صوت الأبواق على ضفاف نهر الأردن
أرسل يشوع تلميذ موسى النبي جاسوسين إلى أريحا، المدينة المحصنة بأسوار شامخة. وقد عادا إليه يخبرانه أن الملك ومشيريه والجيش وكل الشعب خائفون. جميعهم يتوقعون أن يشوع يستولي حتمًا على المدينة.
في الصباح المبكر هدم الشعب المحلة، وحزموا الخيام، ونزعوا الأوتاد الخشبية، ووضعوا الأمتعة على ظهور الدولاب، وسافروا قرابة سبعة أميال حتى بلغوا شاطيء نهر الأردن.
قال يشوع: "لنعسكر هنا لمدة ثلاثة أيام". فنصبوا خيامهم على شاطيء النهر الذي كان في حالة فيضان على جانبيه.
وكانت مدينة أريحا مقابلهم، تبعد ليس أكثر من أربعة أميال.
كان الوقت حرجًا جدًا بالنسبة لمدينة أريحا. أنا راحاب التي ساعدت الجاسوسين فقد صَدَّقتْ وعدهما لها إنها وكل أهل بيتها يصيرون في أمان. تحركت كل أسرتها، ودخلوا (أي الأسرة) بيتها كما أخبرها الجسوسان. وكان الحبل القرمزي (الأحمر) الذي استخدماه عند هروبهما معلقًا على النافذة على السور.
عبور نهر الأردن
كانت راحاب تراقب من بعيد محلة إسرائيل عبر نهر الأردن مدة ثلاثة أيام، لكن أمرًا جديدًا لم يحدث. وفي صباح اليوم الرابع دعت راحاب أسرتها، قائلة:
"انظروا، فإن اليهود يهدمون خيامهم".
صرخت راحاب قائلة:
"انظروا إلى النهر.
هوذا المياه تنسحي إلى فوق.
لم يعد الأردن في حالة طوفان.
لقد صار ممرًا جافًا!
يالها من معجزة!
لقد جف نهر الأردن!"
لاحظت راحاب وعائلتها الكهنة يحملون تابوت العهد المقدس في وسط نهر الأردن، وقد وقفوا هناك. وبمعونة إلهية عبر كل الشعب النهر على الأرض الجافة.
تطلعت راحاب وعائلتها، كل واحد نحو الآخر بنظرات يشوبها مزيج من الخوف والدهشة مع الرجاء.
صرخت راحاب، قائلة:
"الله يصنع هذه الأعجوبة لأجلهم.
إنه يعمل لحسابهم!
انظروا! هل هم يعبرون بسرعة؛ لعلهم لا يريدون أن يغرقوا كما غرق جيش فرعون في البحر الأحمر".
في لحظة انهارت الجسور، وانحدرت المياه بعنف شديد وصارت تزيد، وفاضت المياه في الموضع الذي منه الشعب.
في مخافة وصمت سار الشعب طريق الجلجال حوالي ميلين من النهر وأربعة أميال من مدينة أريحا.
ها هم يقيمون نصبا هناك تذكارًا من اثنى عشر حجرًا حصلوا عليها من عمق نهر الأردن".
صوت إنذار!
صرخ رقيب جالس على السور المحيط بمدينة أريحا:
"ها هم اليهود قادمون. اضربوا جرس الإنذار!"
إذ عرفوا أن العبرانيين قد عسكروا بالقرب من مدينتهم أمر ملك أريحا أن تُغلق الأبواب نهارًا وليلاً، لا يدخل أو يخرج منها أحد، حتى تتهيأ المدينة للحرب.
فجأة صارت أريحا في ارتباك شديد. جرى الجند إلى مواقعهم على الأسوار، فبالتأكيد يحارب اليهود المدينة في وقت قصير جدًا.
لكن أمرًا ما لم يحدث؛ فقد مرت الأيام وأبواب أريحا مغلقة تمامًا. الكل يترقب ما يحدث في خوف شديد!
لقاء مع شخص غريب
يومًا ما إذ كان يشوع يسير بجوار أسوار أريحا يترقب أوامر الله، وينتظر عمله العجيب، رأى شخصًا غريبًا يمسك بيده سيفًا مسلولاً يبرق حَدَّاه جدًا.
صار قلب يشوع يخفق بشدة: "ترى هل أرسل الملك هذا الرجل المحارب القوي في مظهره ليدخل في معركة مع جندي عبراني، فتحسم هذه المعركة الموقف بالنسبة للمدينة؟ أم أن هذا الرجل الغريب قد جاء من مكان آخر؟ ولكن، من أين أتى؟"
رفع يشوع قلبه إلى الله وصلى، طالبًا عونه السماوي، وإذ شعر بطمأنينة اقترب إليه (أي إلى الرجل الغريب).
