تأملات فى عيد التجلى
قبل كل شيء التغيير الذي حدث على وجه السيد المسيح وعلى ثيابه لم يأته من الخارج . هذا ليس نورا حسيا، ليس ضياء الشمس . هو نور الألوهة المستقرة فيه " أنا نور العالم" . لذلك أخفى يسوع النور في ذاته حتى يتمكن من الاتصال بالبشر اتصالا طبيعيا، حتى يأخذ شكل العبد ويتواضع الى الحالة التي هم عليها . لو كان يبهرهم بنور وضّاء باستمرار لما أحسوا انه واحد منهم . كان إخفاء نوره فيه أساسيا لإتمام الرسالة .
لم يتغير شيء إذاً في كيان السيد المسيح . انه كشف النور عن نفسه من اجل التلاميذ إنهم هم عاينوا مجده بعيون وقلوب صارت تبصر بالنعمة التي منّ بها عليهم . هم الذين انتقلوا الى رؤية النور غير المخلوق. وانقطع النور عنهم بعد ان انتهت الرؤية وعادوا مع المسيح الى الحياة الطبيعية .
يقول القديس مار افرام السرياني : ان اولئك القوم الذين قال عنهم الرب انهم لن يذوقوا الموت حتى يروا مثال مجيئه ، هؤلاء هم الذين اخذهم معه الى الجبل واراهم الحالة التي سياتي بها في اليوم الاخير وهذا المجد الذي ظهر في التجلي هو مجد القيامة لذلك اوصى المسيح تلاميذه ان لا يعلموا احد بما رأوا حتى يقوم ابن الانسان من الاموات مشيرا بذلك ان ما رأوه هو حالة نورانية الجسد التي تحدث في القيامة والهدف من ظهور المسيح بحالة مجد القيامة قبل حدوث القيامة هو ان نعرف ان المجد الذي سيظهر في القيامة هو موجود اصلا قبل القيامة لانه مجد الالوهية الذي كان يحجبه الجسد ، ثم بعد الصليب فاض هذا المجد وظهر في جسد المسيح القائم من بين الاموات وفي هذا المجد عينه صعد يسوع الى السماء ، وهو الان في مجد وبهاء ونور يفوق الوصف والتصور ، هذا المجد الذي رآه استيفانوس عندما شخص الى السماء وقت استشهاده وهو النور الذي ابرق حول شاول الطرسوسي في طريق دمشق ( نور افضل من لمعان الشمس ) حتى فقد بصره من شدة النور ، والذي رآه يوحنا في الرؤيا " وجهه كالشمس وهي تضيء في قوتها " هذا المجد نفسه مجد المسيح موجودا في الكنيسة التي هي جسده ولكنه مجد خفي لا يحسه الآن الا الذين ينير الروح القدس عيون قلوبهم ليروا المسيح حيا فيهم وفي وسطهم بمجده وهذا هو المجد نفسه الذي سيظهر به في مجيئه الثاني ، وفي مجيئه الثاني سيغير اجساد المؤمنين ليكونوا على صورة جسد مجده كما يقول الرب نفسه : " وحينئذ يضيء الابرار كالشمس في ملكوت ابيهم " ( متى 13 : 43 ) .
اذا فتجلي المسيح لا يرينا فقط حالة المجد التي سيأتي بها المسيح في مجيئه الثاني ، ولكنه يرينا ايضا الحالة التي سيكون عليها اولاد الله في الدهر الآتي عند مجيء المسيح ، وهذا ما يصرّح به يوحنا الرسول " الان نحن اولاد الله و لم يظهر بعد ماذا سنكون و لكن نعلم انه اذا اظهر نكون مثله لاننا سنراه كما هو و كل من عنده هذا الرجاء به يطهر نفسه كما هو طاهر" ( رسالة يوحنا الاولى3 : 2 – 3 )
ان ظهور موسى وايليا في مشهد التجلي ليبين لنا ان يسوع المسيح ليس هو موسى ولا ايليا ولا واحد من الانبياء كما كان يظنه البعض بل هو رب موسى والانبياء ، ولذلك ظهر ايليا الحي وموسى من عالم الاموات ليحققا لنا ان يسوع المسيح هو اله الاحياء والاموات .
عيد التجلي هو عيد نرفع فيه أبصارنا نحو العُلا ، ننظر فيه إلى المسيح الكلي القدرة والمجد، نطلب إليه أن يرحمنا ويخلصنا. لذلك نحن مدعوون للتغيير والتحول، وتجلينا الحقيقي يكمن في الحياة حسب ارادة الله والسير حسب وصاياه وشرائعه.
