العالم شغوف أن يبحث عن المعرفة التي تعطيه فكرة عن القمر والكواكب. بسفن الفضاء التي تكلفه أموالاً طائلة...
ولكنه ليس بنفس الشوق اطلاقاً يسعي إلي معرفة الله...
إنه يسعد كثيراً إن أحضر بعض حجارة من القمر. أو بعض الصور. لأنها تعطيه بعض المعرفة عن الطبيعة التي هي من خلق الله. دون أن يسعد بمعرفة الله خالقها..!
ونفس الكلام يُقال عن كثير من الاكتشافات التي يقوم بها الإنسان...
والإنسان يفتخر باكتشافاته. ويمجد العقل البشري الذي وصل إليها. دون أن يمجد الله الذي خلق هذا العقل ووهبه امكانياته!
* * *
هناك معرفة تصل إلينا عن طريق الآخرين
عن طريق الكتب. أو الصحف. أو الأفلام. أو الإذاعة والتليفزيون. أو الانترنت. أو وسائل الإعلام المتعددة. أو ثورة المعلومات..
ومعرفة تأتي عن طريق الأصدقاء أو المعارف أو الأساتذة.
وهناك معرفة تأتي عن طريق الشيطان
إما يلقيها في أذهان الناس. عن طريق فكر أو حلم. أو بواسطة أحد جنوده.. وغالباً ما تكون معرفة كاذبة أو مضللة... أو قد تكون صحيحة. ولكنه يستغلها لغرض سييء.
وربما يسعي الإنسان إلي الحصول علي معرفة من الشيطان. عن طريق السحر. أو استشارة الموتي أو الأرواح. وبطرق متعددة..! وقد نهي الله عن كل هذه الأمور..
* * *
وهناك من يلجأ إلي المنجمين. وإلي قاريء الكف أو الفنجان.
وإلي ضاربي الرمل أو الودع. أو إلي استشارة الأرواح بالتنويم المغناطيسي أو البندول. وما أشبه... أو ممن يأتون بنبوءات النجوم!
ما الذي نعرفه عن يقينية هذه الأخبار. أو استخدامها للضلالة. أو لمجرد التسلية. أو للعب بعقول البسطاء...
واعرف جيداً أن الشيطان إن أعطاك معرفة. لا يعطيها لك مجاناً
 أو بدون مقابل. ولا يعطيها بدون هدف شيطاني يريد الوصول إليه للإضرار بك. أو لجعلك تحت سلطانه أو تحت ارشاده..
* * *
نوع آخر من المعرفة. هو أن تعرف نفسك
هذه الحكمة التي دعا إليها سقراط الفيلسوف: "اعرف نفسك"
وما أعظم الفوائد التي تحصل عليها من معرفة نفسك: تعرف انك مخلوق من تراب الأرض. لكي تتضع ولا تتكبر. وتعرف خطاياك. لكي تندم عليها وتتوب. وتعرف طبيعتك وما يحاربك به عدو الخير. لكي تنجو من تلك الحروب. وتعرف مواهبك لكي تستخدمها لتمجيد الله ونفع المجتمع..
وتعرف مدي قربك أو بعدك عن وصايا الله
وتعرف أيضاً ما يلزمك للوصول إلي الحكمة والتمييز
وتعرف انك مكشوف أمام الله. مهما حاولت أن تكون مستوراً عن الناس. فالله يعرف كل أفكارك وكل شهواتك... فتخجل من نفسك.
* * *
كذلك عليك أن تعرف غيرك. لكي تعرف كيف تتعامل معه:
تعرف نفسية غيرك. والمفتاح الذي تفتح به باب قلبه وعقله.
وكما ينطبق هذا في التعامل مع الأصدقاء. وفي محيط العمل والحياة الاجتماعية. كذلك ينطبق أيضاً في محيط الأسرة حيث ينبغي أن يعرف كل من الزوجين طبيعة ونفسية شريكه في الحياة. وبالتالي كيفية التعامل معه. وأيضاً معرفة نفسية الطفل وكيف يعامله. وفي الحياة الاجتماعية. يلزم معرفة نفسية المعوق. ونفسية العاقر. ونفسية المراهق وكيفية التعامل مع كل هؤلاء وغيرهم.
* * *
اهتم أيضاً بمعرفة الحق. وإن عرفته فاتبعه:
وحاول أيضاً أن تعرف احتياجات الناس. لكي تدبرها لهم. وأن تعرف طريق الله لكي تسير فيه وتدعو الناس إليه
واحترس من المعارف التي هي فوق مستوي البشر.
فكثير من الناس يبحثون في عالم الأرواح فيضلون. أو يبحثون في الميتافيزيقا "ما فوق الطبيعة" فيضلون الله. أو يبحثون في أمور إلهية فوق مستواهم. فيخطئون الطريق.
أما انت فابحث عن المعرفة التي تفيدك وتفيد غيرك
وابعد عن كل معرفة ضارة أو ضالة.
* * *
المعرفة الضارة
من المعارف الضارة: معرفة الشر. ومعرفة الأشياء التي تؤثر علي النفس تأثيراً شديداً وتقودها إلي الخطيئة. وكذلك معرفة أي شيء يضر الإنسان. ويجمع فكره في أشياء تؤذيه وتبعده عن روحياته.
