أوشية القرابين
تُصلي الكنيسة أوشية القرابين (الكبيرة) في رفع بخور باكر بعد أوشية المرضى وبدلاً من أوشية المسافرين، وذلك في الأيام التي يُقام فيها القداس بعد باكر مباشرة، وهي الأيام التي ليس فيها صوم انقطاعي (الأعياد والآحاد وأيام الفطر).
أما إن كان هناك صوم إنقطاعي، فالمفترض أن يكون القداس متأخرًا فتُصلي الكنيسة أوشية المسافرين بعد أوشية المرضى في رفع بخور باكر، وتُؤجل أوشية القرابين فتُصلى سرًا قبل سر بخور الإبركسيس.
وكلمة "قربان" تُعني "هدية"، فعندما نُقدِّم لله قرابيننا فإننا نُقدِّم له عطايانا وهدايانا، ولأننا نُؤمن أن كل الأشياء هي عطية من الله لنا فإننا نقول له: "نُقدِّم لك قرابينك من الذي لك"، كمثلما قال داود النبي: "لأنَّ مِنكَ الجميعَ ومِنْ يَدِكَ أعطَيناكَ" (1أخ29: 14). "أيُّها الرَّبُّ إلهنا، كُلُّ هذِهِ الثَّروَةِ التي هَيّأناها لنَبنيَ لكَ بَيتًا لاسمِ قُدسِكَ، إنَّما هي مِنْ يَدِكَ، ولكَ الكُلُّ" (1أخ29: 16).
X فالقرابين التي نُقدِّمها لله ليست فقط هي (الخبز والخمر)، ولكن كل ما يُقدَّم في الكنيسة. وهذا واضح في نص مَرَد الشماس في أوشية القرابين:
"اطلبوا عن المهتمين بالصعائد (ما نصعده إلى الله) والقرابين والبكور (أول أي إنتاج) والزيت (للقناديل) والبخور والستور وكتب القراءة وأواني المذبح... الخ".
ونحن نُقدِّم أيضًا الوقت والجهد والاهتمام والمال والخدمة ... وكل مجهود من أجل مجد الله وبنيان الكنيسة.
وتقديم هذه العطايا يُعبِّر عن إيماننا أن كل الأشياء هي من الله، وهي أيضًا له.
فمثلاً تقديم العشور يُعني أنني أرُد إلى الله كل ما أعطاني من مرتب أو إيراد أو إنتاج، ثم أستلم من يده الإلهية تسعة أعشار على سبيل المكافأة .. فيصير ما في يدي مُعطى لي من الله وليس من الناس، وهذا هو سبب البركة .. "هَاتوا جَميعَ العُشورِ إلَى الخَزنَةِ ليكونَ في بَيتي طَعامٌ، وجَرّبوني بهذا، قالَ رَبُّ الجُنودِ، إنْ كُنتُ لا أفتَحُ لكُمْ كوَى السماواتِ، وأفيضُ علَيكُمْ بَرَكَةً حتَّى لا توسَعَ" (ملا3: 10-11). ويدخل في نطاق القرابين أيضًا النذور والبكور والنوافل (ما زاد عن المطلوب) وكل ما يُقدَّم لله. لذلك تُصلي الكنيسة من أجل هؤلاء الذين تعبوا وقدموا هذه القرابين.
X وتوجد أوشيتان للقرابين صغيرة وكبيرة (من حيث حجم الصلوات).
الأوشية الصغيرة نُصليها في القداس الباسيلي قبل المَجمَع، وكذلك في بداية القداس مع تقدمة الحَمَل .. فيقول الأب الكاهن:
"اذكر يارب الذين قدَّموا لكَ هذه القرابين (أصحاب العطايا أنفسهم)، والذين قُدمت عنهم (سواء الراقدين أو المرضى أو المتضايقين أو مَنْ أمرونا أن نُقدِّم من أجلهم)، والذين قُدِّمت بواسطتهم (الكاهن والشماس والشعب الحضور). أعطهم كلهم الأجر السمائي (الأبدية السعيدة).
