‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات لقداسة البابا شنودة الثالث. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات لقداسة البابا شنودة الثالث. إظهار كافة الرسائل

صوم الآباء الرسل .. بقلم قداسة البابا شنودة




صوم الآباء الرسل .. بقلم قداسة البابا شنودة


صوم الرسل من الأصوام المهمة لأن السيد المسيح قال لهم عندما سألوا لماذا تلاميذك لا يصومون قال لا يستطيع بنو العرس أن يصوموا مادام العريس معهم فإبتذأ التلاميذ يصومون بعد صعود السيد المسيح، صحيح ليس هو أقدس صيام لأن أقدس صيام هو الصوم الكبير الأربعين المقدسة واسبوع الآلام والأربعاء والجمعة، لكن من ناحية التاريخ والزمن كان أقدم صيام هو صوم الرسل والرسل، اختارهم السيد المسيح بنفسه وقال لهم لستم أنتم اخترتموني بل أنا اخترتكم وارسلتكم لكي تأتوا بثمر ويدوم ثمركم.


فئات آباءنا الرسل


اختارهم من كل نوع وشكل منهم الشيخ مثل بطرس الرسول، والفتى مثل يوحنا الحبيب، والعشار مثل متى، والشكاك مثل توما، اختار ال 12 ثم ال 70 ثم بولس الرسول، مرقس ولوقا الرسولان لم يكونا من الإثنى عشر مع انهم من كتبه الأناجيل.. ولا برنابا، ربما كانوا من السبعين، واختار معهم بعض النساء للخدمة وليس للرسولية مثل مريم المجدلية التي بشرت الرسل بالقيامة، ففيهم المتعلم وفيهم الجاهل.



إعداد السيد المسيح للآباء الرسل


هؤلاء الرسل أعدهم الرب إعداداً جيد جداً فلم يسمح لهم ببدء الخدمة الا بعد فترة إعداد طويلة استمرت أكثر من 3 سنوات.. ومن يعلمهم هو أكبر معلم عرفته البشرية كلها وهو السيد يسوع المسيح له المجد علمهم بتعليمه وقدوته الصالحة وبآيات ومعجزات أمامهم وبمعاملاته مع الآخرين، أعطاهم مثال للخادم الصالح .. ومع كل هذا قال لهم لا تبرحوا اورشليم حتى تلبسوا قوة من الأعالي متى حل الروح القدس من الأعالي حينئذ تنالون قوة وتكونون لي شهوداً



إطلاق الرسل للخدمة ودرساً في إعداد الخدام


ودربهم أيضاً بفترة تدريبية في البداية .. أطلقهم للخدمة واوصاهم ألا يأخذوا معهم ذهب ولا فضة ولا كيساً في مناطققم وأي بيت دخلتموه قولو سلام لهذا البيت فإن كان ابن السلام يحل سلامكم عليه،


وقال لهم الي السامريين لا تمضوا ومدينة للأمم لا تدخلوا .. لماذا؟؟ لأنهم في بداية خدمتهم لم يكونوا يحتملوا طبيعة الخدمة بين السامريين والأمم .. في مرة المسيح نفسه كان متجه إلى اورشليم ومدينة من السامرة أغلقت أبوابها في وجهه فتلميذين من تلاميذه قالوا له هل تشاء يا رب ان تنزل نار من السماء فتحرق هذه المدينة كما فعل ايليا؟ قال لهم لستما تعلمان من اي روح انتما ابن الإنسان لم يأت ليهلك العالم بل ليخلص العالم، لهذا قال لهم ابتعدوا عن السامريين والأمم لأنهم لم يكونوا حمل هذه الخدمة وقتها، لكن بعد ذلك عند حلول الروح القدس عليكم ستكونون لي شهوداً في اورشليم وجميع اليهودية وفي السامرة والى اقصى الأرض، وقال لهم ايضاً اذهبوا اكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها.


السيد المسيح دربهم هذه المدة الطويلة فأعطانا درساً قوياً في اعداد الخدام .. لأنه هناك كهنة يسمحون للبعض بالخدمة دون اعداد ودون تدقيق ان كان الشخص يصلح للخدمة أو لا يصلح، وهكذا أمناء الخدمة.. إما الكاهن غير مبالي أو أنه لا يعرف أو يحب أن يتسامح حتى في العقيدة وهذا غير صحيح.



استلام الآباء الرسل للطقوس والعقائد


السيد المسيح لم يكتف بأنه أعد الرسل مدة أكثر من 3 سنوات ولكن أيضاً أربعين يوم بعد القيامة قضاها معهم ليزيل الشكوك منهم ويحدثهم عن الأمور المختصة بملكوت الله، وفي هذا الفترة سلمهم جميع عقائد الكنيسة وطقوسها، مثلاً من جهة التناول، قال لهم أولاً إصنعوا هذا لذكري لكن كيف يصنعون هذا لذكره؟؟ ماهي الصلوات التي يجب أن تتم ؟؟ هذا قاله لهم بعد ذلك، كيفية رسم القسوس الشمامسة والأساقفة... وهكذا، الكتاب المقدس ليس هو كتاب طقوس ولكن كتاب خلاص ولكن الطقوس اللازمة علمها الرب يسوع للتلاميذ خلال الأربعين يوماً وسلمها التلاميذ إلى الشعب عن طريق التقليد فثبتت في حياة الكنيسة وتسلمتها الأجيال جيلاً بعد جيل.



الآباء الرسل قلوب متفتحة ومطيعة

الآباء الرسل الذين اختارهم السيد المسيح كانوا قلوباً متفتحة مطيعة، تصوروا اثنين راكبين سفينة يصطادوا مثل سمعان بطرس وأندراوس أو مثل يوحنا ويعقوب أخوه، يقول لهم هلما ورائي فأجعلكما صيادي الناس، فيتركوا سفينتهم وشباكهم وأهلهم وكل شىء ويسيروا وراءه لمجرد كلمة.. أو متى الملقب لاوي والذي كان يعمل بمكان الجباية، يعني يعمل عمل اقتصادي مسؤل أمام الدولة، يقول له اتبعني، بهذه الكلمة يترك كل شىء ويتبعه، قلوب متفتحة ومطيعة للدعوة، عندما قال لهم اتبعوني لم يكونوا يعلموا الى أين يتبعوه، حيث لم يكن له مكان معين، لم يكن له أين يسند رأسه، تبعوه الى المجهول، غير الخدام حالياً عند دعوتهم يتسائلوا الى أين؟؟ كنيسة كبيرة أم صغيرة؟؟ في المدينة أم القرية؟؟ المرتب كبير يكفي أم لا يكفي؟؟ وحدي ولا معي أحد؟؟؟ شروووط كثيرة. طبعاً مش كل الكهنة، ولكن البعض يفكر هكذا، الرسل لم يفكروا الي أين ولا ما سيفعلون، حيث انهم طول فترة تبعيتهم للمسيح لم يفعلوا شيئاً، كان المسيح يعمل كل شىء وهم فقط ينظرونه ويصمتون.



الآباء الرسل أشخاص عاطفيين


وأيضاً كانوا أشخاصاً عاطفيين، قلبهم يتحرك بسهوله ليس فقط يوحنا الحبيب الذي كان يتكئ على صدره، وحتى توما الشكاك، عندما سمع عن موت لعازر قال: لو مات نذهب ونموت معه وهذا دليل العاطفة، وأيضاً بطرس الرسول عندما رأى عبد رئيس الكهنة استل سيفه وقطع اذنه وهذا أيضاً تصرف عاطفي، وهذه العاطفة شىء جميل.



قوة الآباء الرسل


هذا كان في البداية، لكن عندما نالوا قوة، كانت قوة عجيبة، قوة في الكلمة وفي تأثيرها، لدرجة أن عظة من بطرس الرسول يوم الخمسين أتت بثلاثة آلاف واحد للإيمان نالوا المعمودية في هذا اليوم.. قوة تأثير، وبعد شفاء الأعرج الذي عند باب الجميل أصبحوا خمسة آلاف، ثم دخل الإيمان جماهير من الرجال والنساء وكان الرب كل يوم يضم الى الكنيسة الذين يؤمنون، جبروت، هكذا كانت الكنيسة في أيام آبائنا الرسل.


وكانت لديهم قوة أيضاً في المعجزات، فهم كانوا يتكلمون ويعظون وربنا يتابعم بالآيات والمعجزات، لدرجة أن بطرس الرسول كانوا يضعون المرضى في طريقه لئلا يقع ظله على أحدهم فيشفى.


وبولس الرسول كانوا يأخذوا المناديل من على قروحه يضعونها على المرضى فيشفوا وتخرج منهم الأرواح الشريرة، ربنا أعطاهم قوة كلمة وقوة إقناع وتأثير، وقوة آيات ومعجزات، وأعطاهم أيضاً قوة إحتمال على السجون بسبب التبشير، وحين جلدوا كانوا يخرجون فرحين أنهم حسبوا مستأهلين أن يهانوا من اجل اسمه.. قوة احتمال عجيبة.


هذا ما استطاعوه به أن يكملوا عملهم.. فكانت القوة هي سمة الكنيسة الأولى في عصر الرسل، قوة من كافة النواحي، على الرغم من العوائق الكثيرة ودسائس اليهود وعلى الرغم من سيطرة الرومان والفلسفات والوثنية، شقوا طريقهم بكل قوة ورغم كل الصعوبات.