الشيء الأخير هو ان الرب يسوع تجلى فيما كان يصلي حسبما ورد في إنجيل لوقا . ينعكس هذا فينا فتصير طريق الدعاء والصلاة الفردية او صلاة الجماعة هي ظرف لنزول النعمة علينا . ونحن مدعوون في هذا العيد لنكون، كيسوع المسيح، أبناءً حقيقيين لله تعالى. الإنسان المُتجلي الذي يعيش إرادة الله في حياته، إنما يشعّ نور الله من خلاله، على مثال المسيح الذي أشعّ نوراً وجمالاً وبهاء، عند ساعة تجليه المجيدة.
طقس عيد التجلى
تحتفل الكنيسة منذ زمن بعيد بتذكار تجلى ربنا يسوع المسيح (مت 17: 1 – 7، مر 9: 2 – 13، لو 9: 28 – 36).. وقصد الرب أن يتم ذلك مع بعض تلاميذه:
(1) لاقرارهم أن المسيح ابن الله الحى (مت 16: 16) ثم ليريهم أنه ليس ايليا او يوحنا المعمدان أو واحدا من الانبياء كما يقول الناس (مت 16: 14).
(2) ليريهم مجد لاهوته قبل قيامته لكى عندما يقوم بمجد لاهوته يتأكدون أنه ليس عن مكافأة بل أنه كان له ومعه الاب منذ الازل (يو: 17: 5).
(3) ليريهم مجد لاهوته قبل الامه، فعند صلبه لا يشكون فى ان ذلك بارادته.
(4) بالتجلى شاهدوا ناسوته ومجد لاهوته، فكان الجبل رمزا للكنيسة التى ختم يسوع المسيح الهنا على عهديها.
شخصيات ظهرت مع الرب عند التجلى
(أ) من الانبياء للعهد القديم:
(1) موسى النبى:
الذى كان حليما جدا وهو الذى استلم لوحى الشريعة من الرب وقاد شعب بنى اسرائيل 40 سنة فى البرية بعد أن أخرجهم من عبودية فرعون.
(2) ايليا النبى:
ويعرف بايليا التشبيتى (التسبيتي) وهو معروف بدالته القوية مع الله اذ صلى فلم تمطر السماء ثلاث سنين وستة أشهر ثم صلى فأمطرت السماء (2 مل 17) كما أنه صعد الى السماء حيا فى مركبة نارية. مصدر البحث: موقع كنيسة الأنبا تكلا.
(ب) من تلاميذ العهد الجديد:
(1) بطرس:
هو أحد التلاميذ الاثنى عشر وأشهرهم غيرة، كما أنه اكبرهم منا.. كتب رسالتين.
(2) يوحنا الحبيب:
هو ابن الرعد الذى خصه الرب بحبه عظيم اكثر من باقى الرسل الاثنى عشر وهو الذى كان يتكئ على صدر يسوع.. كتب انجيل يوحنا وثلاث رسائل والرؤيا.
(3) يعقوب:
هو أخو يوحنا الحبيب.. وهو الذى قال له السيد المسيح مع أخيه يوحنا (أتسطيعان أن تشربا الكأس التى سوف أشربها) (مت: 20: 22)، وكتب رسالة.
ولاهمية هذه الرسالة التى كتبها هؤلاء الثلاثة (بطرس ويوحنا ويعقوب) يقرأ منهاالكاثوليكون.
الجبل.. هو طريق الاعلانات، طريق يأخذنا اليه الرب يسوع ويجتاز بنا دروبه فيصعد بنا لنصلى وسيبقى التجلى أبدا موضوع وحديث تعزية لاولاد الله.. وسنظل فى عجز عن وصف مشاهد التجلى لانه لا ينطق بها (2 كو 12: 4).. فالصلاة هى شركة فى الطبيعة الالهية وخروج الانسان من شركة الجسد ورباطات الظلمة الى تحرير القلب حرا فى سماء التسبيح والترنيم.
أهمية المعانى الروحية لعيد التجلى
(1) فى التجلى تمجد الابن والروح القدس تجلى الثلاثة أقانيم وهم واحد.
(2) ليذكرنا بمجد لاهوته الابدى.
(3) ليعلمنا أهمية الصلاة، اذ بالصلاة تسموا فوق ونصعد حيث الرب.
(4) صعد بهم الى الجبل أى بعيدا عن صخب العالم الى حيث الهدوء والسكون والخلوة التامة فاستطاعوا أن ينظروه عيانا دون أى غموض، والتمتع بما لم تراه عين ولم يسمع به اذن.. لهذا صعد الاباء الرهبان الى البرارى والقفار للتمتع التام بجمال الحياة مع السيد المسيح واذ تركوا العالم وراءهم التقوا بالمسيح أمامهم.... لقد جلسوا مع مريم عند قدمى سيدهم واختاروا النصيب الصالح..... (لو 10: 42).