سأل يشوع: "هل أنت عدو لنا أم صديق؟ معنا أم مع أعدائنا؟"
أجابه الشخص: "أنا رئيس جند الرب".
أضاء وجهه، وسقط يشوع بوجهه إلى الأرض.
وقال له: "بماذا يكلم سيدي عبده؟"
قال له رئيس جند الرب: "اخلع نعلك من رجليك، لأن المكان الذي أنت واقف عليه هو مقدس".
سخرية الجند
إذ رجع يشوع إلى الشعب كان واثقًا من النصرة.
صرخ يشوع وسط الشعب، قائلاً:
"لقد أخبرني الله ماذا نفعل.
ليتقدم رجال الحرب، ويدوروا حول المدينة مرة واحدة.
وليحمل سبعة كهنة أبواق الهتاف السبعة ويسيروا أمام تابوت العهد، ويدوروا أيضًا حول المدينة مرة واحدة".
بقلب شِبْه منكسر سار رجال الحرب، يتبعهم الكهنة حاملين الأبواق، ثم تابوت العهد وكل الشعب داروا حول الأسوار ثم عادوا إلى حيث بدأوا.
تطلع جند أريحا من أعلى الأسوار، وكانوا يسخرون مما يرونه، قائلين: "ما هذا الضجيج الذي يفعلونه؟! يا لهم من شعب غبي؟! إنهم لا يتركون الأسوار ولا يحاولون اقتحامهما!!!"
تكرر الأمر في اليوم الثاني والثالث والرابع حتى السادس. وبدأ شعب أريحا يتعجب، قائلين: "ماذا يفعل هؤلاء السخفاء؟ ألعلهم يلعبون؟!"
معركة غريبة
في غروب اليوم السادس قال يشوع للشعب:
"إنها معركة الله.
استعدوا باكرًا جدًا، لأننا لا نسير مرة واحدة حول الأسوار بل سبع مرات".
بدأ البعض يعترض في أعماقه كيف يسيرون حول الأسوار سبع مرات... ألا يكون في ذلك مضيعة للوقت والجهد... كيف يحاربون بعد أن تنهك قوتهم؟! وآخرون كانوا يترقبون حدوث معركة حقيقة.
عند الفجر كان الكل مستعدًا. في صمت صاروا في صفوف، وكانوا يدورون حول الأسوار مرة فمرة.
وصار الجند يتطلعون من أعلى الأسوار القريبة من الأسوار وفي المنازل القائمة على الأسوار يرون الجاهير تدور حول الأسوار.
وكانت راحاب وأهل بيتها أيضًا يتطلعون من النوافذ، لا ليسخروا، بل ليترقبوا عمل الله العجيب.
أخيرًا ضرب الكهنة بالأبواق، وكانت راحاب تتوقع أن تنهار الأبواب ليدخل جند اليهود المدينة. لكن لم يكن هناك السبعة حاملي الأبواق، يتبعهم الكهنة حاملوا تابوت الرب.
لقد ضرب الكهنة بالأبواق، وصرخ الشعب صرخة قوية!
بدأ المنزل يهتز، وصار دَوِيُّ شديد من كل جانب. بالكاد صدَّقتْ راحاب عينيها، وقد تشققت أسوار المدينة الضخمة المرتفعة، وتحولت في لحظات إلى أكوام من التراب والحجارة، ودُفن أغلب الجند فيها بينما دخل الجند اليهود إلى المدينة.
خافت راحاب جدًا: هل يذكر الجاسوسان وعدهما لي بإنقاذنا؟
بحث يشوع عن الجاسوسين، وقال لهما: "تذكرا وعدكما. أحْضِرا راحاب وأهل بيتها حالاً".
سمعت راحاب قرعات على الباب فقفزت، وفتحت الباب، وجدت أمامها الرجلين الذين سبق أن خبأتهما. لقد حفظا وعدهما لها.
قالا لها ولأهل بيتها: "تعالوا سريعًا، يلزمنا أن نخرج حالاً من المدينة!"
عبروا على أنقاض الأسوار الساقطة حتى بلغوا محلة اليهود.
بلغت لهب المدينة المحترقة السماء، وامتلأ الجو من سحب الدخان القائم. وتحولت أريحا إلى رماد. تحطم قصر الملك ومعبد الإله بعل حتى الأرض. وانمحت أريحا إلى غير عودة.
كان طعم النصرة عذبًا كحلاوة عنب كنعان الناضج. وكان على يشوع أن يقود الشعب ليهزم مدنًا أخرى، وكان الله معهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.