فضل الآباء الرسل علينا


هؤلاء الآباء الرسل لهم فضل كبير علينا، للأسف ليس عندنا العديد من الكنائس على اسمائهم، فقط مارمرقس كاروزنا له بعض كنائس على اسمه، والكنيسة البطرسية على اسم بطرس وبولس، وبعض الكنائس الأخرى في أطفيح وأخميم وأبو قرقاص وبنى مزار، فنحن لا نعطي الرسل نصيبهم من الإكرام من هذه الناحية حيث أنهم كنائس قليلة، ولكن باقي القديسين لهم عشرات الكنائيس في كل مكان،


لكن هؤلاء الذين لا نكرمهم كما ينبغي هم أكرمونا ولهم فضل علينا، سلمونا الإيمان والتقاليد وسلموا لنا القوانين الكنسية، أعطونا الدسقولية والتي فيها 38 باب عن أعمال الرعاية، وقوانين الرسل أيضاً 127 قانون في كتابين أصدرتهما دائرة معارف الآباء الشرقيين، وهم الذين وضعوا أساس الإيمان لدرجة أن القديس أغسطينوس في تفسيرة مزمور أساساته في الجبال المقدسة.. قال ان هذه الجبال المقدسة هم الآباء الرسل الذين وضعوا اساس الإيمان، كما قال بولس الرسول: أنا وضعت أساساً وغيري بنى عليه.


وهم أيضاً أول من بنوا كنائس، في العصر الرسولي كانت الكنائس في البيوت أولاً، كان أول بيت تحول إلى كنيسة هو بيت مارمرقس كما ورد في سفر أعمال الرسل اصحاح 12، ومثل بيت أكيلا وبريسكلا أيضاً، وبيت ليديا بائعة الأرجوان وغيرها الكثير، وكانوا يصلوا أحياناً في المقابر، ثم بنوا بيوت وكنائس في (سفر الأعمال 9 : 31) وأما الكنائس في جميع اليهودية والجليل والسامرة فكان لها سلام وكانت تبنى وتسير في خوف الرب وبتعزية الروح القدس كانت تتكاثر.


في صوم الآباء الرسل ليتنا نتذكر الآباء ونأخذ تأملات في حياة كل منهم.


لربنا المجد الدائم إلى الأبد .. أمين

الأعياد

الأعياد
بقلم قداسة البابا شنوده الثالث
إن الأعياد هي أيام فرح.. والله يريد لنا أن نفرح..
وهو- تبارك اسمه- عندما خلق الإنسان. إنما خلقه للفرح. ولذلك بعد خلقه. وضعه في جنة هي جنة عدن. وأحاطه فيها بكل ألوان البهجة. ولم يدعه معوزاً شيئاً..
وحتي بعد أن تنتهي أيام حياة الإنسان علي الأرض. قد أعدّ الله للإنسان البار فرحاً في العالم الآخر. هو النعيم الأبدي. الذي لا يحدّ في نوعيته. ولا في مدته.. وطلب الله منا أن نعدّ أنفسنا لهذا الفرح الذي في السماء بالأعمال الصالحة وحياة البر. حتي ندخل إلي ذلك النعيم عن استحقاق. فالسماء لا يدخلها أحد من الأشرار.
* * *
والأعياد التي يفرح بها الناس. هي علي أنواع:
منها أعياد وطنية يشترك فيها كل أبناء الوطن الواحد معاً.. وأعياد دينية في مناسبات دينية معينة.. كذلك توجد أعياد اجتماعية. وأعياد شخصية...
ونحن في مصر لنا أعياد وطنية نحتفل بها جميعاً
منها عيد الثورة. وعيد الجلاء. وعيد النصر في حرب أكتوبر. وعيد الجندي المجهول حيث يضع الرئيس أكاليل الزهور علي قبر ذلك الجندي رمزاً لكل الجنود الذين بذلوا حياتهم لأجل الوطن..
ولكل بلد من بلاد العالم لها أعياد وطنية خاصة بها. لعل من أهمها أعياد الثورة. وأعياد الحرية. وأعياد الاستقلال. وأعياد الدستور.. ويفرح الوطن كله بالعيد الوطني. وأحياناً- كمظهر للفرح- تُرفع الأعلام. وتُطلق المدافع.
ومن الأعياد الوطنية عيد جلوس رئيس الدولة وتوليه منصبه. وفي أيام الملكية. كانت مصر تحتفل أيضاً بعيد ميلاد الملك وغالبية الدول تجعل أيام الأعياد الوطنية عطلة رسمية.
* * *
ننتقل إلي الأعياد الاجتماعية. وهي كثيرة:
يمثلها بالنسبة للمصريين جميعاً يوم شم النسيم. حيث يسميه البعض أيضاً عيدالربيع. ويحتفل به الكل في الحدائق.. كان يشبهه في القديم من ناحية أخري عيد "وفاء النيل".. ومن الأعياد الاجتماعية أيضاً في مصر: عيد الأم. أو عيد الأسرة. ويأتي في بداية الثلث الأخير من شهر مارس "21 مارس" ويتباري فيه الأبناء في تكريم أمهاتهم عرفاناً بجميلهن ومحبتهن. ويقدمون لهن التهاني والهدايا..
وحبذا لو وُجد عيد اجتماعي آخر باسم عيد الطفولة.. وفي أمريكا يوجد عيد اجتماعي باسم "عيد الشكر". وعيد اجتماعي آخر باسم "عيد الحب".. وعند اليهود يوجد "عيد الحصاد". وقد كتب عنه في التوراة وهو بالإضافة إلي كونه عيداً اجتماعياً. هو أيضاً عيد ديني.
* * *
الأعياد الشخصية هي كثيرة أيضاً. تختص بكل فرد علي حدة: كأن يحتفل كل شخص بعيد ميلاده. ويوقدون له شموعاً بعدد سني عمره. وينشدون له قائلين "سنة جميلة يا.." ويهنئونه. ويكون يوم ميلاده مجالاً لتقديم الهدايا أو باقات الزهور كذلك كثير من الأزواج. يحتفلون بعيد زواجهم.. هذا طبعاً إذا ما بقيت العلاقات طيبة بين الزوجين علي مرّ السنين.. ومن الأعياد الشخصية احتفال طالب الجامعة بيوم تخرجه. وكثير من الجامعات الأجنبية تعطي هذه المناسبة صفة أعمّ. وتسمي ذلك اليوم "يوم الخريجين" تحتفل بهم جميعاً وتدعو إليه عائلاتهم معهم ويمكن للطالب أن يكرره كل عام علي مستوي أسرته.
وهناك مناسبات هامة جداً في حياة كل إنسان. يفرحه أن يحتفل بها كعيد. ولو في محيط أسرته وأصدقائه..
* * *
هناك أعياد أخري خاصة بالهيئات والنقابات
ولعل من أبرزها في مصر "عيد العمال". ومع أنه خاص بالعمال. إلا أنه أصبح عيداً وطنياً تحتفل به مصر كلها. ويصبح يوم عطلة. وتقام فيها الاحتفالات التي يرأسها رئيس الجمهورية. ويلقي فيها كلمة.. وبالاضافة إلي عيد العمال بصفة عامة. نجد أن لكل نقابة من النقابات عيداً خاصاً يحتفل به أعضاؤها. وفي مصر أيضاً عيد لكل محافظة من المحافظات. يكون مجالاً لسرد انجازاتها وأنشطتها. والاعلان عن ذلك في الصحف. واقامة الاحتفالات وتلقي التهاني. مع إبراز ما تقوم به كل هيئة في المحافظة علي حدة. والجرائد كذلك والصحف تحتفل بأعيادها. كما احتفلت جريدة الجمهورية بعيدها الخمسين. وتلقت التهانيء من كافة الشخصيات والهيئات.
* * *
وكما تحتفل الجرائد والمجلات بعيد تأسيسها
كذلك تحتفل كثير من الهيئات بعيد تأسيسها أيضاً
ولعل أبرز ما تم في العام الماضي. الاحتفال بإعادة تأسيس مكتبة الاسكندرية. وقد دعي إلي ذلك الاحتفال الكثير من رؤساء الدول ومن كبار الشخصيات. وكان مجالاً للحديث عن المجد القديم لمكتبة الاسكندرية وللثقافة المصرية. وما حواه الاحتفال من كلمات هامة. ومن مشاركة لرجال الفن بقطع معينة كذلك الاحتفال بمرور سنوات علي تأسيس المتحف المصري وما أكثر الجمعيات والهيئات التي تحتفل بيوم تأسيسها.
* * *
إن الأعياد- علي تنوعها- مناسبات يشترك الناس فيها في الفرح
هي مجال للاجتماع معاً. وتقديم أو تبادل التهانيء. سواء علي مستوي الأسرة. أو الجماعة. أو النقابة. أو المحافظة. أو علي مستوي الوطن كله أو قطاع منه..
وهي مجال لتبادل العواطف وكلمات المودة.. فهي إذن رابطة اجتماعية لها فائدتها. وفيها ينسي الناس أحزانهم. ويبعدون عن أسبابها وظروفها. ويعيشون في جو آخر له متعته وذكرياته هي لون من "تغيير الجد" أو استبدال صورة بصورة أو الحياة في فترة معينة. لها طابعها المبهج. ينتقل إليها الناس من روتين الحياة العادي إلي إطلالة علي جو فيه إثارة ممتعة لكل من الفكر والقلب. تترك آثارها في المستقبل أيضاً.
* * *
والأعياد لها مظاهرها غير العادية. ولها استعداداتها
تشعر أثناءها أن المجتمع قد تميز بصورة خاصة تناسب العيد.. فالأعياد الوطنية لها اجتماعاتها وخطبها. وأحياناً لها مواكبها. ولها أعلامها. وطلقات مدافعها. وقد يكون لها استعراضات معينة.. وتأخذ فيها وسائل الاعلام لوناً جديداً من البرامج سواء في الجرائد أو المجلات أو الإذاعة أو التليفزيون تبرز أهمية العيد وأحداثه وذكرياته..
أما الأعياد الدينية. فلها صلواتها وتسابيحها. ولها بهجتها وبخاصة بالنسبة إلي الأطفال في ملابسهم الجديدة. وفي متعهم البسيطة وملاهيهم. وفي أصواتهم وضوضائهم. ومرحهم ولهوهم. ولهذه الأعياد برامجها أيضاً في وسائل الإعلام. مما يستعد له الفنانون قبل موعده بمدة طويلة.. والأعياد الخاصة لها بساطتها وفرحتها. في محيط العائلة والأصدقاء. ولها روابطها القلبية. وتبادلها بين المحبين.
والأعياد تتنوع بين الجدية والقدسية واللهو
أعياد الدولة لها جديتها. ولها أهدافها السامية. وبالإضافة إلي ما يقال فيها من كلمات هامة. أو تصريحات رسمية. قد تكون أيضاً فرصة لتوزيع بعض الأوسمة أو الجوائز. كما يحدث مثلاً في حفلات الجيش أو الشرطة في أعيادها الرئيسية.
ونفس الجدية نجدها في أعياد المحافظات والنقابات ودور العلم وما أشبه. وقد يُوزع فيها أحياناً درع المحافظة أو درع النقابة أو درع الكلية علي المتميزين من المدعوين وكذلك أعياد التأسيس. وأعياد الخريجين. وأعياد العمال وكل تلك الجدية لا تخلو من الفرح بالمناسبة. وما يمنح فيها.
* * *
علي أن هناك أعياداً. عنصرها الأساسي هو المرح واللهو
لأنه لو صبغتها الجدية الكاملة. لفقدت فرحها وبهجتها.. وفيها يضحك الناس من كل قلوبهم. ويفرحون معاً. وتشترك معهم وسائل الاعلام في تقديم وسائل للمرح.
إنما ينبغي أن يكون كل ذلك في إطار اللياقة والمسموح به. ولا يخرج عن حدّه. فليس الخطأ في الفرح. إنما في التجاوز والتسيب.. ونحن ننتهز فرصة أفراح الأعياد. لكي نهنيء الجميع. ونرجو لكم من الرب حياة سعيدة

