الصوم المقدس

الصوم المقدس
لنيافة الانبا موسى
"قدسوا صوماً، نادوا باعتكاف" (يوئيل 15:2)

"بالرجوع والسكون تخلصون، بالهدوء والطمأنينة تكون قوتكم" (أش 15:30) 

  
فى بدء الخليقة، أعطى الله للإنسان وصية أن يصوم عن شجرة معرفة الخير والشر... ثم أوهم الشيطان الإنسان أنه إذا أكل فسوف يعرف.. وعندما سقط الإنسان فى هذا الإغراء.. ظل يعيش فى وهم شيطانى أنه لن يحيا إلا إذا أكل "نأكل لنعيش"، حتى صارت (لقمة العيش) هدفاً لحياة الإنسان، يتعب ويشقى ويعمل، بل ويعيش من أجل (لقمة العيش؟!). 

وظلت هذه الخدعة تعمل فى قلب الإنسان، حتى جاء المسيح ففضح وهم الشيطان، عندما صام أربعين يوماً على الجبل.. ثم صاغ خبرته الصيامية فى عبارة صغيرة "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان". وهنا انكشفت ألاعيب الشيطان، وعرفنا أن مصدر الحياة هو كلمة الله، وليس الخبز وحده، بل أن الخبز هو معين للجسد لسد احتياجاته من الطاقة ليعمل وينشط، ويتحرك فى اتجاه الملكوت الأبدى. 

أ - لماذا نصوم ؟

نحن حينما نصوم، إنما نرجع إلى حالة الإنسان الأول قبل السقوط الذى كان يأخذ طعامه من الله، ويحيا فى شركه معه. وفى الصوم تنتصر بالمسيح ضد الشيطان، فى خداعته من جهة (لقمة العيش)، ونعلن بالعمل صدق الكتاب فى قوله "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان". 

والصوم المسيحى لا يقف عند هذا الحد السلبى، بالانقطاع عن الطعام، بل يتجاوزه إلى ناحية إيجابية، فى انطلاق أوسع للنشاط الروحى. 

أى أنه مجال مقدس لممارسة الفضائل واقتنائها: والكنيسة فى الصوم الكبير خاصة - تهيئ هذا المجال بطقسها وألحانها وقراءاتها. 

لذلك نحن نصوم، لأنها فرصة جيدة للتدرب الحكيم، بإرشاد، على النمو فى محبة المسيح والثبات فيه. 
ب - كيف نصوم؟



1- بشكر وفرح:
 الصوم بالنسبة لنا ليس فترة قهر وحرمان.. بل هو فرصة لقاء مع المسيح، فى حرية من احتياجات الجسد وملذاته.. أنه أساساً دعوة من المسيح أن نخرج إليه، لنجلس معه، نتمتع بعشرته، وهو يتكفل بإطعامنا كما فعل مع الجموع... دعوة منه أن ننسلخ عن الاهتمام بالأكل والجسد والماديات، لنعيش معه كما فى السماء... فهى لحظات وأيام نقتطعها من الزمانية لنعيش كما فى الأبدية، نتذوق فيها لذة الحياة الملائكية، التى هى بلا هم.. فملكوت الله ليس أكلاً وشرباً، بل محبة وفرح وسلام.. أنها دعوة كريمة من المسيح، لذلك نعيشها بكل شكر، لأننا فى الواقع لسنا أهلاً لها. ونعيشها بملء الفرح، لأننا بالصوم نرتقى فوق مستوى الجسد والحسيات، ونصير متشبهين بالملائكة، لذلك نفرح. 

