طفل عطية الله
القمص تادرس يعقوب ملطي
الحاجة إلى نبي
في أرض الموعد (كنعان) نسى اليهود اللّهز
تطلع إليهم الرب، وماذا رأى؟ معطم الكهنة والشعب لا يطيعون وصاياه، وقد أصبحوا في منتهى القسوة.
كان عالي الشيخ كاهنًا وقاضيًا للشعب كله. كان الحاكم ممثلاً الله، يدبر أمور الشعب حتى تعب وشاخ. أما ابناه فكانا على نقيضه غير مخلصين في خدمتهما لله، يخالفون الشريعة بكل وسيلة أمام الشعب. وكان والدهما ينتهرهما برخاوة، ولم يفعل أكثر من هذا لكي يضع حدًا لشرورهما، الأمر الذي أغضب الله.
الله المهتم بالبشرية جدًا أراد أن يرسل إليهم نبيًا يرشدهم إلى التوبة والعودة إليه، ويعلن مشيئته لهم.
"يجب أن أتحدث مع شعبي،
وأحذرهم حتى يعودوا إلى الاستماع إلى كلامي"
أنا وحيدة!
في ذلك العصر المظلم، ووسط جيل غير مؤمن، عاش رجل يدعى ألقانة تزوج إمراتين: حنَّة وفننَّة.
كان ألقانة وحنَّة يحبان الله جدًا، ويحبان بعضهما البعض.
لكن حنة كانت حزينة، لأنه لم يكن لها أولاد يملأون حياتها اشراقًا.
كان ألقانة وكل عائلته يذهبون إلى بيت الرب (خيمة الاجتماع) كل عام ليقدموا تقدمات للرب ويُعيّدوا ويصلوا، وكانت حنة تقف في دار النساء وتقول في نفسها:
"إنني وحيدة،
لكنني أحب إلهي،
وأفرح بوجودي في حضرته.
ربما يمنحني في العام القادم ما اشتهيته: طفلاً ذكرًا يملأ حياتي!"
وكان كل عام يمضي كالعام السابق له، وكانت حنة تكبر في السن، وتزداد مخاوفها أن تموت دون أن تنجب طفلاً... فكانت تصلي بحرارة.
في إحدى المرات، إذ ذهب ألقانة وعائلته إلى بيت الرب، أغاظت فننة حنة، فبكت وامتنعت عن الأكل. فقال لها ألقانة زوجها: "لماذا تبكين يا حنة؟
ولماذا لا تأكلين؟
لماذا يكتئب قلبك؟
أما أنا خير لكِ من عشرة بنين.
ابتهجي يا حنة ولا تحزني!"
أومأت حنة برأسها، ولكن بقلبٍ منكسرٍ وحزين.
صلاة من القلب
بعدما أكلوا وشربوا انسحبت حنة بهدوء وذهبت إلى بيت الرب، وكان الصمت يخيم فيها، وكان عالي الكاهن جالسًا عند مدخل بيت الرب.
في مرارة نفس سجدت حنة على الأرض، وأخذت تبكي وتصلي إلى الله، تشكو له تعبها، ثم نذرت لله نذرًا قائلة:
"يا رب الجنود،
إن نظرت إلى مذلة عبدتك وذكرتني، ولم تنساني، بل أعطيت عبدتك طفلاً، فإنني أعطيه لك بمجرد أن يكبر لكي يخدمك كل أيام حياته".
كانت حنة تصلي بقلبها، أما شفتاها فكانتا تتحركان فقط.
وكانت تكرر نفس الكلام مرة ومرات في قلبها، وكان جسمها يترنح من الحزن، وهي تقوم وتسجد عدة مرات، فظنها عالي الكاهن مخمورة.
لم تكن تدرك أن عالي الكاهن يلاحظها. فزعت عندما قال لها بلهجة شديدة:
"اذهبي يا امرأة،
وأبعدي عنكِ الخمر!
