عيــد الصعــود
هناك خمسة أحداث هامة فى تاريخ خلاصنا:
التجسد- الصليب- القيامة- الصعود- حلول الروح القدس
فبالتجسد: اقتحم اللـه عالمنا وصورتنا وحالنا، لينعم علينا بإمكانيات فوق طبيعتنا.
وبالصلب: تم الفداء وحسمت قضية الموت لصالح أولاد اللـه.
بالقيامة: أخذنا الحياة وبركات الانتصار.
الصعود: فتح لنا أبواب السماء وصار لنا مكان وإمكانية أبدية.
حلول الروح القدس: صارت السماء فينا والعرش داخلنا ونحمل قوة التجديد.
هناك فكرتين هامتين للصعود:
1- المكان.
2- الحالة.
"أنا أن ارتفعت أجذب إلىّ الجميع" (يو12: 32)
"أنا أمضى لأعد لكم مكاناً (الصعود)، وأن مضيت وأعددت لكم مكاناً (فترة ما قبل المجئ) آتى أيضاً وأخذكم إلىّ حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضاً" (يو14: 2)
فما بين الصعود والمجئ الثانى هو الفترة التى يعد لنا فيها مكان .
فهذه الفترة يعد لنا مكاننا حسب طريقة حياتنا على الأرض لذلك يقول سفر الرؤيا:
"من يغلب فلا يؤذيه الموت الثاني"
"من يغلب فسأعطيه أن يأكل من المن المخفى وأعطيه حصاة بيضاء وعلى الحصاة اسم جديد مكتوب"
"من يغلب فذلك سيلبس ثياباً بيضاً ولن أمحو أسمه من سفر الحياة وسأعترف بأسمه أمام أبي وأمام ملائكته"
"من يغلب فسأجعله عموداً في هيكل إلهي ولا يعود يخرج إلى خارج وأكتب عليه أسم إلهي"
"من يغلب فسأعطيه أن يجلس معي في عرشي كما غلبت أنا أيضاً وجلست مع أبي في عرشه"
يقول المفكر خوان أرياس: "أنا حُر عندما أشعر أنه يحق لى أن أدُعى بأسم خاص يتلفظ به اللـه مرة واحدة فيضفى عليه صفة الخلود"
فالأرض مكان عمل وجهاد حتى تفوز بمجد الأبدية (من يغلب).
اركض فى الميدان لأخذ الجعالة فالإكليل معد ولكن للغالبين والمتضرعين.
هنا على الأرض نتعلم كيف نحيا فى السماء لغتها- طريقة الحياة- الاهتمامات، والسماء ترى وتصدق على أنك تصلح لهذا.
"أن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما هو فوق حيث المسيح جالس"
الحياة المسيحية رحلة إلى السماء، عبور متدرج من الأرضيات للسماويات، من الجهل إلى المعرفة، من الظلمة إلى النور.
نولد من جسد ودم لنرتقى إلى نور وروح، نولد فى عتامة وظلمة وجهالة لنرتقى إلى قوة ومعرفة، نولد لكى نأخذ وننتصر ونتغير إلى حال الأبدية.
يقول مار اسحق:
"سلم الملكوت فى داخلك مخفى فى نفسك، اغطس بعمق فى داخل نفسك بعيداً عن الخطية فستجد الدرجات التى بها تقدر أن تصعد".
قبل الصعود لم يكن هناك أى تصور لوجودنا فى السماء وهذا يجعل الحياة على الأرض هى فقط رجاء الإنسان ولكن بعد الصعود أصبحنا نتطلع إلى المدينة السمائية بشوق ورغبة وجهاد، لذلك كانت مناداة يوحنا المعمدان: "توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السموات".
فالتوبة إذن لها معنى الآن ولها هدف قوى يقول بولس الرسول:
"أقامنا معه وأجلسنا معه فى السماويات" (أف2: 6)
أقامنا معه وأجلسنا فى السماويات لأننا جسده، فإن كنت جسده يكون وجودك الحقيقى فى السماء معه، وإن كنت منفصلاً عنه يكون وجودك الحقيقى فى الأرض وللأرض.
فحينما نتكلم عن السماء التى نحن فيها، نتكلم عن حالة السماء وهذه النقطة الثانية.
يقول اغسطينوس:
"حينما نصل يا أبانا الذى فى السموات لا نرفع أنظارنا إلى فوق بل ننسحب إلى أعماقنا الداخلية".
يقول القديس كيرلس الكبير:
"ملكوت اللـه هو داخلكم لا تسألوا عن الأرض التى فيها ملكوت اللـه، وإنما كونوا مشتاقين أن توجدوا مستأهلين له لأنه فى داخلكم، أى يعتمد على إرادتكم، وفى سلطانكم أن تقبلوه وأن ترفضوه".
السماء إذن فى داخلنا، وصعود المسيح ليجذبنا من أعماقنا أى يجذب إرادتنا وحياتنا إليه.
الحياة تتشكل بما تفعل، فالإرادة والانفعالات والأفكار التى تكون سمائية تجعل الإنسان سمائى.
كل عمل روحى ولو بسيط يدخلك فى المجالات الروحية.