إمكانية القيامة ولزومها

إمكانية القيامة ولزومها
بقلم قداسة البابا شنوده الثالث
إمكانية القيامة
إن إقامة الاجساد بعد الموت, معجزة تدخل فى قدرة الله على كل شئ. ولاشك إن إقامة الأجساد أسهل من خلقها.
فالله الذى أعطاها نعمة الوجود, هو قادر بلاشك على إعادتها إلى الوجود. هو خلقها من تراب الأرض, وهو قادر أن يعيدها من تراب الأرض مرة أخرى. بل أعمق من هذا أنه خلق الكل من العدم. خلق الأرض وترابها من العدم, ثم من تراب الارض خلق الانسان.
أيهما أصعب اذن: الخلق من العدم, أم إقامة الجسد من التراب؟!
إنها القدرة غير المحدودة لالهنا الخالق, الذى يكفى أن يريد, فيكون كل ما يريد, حتى بدون أن يلفظ كلمة واحده أو يصدر أمراً..
****
القيامة هى أذن عقيدة للمؤمنين:
الذى يؤمن بالله وقدرته, يستطيع أن يؤمن بالقيامة... فهى فى جوهرها تعتمد على إرادة الله، ومعرفته وقدرته.
+ فمن جهة الإرادة, هو يريد للإنسان أن يقوم من الموت, وأن يعود إلى الحياة. وقد وعد الإنسان بالقيامة والخلود. ومادام الله قد وعد, إذن لابد أنه سينفذ ما قد وعد به...
+ ومن جهة المعرفة والقدرة: فالله يعرف أين توجد عناصر هذه الأجساد التى تحللت, وأين توجد عظامها. ويعرف كيفية إعادة تشكيلها وتركيبها. كما يعرف أيضاً أين توجد أرواح تلك الاجساد. ويسهل عليه أن يأمرها بالعودة إلى أجسادها، ويسهل عليها ذلك. وهو يقدر على هذا كله. جَلّ اسمه العظيم, وتعالت قدرته الالهية...
****
إن الذى ينكر إمكانية القيامة, هو بالضرورة ينكر المعجزات جملةًً. وبالتالى ينكر الخلق من العدم, وينكر قدرة الله, وقد ينكر وجوده أيضاً!
يدخل فى هذا الجهل, الملحدون, وانصاف العلماء, وغير المؤمنين. أما المؤمنون الذين يؤمنون بالله, وبقدرته غير المحدودة, فإنهم يؤمنون بالمعجزات, ومنها القيامة.
****
ضرورة القيامة
كما أن القيامة ممكنة بالنسبة إلى قدرة الله, كذلك هى أيضاً ضرورية بالنسبة إلى عدل الله وصلاحه وجوده
1- إنها لازمة من أجل العدل:
لازمة من أجل محاسبة كل إنسان على أفعاله التى عملها خلال حياته على الأرض خيراً كانت أو شراً. فيثاب على الخير, ويعاقب على الشر. ولو لم تكن قيامة, لتهافت الناس على الحياة الدنيا, وعاشوا فى ملاذها وفسادها, غير عابئين بما يحدث فيما بعد! وأيضاً إن لم تكن قيامة, لساد الظلم واستبد القوى بالضعيف, دون خوف من عقوبة أبدية. أما الإيمان بالقيامة وما يعقبها من دينونة وجزاء, فإنه رادع للناس. إذ يشعرون أن العدل لابد سيأخذ مجراه, إن لم يكن فى هذا العالم, ففى العالم الاخر..
****
2- والقيامة لازمة أيضاً لأجل التوازن:
ففى الأرض لايوجد توازن بين البشر. ففيها الغنى والفقير, السعيد والبائس, المنعّم والمعذب... فإن لم يكن هناك مساواة على الأرض. فمن اللائق أن يوجد توازن فى السماء. ومن لم ينل حقه على الأرض، يمكنه ان يناله بعد ذلك فى السماء. ويعوّضه الرب عما فاته فى هذه  الدنيا, إن كانت أعماله مرضية لله.
****
3- إن الله وعد الانسان بالحياة الأبدية. ووعده هو للإنسان كله, وليس للروح فقط التى هى جزء من الانسان...
فلو أن الروح فقط اُتيح لها الخلود والنعيم الأبدى, أذن لا يمكن أن نقول إن الانسان كله قد تنعم بالحياة الدائمة, بينما قد حُرم الجسد من ذالك! فبالضرورة إذن ينبغى أن يقوم الجسد من الموت, وتتحد به الروح. ويكون الجزاء الأبدى للإنسان كله.
****
4- والقيامة ضرورة. لأنه لولاها لكان مصير الجسد البشرى كمصير أجساد الحيوانات!
ماهى اذن الميزة التى لهذا الكائن البشرى العاقل الناطق, الذى وهبه الله موهبة التفكير والاختراع والعلم, والقدرة على صنع مركبات الفضاء التى توصله إلى القمر, وتدور به حول الأرض وترجعه اليها سالماً..! هذا الانسان الذى قام بمخترعات أخرى مذهلة كالكمبيوتر والفاكس وال Mobile Phone..   هل يُعقل أن هذا الانسان العجيب الذى سلّطة الله على نواح عديدة من الطبيعة, يؤول جسده إلى مصير كمصير بهيمة أوحشرة أو بعض الهوام؟!
ان العقل لايمكن أن يصدق هذا. اذن لابد من القيامة
****
5- إن قيامة الجسد تتمشى عقلياً مع كرامة الانسان الذى يتميز على جميع المخلوقات الأخرى ذوات الأجساد, والذى يستطيع بما وهبه الله أن يسيطر عليها جميعاً, وأن يقوم لها بواجب الرعاية والاهتمام اذا أراد, أو أن يقوم عليها بحق السيطرة والاستخدام... أليست كرامة جسد هذا المخلوق العاقل لابد أن تتميز عن مصير باقى أجساد الكائنات غير العاقلة وغير الناطقة التى هى تحت سلطانه..؟!
****
6- والقيامة أيضاً لازمة لتقدم لنا الحياة المثالية التى فقدناها هنا:
تقدم لنا صورة الحياة الجميلة الرائعة فى العالم الآخر, حيث لا حزن ولا بكاء, ولافساد ولاظلم, ولاعيب ولانقص. بل هى حياة النعيم الأبدى والانسان المثالى الذى بلا خطية.. بالاضافة الى العشرة الطيبة مع الله وملائكته وقديسيه...
ما أجمل هذه الحياة التى فى العالم الآخر, التى لم ترها عين, ولم تسمع بها اذن, ولم تخطر على قلب بشر.
القيامة هى عيد. فتهانئ للجميع بعيد القيامة.

..لا تيأس..قداسة البابا شنودة الثالث


 
http://img692.imageshack.us/img692/3166/aaaaaaaas.jpg

لا تيأس.....لقداسة البابا شنودة

" استطيع كل شىء فى المسيح الذى يقوينى "
لاتيأس مهما كانت حالتك الروحية ضعيفة ,
فلا تيأس ,لان اليأس حرب من حروب الشيطان, يريد بها ان يضعف معنوياتك . و يبطل جهادك , فتقع فى يديه .
و اذا كنت تيأس من نفسك .
فلا تيأس ابدا من نعمة الله . ان كان عملك لا يوصلك الى التوبة. فان عمل الله من اجلك. يمكن ان يوصلك.
و قد تيأس بسبب انك لا تستطيع ان تقف امام الله. الا اذا اصلحت حالك اولا.

http://www.artikels4u.com/wp-content/uploads/2009/05/depressed.jpg
الافضل ان تقول له :
لست استطيع ان اصلح نفسى و انما انت يارب تصلحنى.
+
لا تيأس ان كنت تشعر انك لا تحب الله و لا تقل :
ما الفائدة من كل اعمالى ان كنت لا احبه!
قل : ان كنت لا احب الله. فانه يحبنى .و بمحبته يمكنه ان يجعلنى ان احبه
+
ان كنت تستخدم الوسائط الروحية. و لا تشعر بصلة حقيقيه مع الله. فلا تيأس
اثبت فى القراءة الروحية حتى ان كانت بلا فهم .و اثبت فى الصلاة و ان كانت بلا حرارة. و فى الاعتراف و ان كان بلا انسحاق. ربما من اجل ثباتك تفتقدك النعمة. و تعطيك الفهم و الحرارة و الانسحاق.
+
مجرد ثباتك فى الوسائط الروحية. يجعل الله فى فكرك و لو بلا توبة . اما ان يئست و ابطلت هذه الوصايا فقد تنحدر الى اسفل و تنسى الله كلية.
حتى لو كنت فى حالة ضعيفة . لا تياس خير لك ان تبقى حيث انت من ان يدفعك الياس الى اسوا
+
بالصلاة تشعر انك لست وحدك انما انت محاط بمعونة الهية و قوات سمائية و قديسون يشفعون فيك .
لذلك تهدا نفسك و تطمئن.
+
لا بد ان تعلم انك فى يد الله وحده و لست فى ايدى الناس و لا فى ايدى التجارب و الاحداث و لا فى ايدى الشياطين.
+
الله ضابط للكل لا ينعس و لا ينام لا تظنه بعيدا فى مشاكلك انه يرقب كل شىء و يعمل لاجلك
.