حتى متى تسكرين؟
من يرعى أولادك في المنزل؟"
أجابته حنة وهي تبكي:
"لا يا سيدي،
أرجو ألا تحسبني هكذا.
إنني أحب الله، وأنا لست مخمورة.
إنني امرأة حزينة النفس،
أسكب حزني أمام الله
أمرّ واحد سألته من الرب،
وهو يمسكه عني!"
وفي حنان مع طيبة قلب تكلم معها عالي الكاهن بعد أن شاهد دموعها تجري من عينيها، وقال لها:
"اذهبي بسلام،
وليعطكِ الله سؤل قلبك،
ولتتهلي بنعمته عليك!"
تحقيق الوعد
عاد ألقانة وحنة إلى بيتهما مملوءين سلامًا. ولم تعد حنة يائسة، بل أخذت تشكر الله في قلبها على عطيته التي سيهبها إياها. لقد آمنت وصدقت... وكانت تعد الملابس للطفل الذي تنتظره.
في أقل من عام، بعدما صلت حنة في خيمة بيت الرب، ولدت طفلاً، وتهلل ألقانة وهو يقول:
"لقد وُلد لحنة ولي طفل،
إنه عطية الله،
ويدعى صموئيل".
"عطية الله!" هكذا كانت تردد حنة في قلبها الذي امتلأ فرحًا؛ كما كانت تقول:
"لكن صموئيل ليس لي،
إنه نذر للرب.
إنني أفرح أن يخدم الرب كل أيام حياته!"
نبي الرب الصغير
ذهب ألقانة إلى بيت الرب في ذلك العام، والعام التالي، وأيضًا الثالث، وبقيت حنة في منزلها مع طفلها، قائلة:
"يبقى صموئيل معي سنوات قليلة، أُعدّه للحياة، لكي أُسّلِمه لبيت الرب".
وفي العام الرابع، إذ بلغ صموئيل الثالثة من عمره، قالت حنة: "لقد حان الوقت أن يذهب ابني إلى بيت الرب ويخدم من مَنحنى إياه".
ذهبت حنة إلى بيت الرب، وقالت لعالي الكاهن:
"هذا هو ابني الذي أعطاني إياه الرب،
لقد أرضعته واهتممت به ثلاث سنوات،
والآن قد كبر.
إني أقدمه لك يا رب ليخدمك في بيتك".
كانت حنة تختفي من أمام ابنها لتمسح دموعها التي تسللت من عينيها، دموع الفرح لأنه صار لها ابن يخدم الله، مع شعور بفراق ابنها المحبوب لديها جدًا.
قالت حنة لطفلها الصغير:
"سأراك ثانية!
سأصنع لك ملابسك.
سأزورك كل عام.
تذكر يا ابني أنك لست لي،
أنت نبي الله الصغير!"
تطلع علي الكاهن إلى الطفل الصغير، وقد امتلأ قلبه بهجة، وفي حنان احتضنه وهو يقول له:
"يا لك من فتى كبير!
تعالَ يا صموئيل لأريك كل ما في الخيمة.
انظر يا ابني.
هذا هو الموضع الذي ستنام فيه..."
علَّم الكاهن الطفل صموئيل أشياء كثيرة، وأحب صموئيل عالي الكاهن جدًا، وأحب بيت الرب أكثر جدًا من بيته... وبالتدريج لم يعد صموئيل يذكر شيئًا عن بيته.
كان صموئيل يرتدي منطقة من الكتان، وكانت أمه تأتي كل عام لزيارته، وتحضر له جبة صغيرة تخيطها له.
كم كان صموئيل سعيدًا عندما كان يسمع والدته تقول له: "أنت خادم الله المختار".
فرح الرب بالثلاثة الأم وابنها والكاهن الشيخ، وإن كان الله قد حزن على عالي الكاهن بسبب ابنيه.
لقد اختار الله صموئيل، النبي الصغير، كي يدعو الشعب إلى الرجوع إليه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.