إن اللـه يعدك فى هذه الأرض بكل الوسائط لكى ترث المجد وتدخل المدينة المقدسة، كما أعد الشعب الذى حمل اسمه بعد أن أخرجه من العبودية.
أعطاه كلماته- المن- الماء- الانتصار- أظهر له ذاته بالبهاء والمجد- سكن وسطه فى الخيمة.
وطلب منه: حفظ خصوصية العالم- الإيمان- التسبيح- السلوك حسب الوصايا- رفض إلهة العالم.
لذلك اهرب من كل التأثيرات التى تجذبك للأرض العثرات- الخطية واعتيادها- صورة الترابين.
ويطلب منك أن تصعد دائماً إلى وطنك السماوى بالصلاة- التوبة وأعمال الأمانة- المعرفة الروحية بإرشاد روح اللـه من الكتاب المقدس وطريق الآباء وحفظ الوصايا. هذا ما يجعلنا فى السماء حين نتمم إرادته "فإن رأيتم ابن الإنسان صاعداً إلى حيث كان أولاً، الروح هو الذى يحى أما الجسد فلا يفيد شيئاً، الكلام الذى أكلمكم به هو روح وحياة" (يو6: 61)
فلا يوجد سبيل للحياة فى السماء دون عمل إرادة اللـه، أما الأوضاع التوفيقية بين إرادة البشر وإرادته لا ينفع.
أما أن تكون سماء أو تراب، وهذا يتضح من حياتك فأى إرادة تتممها، إرادة الظلمة أو النور.
عمل الروح القدس
+ فعل الروح القدس لا يخضع لعقلنا البشرى " العالم لا يراه " فليس له صورة ملموسة انفعالية. فإيليا خرج على باب المغارة ولم يكن الله في الزلزلة …ولكنه جاء مع هواء خفيف ( مل 19)
+ روح الله يخلق كل شئ جديدا .
+ روح الله يرف على وجه المسكونة .
+ نفخ في وجه نسمة حياة …
+ وهو أيضا الذي حل على التلاميذ ليعطى إمكانيات الخليقة الجديدة .
+ الأنبا مقار : " لقد ولدنا من أحشاء الروح القدس في الحياة الأبدية " .
1) عمل الشركة مع الله والأخر :
المسيح يحل فينا من خلال روحه القدس
" أرسل الله روح ابنه إلي قلوبنا " ( غل 6:4)
" تتأيدون بالقوة بروحه ليحل المسيح بالإيمان في قلوبكم " ( أف 17:3)
+ كيرلس الكبير : " لقد تغيرنا إلي شكل المسيح روحيا وأيضا جسديا لان المسيح يحل فينا أيضا بالروح القدس وبسر الافخارستيا "
+ بالروح القدس يتم الشركة " لقد صرنا شركاء المسيح بواسطة الروح القدس .
" ذاك يمجدني لانه يأخذ مما لي ويخبركم "
" نتغير من مجد إلي مجد كما من الرب الروح "
+ كيرلس الكبير : " والذين يحل فيهم الروح القدس يجعلهم مشابهين للابن الذي هو صورة الأب " .
- النسك المسيحي ليس عمل فردى تعذيبي للنفس أو عقاب على الخطايا أو عمل ضد الجسد ولكنه عمل إعلاء للروح ولتهيئة الجسد أن يحل فيه روح الله فالنسك إذن هو عمل استعداد لروح الله .
- النسك المسيحي هو استجابة الإنسان لعمل روح الله بحياة غير خاضعة لقانون المادة والأرض ، وغير مرتبط بحبال الشر ولا لصور الآثم . بل مشتاقة إلي حياة القداسة ومنجذبة إلي الأبدية .
· قانون : " كل عمل إلهي يأتي لنا من الأب في الابن بواسطة الروح القدس "
2) الروح القدس يعمل لاستمرار عمل الأسرار :
- جحد الشيطان الدائم والانتماء إلي جسد المسيح .
- إشعال الروح للصلاة والارتباط بالمسيح .
- المحافظة على عمل الافخارستيا .
- عمل التوبة الدائم والشعور بالفتور من الخطية .
- الحفاظ على البيت المسيحي لعمل سر الزيجة .
- للعمل مع الكاهن لممارسة الأسرار .
- مسح المريض لعمل الشفاء وانتهار أرواح المرض .
+ ق. باسيليوس الكبير " كل الخليقة تتجه نحو ه في عوز وفقر شديد لتقديسه .
كل الخلائق التي تتنفس الحق هي تابعة له بالضرورة ، وملحقة به ينعشها بالإلهام ويقودها برفق حتى يبتغها غايتها الكاملة .
هو الثقة لكل الأشياء ، والساكب الحياة على العالم .
حضرته كلية الزمان والمكان فلا وجود لشيء إلا به .
مصدر التقديس والنور الذي لا يدرك إلا بحاسة العقل الروحي .
الكل يتعزى به كقدر طاقته لا كقدر طاقة الروح في ذاته .
هو القوة التي تقيم الحياة .
وهو الذي بواستطه اقتبل الإنسان حالة التبني وتحول فيه الموت إلي عدم الموت "
حيث يوجد روح الله يوجد إنكار الذات والمحبة والقداسة.
