يوم الكفارة العظيم [ لاويين 16 ]
مقدمة
إن كانت بعض الشعوب قد تعرفت خلال التقليد على الذبائح الدموية ، إذ تسلموها عن نوح وبنيه الثلاثة ، وقد شوهوا مفاهيمها وغايتها ، لكن الشعب اليهودى قد أنفرد بطقس " يوم الكفارة العظيم " الذى عبثا نجد ما يشبهه لدى أى شعب آخر .
قبل تعرضنا لتفسير الإصحاح السادس عشر من سفر اللاويين الخاص بهذا اليوم الفريد نود تسجيل بعض الملاحظات عن هذا اليوم من جهة أهميته وغايته والإستعداد له وطقوسه .
أهميته :
كان لأهمية هذا اليوم وشهرته عند اليهود أن علماء التلمود دعوه " اليوم " كما جاء فى عب 7 : 27 ، وأيضا كما قيل " الصوم " فى سفر الأعمال ( 27 : 9 ) ، إذ لا يحتاج إلى تعريف . لعلهم كانوا يتطلعون إليه كما نتطلع نحن إلى يوم " الجمعة العظيمة " بكونه يوم الكفارة العظيم ، الذى فيه نرى رئيس كهنتا الأعظم يشفع بدمه الثمين عن العالم كله ، ليدخل بمؤمنيه منهم إلى سماء السموات ، فيكون لهم موضع فى حضن أبيه السماوى ، أو لعله يمثل يوم عماد السيد المسيح الذى فيه أدخلنا إلى التمتع بالسماء المفتوحة خلال اتحادنا مع الآب فى إبنه المدفون فى مياة المعمودية القائم من الأموات وتمتعنا بالبنوة بروحه القدوس .
وتظهر أهميته أيضا من دعوته " سبت السبوت " أو " سبت الراحة " ، وكأن فيه تتحق الراحة التامة بكونه " عيد الأعياد " . يظهر ذلك بارتباطه بعيد المظال الذى يحسب خاتمة السنة اليهودية الدينية حيث يقيمون فيه فرحهم بالحصاد وشكرهم لله فى الخامس عشر من الشهر السبتى أو السابع آخر شهورهم ، يسبقه " يوم الكفارة العظيم " فى اليوم العاشر حيث يعلن كمال المصالحة بين الله وشعبه ، وتقديس كل الجماعة لكى تتهيأ للفرح الكامل وتقدر أن تقدم ذبيحة شكر لله فى عيد المظال . وإن عرفنا أن عيد المظال قد صار فيما بعد رمزا لضم الأمم للعضوية فى الكنيسة المقدسة ، يكون يوم الكفارة ( الصليب ) هو الطريق الذى فيه تم هذا العمل العظيم . هذا ويليق بنا أن نذكر أن السنة اليوبيلية ، " سنة التحرر الكامل " كانت تعلن لنا دائما فى يوم الكفارة .
ولأهمية هذا اليوم كان شيوخ السنهدريم السبعون يدربون رئيس الكهنة الجديد على طقوسه وتحفيظه جميع الأمور المتعلقة به .
هذا وسنرى خلال طقوسه الفريدة التى يمارسها رئيس الكهنة بنفسه خلال تطهيرات مستمرة غير منقطعة مع صوم الشعب اليوم كله كيف يكشف عن دور هذا اليوم فى حياة الشعب القديم وما حمله إلينا من رموز روحية نبوية تمس علاقتنا بالله وخلاصنا الأبدى
غايته :
" كفارة " فى العبرية " كبوديت " ، تعنى " تغطية " أو " ستر " ، إذ فى هذا اليوم تغفر الخطايا ويستر على الإنسان بالدم الثمين ، فيكفر رئيس الكهنة عن نفسه وعن الكهنة وعن كل الجماعة بل وعن الخيمة وكل محتوياتها تكفيرا عاما وجماعيا عن كل ما سقطت فيه الجماعة ككل أو كأعضاء طوال العام . تختم شريعة هذا اليوم بالقول :
" ويكفر الكاهن الذى يمسحه ... ويكفر عن مقدس القدس ، وعن خيمة الإجتماع والمذبح يكفر ، وعن الكهنة وكل شعب الجماعة يكفر ، وتكون هذه لكم فريضة دهرية للتكفير عن بنى إسرائيل من جميع خطاياهم مرة فى السنة " ( ع 32 – 34 ) .