لقد وعد الله أن لا يضيع أجر الخدمة حتى ولو كانت كأس ماء بارد فقط.. "ومَنْ سقَى أحَدَ هؤُلاءِ الصغارِ كأسَ ماءٍ بارِدٍ فقط باسمِ تِلميذٍ، فالحَقَّ أقولُ لكُمْ: إنَّهُ لا يُضيعُ أجرَهُ" (مت10: 42).
X أما الأوشية الكبيرة فهي التي نُصليها في باكر أو قبل الإبركسيس، ويقول فيها الأب الكاهن:
"اقبلها إليك على مذبحك المُقدَّس الناطق السمائي رائحة بخور .. "كما أحَبَّنا المَسيحُ أيضًا وأسلَمَ نَفسَهُ لأجلِنا، قُربانًا وذَبيحَةً للهِ رائحَةً طَيبَةً" (أف5: 2)، تدخل إلى عظمتك التي في السموات بواسطة خدمة ملائكتك ورؤساء ملائكتك الأطهار "أُلوفُ أُلوفٍ تخدِمُهُ، ورَبَواتُ رَبَواتٍ وُقوفٌ قُدّامَهُ" (دا 7: 10). وكما قبلت إليك قرابين هابيل الصديق "وقَدَّمَ هابيلُ أيضًا مِنْ أبكارِ غَنَمِهِ ومِنْ سِمانِها. فنَظَرَ الرَّبُّ إلَى هابيلَ وقُربانِهِ" (تك4: 4)، وذبيحة أبينا إبراهيم (تك22)، وفلسي الأرملة "جاءَتْ أرمَلَةٌ فقيرَةٌ وألقَتْ فلسَينِ، قيمَتُهُما رُبعٌ. فدَعا تلاميذَهُ وقالَ لهُمُ: الحَقَّ أقولُ لكُمْ: إنَّ هذِهِ الأرمَلَةَ الفَقيرَةَ قد ألقَتْ أكثَرَ مِنْ جميعِ الذينَ ألقَوْا في الخِزانَة، لأنَّ الجميعَ مِنْ فضلَتِهِمْ ألقَوْا، وأمّا هذِهِ فمِنْ إعوازِها ألقَتْ كُلَّ ما عِندَها، كُلَّ مَعيشَتِها" (مر12: 42-44). هكذا أيضاً نذور عبيدك اقبلها إليك أصحاب الكثير وأصحاب القليل الخفيات والظاهرات والذين يريدون أن يقدّموا لك وليس لهم، والذين قدّموا لك في هذا اليوم هذه القرابين.
أعطهم ما لا يفسد عوضًا عن الفاسدات، السمائيات عوض الأرضيات، الأبديات عوض الزمانيات. بيوتهم ومخازنهم إملأها من كل الخيرات. أحطهم يارب بقوة ملائكتك ورؤساء ملائكتك الأطهار. وكما ذكروا اسمك القدوس على الأرض اذكرهم هم أيضًا يارب في ملكوتك وفي هذا الدهر لا تتركهم عنك".
هذه الأوشية تُصلى بلحن بديع للغاية يحمل معنى التوسل والإلحاح والطلب الودود إلى الله، لكي يكافئ كل مَنْ يحثه قلبه على العطاء، فتمتلئ الكنيسة بالخير الذي يُوزع على الفقراء، ويساهم في استمرار الخدمة بالكنيسة ومعيشة الخدام حيث قيل: "ألستُمْ تعلَمونَ أنَّ الذينَ يَعمَلونَ في الأشياءِ المُقَدَّسَةِ، مِنَ الهيكلِ يأكُلونَ؟ الذينَ يُلازِمونَ المَذبَحَ يُشارِكونَ المَذبَحَ؟" (1كو9: 13).
إن مَنْ يسمع كلمات هذه الأوشية والمكافآت التي تطلبها الكنيسة لكل مَنْ يُعطي من جهده ووقته وماله لخدمة الكنيسة والفقراء، فإن قلبه يأكله أن يضاعف العطاء حبًا في المسيح، واعترافًا بفضله، وأنه مالك كل الأشياء .. له المجد الدائم آمين.
القداس الإلهي
لنيافة الأنبا رافائيل
لنيافة الأنبا رافائيل