جاسوسان على السطح
القمص تادرس يعقوب ملطي
دعا الله اليهود قديمًا شعبه المختار، ولكنهم إذ رفضوا السيد المسيح بعد ذلك لم يعودوا شعبه المختار.
عمل خطير!
قديمًا قاد الله شعبه في البرية لمدة 40 عامًا. وأخيرًا عسكروا في أرض موآب، شرق نهر الأردن.
عرف موسى النبي أن وقت نياحته (موته) قد اقترب جدًا، وأنه لا يدخل أرض الموعد، وبأمر إلهي وضع يده على رأس تلميذه يشوع الذي كان مملوءً حكمة.
قال الله ليشوع، القائد الجديد:
"تشدَّدُ وتشجَّعْ.
كما كنت مع موسى أكون معك.
فإنك ستدخل بالشعب إلى الأرض التي وعدتهم بها.
آمن يشوع بالرب، وأخبر الشعب كله بما سمعه:
"تحدث الله معي،
إنه وقت لعبور نهر الأردن، ونستلم الأرض التي وهبنا الله إياها.
بينما كان الشعب يتحرك من هنا وهناك بسرعة، كل واحدٍ منهم منشغلاً بحزم أمتعته استعدادً للرحيل، التقى يشوع بجاسوسين سرًا، وقال لهم:
"لدي عمل لكما هام وخطير للغاية.
أود أن تعبرا النهر وتدخلا مدينة أريحا سرًا، لكي تقدما تقريرًا عن هذه المدينة المحصنة بأسوار ضخمة عالية، وعن الأرض التي حولها.
فإنه يقطن في المدينة أناس أقوياء، سيقفون أمامنا ويحاربون".
اضطرب الشخصان جدًا. وقال أحدهما للآخر:
"جاسوسين!
نصير جاسوسين لأجل الله!
إنه أمر خطير، لكن الله يحمينا".
في أريحا
عند الظهيرة عبر الجاسوسان نهر الأردن، وقفا في بداية الليل أمام أسوار أريحا الضخمة، فإنه لم يكن سهلاً عليهما أن يدخلا المدينة.
كان كثيرون يدخلون ويخرجون من أبواب المدينة. اختفى الجاسوسان بينهم حتى لا يلاحظ أحد أنهما غريبان.
قال أحدهما للآخر:
"يَلْزمنا أن نجد مكانًا نبيت فيه الليلة، فقد صار الوقت متأخرًا.
إني أخشى أن يرانا أحد، ويخبر الملك، فنموت.
انظر! ها هو منزل مبني على السور، وله نافذة خلفية، يمكننا أن نهرب منها ولا يرانا أحد. هلم نرى إن كنا نجد فيه موضعًا لنا".
رحّبت راحاب صاحبة المنزل بهما عندما دخلا إليها، وقالت لهما:
"هل أنتما الجاسوسان اللذان يبحث عنكما الملك؟"
خاف الجسوسان جدًا، وفكرا قائليْن:
"هل أتينا إلى الفخ بأرجلنا؟"
أدركت راحاب ما يفكر فيه الجاسوسان، إذ ظهرت علامات الارتباك عليهما، وبابتسامة عذبة قالت لهما:
لا تخافا!
فإني سأخفيكما!
إني سعيدة بحضوركما في بيتي،
فإن الملك والمشيرين والجند وكل الشعب في خوف.
لقد سمعنا عن شعبكما،
وعن إلهكما الذي يعمل عجائب كثيرة لأجلكم.
سمع كل واحد كيف أعانكم الله للغلبة على أعدائكم.
لقد وهبكم النصرة.
إنه إله السماء.
هذا ما يدفعني أن أساعدكما!"
صمتت راحاب قليلاً، ثم استرسلت في الحديث:
"إني أعترف لكما إنني كل يوم أقف على سطح بيتي وأتطلَّع من بعيد لأرى شعبكما من بعيد وراء نهر الأردن، في موآب.
كنت ومازلت أقول في نفسي: "يا لهذا الشعب السعيد بإله السماء والأرض.
هل يمكنني أن أؤمن به وألمس محبته؟!