قداسة البابا شنودة الثالث




قدوس‏ ‏الله ‏قدوس‏ ‏القوى ‏قدوس‏ ‏الحى بقلم‏ ‏قداسة ‏البابا‏ ‏شنودة


بقلم‏ ‏قداسة ‏البابا‏ ‏شنودة‏ ‏الثالث

صلاة‏ ‏الثلاثة‏ ‏تقديسات،‏هي‏ ‏لون‏ ‏من‏ ‏التسبيح،‏لأنها‏ ‏تأمل‏ ‏في‏ ‏صفات‏ ‏الله‏ ‏الجميلة‏: ‏تأمل‏ ‏في‏ ‏لاهوت‏ ‏الله،‏ وفي‏ ‏قداسته، ‏وفي‏ ‏قوته، ‏وفي‏ ‏حياته‏ ‏التي‏ ‏لا تموت‏ لأن‏ ‏الله ‏إذن‏ ‏هو‏ ‏قدوس ‏ولأنه‏ ‏قدوس‏ ‏فهو‏ ‏الله ‏
لأن‏ ‏الله‏ ‏هو‏ ‏وحده‏ ‏القدوس‏ (‏رؤ‏15:4) ‏لأنه‏ ‏ليس‏ ‏أحد‏ ‏صالحاً‏ ‏إلا‏ ‏واحد‏ ‏وهو‏ ‏الله‏ (‏مت‏ 19:17) ‏وقداسة‏ ‏الله‏ ‏لا‏ ‏تحد ‏كلما‏ ‏نتأملها، ‏نشعر‏ ‏بأي‏ ‏مقدار‏ ‏نحن‏ ‏خطاة،‏ فيستد‏ ‏كل‏ ‏فم‏ (‏رؤ‏3:19).‏ ونحن‏ ‏حينما‏ ‏نقول‏ ‏قدوس‏ ‏الله، ‏نحني‏ ‏هاماتنا‏ ‏أمامه، ‏فلماذا ؟ نحني‏ ‏رؤوسنا‏ ‏لسببين‏: ‏أولاً ‏إجلالاً ‏لعظمة‏ ‏الله‏ ‏وقداسته. ثانياً‏ ‏لأننا‏ ‏حينما‏ ‏نذكر‏ ‏قداسة‏ ‏الله، ‏إنما‏ ‏نذكر‏ ‏في‏ ‏نفس‏ ‏الوقت‏ ‏خطايانا‏ ‏وفقداننا‏ ‏لصورته‏ ‏الإلهية، ‏فننحني‏ ‏قائلين‏ ‏ها‏ ‏مطانية‏ ‏أمامك ‏ليس‏ ‏أحد‏ ‏بلا‏ ‏خطية، وإن‏ ‏كانت‏ ‏حياته‏ ‏يوماً‏ ‏واحداً‏ علي‏ ‏الأرض‏ ‏إننا‏ ‏في‏ ‏أشياء‏ ‏كثيرة‏ ‏نعثر‏ ‏جميعنا‏ (‏يع‏ 3: 2) وإن‏ ‏قلنا‏ ‏إننا‏ ‏لم‏ ‏نخطئ‏ ‏نضل‏ ‏أنفسنا‏ ‏وليس‏ ‏الحق‏ ‏فينا‏ (1‏يو‏ 1:8). ننحني‏ ‏أمام‏ ‏هذا‏ ‏القدوس، ‏الذي‏ ‏السموات‏ ‏والأرض‏ ‏مملوءتان‏ ‏من‏ ‏مجده‏ ‏وكرامته ‏ والذي‏‏ ‏علي‏ ‏الرغم‏ ‏من‏ ‏قداسته‏ ‏ومجده ‏يقبل‏ ‏أن‏ ‏يلتفت‏ ‏إلينا، ‏هذا‏ ‏الناظر‏ ‏إلي‏ ‏المتواضعات،‏ غير‏ ‏محتقر‏ ‏طبيعتنا‏ ‏الساقطة‏ ‏وهو‏ ‏في‏ ‏ملء‏ ‏قداسته، ‏ولا‏ ‏مزدرياً‏ ‏ضعفنا وهو‏ ‏في‏ ‏ملء‏ ‏قوته‏!! ‏بل‏ ‏علي‏ ‏العكس‏ ‏كبعد‏ ‏المشرق‏ ‏عن‏ ‏المغرب، ‏أبعد‏ ‏عنا‏ ‏معاصينا ‏(‏مز‏ 103:12).‏
قدوس‏ ‏الله‏:
إن‏ ‏كان‏ ‏هذا‏ ‏تأملنا‏ ‏في‏ ‏قداسته، ‏فكيف‏ ‏نتأمل‏ ‏كلمة‏ ‏الله؟ الله‏ ‏غير‏ ‏المدرك‏ ‏غير‏ ‏المفحوص ‏الذي‏ ‏هو‏ ‏فوق‏ ‏فهمنا، ‏وأعلي‏ ‏من‏ ‏مستوي‏ ‏عقولنا‏. ‏نؤمن‏ ‏به‏ ‏وبوجوده ‏ولكن‏ ‏لا‏ ‏تستطيع‏ ‏لغاتنا‏ ‏القاصرة‏ ‏أن‏ ‏تعبرعنه‏ ‏تعبيراً‏ ‏سليماً ‏فكل‏ ‏صفة‏ ‏من‏ ‏صفاته‏ ‏غير‏ ‏المتناهية‏ ‏تقف‏ ‏أمامها‏ ‏كلمات‏ ‏لا‏ ‏ينطق‏ ‏بها‏ (2‏كو‏ 2: 4) وكما‏ ‏قال‏ ‏أحد‏ ‏القديسين‏ "‏ما‏ ‏من‏ ‏مرة‏ ‏تكلمت‏ ‏اللغة‏ ‏عن‏ ‏اللاهوت، ‏إلا‏ ‏وقصرت‏ ‏في‏ ‏التعبير حقاً، ‏يدعي‏ ‏اسمه‏ ‏عجيباً‏ (‏أش‏ 9:6).‏ هذا‏ ‏ما‏ ‏قاله‏ ‏أشعياء‏ ‏النبي‏ ‏والله‏ ‏نفسه ‏حينما‏ ‏سأله‏ ‏منوح‏ ‏عن‏ ‏اسمه‏ ‏‏ ‏أجاب‏ ‏لماذا‏ ‏تسأل‏ ‏عن‏ ‏اسمي، ‏وهو‏ ‏عجيب ‏(‏قض‏13:18)‏ إنه‏ ‏الله‏ ‏غير‏ ‏المرئي‏ ‏الذي‏ ‏لم‏ ‏يره‏ ‏أحد‏ ‏قط‏ (‏يو‏ 1:18) الذي‏ ‏قال‏ ‏لنبيه‏ ‏العظيم‏ ‏موسي‏:‏ لا‏ ‏تقدر‏ ‏أن‏ ‏تري‏ ‏وجهي ‏لأن‏ ‏الإنسان‏ ‏لا‏ ‏يراني‏ ‏ويعيش‏ (‏خر‏ 33:20) نعم، ‏هو‏ ‏الله‏ ‏الذي‏ ‏معرفته‏ ‏فوق‏ ‏الاستقصاء ‏الذي‏ ‏قال‏ ‏له‏ ‏الابن‏ ‏الكلمة‏ ‏هذه‏ ‏هي‏ ‏الحياة‏ ‏الأبدية، ‏أن‏ ‏يعرفوك‏ ‏أنت‏ ‏الإله‏ ‏الحقيقي‏ ‏وحدك‏ (‏يو‏ 17:3) ‏وقال‏ ‏أيضاً‏ ‏عرفتهم‏ ‏اسمك‏ ‏وسأعرفهم،‏ليكون‏ ‏فيهم‏ ‏الحب‏ ‏الذي‏ ‏أحببتني‏ ‏به (‏يو‏ 17:26) إنه‏ ‏الله‏ ‏الكائن ‏الذي‏ ‏كان، ‏الدائم‏ ‏إلي‏ ‏الأبد‏ ، ‏الجالس‏ ‏علي‏ ‏كرسي‏ ‏مجده،‏المسجود‏ ‏له‏ ‏من‏ ‏جميع‏ ‏القوات‏ ‏السمائية
‏نذكر‏ ‏اسمه‏ ‏في‏ ‏تسبحة‏ ‏الثلاثة‏ ‏تقديسات، ‏فنحني‏ ‏رؤوسنا‏ ‏له‏ ‏خشوعا‏ ‏وإجلالاً أفواهنا‏ ‏تتقدس‏ ‏حينما‏ ‏نلفظ‏ ‏اسم‏ ‏الله‏ ‏القدوس ولذلك‏ ‏علينا‏ ‏أن‏ ‏نحتفظ‏ ‏بقدسية‏ ‏أفواهنا‏ ‏وشفاهنا‏ ‏وألسنتنا ‏وأن‏ ‏نذكر‏ ‏قول‏ ‏أشعياء‏ ‏النبي، ‏حينما‏ ‏سمع‏ ‏تسبحة‏ ‏الثلاثة‏ ‏تقديسات‏ ‏من‏ ‏أفواه‏ ‏السارافيم‏ ‏فقال‏ ‏ويل‏ ‏لي‏ ‏قد‏ ‏هلكت‏ ‏لأني‏ ‏إنسان‏ ‏نجس‏ ‏الشفتين‏ (‏أش‏ 6:5)
قدوس‏ ‏القوي‏:‏
الله‏ ‏قوي‏ ‏في‏ ‏قداسته، ‏وقدوس‏ ‏في‏ ‏قوته هو‏ ‏القدوس‏ ‏القوي، ‏لأنه‏ ‏لا‏ ‏يستخدم‏ ‏قوته‏ ‏إلا‏ ‏بكل‏ ‏قداسة ‏هناك‏ ‏أقوياء‏ ‏ليسوا‏ ‏قديسين، ‏كالذين‏ ‏يستخدمون‏ ‏قوتهم‏ ‏في‏ ‏الفتك‏ ‏بالضعفاء،‏ أو‏ ‏في‏ ‏الكبرياء‏ ‏والهزء‏ ‏بالآخرين‏ ‏مثل‏ ‏جليات‏ ‏الجبار‏ ( 1‏صم‏ 17) ‏أو‏ ‏الأقوياء‏ ‏الذين‏ ‏يستخدمون‏ ‏قوتهم‏ ‏في‏ ‏الإيقاع‏ ‏بالآخرين‏ ‏من‏ ‏إبليس‏ (1‏بط‏5:8).