هذا الشكر والفرح والحب، يملأ النفس استنارة وضياءاً... ويعطى كلمة الله فرصة أن تعمل فى أعماق حياتنا، حتى تلتصق الوصية بالنفس، وتسير فى مخافة الله "سمر خوفك فى لحمى".
2- بخشوع:
 أنه إحساس الغير مستحق.. أنا يارب لا أستحق أن أصوم معك، وأنال بركة حياة السمائيين، وأتشبه بهم، لأننى إنسان خاطئ وضعيف. لذلك نصوم بإحساس الطاعة المجردة لوصية الله، ونظام الكنيسة، وليس بإحساس المتفضل، والذى يمارس الفضيلة لأنه قديس. ونصوم بإحساس المحتاج لبركات الصوم، وليس بإحساس المستحق لمواهب الله المعطاة فى الصوم. 
والصوم بخشوع يدرب النفس على الاتضاع، ومسكنة القلب، وعدم الانتفاخ، والسجود الروحانى. 
3- بنسك:
 النسك المسيحى هو اختزال كل ما هو غير نافع.. بمعنى أننا لا نأكل إلا ما يحتاجه الجسد فقط، ونمتنع عن إشباعه بالملذات الغير ضرورية. ونمتنع عن الزيارات والمقابلات الغير مثمرة، والغير ضرورية، ونعتكف على الصلاة والعمل (أو المذاكرة) وقراءة الكتاب المقدس. 

فى الصوم تختزل الرحلات الترفيهية، ومشاهدة التليفزيون، وسماع الأغانى العالمية، بحيث تصير حياتنا مركزة على العمل الجاد المثمر. ونمتنع عن كل ما هو غير بناء. هذا النسك البسيط يدربنا على العفة، وضبط شهوة الجسد، وشهوة العين، وحب القنية. 
4- توبة صادقة:
 نحس فيها بالندم على العمر الذى مضى بعيداً عن عشرة المسيح المحبوبة المشبعة. توبة فيها تغيير طريق نحو المسيح ومحبته والارتباط القلبى به. توبة يومية تقوم على فحص النفس والتدقيق فى معالجة أخطائها، وأخذ مواقف حازمة واضحة ضد انحرافات النفس، مع الاعتراف الصريح أمام الكاهن، وصلب الأهواء والشهوات فى نور المسيح. 
5- صوم مصحوب بصلوات عميقة طويلة:
 مصحوب بقداسات كثيرة نتناول فيها بوعى وفهم لحقيقة جسد الرب ودمه.. صوم مصحوب بقراءات فى الكتاب المقدس والكتب الروحية، بفهم وتركيز وهدف روحى. صوم مصحوب بجهاد ضد محاولات الشيطان، أن يثنينا عن هدفنا وصومنا وطريقنا. 

هذه الممارسات، وهذا الجهاد، من شأنه أن يعطى انطلاقاً للروح، وعمقاً للحياة الباطنية الروحية، من أجل مزيد من الارتباط بالمسيح