أنا أعترف بكثرة خطاياي... وأثق أن الله يغفرها لي.
لقد مَللْتُ الخطية، فهي مغرية، لكنها مُفْسِدة، لا تُشْبع قلبي!
أود أن أترك عبادة البعل، وأعبد الله الحيّ!"
بينما كانت راحاب تتحدث مع الجاسوسين وهما يُنْصِتان إليها ويمجدان الله، إذ بصوت ضجيج في الشارع يقترب نحو البيت. كان الجند يجرون نحوه.
قالت راحاب لهما: "أسْرِعا! اِصْعدا إلى السطح، واختفيا بين عيدان الكتان حتى يعبر الجند".
أسْرَعا نحو السطح، وغطتهما راحاب بالعيدان. رقد الاثنان وكانا يُنْصِتان ويترقَّبان ماذا يحدث.
مع الجند
صرخ الجند وهم يضربون على الباب بعنف:
"راحاب!
افتحي باسم الملك!"
قالت راحاب:
"ماذا تريدون؟"
أجاب الجند:
"لقد أرسلنا الملك لكي نخبرك أن تُسلَّمي لنا الرجلين اللذين جاءا هنا، وأنتِ تأويهما. فإننا نظن أنهما جاسوسان لحساب الجيش العبراني. لقد جاءا لكي يستكشفا المدينة كلها".
في هدوء قالت راحاب:
"نعم.
لقد جاء الرجلان قبل الظلام.
إنني أود مساعدة الملك.
بالحقيقة كنتُ أود ذلك، لكن للأسف لقد تركاني، ولا أستطيع أن أخبركما أين ذهبا.
لقد خرجا ليس من وقت طويل.
لقد أرادا أن يعبرا الأبواب قبل حلول الليل.
انظروا فإنه يوجد وقت للخروج وراءهما إِنْ أسْرعتم الحركة".
تنفَّس الجسوسان الصعداء، قائلَيْن في نفسيهما:
"هل يُصدّقانها الجند؟ هل يبحثوا عنهما؟ هل يأتوا إلى السطح؟"
لقد سمعا أن الجند يخرجون من المنزل مندفعين وقد أغلقوا باب المدينة وراءهم. وإذ اطمأنَّتْ راحاب جاءت وأخرجتهما من مخبأهما.
سألها أحدهما: "لماذا فعلْتِ هكذا؟"
أجابت راحاب:
"أنا أعلم أن الله قد أعطاكما هذه الأرض.
الآن قَدِّما لي وعدًا أن تنقذاني أنا وأهل بيتي عندما تستوليان على أريحا".
قال الجاسوسان:
"لقد ساعَدْتِنا، فسنساعدك.
ضَعي حبلاً قرمزيًا (أحمر) على النافذة، وتأكدي أنكِ أنتِ وكل أهل بيتك داخل هذا المنزل عندما نهاجم أريحا، فلا يصيبكم ضررًا".
وضعت راحاب على النافذة التي على السور حبلاً قرمزيًا (أحمر) وكان قويًا، به نزل من السور وهربا.
لقد استخدم الله راحاب لكي ينقذهما، وبعون الله أنقذاها عندما عادا إلى أريحا واستولى الشعب عليها.
بالإيمان خلص الجاسوسان،
وبالإيمان خلصت راحاب، وجاء فيما بعد ربنا يسوع من نسلها.
حوار مع يشوع
عاد الجاسوسان إلى يشوع، وبفرح صرخا، قائلَيْن:
"الشعب كله يخافنا!
إننا حتمًا سننتصر!"
فرح يشوع بما سمعه من تقرير الجاسوسين، وابتهج جدًا إذ عرف أنه توجد إنسانة واحدة مؤمنة في المدينة.
غير أن بعضًا من الشعب قالوا:
"أين هو الجسر لكي نعبر به نهر الأردن؟"
قال الطفل الصغير:
"ربما يُجفِّف الله الماء كما أخبرتمونا إنه فعل هكذا قديمًا بالبحر الأحمر".
قال يشوع:
"حتمًا يتحرك الله معنا،
وهو يجرُّ الماء إلى خلف.
لا تخافوا فإن الله هو واهب النصرة!"