‏ هذا‏ ‏الإله‏ ‏القدوس‏ ‏القوي، ‏هو‏ ‏الذي‏ ‏استخدم‏ ‏قوته‏ ‏في‏ ‏الخلق،‏ فخلق‏ ‏الملائكة‏ ‏القديسين والسموات‏ ‏التي‏ ‏تحدث‏ ‏بمجد‏ ‏الله والفلك‏ ‏الذي‏ ‏يخبر‏ ‏بعمل‏ ‏يديه‏ (‏مز‏19:1) ‏وهو‏ ‏القوي‏ ‏الذي‏ ‏قهر‏ ‏الشيطان‏ ‏وجعله‏ ‏ساقطاً‏ ‏مثل‏ ‏البرق‏ ‏من‏ ‏السماء‏ (‏لو‏10:18) ‏هو‏ ‏القوي‏ ‏الذي‏ ‏انتصر‏ ‏عليه‏ ‏في‏ ‏التجربة‏ ‏علي‏ ‏الجبل. ‏وقال‏ ‏له‏ ‏اذهب‏ ‏ياشيطان‏ (‏مت‏ 4:10) ‏فذهب‏ ‏وجاءت‏ ‏ملائكة‏ ‏لتخدمه، هو‏ ‏القوي‏ ‏الذي‏ ‏عمل‏ ‏معجزات‏ ‏لم‏ ‏يعملها‏ ‏أحد‏ ‏من‏ ‏قبل‏ (‏يو‏ 15: 24) ‏وهو‏ ‏القدوس‏ ‏الذي‏ ‏طهر‏ ‏الهيكل، ‏وقال‏ ‏مكتوب‏‏ بيتي‏ ‏بيت‏ ‏الصلاة‏ ‏يدعي وأنتم‏ ‏جعلتموه‏ ‏مغارة‏ ‏لصوص‏ (‏مت‏ 21:13،12) ‏هو‏ ‏القوي‏ ‏الذي‏ ‏وهو‏ ‏علي‏ ‏الصليب‏ ‏حطم‏ ‏كل‏ ‏تعب‏ ‏الشيطان‏ ‏الذي‏ ‏تعبه‏ ‏منذ‏ ‏بدء‏ ‏الخليقة هوالقوي‏ ‏المعطي‏ ‏نعمة‏ ‏لتلاميذه‏ ‏والمؤمنين‏ ‏فيستطيعون‏ ‏أن‏ ‏يصنعوا‏ ‏القوات‏ ‏والعجائب، ‏وتخضع‏ ‏لهم‏ ‏الشياطين‏ ‏باسمه‏ (‏لو‏ 10:17) (‏مر‏ 16:17). ونحن‏ ‏نفرح‏ ‏باستمرار‏ ‏أننا‏ ‏في‏ ‏حمي‏ ‏الله‏ ‏القدوس‏ ‏القوي الذي‏ ‏به‏ ‏وبقوته، ‏يستطيع‏ ‏كل‏ ‏منا‏ ‏أن‏ ‏يقول‏ ‏مع‏ ‏القديس‏ ‏بولس‏ ‏الرسول‏: ‏أستطيع‏ ‏كل‏ ‏شئ‏ ‏في‏ ‏المسيح‏ ‏الذي‏ ‏يقويني‏ (‏في‏4: 13) ‏معتمداً ‏علي‏ ‏قول‏ ‏هذا‏ ‏القدوس‏ ‏القوي‏ ‏كل‏ ‏شئ‏ ‏مستطاع‏ ‏للمؤمن‏ (‏مر‏ 9:23) ‏وهكذا‏ ‏يغني‏ ‏مع‏ ‏أيوب‏ ‏الصديق‏ ‏قائلاً ‏للرب‏ ‏عرفت‏ ‏أنك‏ ‏تستطيع‏ ‏كل‏ ‏شئ‏ ‏ولا‏ ‏يعسر‏ ‏عليك‏ ‏أمر‏ (‏أي‏ 42:2).‏ هو‏ ‏قدوس‏ ‏وقوي‏ ‏في‏ ‏أزليته، ‏وفي‏ ‏تجسده‏ ‏أيضاً‏:‏ قدوس‏ ‏في‏ ‏تجسده، ‏إذ‏ ‏ولد‏ ‏بدون‏ ‏زرع‏ ‏بشر، ‏وبدون‏ ‏الخطية‏ ‏الأصلية ‏وقال‏ ‏جبرائيل‏ ‏الملاك‏ ‏في‏ ‏تبشيره‏ ‏لأمه‏ ‏العذراء‏ ‏مريم‏ ‏القدوس‏ ‏المولود‏ ‏منك‏ ‏يدعي‏ ‏ابن‏ ‏الله ‏(‏لو‏1:35).‏ وكان‏ ‏قوياً‏ ‏قي‏ ‏قيامته، ‏إذ‏ ‏خرج‏ ‏من‏ ‏القبر‏ ‏وهو‏ ‏مغلق‏ ‏وعلي‏ ‏بابه‏ ‏حجر‏ ‏عظيم ‏كما‏ ‏كان‏ ‏قوياً‏ ‏أيضا‏ ‏بعد‏ ‏قيامته،‏ إذ‏ ‏دخل‏ ‏العلية‏ ‏علي‏ ‏التلاميذ‏ ‏والأبواب‏ ‏مغلقة‏ (‏يو‏ 20:19).‏ وبهذا‏ ‏تغني‏ ‏القديس‏ ‏بولس‏ ‏الرسول‏ ‏قائلاً‏ ‏لأعرفه‏ ‏وقوة‏ ‏قيامته‏ ‏وشركة‏ ‏آلامه ‏( ‏في‏ 3:10).‏ ونحن‏ ‏نؤمن‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏القوي‏ ‏في‏ ‏قيامته ‏سيقيمنا‏ ‏نحن‏ ‏أيضاً ‏سيغير‏ ‏شكل‏ ‏جسد‏ ‏تواضعنا،‏ليكون‏ ‏علي‏ ‏صورة‏ ‏جسد‏ ‏مجده‏ ‏بحسب‏ ‏عمل‏ ‏استطاعته‏ ‏أن‏ ‏يخضع‏ ‏لنفسه‏ ‏كل‏ ‏شئ‏ (‏في‏ 3:21).‏ إنه‏ ‏قدوس‏ ‏الله‏ ‏وقدوس‏ ‏القوي‏ ‏وأيضاً‏
‏قدوس‏ ‏الحي الذى ‏لا‏ ‏يموت
إن‏ ‏كان‏ ‏قد‏ ‏مات‏ ‏بالجسد ‏فهو‏ ‏بلاهوته‏ ‏حي‏ ‏لا‏ ‏يموت وإن‏ ‏كانت‏ ‏روحه‏ ‏بالموت‏ ‏قد‏ ‏فارقت‏ ‏جسده، ‏فإنه‏ ‏بروحه‏ ‏المتحده‏ ‏بلاهوته‏ ‏قد‏ ‏نزل‏ ‏إلي‏ ‏أقسام‏ ‏الأرض‏ ‏السفلي‏ ‏وسبي‏ ‏سبياً‏ (‏أف4: 8، 9) ‏وأخذ‏ ‏أنفس‏ ‏قديسي‏ ‏العهد‏ ‏القديم‏ ‏الراقدين‏ ‏علي‏ ‏رجاء‏ ‏القيامة ‏وفتح‏ ‏باب‏ ‏الفردوس‏ ‏وأدخلهم‏ ‏هناك ‏ثم‏ ‏أدخل‏ ‏معهم‏ ‏اللص‏ ‏اليمين وفي‏ ‏اليوم‏ ‏الثالث‏ ‏قام‏ ‏من‏ ‏الأموات‏ ‏وظهر‏ ‏لتلاميذه‏ ‏وأراهم‏ ‏نفسه‏ ‏حياً‏ ‏ببراهين‏ ‏كثيرة‏ (‏أع‏ 1:3). ‏وظل‏ ‏يظهر‏ ‏لهم‏ ‏أربعين‏ ‏يوماً هذا‏ ‏الحي‏ ‏الذي‏ ‏لايموت‏ ‏ظهر‏ ‏للقديس‏ ‏يوحنا‏ ‏الرائي‏ ‏في‏ ‏صورة‏ ‏مهيبة‏ ‏جداً ‏وقال‏ ‏له‏ ‏لا‏ ‏تخف ‏أنا‏ ‏هو‏ ‏الأول‏ ‏والآخر ‏والحي‏ ‏وكنت‏ ‏ميتاً‏ ‏وها‏ ‏أنا‏ ‏حي‏ ‏إلي‏ ‏أبد‏ ‏الآبدين‏ ‏آمين ولي‏ ‏مفاتيح‏ ‏الهاوية‏ ‏والموت‏ (‏رؤ‏ 1: 18،17).‏ هذا‏ ‏الحي‏ ‏يحلف‏ ‏به‏ ‏البعض‏ ‏أحياناً ‏ويقولون‏ ‏والمسيح‏ ‏الحي ويقول‏ ‏الإنجيل‏ ‏فيه‏ ‏كانت‏ ‏الحياة ‏والحياة‏ ‏كانت‏ ‏نور‏ ‏الناس‏ ( ‏يو1: 4) ‏وهو‏ ‏أيضاً‏ ‏يقول‏ ‏عن‏ ‏نفسه‏ ‏أنا‏ ‏هو‏ ‏القيامة‏ ‏والحياة‏ ‏من‏ ‏آمن‏ ‏بي ‏ولو‏ ‏مات ‏فسيحيا‏ (‏يو‏11:25) ‏إنه‏ ‏القدوس‏ الإله ‏القوي ‏الحي ‏نناديه‏ ‏ونقول‏ ‏ارحمنا ‏في‏ ‏الثلاثة‏ ‏تقديسات‏ ‏بعد‏ ‏عبارة‏ ‏قدوس‏ ‏الله ‏قدوس‏ ‏القوي ‏قدوس‏ ‏الحي‏ ‏الذي‏ ‏لا‏ ‏يموت ‏نقول‏ ‏له‏ ‏يا‏ ‏من‏ ‏ولد‏ ‏من‏ ‏العذراء‏ ‏ارحمنا ‏يا‏ ‏من‏ ‏صلب‏ ‏عنا ‏ارحمنا‏ ‏يا‏ ‏من‏ ‏قام‏ ‏من‏ ‏الأموات ‏ارحمنا ‏أنت‏ ‏وحدك‏ ‏القدوس‏ ‏ولكننا‏ ‏نحن‏ ‏خطاة ‏فارحمنا وعبارة‏ (‏ارحمنا‏) ‏من‏ ‏أكثر‏ ‏العبارات‏ ‏تكراراً‏ ‏في‏ ‏صلواتنا‏ فنحن‏ ‏نكررها‏ ‏مراراً‏ ‏في‏ ‏صلاة‏ ‏الثلاثة‏ ‏تقديسات ‏ونكرر‏ ‏عبارة‏ ‏أيها‏ ‏الثالوث‏ ‏القدوس ‏ارحمنا‏ ‏ثلاث‏ ‏مرات ‏ونقول‏ ‏كيرياليصون‏ ( ‏يارب‏ ‏ارحم‏) 41‏مرة ‏ونختم‏ ‏كل‏ ‏ساعة‏ ‏من‏ ‏صلوات‏ ‏الأجبية‏ ‏بالطلبة‏ ‏التي‏ ‏نقول‏ ‏فيها‏ ‏ارحمنا‏ ‏يا‏ ‏الله‏ ‏ثم‏ ‏ارحمنا ‏بل‏ ‏في‏ ‏مقدمة‏ ‏كل‏ ‏صلاة‏ ‏نرتل‏ ‏المزمور‏ ‏الخمسين‏ ‏الذي‏ ‏أوله‏ ‏ارحمني‏ ‏يا‏ ‏الله‏ ‏كعظيم‏ ‏رحمتك‏ وفي‏ ‏رفع‏ ‏بخور‏ ‏العشية ‏وفي‏ ‏مناسبات‏ ‏عديدة‏ ‏نقول‏ ‏نحن‏ ‏أفنوتي‏ ‏ناي‏ ‏نان‏ ‏أي‏ ‏يا‏ ‏الله‏ ‏ارحمنا‏ ‏وأحياناً‏ ‏نقول‏ ‏في‏ ‏القداس‏ ‏لحن‏ ‏جي‏ ‏ناي‏ ‏نان‏ ‏أي‏ ‏ارحمنا ‏وما‏ ‏أكثر‏ ‏ما‏ ‏نردد‏ ‏هذه‏ ‏العبارة حينما‏ ‏نذكر‏ ‏قداسة‏ ‏الله‏ ‏في‏ ‏لحن‏ ‏أجيوس‏ ‏نتذكر خطايانا‏ ‏فنقول‏ (‏ارحمنا‏). ارحمنا‏ ‏يا‏ ‏رب‏ ‏في‏ ‏ضيقاتنا‏ ‏وتجاربنا ‏ارحمنا‏ ‏واغفر‏ ‏لنا كرحمتك‏ ‏يا‏ ‏رب‏ ‏ولا‏ ‏كخطايانا وفي‏ ‏تسبحة‏ ‏الثلاثة‏ ‏تقديسات‏ ‏نقول‏:‏يا‏ ‏رب‏ اغفر‏ ‏لنا‏ ‏خطايانا يارب‏ ‏اغفر‏ ‏لنا‏ ‏آثامنا يارب ‏اغفر‏ ‏لنا‏ ‏زلاتنا