(5) الكنيسة أعدت لتكون مشابهة لما هو فى السماء فجمال الكنيسة من داخل يشبه عظمة العرش، والانوار الكثيرة تشبه ضياء مجد الله وقديسيه، وعطر البخور يشبه جمال رائحة الحياة الابدية، والبخور الصاعد من مجامر الاربعة والعشرين قسيسا الالحان والتسابيح تشبه تهليل الملائكة وترنم السمائيين.
(6) التلاميذ يمثلون الكنيسة المجاهدة، موسى وايليا يمثلون الكنيسة المنتصرة، وهذا يدلنا على اتصال كنيستنا بالسمائيين وشركتهما الواحدة.
(7) كان بطرس قبل التجلى بثمانية أيام يقول الرب حاشاك، وهنا يشاهد مجده.. ففى وسط الضعفات كثيرا ما يكشف لنا الرب عن غنى مجده.
(8) الجيل يشير الى الايمان (المتوكلون على الرب مثل جبل صهيون...) (مز 125: 1) الكتاب المقدس يذكر لنا عدة جبال ولكل جبل ذكرياته المقدسة التى تجعلنا نسبح فى تأملات كثيرة نذكر منها:-
جبل الله فى حوريب:حيث موسى يلتقى بالرب فى العليقة (خر 3: 1 – 12).جبل سيناء:حيث تكلم الرب مع موسى النبى وسلمه الوصايا (خر 19: 2).جبل التجربة:جبل التطويبات: (الوصايا الجديدة):حيث علم رب المجد الجموع (مت 5: 1 – 12)جبل اشباع الجموع:الخمسة الاف من خمسة أرغفة وسمكتين (يو 6: 1 – 14).جبل التجلى:جبل الزيتون:جبل الجلجثة:حيث الرب يسوع مصلوبا لاجلنا (يو 19: 17 – 18).... لقد قال بطرس الرسول (جيد يا رب أن نكون ها هنا)... فما أجمل أن نكون دائما فى حضرة الرب.. وكأن لسان حالنا يقول (وجدت من تحبه نفسى فامسكته ولم أرخه) (نش 3: 14) يا الهى جيد أن تصعد أفكارى فى تأمل نحوك اذ عند الصعود الى مكان عال تلاحظ الشمس فى بدء شروقها عما نكون اسفل، هكذا عندما نسمو بأفكارنا نلاحظ شمس البر الرب يسوع عما نكون فى اسفل فى الخطية...
سيدى.. جيد أن اتكلم معك فى كل أمورى، فانت الصق من الاخ (يوجد محب الصق من الاخ) (أم 18: 24)، وربما الاخ لا ينصت الى كل ما أقوله له لكن أن يا ربى تنصت الى فى كل وقت (لانه تعلق بى فأنجيه، أرفعه لانه عرف اسمى، يدعونى فأستجيب له، معه أنا فى الضيق أنقذه وأمجده وطول الايام أشبعه وأريه خلاصي) (مز: 91: 14 – 16).. كلهم معزون متعبون أما أنت فالعزاء الدائم الى الابد..
ربى.. جيد أن اتكلم معك لأنك أنت الذى تعرف كل أمورى الخفية والظاهرة تعرف ما يفيد حياتى وما يضرها.. أيها الطبيب الحقيقى الذى لانفسنا واجسادنا وأروحنا يا مدبر كل جسد تعهدنا بخلاصك (عن أوشية المرض).
ربى.. جيد أن اتذوق دائما حلاوة عشرتك (ذوقوا وأنظروا ما أطيب الرب) (مز 34: 8) اذ حلقك حلاوة وكله مشتهيات (نش 5: 16).
ربى.. جيد أن التقى بك فوق الجبل المقدس فأقول: قد صرت فوق شهواتى وأفكارى، فوق ذاتى وكبريائى (يا رب من ينزل فى مسكنك من يسكن فى جبل قدسك السالك بلا عيب والعامل الحق والمتكلم بالصدق فى قلبه) (مز 15: 1، 2).
يا سيدى.. جيد أن تكون لى شركة التجلى معك فأرفع قلبى فى صلاة دائمة قائلا (يا ربى يسوع المسيح..) وفى تسبيح دائم قائلا (كل نفس أتنسمه أسبح اسمك القدوس يا ربى يسوع المسيح مخلص الصالح (عن ابصالية السبت)..
(10) أخيرا.. نظروا يسوع وحده بعد أن أفاقوا من دهشتهم وفتح أعينهم.. كان فرحهم عظيما اذ وجدوا الرب. فنحن لسنا فى حاجة لشئ غير يسوع وحده.. (لأنه فيه وبه وله كل الاشياء).
له المجد الى الابد آمين..
توجد ابصاليتان (واطس وآدام) بكتاب الابصلمودية السنوية، – وله ربعين منأرباع الناقوس وذكصولوجية، وله مرد مزمور وانجيل بكتاب خدمة الشماس قبطى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.