القديس يوسف النجار البار
يوصف يوسف بالبار أو الصديق... ما معنى الإنسان البار أو الإنسان الصدّيق؟ هو ذاك الشخص الذي يعيش هذا التوافق ما بين الفكر والعمل وبين مشيئة الله... ومشيئة الله وضعت يوسف أمام اختبار صعب جدا، كيف يتصرف مع خطيبته التي هي حامل؟ هل يكشف أمرها؟ هل يرجمها كعادة اليهود أم يتركها سرّاً؟ حلول كثيرة توافق القانون والشريعة، وردت في فكر يوسف... ولكن إلى أي درجة يجب على يوسف أن يلتزم مع القانون؟... أحيانا كثيراً يكون القانون قاسيا جداً.... فتح يوسف قلبه وفكره وسلمهما للرب ليكشف له سر التدبير الخلاصي، فكان له دور فعّال في التهيئة لقدوم المخلص، رغم كل ما كان يفرضه المجتمع عليه من قرارات تمنعه من الارتباط بمريم... هل بإمكاننا أن نتحول إلى أداة تساهم في تقديم الخلاص للآخرين وتنقذهم من قسوة الشريعة، من الظلم؟...
بتدخل من الله يفهم يوسف معنى هذا الحَمل وهذا الحدث وهذه الأمور التي تحدث في حياته وعلاقته مع خطيبته... يوسف استطاع أن يفهم كلمة الله لأنه أصغى إليها، مجاهدا لضبط انفعال عصبي أو غضب... استطاع أن ينتظر بصمت ليتحقق كلام الله... لم ينفعل، بل بهدوء وروية استطاع أن يفهم... هكذا نحن أيضاً في أوقات الأزمات، نتعامل بعصبية...... ولكن علينا، عندما نشعر بأن لا حلول ممكنة، لنؤمن ونترك المجال لله ليعمل في حياتنا، ويعطيه هو المعنى الجوهري... أي أن نعطي للأحداث وقتها لتنكشف بوضوح، ولتأخذ بعداً مسيحياً.....
يوسف هو الحارس الأمين لمريم ويسوع... هو يأخذ دور القائد والمربي الحقيقي الذي يحب عائلته... هو لا يخذلها أو يتركها وقت الشدة، بل يبقى أمينا معينا... وهذا هو الأب الحقيقي، وهذه هي الأم الحقيقية، الأب الحقيقي، ليس الذي يلد أطفالا، الأب الحقيقي هو الذي يربي بأمانة عائلته، تماماً مثل يوسف.... إذا أردنا أن نعلّم السلام الحقيقي وان نشنّ حرباً حقيقية ضدّ الحرب وضد العنف، علينا أن نبدأ بالأطفال علينا بتربية الأطفال... أي هذه مسؤولية الأب والأم تجاه الأبناء لخلق عالم جميل...
الأب يسير على القانون والنظام، نعم، ولكن ليس على حساب الأبناء.... كم من النساء رجموا من قبل أزواجهم في المجتمع اليهودي (وغير اليهودي) لشك بسيط في الأمانة تجاه الحياة الزوجية.... وهذا كله أتٍ نتيجة الانفعال والتعامل بجهل وتخلف وهمجية تجاه الآخر...... الآخر هو إنسان، هو كائن حي له مشاعر وأحاسيس وظروف تجعله أحيانا يتصرف هذا الموقف أو ذاك... لذلك علينا أن نفهم ومن ثمّ نتعامل مع الآخر... على الأب أن لا ينفعل ويأخذ القرارات الصارمة تجاه العائلة.... بل أن يكون حكيماً، أن يكون أباً بكل ما تعينه كلمة أب من معنى عظيم....
على أولادك وبناتك أن يتلذذوا بكلمة (بابا) عندما يقولونها لك، وعليك أنت أيضاً ان تتلذذ بكلمة (ابني و أبنتي) عندما تقولها لهم.... أن يكون الحب هو المنبع الذي منه تخرج أحكامك وسلوكك مع أعضاء عائلتك.... لا الطاعة القسرية والعمياء والجافة التي تتحول إلى حقد من الأبناء تجاه الآباء... والتسلّط والدكتاتورية تجاه الأبناء، وتضيع الأم بين الآباء والأبناء لا تدري مع من تكون.... الأب الحقيقي، أنت تربح قلب أبنك وابنتك فأنت ستكون معهما حتى ولو كنت بعيداً منهما، لذلك لا تخاف عليهما لان ستكون مثلهم الأعلى في حياتهما...
أما الشك، فهنالك دائما أسباب تدفعنا لنتشكك بغيرنا، وربما بأقرب الناس، فهل نترك المجال لنفهم؟ من منا لا يمر ولا يختبر الصعوبات التي مر بها يوسف؟ من منا لا يشك من أحداث الحياة؟ من منا لا يتساءل ما إذا كان الرب حاضرا معنا أم أنه متغافل عن صعوباتنا؟ من منا لا يتألم من خبرات وصعوبات يعيشها ويتساءل دوماً: يا رب ما معنى هذا كله؟ لذلك لن نفهم إلا إذا فتحنا حياتنا لله، إلا إذا فتحنا قلوبنا وجعلنا لله مسكنا فيها...... اليوم يطرق الرب قلب يوسف مثلما فعل مع مريم التي قدمت كل حياتها.... والرب اليوم يطرق الرب قلوبنا، فهل نخاف من قدومه فهو آتِ ليحل سلاماً في حياتنا، وما أحوجنا إلى السلام اليوم.... لو جاء الرب، ماذا سيجد في بيوتنا؟ سؤال يطرح دائما، فهل هيئتم بيوتكم لاستقبال الرب؟...
وصوت الملاك الذي دعا يوسف: لا تخاف، هو نفسه اليوم يدعونا: لا تخافوا. فيسوع بيننا و معنا ليشفي جراحنا.... هو يريد أن يدخل قولبنا ويحب أن يعتني بالآخرين ويحرسهم من خلالنا... هو يريدنا أن نقبل حراسة إخوتنا وأخواتنا كما حرس يوسف العائلة المقدسة، فلا نشهر بسمعتهم، تماما كما فعل يوسف الذي أخفى حمل مريم خوفاً عليها، ولا نسيء إليهم من خلال الإتيان بسيرتهم بالسوء.... وان نكون حراسا لإخوتنا، هذه هي المشكلة منذ بداية التاريخ، قايين يرفض حراسة أخيه هابيل.... قال: هل أنا حارس لأخي؟.... فقتله... نعم يا قايين، أنت حارس لأخيك، وكل واحد منا هو حارس للآخر، فهل نحن أمناء؟ الكثير من البشر يقتلون من قبل بشر آخرين، من قبل إخوتهم... هل نستطيع اليوم أن نتحمل مسؤولياتنا تجاه الآخر؟ إلى هذا اليوم، لم يتعلم قايين ان يدافع عن إخوته، يوميا لدينا قايين جديد يقتل ويبطش ويعذب أخيه.... أين هو القديس يوسف اليوم من حياتنا؟.... فلنطرح السؤال، هل نحن حراس لإخوتنا؟.... والجواب، هو مثلما كان منذ البدء، يأتينا من الرب ليذكرنا بمسؤوليتنا: (نعم، انتم حراس لإخوتكم)... آمين....
(منقول من موقع Zenit.org)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.