------------ --------- --

تخلى النعمة
حياة الإنسان الروحية، تتوقف فى نجاحها أو فشلها، على مدى عمل النعمة فيه، ومدى استجابته أو رفضه لعمل النعمة
والنعمة تساعد الإنسان باستمرار، تسنده لكى يسير فى الطريق الروحى، وتنبهه وتقيمه إذا سقط
ولكن النعمة الإلهية لا ترغم الإنسان على فعل الخير ...
فما تزال حريته مكفولة وإرادته قائمة، يشترك مع النعمة فى العمل، أو لا يشترك، أو يقاوم عمل النعمة فيه مقاومة تؤدى إلى سقوطه، أو استمراره فى السقوط
إذن فى بعض الأحيان يتخلى الإنسان عن مشاركة النعمة وفى أحيان تتخلى النعمة عنه لكنه لون من التخلى الجزئى فالتخلى الكلى يؤدى حتماً إلى هلاك الإنسان
فما هى أسباب هذا التخلى ؟ وما حكمته ؟
قد يكون سبب التخلى، هو اهمال المؤمن وصده المستمر لعمل النعمة، فتتخلى عنه لكى يشعر باحتياجه
وهذا التخلى يقوده إلى عمق أكبر فى صلاته وفى صومه، وفى توبته وإلتصاقه بالله
وقد يكون التخلى بسبب الكبرياء، أو تعاليه على الساقطين
فتتركه النعمة قليلاً فيسقط، ويشعر بضعفه فلا يعود يتكبر، ويشعر بثقل الحرب على الساقطين، فيشفق عليهم، ولا يدينهم سواء فى السر أو العلن
وقد تتخلى عنه النعمة قليلاً، ليختبر الحروب الروحية
ويدرك مدى عمقها، واحتياج المؤمن فيها إلى معونة إلهية، لأنه لا يمكن أن ينتصر بذراعه البشرية بدون نعمة
وقد تتخلى عنه النعمة ليتعود الحرص والتدقيق، أو ليتعود الصبر وانتصار الرب
والرب فى كل ذلك يقول للنفس البشرية (لحيظة تركتك وبمراحم عظيمة سأجمعك) (إش 54 : 7)



تدريبات على الهدوء لقداسة البابا شنودة الثالث


إذا أردت ان تدرب نفسك علي الهدوء ـ وبخاصة هدوء القلب وهدوء الأعصاب وهدوء الحياة ـ فعليك بالنصائح الآتية:



1ـ لاتسمح لأي شيء أن يثيرك، بل تقبل كافة الأمور بنفس هادئة، لا تنفعل كثيرا بالاسباب الخارجية مهما كانت تبدو متعبة، ولا تقلق وتضطرب، وان انفعلت، حاول ان تضع حدوداً لانفعالك، وان تهدئ نفسك، ولاتتصور أو تتخيل نتائج خطيرة سوف تحدث، فهذا التخيل سوف يزعجك، وقل لنفسك: ان كل مشكلة لها حل أو بضعة حلول. فكر اذن في الحلول، حينئذ يدخل الهدوء الي قلبك.



وان عجزت عن ايجاد
حل، استشر غيرك، وان عجز الغير ايضا فاعط المشاكل مدي زمنيا تحل فيه، واطلب معونة الله وتدخله وستره.



2ـ كن دائما قوي القلب قوي الايمان، واسع الصدر في مقابلة المتاعب، بحيث لا تتضايق بسرعة، واعلم ان الضيقة قد سميت هكذا، لان القلب قد ضاق عن ان يتسع لها، اما القلب الواسع فانه لايتضيق بشيء و ان قطعة من الطين اذا القيت في كوب من الماء فانها تعكره، اما اذا ما القيت في المحيط فانها لاتعكره، بل يفرشها في أعماقه ويقدم لك ماء رائعا..



3ـ مما يفيدك في حياتك، ان تكون لك روح المرح والبشاشة.



فإنها تجلب للانسان هدوءا في النفس،
واسترخاء في الاعصاب، وتبعد عنه الكآبة والاضطراب، ومهما كان الجو مكهربا وصاخبا، فإن الانسان المرح، يستطيع بفكاهة لطيفة ان يزيل جو التوتر..



وعموما فإن المتصفين بالمرح، تكون أعصابهم هادئة، بل انهم بالأكثر يمكنهم ان يهدئوا غيرهم أيضا. كما ان الوجوه البشوشة تشيع الهدوء في الاخرين. لهذا درب نفسك علي البشاشة والمرح، وتقبل كثيرا من الأمور بهذه الروح.