ولقد صدق أحد الآباء الروحيين حينما قال:
أحياناً نجهد أنفسنا في معرفة أمور. لا نلام في يوم الدين علي جهلنا إياها.
فإن كنا نلام علي معرفة أمثال هذه الأمور. فكم بعدكم يحاسبنا الله علي الأمور التي تضرنا. وتكون نتائجها سيئة علينا؟!
* * *
ضع في ذهنك مدي نتائج تلك المعرفة الضارة:
ما يدخل في ذهنك من معارف. يؤثر علي حواسك ومشاعرك. وقد يؤثر علي علاقتك بالآخرين. بل والأكثر من هذا أنه يُخزّن في عقلك الباطن
ثم يخرج من عقلك الباطن. علي هيئة ظنون أو أفكار أو أحلام.. وإذا بهذه المعرفة التي أخذتها قد امتدت في داخلك وخارجك إلي نطاق أوسع. وقد لا تستطيع أن تحد انتشارها ومدي أضرارها.
حقاً كم من أناس ندموا جداً بسبب معارف خزنوها في أذهانهم.
وقالوا ياليتنا ما كنا عرفنا. سواء بالقراءة أو الحواس!
ويحتارون كيف يمكنهم أن يخرجوا ما في أذهانهم من معلومات رسخت فيها.. مثلهم في ذلك مثل الذين وقعوا في إدمان بعض المخدرات Drugs وأصبحوا عاجزين عن الخروج من سيطرة ما قد أدمنوا عليه...
* * *
وهناك ألوان من المعرفة. تغير نظرة الإنسان إلي كثير من الأمور. وتغيّر نظرته أيضاً إلي بعض الناس..
مثال آخر إلي المعرفة الضارة وهو "الشك". وكما قال أحد العلماء:
سهل أن يدخل الشك إلي عقل إنسان ولكن ما أصعب خروج هذا الشك من عقله!
فإن أملت اذنك إلي من يلقي في قلبك شكاً من جهة إنسان بإثباتات معينة قد تكون زائفة... أو إن سمحت لنفسك أن تقرأ قراءات تشكك في الإيمان أو العقيدة... فقد تبذل جهداً كبيراً للخروج من هذا الشك. وقد يبقي معك فترة طويلة. إلي أن تفتقدك نعمة الله لتخرجه منك...
كم كان عمق تأثير الشيوعيين في تحويل الناس إلي الإلحاد..
* * *
لذلك يلزم أن يدقق كل إنسان في اختيار مصادر معرفته
احتفظ بنقاوة فكرك. ولا تلوثه بمعرفة ضارة. ودقّق كثيراً في كل ما تقرؤه وكل ما تسمعه وكل ما تراه. وكن دقيقاً أيضاً في اختيار الأصدقاء الذين يصبون معلومات في أذنيك. أو ينقلون إليك خبرة أمور ضارة. أو أخباراً ضارة. أو أفكاراً متعبة..
ولا تسمح لكل تلك المعرفة أن تثبت في ذهنك. إلا بعد أن تتحقق منها تماماً. وتعرف الحق فيها من الباطل والزيف.
ولا تظن أن الأفكار عواقر. بل ما أكثر أن تلد أفكارا أخري كثيرة
بل ربما كلمة واحدة تصل إلي ذهنك. فتلد حكاية أو حكايات!
واعرف أن الوقاية من الفكر الخاطيء. خير وأفضل من قبوله ومحاولة التخلص منه.
* * *
واحترس جداً من نقلك لبعض الأفكار والأخبار
ربما تصل إليك معرفة ضارة. وتنقلها انت بدورك إلي غيرك فتضره. ثم بعد أن تقاسي من تلك المعرفة. تحاول أن تتخلص منها. وقد تعينك نعمة الله فتتخلص منها. ولكن ما نقلته إلي الغير لايزال ثابتاً فيه وتضره معرفته. وتكون أنت مداناً أمام الله عن ضرر غيرك. لأنك كنت السبب فيه. وحينئذ لا تتعبك خطيئتك بحسب في قبولك أولاً للمعرفة الضارة. بل تتعبك خطيئتك أيضاً في نقل تلك المعرفة إلي غيرك...
إنه ماضيك الذي يطاردك. أعني المعرفة الضارة التي نشرتها. سواء بالكلام. أو بالكتابة. أو بطرق أخري كثيرة...
* * *
كذلك الذين يقعون في التشهير بغيرهم:
الذين ينقلون أخباراً سيئة عن أخطاء الغير. أو ما يظنونه أخطاء. أو ما يخترعونها... ويل لهم إذا استيقظت ضمائرهم. وبدأت تلومهم علي ما كانوا ينشرونه من قبل عما يسيء إلي غيرهم.
ويدخل في هذا النطاق: الذين يطلقون الشائعات أو ينشرونها:
سواء بقصد الإيذاء بغيرهم. أو لمجرد التسلية الخاطئة بالتحدث عن أسرار الآخرين التي يلذ لهم التحدث عنها وهي نوع من الاستهزاء بالناس. أو نشر فضائح تنسب إليهم. سواء كان ما يتحدثون عنه أخباراً واقعية. أو بإضافة استنتاجات من خيالهم

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010