" محتملين بعضكم بعضا …… تحفظوا وحدانية الروح برباط الصلح الكامل " ( أف 4: 2،3)
عمل روح الله فينا هو : دفعنا دفعا في الطريق كي نتخلص من العالم ويشكلنا إلي ملامح المسيح لنكون إنسانيتنا مخلوقة جديدة فيه .
" نتغير إلي تلك الصورة عينها من مجد إلي مجد كما من الرب الروح " .
3) الروح القدس يملأ الإنسان بالسلام .
" كلمتكم بهذا كي يثبت فرحى فيكم " ( يو 11:5) " ثمر الروح محبة فرح سلام " ( غل 22:5)
+ الأنبا انطونيوس : " حينما يسكن الروح فيهم فانه يهبهم راحة أو يجعل نير الرب حلوا لهم جدا ولا يخافون من أي شئ لان فرح الرب يكون فيهم نهارا وليلا .. وتغلب النفس بالفرح جميع أعدائها الروحيين وتنتصر عليهم " .
كل صوت لوصية الله داخلك هو صوت الروح القدس .
كل صوت يدفعك للصلاة والشركة الروحية هو صوته . ويزداد صوت الروح القدس مع كل خضوع إرادتك له ويقبل رفضك له .
* الشعور بالفرح والسلام في الطريق
+ الأنبا مقار : " لانه ما هو الملكوت الداخلي إلا فرح الروح . هذا الذي يتفق بقوة في النفوس المستعدة . وهذا الفرح وهذه الراحة المثمرة هو نفس ما يتذوقه المختارون في الفردوس " .
4) يقــــــــود الحيـــــــاة
+ ق. اغريغوريوس النزيزى : " أنا فتحت فمي واجتذبت لي الروح القدس ثم أعطيته نفسي وكل ما في ، نشاطي وسكوني ، كلامي وصمتي ، الكل سلمته للروح القدس ولا اطلب إلا أن يسندني ويقودني . يوجه عقلي ولساني ويدي إلي الحق كما يشاء ويضبطني في حدود الصواب والمنفعة .
أنا آلة الله . الله عاقلة ، آلة مشدودة باليد الحاذقة يد الروح القدس " .
وهذه علامة على حركة الروح القدس داخل الإنسان .
" لان ناموس روح الحياة في المسيح يسوع قد أعتقني من ناموس الخطية والموت " ( رو 2:8)
فالروح القدس هو الذي يجعل الحياة الروحية عملية . ويستطيع أن يحول الإيمان الحي والواثق والعامل في الأمور الروحية إلي ثمر وقوة للحياة . وهذه الحالة تتم داخل النفس بصورة غير مرئية وغير مدركة .
" تمموا خلاصكم بخوف ورعدة لان الله هو العامل فيكم أن تريدوا أن تعملوا من اجل المسرة " ( في 63:2)
حينها تنفتح العيون على بشاعة الخطية إذ تأخذ العيون روحانيتها فتنكشف أعمال النجاسة والحقد ونتانة الخطية ، فيهرب الإنسان بلا صراع ويكون عمل الروح القدس هو السبب .
ثم يحذر من الدخول في أي مجال للخطية ، وحينما يدخل الإنسان في مجالات العثرة هذا يعنى أن الروح ضعيف
- لذلك كان الإيمان بدون أعمال ميت لان إيمان لا يعمل فيه الروح القدس فلا يمكن أن يكون فيه حياة .
عوائق عمله
1) عدم العمل و الجهاد ضد النفس .
2) عدم القبول ( عدم الاستعداد ) .
+ القديس الأنبا مقار : " من يريد أن يكون مسكننا للمسيح ويمتلئ بالروح القدس ويكمل وصايا الرب . انه يجب ان يغصب نفسه على تذكر الرب وكيفية حياته ويسعى أن يحفظ وصاياه ويدفع قلبه إلي ذلك على قدر طاقته .
فحينئذ يظهر له الرب الرحمة وينقذه من أعدائه ومن الخطية الساكنة فيه ثم يملأه بالروح وفيما بعد ذلك يستطيع أن يفعل وصايا الرب بالحق بلا اغتصاب أو صعوبة وانما هو الرب نفسه الذي يفعل وصاياه فيه وحينئذ يخرج ثمار الروح بطهارة "
ولكن عدم قبول صوت روح الله يؤدى إلي دخول في شركة روح إبليس الذي يعمى أذهان غير المؤمنين ، ويحقر كل ما هو مقدس .
بدون عمل الروح القدس يحيا الإنسان في لا مبالاة ولا يشعر بمشكلة وتكون الوصية هي المعيار الذي يشير إليه الروح القدس .
حيث الاستجابة لروح الله توجد القداسة وتأخذ سلطان على إبليس . - وحيث الرفض لروح الله يوجد سلطان إبليس وقوته .
من أقوال القديس أغسطينوس :
حينما كان المسيح على الأرض كان يصنع كل شىء لحسابنا
وحينما صعد للسمــــاء صرنـــا نحن نصنع كل شىء لحسابه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.