4ـ كذلك ان أردت ان تكتسب الهدوء، يمكنك ذلك بمعاشرة الاشخاص الهادئين، بعكس الذي يختلط دائما بالمضطربين والثائرين، فانهم ينقلون اليه عدوي مشاعرهم، فالخائفون ينقلون اليه
خوفهم، والمتشائمون ينقلون اليه تشاؤمهم، وكذلك فالذين يحاربهم الشك والضيق ينقلون الي غيرهم الشكوك والضيقات، أما معاشرة الهادئين فانها تمنح الثقة والطمأنينة والسلام.



إن معاشرة الهادئين هي من أفضل أنواع المهدئات.



5ـ كذلك درب نفسك علي عدم الاندفاع وعدم التسرع، واعرف ان قلة الصبر تدل علي عدم هدوء الانسان في الداخل، فالانسان الهادئ يكون دائما طويل البال، فان اضطرب يفقد القدرة علي الصبر، ولايستطيع ان ينتظر حتي تحل الأمور، إنما يريد ان يعمل الان أي عمل أو يتكلم أي كلام أو يتخذ أي قرار!! وفي ذلك ما يضره.



6ـ مادمت
لم تصل بعد الي فضيلة الهدوء، ابعد اذن بقدر امكانك عن أسباب الاثارة وكل مصادرها، ابحث ما هي الأسباب التي تجعلك تفقد هدوءك، سواء كانت منك أو من الخارج، وتحاشي هذه الاسباب وبخاصة في المعاملات، وكما قال أحد الحكماء لا تأخذ وتعطي مع انسان يقاتلك به العدو وابعد عن المناقشات الحادة، ولا تستصحب غضوبا، وابعد ايضا عن القراءات التي تفقدك الهدوء، وعن سماع الأخبار التي تزعجك.



7ـ وفي معاملاتك مع الاخرين لاتفترض المثالية في جميع الناس، فان قوبلت بتصرف خاطئ من البعض لاتتضايق. فالناس هكذا فيهم الطيب والردئ، ولا تتوقع انك ستتعامل مع
ملائكة أو قديسين، إنما مع بشر عاديين، لا نسمح لأخطائهم من نحونا ان تقلقنا..!



8ـ ابعد عن استخدام العنف بكل أنواعه، ولا تواجه العنف بالعنف، فليس هذا هو اسلوب الروحيين، فالانسان الروحي لايغلبنه الشر، بل يغلب الشر بالخير. وإذا تملكتك الحيرة في التصرف، فشاور أحد الحكماء واعمل بمشورته، فإنك بهذا تضيف الي فكرك فكرا أكثر خبرة، وتتعلم الحياة عمليا..



9ـ لا تلجأ الي العقاقير لكي تحصل علي الهدوء، وأعلم ان استخدام المسكنات والمهدئات والمنومات لها ردود فعلها واحذر من ان تتعودها.



انها كلها تتيهك عن نفسك، دون ان تحل
مشاكلك أو تزيل متاعبك.



إنما اعمل علي حل إشكالاتك داخل نفسك، وبحلول عملية وطرق روحية.



10ـ كذلك لا تلتمس الهدوء بالانطواء والهرب، ولا تظن انك في انطوائك علي نفسك قد صرت هادئا! كلا، فهذا مرض اخر وليس هدوءا، فان كانت لك مشكلة في بيتك، لا تظن ان حل المشكلة هو في هروبك الي النادي أو المقهي أو احدي السهرات، بينما تظل المشكلة قائمة كما هي، لاتصلح الا بمواجهتها، ومعرفة أسبابها وحلها عمليا.



11ـ تعود الهدوء في دخولك وخروجك، وفي طريقة كلامك بحيث تكون الفاظك هادئة ليست فيها كلمة عنيفة أو جارحة، وقبل ان تلفظ كلمة فكر في
نتائجها وفي تأثيرها علي غيرك.



وإذا كتبت خطابا غير هاديء، فلا ترسله بسرعة، بل اتركه يوما أو يومين، وأعد قراءته، وغير ما يلزم تغييره فيه، وكل فكر يلح عليك، لاتسرع في تنفيذه ولا تطاوعه، بل انتظـر حتي تفحصه في هدوء..



12ـ اخيرا، انصحك بأن تعطي جسدك ما يحتاجه من الراحة ولا ترهقه، فإن الانسان في حالة الارهاق، تكون أعصابه عرضة لعدم الاحتمال، وربما يفقد هدوءه ويتصرف بغضب أو عصبية لأتفه الأسباب مما يندم عليه فيما بعد. لذلك لاتدخل في مناقشة حادة وانت مرهق، ولا تأخذ قرارا مصيريا وانت مرهق.







من روائع قداسة البابا شنودة الثالث فى كتابة ثلاث قصص هادفة

اندهش ابونا انسطاسى جداً عندما استيقظ فأحس كأن لفافة فوق وجهه فرفع يده ليبعدها عنه فسقط شئ من يده فتحسسه فإذا هو صليب

كان الظلام يسود المكان وتعجب ابونا انسطاسى من هذا جداً
لأنه تذكر ان نافذة قلايته كانت مفتوحة عندما رقد لينام وأن نور القمر كان يتخلل المكان ويضيئ الغرفة
ثم ما هذه الرائحة العجيبة التى يشمها حاول ان يعرف سرها فلم يستطع
رائحة تشبه رائحة الموتى

وكان بعض الوقت قد مر عليه وقد ألفت عيناه الظلام فدقق النظر جيداً لعله يبصر
وهنا وقف شعر راسه فى خوف وفزع واضطرب جسده كله فوضع كفيه على عينيه لعله يزيل المنظر من امامه ولكنه لما رفع يديه وجد المنظر كما هو
اكوام من العظم فى بعض الاركان واجساد مسجاه حواليه على الارض وكل جسد منها يرتدى تونية بيضاء وعلى وجهه لفافة وفى يده صليب

ولا شك انه طافوس الدير
وهنا تملكه خاطر عجيب حاول ان يبعده عن نفسه فلم يستطع
وبحركة لاشعورية نظر الى ذاته فوجد انه ايضاً يلبس تونية بيضاء وكان ما استطاع ان يراه من شعر لحيته ابيض كله ولم تكن فيها من قبل سوى ثلاث او اربع شعرات بيضاء
ادرك الحقيقة المذهلة انه فى طافوس الدير

فما الذى حدث له


هل مات حقاً وأقامه الله من الاموات
أم وقع رهبان الدير فى خطأ وظنوه ميتاً فدفنوه
أم هناك تعليل ثالث

إنه لايعرف ومع ذلك فهناك حقيقة خطيرة واضحة امامه وهى انه على الاقل ميت فى نظر الناس
وعرف ايضاً حقيقة اخرى وهى انه لايستطيع ان يخرج عن هذا الوضع إذ كيف يمكن للناس ان يروا امامهم ميتاً قد دفنوه بأنفسهم !!
أعصابهم لاتحتمل وعقولهم ايضاً لاتحتمل

إذ عليه ان يقضى بقية حياته كميت داخل الطافوس
كانت هذه تجربة جديدة عليه فى الحياة كيف يمكن ان يحيا هكذا


فى اول يوم تعب تعب شديداً كانت الرائحة كريهة ومنتنة ولا يستطيع ان يتحملها ولكنه قال فى نفسه
المفروض اننى تركت تنعمات العالم وعلى ان احيا هكذا

وتذكر قصة الانبا ارثانيوس عندما كان يترك الماء الذى يبل فيه الخوص دون تغيير حتى ينتن ويقول ان تلك النتونة عوض عن الروائح الطيبة التى كان يتمتع بها فى القصر الامبراطورى

ومالبث ابونا انسطاسى ان تعود هذا الموضع ان يحيا وسط العظام وان يحتمل تلك الرائحة ويألفها

بقيت امامه مشكلة الطعام كيف يأكل

لم يكن لديه فى الطافوس اى نوع من الطعام وما كان ممكناً ان يجلب اطعمة من الدير ويحفظها
انما كان يخرج كل ليلة فى الظلام حوالى منتصف الليل ويأكل بعضاً من الثمار او الخضروات الموجودة فى حديقة الدير او بقية اكل فى اناء نسى الطباخ ان يغسله
او مجرد خبزة وقليلاً من الملح وذلك يكفى
ثم يقضى اليوم كله صائماً حتى يحين نصف الليل مرة اخرى وهكذا
وقضى سنوات طويلة لم تبصره فيها الشمس آكلاً
وفى الواقع لم تبصره الشمس على الاطلاق
وطبعاً لم تكن لديه فى الطافوس اية ادوات او اوان وهنا تذكر ابونا انسطاسى كيف كان يحتفظ فى قلايته بعشرات المعدات فى المطبخ وبألوان من الاطعمة والاوانى
اما الآن فليس لديه شئ منها وهو يعيش من غيرها جميعاً
كما كان يعيش القديس الانبا بيجيمى السائح بدون ادوات على الاطلاق فى مغارته
وهنا شعر ابونا انسطاسى بخجل من حياته الماضية

بدأ ضميره يوبخه كيف كان وهو راهب يحتفظ بأشياء كثيرة
كانت تبدو ضرورية امامه فى ذلك الحين وقد ثبت الآن عملياً انه استطاع ان يعيش من غيرها
وهنا تذكر عشرات الادوات الاخرى التى كان يستخدمها فى قلايته فى ذلك الزمان :
من ادوات مكتب واثاثات وصور وملابس واغطية ونثريات عديدة لا تدخل تحت حصر
وانتبه ضميره كثيراً على ذلك كله

مامعنى الفقر الذى كان قد نذره يوم رسامته

اين فضيلة التجرد
وهنا بحث مع نفسه مشكلة الضروريات والكماليات انها ولاشك مسأله نسبية تتوقف على مدى تجرد الشخص وتقييمه للأحتياجات
اما الآن فقد استطاع ابونا انسطاسى ان يحيا فى الدير وهو لايملك شيئاً على الاطلاق فى حياة تجرد كامل

