أريدُ أنْ أكونَ بلبلاً
بلبل يغني ويغني
في مدينة الرُها بسوريا وقفت الأم من بعيد تراقب طفلها الوحيد أفرام وهو يتطلع من نافذة حجرته على الحديقة فترة طويلة....
اقتربت الأم من أفرام، وبحنان وضعت يدها على كتفه وهي تقول له: "إنك تحب الخضرة يا أفرام".
- نعم يا أماه.
- لماذا تقف هنا تتطلع على الحديقة ولا تنزل إليها؟
- إنني أراقب البلبل الأبيض.
- ولماذا لا تراقبه في الحديقة؟
- إنني لا أريد أن أقلقه... أود أن أراه من بعيد، وأتركه يطير بين الأغصان ويغني... كم كنت أود أن أكون بلبلاً يطير إلى أماكن كثيرة، خاصة بين الحدائق، أغني دوماً ولا أحزن ...
ابتسمت الأم لكلمات طفلها الوحيد أفرام، وقالت له:
"سأروي لك يا أفرام عن بلبل عاش في مدينتنا هنا يغني ويغني... يدعى أفرام!"
حول الطفل نظراته من الحديقة ليتطلع إلى أمه ويستمع إلى قصة البلبل أفرام الذي يغني.
+++
بلابل مغردة
قالت الأم:
"في مدينتنا هنا منذ زمن طويل عاش إنسان يدعى أفرام، اشتاق أن يكون بلبلاً يغنى، يطير من بلد إلى بلد ليغني...
كان أفرام يحب الكتاب المقدس، يقرأه في الصباح والمساء، كلما قرأه يحب السيد المسيح مخلصه، فيركع في هدوء يرفع قلبه إليه ليصلي إليه ويرنم... يعود فيجلس ويكتب ترانيمه العذبة.
كتب لنا الكثير من التسابيح العذبة لنعيش نغني لإلهنا مثله. كتب أكثر من ثلاثة ملايين سطرًا، أغلبها من الشعر الذي يترنم به في قلبه.
كان يشتاق أن يصير الكل بلابل مغردة مثله. كان سكان مدينته وثنيين وأشرارًا... بابتسامته كان يصادقهم، ويتحدث معهم عن السيد المسيح المخلص. فاجتذب كثيرين إلى الإيمان المفرح. جاءوا إلى الكنيسة يسبحون ويغردون كالبلابل".
قاطع الطفل أفرام حديث أمه، قائلاً:
"لكنني أسألك يا أماه:
هل كل مسيحي هو بلبل مغرد؟"
أجابت الأم:
"من يفرح بالسيد المسيح،
ويحب الصليب،
يغرد مع الملائكة بقلبه ولسانه،
فيصير بلبلاً مغردًا".
سأل أفرام:
"ألا يحزن أبدًا؟ ألا يبكي؟"
أجابت الأم:
"يحزن ويبكي... لكنه بسرعة يرفع قلبه إلى الله مخلصه فيفرح قلبه".
+++
البلبل الطائر
ابتسم أفرام وقال لوالدته:
"لقد عرفت كيف صار أفرام بلبلاً مغرداً، لكن كيف كان يطير من غصن إلى غصن".
أجابت الأم سأروي لك يا ابني عن الأغصان التي طار إليها أفرام:
كلما رأى إنساناً بعيداً عن الله حسبه غصناً، يذهب إليه بابتسامة عذبة، ويتعامل معه بحب، ويحدثه عن السيد المسيح مخلصه. فيفرح قلب أفرام عندما يراه راجعًا إلى الله...
أصدقاؤك يا ابني هم الأغصان، إن أردت أن تغرد كالبلبل صلِ لأجلهم، وتعامل معهم بحب، وشجعهم على التمتع بربنا يسوع المسيح .
+++
أغصان أخرى
أكملت الأم حديثها، قائلة:
"أروي لك كيف كان القديس أفرام ينتقل من موضع إلى موضع كالبلبل المغرد بين الأغصان. جاء القديس أفرام إلى مصر كما إلى غصنٍ جديدٍ ، وعاش في الإسقيط بين الرهبان ثمان سنوات، وجدهم يسبحون الله ليلاً ونهارًا
كانت البرية (الصحراء) أشبه بحديقة، والرهبان كالبلابل ترنم وتسبح الله بفرح".
صارت عصا القديس أفرام التي كان يتكيء عليها شجرة، ولا تزال قائمة إلى يومنا هذا في دير السيدة العذراء- السريان".
مرة أخرى سمع القديس أفرام عن القديس باسيليوس رئيس أساقفة قيصرية أنه رجل ناسك يهتم بخلاص كل نفس، فاشتاق أن يلتقي به... إنه كالبلبل الذي يجتمع بغيره من البلابل ليغني الكل معًا. أتريد أن ترى البلبل أفرام كيف طار إلى غصن آخر؟
في قيصرية
سمع القديس أفرام السرياني عن القديس باسيليوس الكبير، ولم يكن قط التقى به من قبل.
ذهب إلى الكاتدرائية في قيصرية وكان يتوقع أن يراه في ملابس بسيطة تليق به كناسك. لكنه فوجيء إذ رآه يلبس ثياباً فاخرة محلاه بالذهب والحجارة الكريمة.
أحنى القديس أفرام رأسه في حزن، ورفع قلبه إلى الله، وهو يقول:
"إلهي ومخلصي يسوع...
هل هذا هو القديس باسيليوس الناسك؟!
اكشف لي عن حياته حتى لا ينكسر قلبي.
لا تسمح لي أن أحكم عليه من ذاتي وحسب أفكاري!"
وقف القديس باسيليوس يعظ في القداس الإلهي وبدأ يتكلم، فشاهد القديس أفرام ألسنة من نار تخرج من فمه وتطير نحو قلوب سامعيه... عندئذ فرح وتهلل!
انتهى القديس باسيليوس من عظته، فرأى ملاكين نيرين يحيطان بالقديس مارأفرام السرياني، فدهش: تُرى من يكون هذا الغريب؟
دخل القديس باسيليوس إلى الهيكل ورفع قلبه إلى الله لكي يكشف له عن الشخص الذي يقف وسط الشعب يحيط به الملاكان. كشف له الله عنه وعرف أنه مار أفرام السرياني ففرح به جداً وأرسل إليه القديس باسيليوس يستدعيه باسمه. دُهش مار أفرام أن القديس قد عرفه بين الجماهير، وعرفه باسمه أيضًا...
بعد القداس الإلهي أخذه رئيس الأساقفة على انفراد، وكشف له عن صدره، وكانت المفاجأة أنه رآه يرتدى مسحًا تحت الثياب الكهنوتية الفاخرة.
قال له رئيس الأساقفة:
"لقد كشف لي الرب أنك قد تعثرت في البداية بسبب ثيابي الكهنوتية الفاخرة، فلماذا تشككت؟ إنني أرتدي مسحًا لكي أمارس حياتي النسكية الخفية، لكن من أجل كرامة الأسرار المقدسة أرتدي الثياب الكهنوتية الفاخرة: إنني أشتاق أن تبقى معي زمانًا، فقد كشف لي الرب عن عمله معك. اعتذر القديس أفرام إنه لا يستطيع البقاء، وعاد كالبلبل إلى بلده يسبح الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.