الإستعداد ليوم الكفارة :
كان رئيس الكهنة وحده يقوم بخدمة ذلك اليوم فى طقس طويل بعد استعداد طويل ، يساعده أكثر من خمسمائة كاهن . كان رئيس الكهنة يقضى السبعة أيام السابقة ليوم الكفارة فى حجرة داخل الهيكل خارج بيته . وفى مدة هيكل سليمان كان شيوخ السنهدريم يلازمونه ويقرأون عليه أوامر الرب الخاصة بهذا اليوم مرارا وتكرارا . وكان يستظهرها حتى يحفظها جيدا ويتدرب على إدائها ... وفى الليلة السابقة لليوم كان يظل مستيقظا حتى الصباح حتى لا يتعرض لحلم عارض ليل يدنس جسده ، وكان الكهنة والشيوخ حوله حتى لا يغفل أو ينعس .
ولما كان رئيس الكهنة يقوم بالخدمة وحده دون أن يراه أحد فى قدس الأقداس ، لذلك كان الكهنة والشيوخ يستحلفونه هكذا : " نستحلفك بمن أسكن إسمه فى بيته أنك لا تغير شيئا من كل ما نقوله لك " .
طقوس يوم الكفارة :
يقوم رئيس الكهنة بأربع خدمات :
أ – خدمة الصباح اليومية أو الدائمة على مدار السنة ، وهى خاصة بالكهنة ، لكنه فى هذا اليوم يقوم بها رئيس الكهنة بنفسه .
عند منتصف الليل تلقى قرعة ليقوم الكاهن برفع الرماد عن المذبح حتى لا تقدم ذبائح يوم الكفارة على رماد قديم ، ولتمييز هذا اليوم عن الأيام العادية . ثم يأخذون رئيس الكهنة إلى المغسل لغسل جسده ثم يغسل يديه ورجليه . يذكر التقليد اليهودى أن رئيس الكهنة يغتسل 5 مرات فى هذا اليوم وعشر مرات يغسل يديد ورجليه ، وأنه لا يغتسل فى الحمام العادى وإنما فى إناء ذهبى مخصص لهذا الغرض .
هذا وإن كان شيخا يحتاج إلى مياة دافئة ، يسكبون فى الإناء ماء ساخنا للتدفئة أو يضعون فى المياة حديدا ساخنا لذات الغرض .
يلبس رئيس الكهنة الملابس الفاخرة التى للمجد والبهاء ( خر 28 ) ، ويدخل القدس ويصلح السرج ويرفع البخور ، ثم يقدم المحرقة الدائمة خروفا حوليا مع تقدمة عشر من الدقيق الملتوت بربع الهين من الزيت المرضوض وسكيبه ربع الهين من الخمر ( خر 29 : 38 – 42 ) ، وكانت هذه تضاعف إن كان اليوم سبتا ( عد 28 : 9 ، 10 ) .
ب – خدمة الكفارة العظيم ... وهى الخدمة التى وردت تفاصيلها فى الإصحاح السادس عشر ، نتعرض لها اثناء التفسير .
ج – خدمة تقديم الذبائح الإضافية المقررة لهذا اليوم ( ع 29 : 7 – 11 ) حيث يقدم رئيس الكهنة محرقات إضافية وهى ثور وكبش وسبع خراف حولية وتقدمتها ثلاثة أعشار دقيق ملتوت بالزيت عن الثور وعشران عن الكبش وعشر عن كل خروف ، وسكائبها من الخمر نصف الهين عن الثور وثلث الهين عن الكب وربع الهين عن الخروف الواحد . كما يقدم ذبيحة خطية أخرى من تيس من المعز .
د – خدمة المساء اليومية أو الدائمة تماثل خدمة الصباح ، يقوم بها رئيس الكهنة بملابسه الفاخرة .