حتى القلاية المسكن الخاص !! انه يحيا الان فى الطافوس ولا يستطيع ان يعتبره قلايته الخاصة انه غريب ايضاً حتى فى هذا المكان
فى حياته الاولى كانت له قلاية ومحبسة ولا يستطيع احد ان يدخلها دون اذنه
يغلقها ويفتحها كما يشاء بمفتاح يحتفظ به معه اما الآن فأنه لايملك التصرف فى المكان الذى يعيش فيه

لو ادخلوا عليه شخصاً جديداً لايمكنه ان يحتج ولا ان يفتح فمه بل بمجرد ان يسمع دقات حزينة من جرس الدير

يسرع الى وضعه كميت ويرقد نفس الرقدة ويغطى وجهه بلفافة حتى ان فتحوا الطافوس لدفن الميت الجديد يجدون كل شئ كما تركوه

حتى الكتب لم يكن يملك منها ابونا انسطاسى شيئاً
إذا كيف كان يقضى وقته


هنا أحس خطأه القديم

فى ذلك الزمان كان هدفه ان يملأ عقله بالمعلومات
يقرأ عشرات الكتب ويصبح دائرة معارف ولكنه لايجد وقتاً فيه يتأمل ماقرأه
أما الآن فإذ لاتوجد لديه كتب بدأ يجتر المعلومات المخزونة فى ذاكرته ويتأمل

أحياناً كان يستغرق فى آيه واحدة بضعة ايام يغوص فى اعماقها ويكشف له الروح اسراراً عجيبة

حتى كان يصرخ فى فرح مع داود
(لكل كمال رأيت مُنتهى أما وصاياك فواسعة جداً)
عرف انه كان يعيش قديماً على القشور وقشور المعرفة السطحية وعندما كانت تضغطه الرغبة فى القراءة كان يذهب فى الظلام الى الكنيسة ويقرأ قليلاً فى هدوء ويرجع

وعاش ابونا انسطاسى حياة عزلة كاملة وصمت
لم يكن يزور احد طبعاً ولم يكن احد يزوره وطبعاً عاش فى صمت كامل لايتحدث الى احد
فى احدى المرات كان بعض الرهبان يتكلمون خارج الطافوس
وكان يسمع اصواتهم ولا يعلق بشئ هل المعلومات التى يقولونها صحيحة ام خاطئة

هل هى كاملة ام ناقصة
ليس له ان يتدخل ما شأنه

انه ميت ... وفى مرة اخرى سمع رهباناً خارج الطافوس يتحدثون فى اخبار الآباء الاولين ثم ورد اسمه على السنتهم وذكره البعض بالخير وانتقده آخرون اما هو فصامت لا يشكر المادح ولا يجادل المنتقد انه ميت


وفى ذات مرة مرض ابونا انسطاسى وطبعاً لم يزره طبيب ولم يأخذ دواء ولا أى نوع من العلاج
ولا تغذية ولا تقوية احتمل فى هدوء وفى صمت حتى كلمة العزاء لم تصل اليه
وإذ لم يفتقده احد بل كان أحياناً لايستطيع حتى مجرد التأوه عندما يحس ان احداً خارج الطافوس وظل هكذا حتى شفى

وفى احدى المرات وهو يمشى ليلاً رآه رهبان فصاح احدهما وهرب
أما الآخر فظنه احد السواح او احد القديسين القدامى فتقدم اليه وركع وطلب ان يباركه فلم يجادل وانما اطاع وضع يده هليه وباركه ومضى مسرعاً نحو الطافوس

وأشيع فى الدير ان قديساً ظهر لأحد الرهبان واعتكف ابونا انسطاسى جملة أيام لا يخرج اطلاقاً لم يأكل فيها ولم يشرب

عاش ابونا انسطاسى بعيداً بالكلية عن العالم واهله

كان فى ذلك الزمان يكتب رسائل لكثيرين وتصله الرسائل منهم اما الآن فإنه ميت
وهكذا
بعد عن الخطابات وأيضاً عن المجلات والجرائد وعن الاخبار عموماً لا تصله اخبار العالم ولا اخبار الكنيسة ولا حتى اخبار الدير

وبمرور الوقت بدأ ينسى الاخبار القديمة ايضاً كان قديماً يشعر ان الدير محتاج اليه وانه عمود من اعمدة الدير

شخص مهم يقوم بمسئوليات عديدة اما الآن عرف ان الدير مازال ديراً بدونه
وكذلك الكنيسة تخلو فيها احياناً بعض المناصب والمسئوليات
فلا يرشحه احداً لشىء منها انه ميت وهو ايضاً لايفكر فى هذه الامور ولا يعلم بها

وإذ لم يكن له مايشغله سوى الله عاش حياة الصلاة الدائمة فى ذلك الزمان
قبل موته كان يقضى ليالى كثيرة فى القراءة والكتابة وفى الترجمة وفى التأليف وفى النساخة وفى امور خارجة عن نفسه

اما الآن فإنه لايستطيع ان يقرأ او يكتب بالليل إذ لاتوجد كتب ولا إضاءة
فاصبح يقضى الليل كله فى الصلاة وتذكر قول مار اسحق الليل مفروز لعمل الصلاة

وكان يعمل فيه ايضاً اعماله الضرورية فى الدير

ونما فى الصلاة كثيراً حتى تحولت حياته الى صلاة لم يعد فى عقله الا الله وبمرور الوقت نُسيت التذكارات القديمة إذ ليس شئ جديد عالمى يُضاف اليه وذكرياته واهتاماته وهكذا ذالت الطياشة من صلاته

وبدأ يصل الى نقاوة القلب ونقاوة الفكر والى الانحلال من الكل والارتباط بالواحد

تنقى من الافكار الخاطئة ولكن فكراً واحداً ظل يحاربه
قال لنفسه : هأنذا قد عرفت الرهبنة الحقيقية ومارست الموت الكلى عن العالم والاتصال الكامل بالله فماذا يمنع ان اظهر للدير واحيا هكذا


شجعه على هذا الفكر طول المدة التى قضاها فى الطافوس
بحيث نسيه الناس كثير من زملائه القدامى رآهم يدفنون معه فى الطافوس وغالبية رهبان الدير الآن من الجدد الذين لم يعاشروه

والباقون من زملائه قليلون ولا يتوقعون رؤيته وإن رأوه لا يتعرفون عليه فقد تغيرت هيئته من فعل الشيخوخة ومن النسك

وحاول ابونا انسطاسى ان يطرد هذا الفكر ويقول لنفسه وما جدوى ان يرانى الناس لقد كنت اشتهى فى ذلك الزمان انا احيا وحيداً وبعيداً عن الناس متفرغاً لله وحده وها انا قد فعلت ما اريد
فلماذا افكر فى تغيير حالتى

ثم تعود الافكار تحاربه قائلة :
انك فعلت هذا مضطراً وما اجمل ان تفعله بإرادتك ومرت عليه فترة طويلة فى مقاتلة الافكار
وأخيراً جاءت ليلة خطيرة جداً فى حياته

وفى تلك الليلة اشتدت عليه الافكار جداً فركع ابونا انسطاسى

وسكب نفسة امام الله فى حرارة شديدة وقال :
مبارك انت يارب فى جميع احساناتك الىّ
انت يارب شفوق وحنون علىّ جداً وقد عاملتنى بما لا استحق ووهبتنى هذه الحياة المنعزلة
حللتنى من الكل وربطتنى بك
غير انى اشعر اننى عشت فى هذا الطقس مضطراً أريد انا احيا فيه بإرادتى من اجل حبك
إنها فكرة أو انها شهوة قد تكون جيدة وقد تكون رديئة ... ولكننى على اية الحالات
اعرضها عليك لاننى لا أستطيع ان اخفى عنك شئ ولتكن إرادتك

واحنى ابونا انسطاسى رأسه وبكى ولم يسمع احد صوته
ولكن السماء سمعت فتقدم واحد من الاربعة والعشرين قسيساً الجلوس حول عرش الله وأخذ هذه الصلاة فى مجمرته الذهبية
وصعد بها الى فوق ونام ابونا انسطاسى والدمع يبلل لحيته البيضاء

إنه لايدرى كم مر عليه من الوقت وهو نائم أهى ساعة أم دهر

كل مايدريه أن جرساً دق دقات عنيفة وفتح ابونا انسطاسى عينيه واندهش جداً وقال فى نفسه
ماهذا الذى أراه
ودارت رأسه فنام ثم استيقظ على صوت جرس آخر لعله جرس باكر ففتح عينيه
وإذ هو امام المنظر الأول فاندهش وزاد تعجبه :
وجد امامه نافذة مفتوحة ونور القمر يدخل المكان ويضيئه كله
ونظر الى ذاته فوجد انه يلبس رداءً أسود وتأمل المنظر حوله فوجده يشبه تلك القلاية التى كان يعيش فيها فى ذلك الزمان فوضع يديه على رأسه وأخذ يفكر
وأخيراً عرف السر

هل كان ماحدث له حلماً ام رؤيا أم درساً فى الرهبنة
ليس يدرى ولكنه ادرك الهدف منه

ومنذ ذلك الحين تغيرت حياته كلية

بدأ حياة الوحدة والنسك التى تعودها خلال (عشرات السنوات)
وأخذ يمارس الصلاة الدائمة كما كان يمارسها فى الطافوس

وعندما كانت الضرورة تدعوه للخروج من قلايته لعمل خاص بالمجمع
كان يسير فى هدوء ولا يلتفت يمنة ولا يسرة
وكان الرهبان يميزونه بصمته وبجسمه النحيل وأدبه الغزير وتواضعه وبراسه المنكس الى الارض وكان بين الحين والحين يرفع راسه قليلاً ويهزها هزة بسيطة
لكى ينفض عن عينيه قطرات من الدموع تمنعه من رؤية ماهو قدام .

من روائع قداسة البابا شنودة الثالث فى كتابه ثلاث قصص هادفة
 

عبير فرنسيس


أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010