السيد المسيح والكفارة :
إذ حمل كلمة الله جسدنا جاء إلينا فى عالمنا ليعيش فى وسطنا وكأنه قضى عاما يختمه بيوم الكفارة العظيم ، فيكفر عن خطايانا ويحملنا إلى حضن أبيه ، مستشفعا فينا كرئيس الكهنة السماوى لا خلال دم ثيران وتيوس بل بدمه .
يقول العلامة أوريجانوس : [ تأمل أن الكاهن الحقيقى هو الرب يسوع المسيح ( عب 4 : 14 ) الحامل الجسد كمن يقضى عاما كاملا مع شعبه ، إذ يقول بنفسه : " روح السيد الرب على لأن الرب مسحنى لأبشر المساكين ، أرسلنى لأعصب منكسرى القل ، لأنادى المسبيين بالعتق وللمأسورين بالإطلاق ، لأنادى بسنة مقبولة للرب " ( إش 61 : 1 ، 2 ) . فى هذه السنة دخل فى يوم الكفارة مرة واحدة إلى قدس الأقداس ( خر 30 : 10 ) عندما أكمل رسالته وصعد إلى السموات ( عب 4 : 14 ) عن يمين الآب ، لحساب الجنس البشرى ، يشفع فى كل المؤمنين به . يتحدث الرسول يوحنا عن هذه الكفارة التى لحساب البشر فيقول : " يا أولادى أكتب إليكم هذا لكى لا تخطئوا ، وإن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار وهو كفارة لخطايانا " ( 1 يو 2 : 1 ، 2 )
إذ يمتد يوم الكفارة حتى الغروب ، أى حتى نهاية العالم ، نقف أمام الباب ننتظر كاهننا الذى تأخر داخل قدس الأقداس ، أى أمام الآب ( 1 يو 2 : 1 ، 2 ) يفع فى خطايا الذين ينتظرونه ( عب 9 : 28 ) . لكنه لا يشفع فى خطايا الجميع ، إذ لا يشفع فيمن هم من طرف التيس المرسل فى البرية ( لا 16 : 9 ، 10 ) بل الذين هم من طرف الرب وحدهم ، الذين ينتظرونه أمام الباب ، لا يفارقون الهيكل عابدين بأصوام وطلبات ليلا ونهارا ( لو 2 : 37 ) .
+ + +
يوم الكفارة العظيم [ لاويين 16 ]
( 1 ) الدخول إلى قدس الأقداس : إذ خرجت نار من عند الرب وأكلت إبنى هرون ناداب وأبيهو لأنهما قدما نارا غريبة ( لا 10 ) حدث رعب شديد عند هرون وإبنيه الآخرين ، إذ خاف الكل من اللقاء مع الله ، فجاءت شريعة يوم الكفارة العظيم تعلن عن الإستعدادات اللازمة لرئيس الكهنة ليدخل باسم الجماعة كلها إلى قدس الأقداس مرة واحدة ، إذ قيل :
" وقال الرب لموسى : كلم هرون أخاك أن لا يدخل كل وقت إلى القدس داخل الحجاب أمام الغطاء الذى على التابوت لئلا يموت ، لأنى فى السحاب أتراءى على الغطاء " ع 2
لم يكن ممكنا حتى لرئيس الكهنة أن يدخل قدس الأقداس ليقف أمام غطاء تابوت العهد حيث يتراءى الله هناك على الغطاء ، بين الكاروبين ، على " كرسى الرحمة " ... إنما يدخل مرة واحدة فقط كل سنة بعد ممارسة طقس طويل ودقيق واستعدادات ضخمة حتى لا يحسب مقتحما للموضع الإلهى ويموت . هذا العجز سره ليس إنحجاب الله عن شعبه أو كهنته ، إنما هو ثمر طبيعى لفسادنا البشرى الذى أعاقنا عن اللقاء مع العروس . وكما يقول الرسول بولس : " معلنا الروح القدس بهذا أن طريق الأقداس لم يظهر بعد " ( عب 9 : 8 ) . كان الأمر يحتاج إلى عمل إلهى ، هذا هو ما تم بالمسيح يسوع ربنا رئيس الكهنة الأعظم الذى دخل بنا إلى مقدسه السماوى ، قدس الأقداس الحقيقى . فطقس يوم الكفارة بكل دقائقه هو ظل لعمل السيد المسيح الذى شق حجاب الهيكل ونزع العداوة بين السماء والأرض ، وصالحنا مع أبيه القدوس .
لم يكن ممكنا لرئيس الكهنة أن يدخل إلا خلال الذبيحة ، إذ قيل : " بهذا يدخل هرون إلى القدس ، بثور أبن بقر لذبيحة خطية وكبش لمحرقة " ع 3 . يلزمه أن يكفر عن نفسه كما عن الشعب . وقد ألتحمت هنا ذبيحة الخطية بكبش المحرقة .
( 2 ) ثياب يوم الكفارة :
إذ ينتهى رئيس الكهنة من الخدمة الصباحية الدائمة ليبدأ طقس يوم الكفارة يخلع ملابسه الذهبية التى للمجد ويرحض جسده ثم يرتدى ملابس كتانية خاصة بهذا اليوم ، تتكون من : قميص ، سروال ، منطقة ، عمامة ( خر 28 : 40 – 42 ) ، وهى ملابس كهنة عادية ، ربما لكى لا يتعالى أو يستكبر ، أو ليشعر أن طقس هذا اليوم إنما لنزع خطاياه مع خطايا إخوته وبنيه من الكهنة والشعب .
رئيس كهنتنا ربنا يسوع لم يكن فى حاجة إلى غسلات جسدية أو روحية ، إنه لا يلبس ثيابا كتانية فى ذلك اليوم بل سلم ثيابه يقتسمها الجند فيما بينهم ليرفع على الصليب عريانا ، فيكسونا بثوب بره . يهبنا ذاته كثوب بر نرتديه ، كقول الرسول : " لأن كلكم الذين أعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح " ( غلا 3 : 27 ) .
( 3 ) ذبائح عن نفسه وعن الشعب :
إذ يبق فقدم رئيس الكهنة ذبيحتى خطية ومحرقة عن نفسه ( ع 3 ) قل ارتدائه الملابس الكهنوتية ، نجده الآن يأخذ تيسين من المعز لذبيحة الخطية واحدا كمحرقة من مال الجماعة .
عند تقديمه ثور الذبيحة عن نفسه وعن الكهنة يعترف رئيس الكهنة بخطاياه وخطايا الكهنة ، قائلا : " أيها الإله ( يهوه ) ، لقد أخطأت وعصيت أنا وبيتى . لذلك أتوسل إليك يا الله ( يهوه ) أن تكفر عن خطاياى وآثامى ومعاصى التى ارتكبتها أمامك أنا وبيتى – كما كتب فى ناموس موسى عبدك : لأنه فى ذلك اليوم يكفر عنكم ويغسلكم ، من كل معاصيكم أمام يهوه تغسلون " .
ويلاحظ فى هذا الإعتراف يذكر اسم " يهوه " ثلاث مرات .
ويكرر الإسم " يهوه " ثلاث مرات أخرى حين يعترف على ن الثور باسم الكهنة ، مرة سابعة يذكر إسم " يهوه " عندما يعمل قرعة على التيسين ليكون أحدهما من نصيب يهوه . ثم يعترف ذاكرا الإسم ثلاث مرات أخرى حين يعترف وهو يضع يده على رأس التيس الذى يحمل خطايا الشعب . فى هذه المرات العشرة التى ينطق فيها إسم يهوه ، إذ ينطق بالإسم يسقط الواقفون بجواره بوجوههم إلى الأرض بينما تردد الجموع العبارة : " مبارك هو الإسم ، المجد لملكوته إلى أبد الأبد "
[ نلاحظ أن السيد المسيح عندما أعلن نفسه للجند وخدام الهيكل فى البستان عندما أتوا ليقبضوا عليه ؛ أنهم رجعوا إلى الوراء وسقطوا على الأرض ، وكأنه حتى فى هذه اللحظة الحرجة يحاول أن يفهم اليهود قساة القلب : من هو ؟ ] ..
بعد ذلك " يأخذ التيسين ويوقفهما أمام الرب لدى باب خيمة الإجتماع ، ويلقى هرون على التيسين قرعتين :" قرعة للرب وقرعة لعزازيل " ع 7 ، 8 . يقدم هذين التيسين كذبيحة واحدة عن الخطية ، واحد يذبح عن خطايا الشعب والآخر يطلق فى البرية لإعلان حمل الخطية ورفعها .
هناك تفاسير كثيرة لكلمة " عزازيل " ، يمكن إختصارها فى الآتى :
أولا : يرى البعض أن عزازيل إسم شخص ، يعنى به الشيطان . إن انطلاق التيس فى البرية يشير إلى قوة الذبيحة التى تتحدى الشيطان ، وكأن السيد المسيح الذبيح قد جاء ليحطم إبليس فى عقر داره .
ثانيا : الرأى الغالب أن كلمة " عزازيل " تعنى " الإقصاء التام " أو العزل الكامل ، وكأن ذبح التيس الأول يشيرإلى حمل السيد للخطية للتكفير عنها ، أما إطلاق الآخر فيشير إلى انتزاعها تماما وإقصائها بعيدا عن الشعب
ثالثا : يرى البعض فى التيس الذى يطلق فى البرية بأسم عزازيل أى " العزل الكامل " رمزا لعجز الذبيحة الحيوانية عن تحقيق الخلاص الحقيقى ، فإطلاق التيس فى البرية يعنى أن التيس قد أنطلق إلى مكان غير مسكون حتى يأتى حمل الله الحقيقى القادر وحده أن يرفع خطايانا كقول إشعياء النبى أن يهوه قد وضع إثمنا عليه ( إش 53 : 6 ) .
إن التيسين يمثلان فريقين ، يتأهل أحدهما أن يدخل دمه إلى المقدسات الإلهية ويكون من نصيب الرب ، أما الفريق الآخر فيلقى فى البرية الجافة عن كل فضيلة والقفرة من كل صلاح . هذا التمايز يظهر عندما تنتهى حياة كل واحد منا ، إذ قيل : " فمات المسكين وحملته الملائكة إلى حضن إبراهيم ، ومات الغنى أيضا ودفن ، فرفع عينيه فى الهاوية ..." ( لو 16 : 22 ، 23 ) .
الأول حملته الملائكة كخدام الرب كما إلى مذبحه المقدس ، بكونه نصيب الرب ، والثانى انطلق إلى الهاوية إلى أماكن العذاب كمن يترك فى البرية .
[ قدم التيس الأول ذبيحة للرب بينما طرد الثانى حيا . فى الأناجيل يقول بيلاطس للكهنة وللشعب اليهودى :
" من تريدون أن أطلق لكم : باراباس أم يسوع الذى يدعى المسيح ؟! " ( مت 27 : 17 ) . حينئذ صرخ كل الشعب أن يطلق باراباس لكى يسلم يسوع للموت ]
( 4 ) تقديم البخور :
يملأ رئيس الكهنة المجمرة الذهبية الخاصة به من جمر النار عن مذبح المحرقة ، وهى النار التى من لدن الرب ( لا 9 : 24 ) ، ثم يضع ملء حفنتيه من البخور العطر الدقيق " الناعم " ( خر 30 : 34 – 37 ) فى إناء صغير ذهبى ، وإذ كانت العادة أن يمسك البخور بيمينه والمجمرة بيساره ، ففى هذه المناسبة لضخامة حجم المبخرة يصرح له بالعكس أن يمسك المجمرة بيمينه والبخور بيساره ليدخل للمرة الأولى إلى قدس الأقداس بجنبه كى لا يتطلع بعينيه إلى تابوت العهد ، هنا يختفى رئيس الكهنة عن الأنظار ليبقى وحده فى قدس الأقداس . يضع المجمرة على الأرض على حجر ضخم ويملأها بخورا فيمتلىء قدس الأقداس بسحابة البخور لتحجب تابوت العهد عن عينيه فلا يموت .
يقدم رئيس الكهنة الصلاة التالية بسرعة دون إطالة حتى لا يقلق الشعب عليه :
[ إن حسن فى عينيك أيها الرب إلهنا . وإله آبائنا ، ألا يحل بنا سبى فى هذا اليوم ولا خلال هذا العام . نعم وإن حل بنا سبى هذا اليوم أو هذا العام فليكن إلى موضع فيه تمارس الشريعة .
إن حسن فى عينيك أيها الرب إلهنا وإله آائنا ألا يحل بنا عوز هذا اليوم ولا هذا العام . وإن حل بنا عوز هذا اليوم أو هذا العام فليكن هذا عن جود أعمالنا المحبة .
إن حسن فى عينيك أيها الرب إلهنا وإله آبائنا أن يكون هذا العام عام رخاء وفيض ومعاملات وتجارة ، عام مطر غزير وشمس وندى ، فلا يحتاج فيه شعبك إسرائيل عونا من آخر . ولا تسمع لصلاة المسافرين ( ربما بإمتناع المطر ) .
أما من جهة شعبك إسرائيل فليته لا يتعظم عدو عليه .
إن حسن فى عينيك أيها الرب إلهنا وإله آبائنا ليت بيوت أهل شرون لا تكن قبورا لهم ( ربما لأجل تعرضهم للفيضانات المفاجئة ) ]
يخرج رئيس الكهنة من قدس الأقداس بظهره حتى يكون وجهه متجها أمام الرب .
نستطيع أن نرى فى النار التى حملها رئيس الكهنة فى المجمرة إشارة إلى تجسد الكلمة ، إذ حل بملء لاهوته فى أحشاء البتول ، المجمرة الذهب . وقد وضع ملء يديه من البخور الدقيق إشارة إلى حمله أعماله المقدسة التى قدمها السيد المسيح بيديه المبسوطتين على الصليب لتفيح رائحته الذكية فينا .
( 5 ) الدم وغطاء التابوت :
يتسلم رئيس الكهنة إناء الدم من الكاهن ويدخل للمرة الثانية إلى قدس الأقداس ، وينضح بأصبعه مرة واحدة على غطاء التابوت من ناحيته الشرقية ، أى المواجهة للخارج ، ثم ينضح سبع مرات على أرضية قدس الأقداس أمام التابوت . بعد هذا يخرج إلى القدس ويترك إناء الدم فى مكان معد لذلك على قاعدة ذهبية ثم يخرج خارجا .
( 6 ) تقديم التيس الأول :
يذبح التيس الأول الذى وقعت قرعته أنه ليهــوه ، ويفعل بدمه كما فعل بدم الثور ، إذ ينضح على الغطاء وقدام الغطاء على الأرض ، ثم يخرج ليضع الوعاء على قاعدة ذهبية
" فيكفر عن القدس من نجاسات بنى إسرائيل ومن سيآتهم مع كل خطاياهم . وهكذا يفعل لخيمة الإجتماع القائمة بينهم فى وسط نجاساتهم " ع 16
يتم هذا التكفير بمزج دم الثور بدم التيس فى القدس ، ثم ينضح رئيس الكهنة على القدس ومشتملاته ثم يخرج خارجا لينضح على الدار الخارجية . وكأن رئيس الكهنة يعترف أنه هو والكهنة والشعب يخطئون فى حق الله وبيته ويطلبون المغفرة فى استحقاقات الذبيحة حتى يبقى الله حالا فى وسطهم خلال بيته المقدس .
يتم ذلك فى الوقت الذى فيه ينتظر الكهنة مع الشعب فى الدار الخارجية ، بينما يقوم رئيس الكهنة بالعمل فى قدس الأقداس والقدس بمفرده ، إشارة إلى السيد المسيح الذى وحده دخل إلى الأقداس السماوية بدمه لتقديسنا ، وكما يقول الرسول :
" لأنه كان يليق بنا رئيس كهنة مثل هذا قدوس بلا شر ولا دنس قد انفصل عن الخطاة وصار أعلى من السموات " ( عب 7 : 26 ) .
بقولـه : " لا يكن إنسان فى خيمة الإجتماع من دخوله للتكفير فى القدس إلى خروجه " ع 17 . يعلن أنه لا يستطيع أحد من البشر أن يقوم بدور الكفارة إنما الحاجة إلى رئيس الكهنة الفريد ربنا يسوع .
( 7 ) تقديم التيس الثانى :
بعد تقديم التيس الأول بذبحه والتكفير بدمه ، يأتى دور التيس الثانى الذى لعزازيل ( ع 20 ) ، الذى يوقف أمام باب خيمة الإجتماع ليعرضه أمام الله ثم يضع رئيس الكهنة يديه على راسه وكأنه يلقى بكل الخطايا عليه ، ويعترف عن خطاياه وخطايا الشعب كما سبق فرأينا قبلا وبنفس العبارات .
يرسل التيس مع أحد الكهنة يعينه رئيس الكهنة ليطلقه فى البرية عند صخرة تسمى " زك " على جبل عال ، تبعد حوالى 12 ميلا من أورشليم .. عندما يصل الكاهن إلى الصخرة يقطع الخيط القرمزى المربوط به التيس إلى جزئين ، يربط جزءا منه فى الصخرة ، والآخر بقرنى التيس ، ثم يلقى بالتيس من أعلى الصخرة ليسقط ميتا فلا يستخدمه أحد . وإن كان الطقس حسب الكتاب المقدس أمر بإطلاقه لا بقتله . بهذا يشعر الشعب بأن خطاياهم طوال العام قد طردت عنهم .
( 8 ) تقديم المحرقات وذبيحة الخطية :
إذ ينتهى الكهنة من خدمة يوم الكفارة يدخل إلى القدس ويخلع الثياب الكتانية ويستعد لإرتداء الملابس التى للمجد ( خر 28 ) ويقوم بتقديم المحرقات عن نفسه وعن الشعب بعد أن يرحض جسده .
لم يكن ممكنا لرئيس الكهنة أن يقدم المحرقات التى هى موضع سرور الله إلا بعد التكفير عن نفسه والكهنة وعن كل الشعب خلال ذبيحة الخطية . إذ لا يقدر المؤمن أن يقدم ذبيحة التسبيح والفرح إلا بعد تقديم التوبة لنوال المغفرة فى استحقاقات الدم .
كان رئيس الكهنة أيضا يلتزم بتقديم محرقات إضافية للعيد وهى ثور وكبش وسبعة خراف حولية ( عد 29 : 7 – 11 ) مع تقدماتها وسكائبها ( عد 28 : 12 – 14 ) . وإن كان بعض الدارسين يرون أن هذه الذبائح الإضافية تقدم بعد المحرقة الصباحية الدائمة قبل البدء فى طقس يوم الكفارة .
يقدم رئيس الكهنة أيضا ذبيحة خطية إضافية هى تيس من المعز ( عد 29 : 10 ، 11 ) . ربما خشية أن تكون هناك أخطاء قد ارتكبت سهوا أثناء خدمة اليوم سواء من جانب رئيس الكهنة أو الكهنة أو الشعب .
الذين يطلقون التيس الحى عزازيل ، ولحم ثور الخطية وتيس الخطية وجلدهما مع فرثهما ( بقايا الطعام بالمعدة ) للحرق كانوا بعد أداء عملهم يغتسلون : الثياب والأجساد .. ثم يعودون إلى الهيكل مع الشعب ليقرأوا الفصول الخاصة بيوم الكفارة من سفر لاويين ( 23 : 26 – 32 ) ، ومن سفر العدد ( 29 : 7 – 11 ) والشعب واقفا يسمع .
أخيرا يقدم رئيس الكهنة ذبيحة المساء اليومية أو الدائمة بنفسه .
( 9 ) الكفارة فريضة دهرية :
جعل الله " يوم الكفارة " فريضة دهرية يلتزم بها رئيس الكهنة اللاوى حتى يأتى رئيس الكهنة الأعظم ربنا يسوع فيتممه فى جسده ذبيحة فريدة تدخل بنا إلى المقدسات السماوية أبديا .
مع هذا الطقس الرهيب الذى كان اليهود يمارسونه بمهابة ورهبة كل عام كانوا يشعرون بالعجز ، إذ يمارسون الرمز لا الحق ذاته . يظهر ذلك من نغمة ليتوجيتهم فى ذلك اليوم ، إذ جاء فيها :
[ بينما المذبح والهيكل قائمان فى موضعهما يكفر عنا تيسان خلال القرعة ، لكن الآن بسبب خطايانا لو أن يهوه يود هلاكنا فإنه لا يقبل من أيدينا محرقة أو ذبيحة ] .
+ +