من أقوال أبونا القمص بيشوي كامل عن الصليب


من أقوال أبونا القمص بيشوي كامل عن الصليب
 
*
 ربى يسوع.. هبني فهما وإدراكا لقوة صليبك، وأشعرني عندما أكون في شدة العالم وضد مبادئ العالم أنى لست مهزوما بل منتصرا بقوة صليبك..
 *
 ربى يسوع.. إن عطشك لا يرويه الماء ولا الخل بل ترويه توبتي ورجوعي لك تحت أقدام الصليب حيث تبقى هناك عطشان..
*
 أتأمل كيف بصقوا على وجهك وأرى إني أنا الذي أستحق هذه البصقات لأن عيني الشاردة هي المتسببة في هذه البصقات..
*
 أيها الرب يسوع أن الصليب كان الوسيلة الوحيدة للقاء اللص معك. ما أسعدها ساعة وما أمتعه صليب..
*
 ربى يسوع.. أعطني روحك المملوء حبا الذي قال لصالبيه: يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون. لأن هذه الصلاة هي التي أوقعت اللص القاتل أسيرا في أحضان محبتك..
*
 ربى يسوع.. جبيني المملوء بالأفكار هو الذي يستحق إكليل الشوك، فأربط فكري بأشواكك المقدسة، وأعطني فكر المسيح..
*
 إلهي.. عرفت جيدا معنى قولك لي أن أحمل صليبي كل يوم كما حملت صليبك أنت.. صليبي هو جهادي ضد الخطية، وصليبك هو خطيتي التي فشلت أنا في مقاومته..
*
 ربي يسوع أنا لا أطلب صليبا معينا.. ولكن الذي تختاره مشيئتك لي، وأنا لا أريد أن أعرض عليك خدماتي.. بل أن تستخدمني أنت فيه..
*
ربى يسوع.. إني أتأملك مصلوبا وقلبي كالصخر، ما هذا الجفاف الروحي؟ يارب أفض فيّ ينبوع دموع.. يا ربي يسوع اضرب الصخرة فتفيض دموع..
*
 ربى يسوع.. أعنى أن احمل صليبي بقوة وشجاعة وحب للحق وتمثلا بك وبفرح وسعادة للشهادة لك في عالم مخادع..
*
 ربى يسوع أنت الذي تعطى الماء الحي الذي يشرب منه لا يعطش إلى الأبد، ثم بعد ذلك تعطش إلىّ.. سبحانك ربى.!!!!!. يا لمحبتك لي أنا الساقط!!!!!!!!
 ليس هناك قوة في الوجود تربط يسوع إلا خطيتي.. لأنه صنع هذا محبة لي. إذا لم تكن هذه الرباطات إلا رباطات خطيتي
*
يا أبتاه.. الآن أعطني أن أقرأ في كل حركة طول يومي، ما هي مشيئتك، وأتممها بأسرع ما يكون، وبفرح عظيم. عندئذ سأرى من حيث لا أدري إني في حضن أبي..
*
 يا أبتاه.. أعطني أن أكون سريع الاستجابة لإلهامات روحك القدوس فيّ عن طريق الصلاة..
*  إن حياتي ستظل بلا معنى ولا طعم ولا فائدة إن لم تعلن مشيئتك فيّ لأتممها
*
 إن أخطر لحظة في حياتى هي التي أنسى فيها التفكير في المسيح.. انها لحظة الانحلال والضعف، والتعرض للسقوط في أبسط خطية - ستجد أقوال أخرى عن الصوم هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في قسم أقوال الآباء.
*
  ما أقواك أيتها التوبة وما أروعك، انك أروع أيقونة للقيامة
*
 ربنا يسوع غلب العالم لأنه لم يكن للعالم شئ فيه. إذا كان للعدو جواسيس داخل بلدي كيف أستطيع مواجهته؟
*
 نحن نحمل قوة لا نهائية أمام عالم مادي مغلوب رغم مظهره القوي، هذا هو إيماننا
*
 يارب.. أنت ترشدنا، ولكننا نتركك ونبحث عن إرشاد العالم وتعزيته، ثم نفشل فنجدك كما كنت. عندئذ نحس بخطئنا نحوك
*
 أنت يا الهى أب.. كلك حبك للبشرية وسكبت روح حبك فىّ، وهذا هو الطريق الوحيد لمعرفتك والحياة معك
*
 الخادم هو إنسان غسل يسوع قدميه القذرتين، ويغسلها كل يوم.. من أجل ذلك هو يجول مع يسوع من كل قلبه ليغسل أقذار كل الناس
*
 ربي.. أعطني أن أبكي على خطية أخي مثلما أبكي على خطيتي لأن كلاهما جرحاك يا حبيبي يسوع..
*
 إن النفس الساقطة عندما تقوم تشع منها قوة هائلة من قوة قيامة الرب يسوع
*
 يا نفسي اهتمي بداخلك لتعجبي يسوع، العريس السماوي لا يهمه نوع الموضة بل يهمه الجمال الداخلي للنفس

الصوم: أهميته وفائدته


 
الصوم: أهميته وفائدته
 
                                                                                 بقلم قداسة البابا شنوده الثالث
 
        الصوم هو أقدم وصية عرفتها البشرية. وبها وضع اللَّه حدوداً للجسد لا يتعدَّاها.
        وبالامتناع عن الأكل، يرتفع الإنسان فوق مستوى الجسد، ويرتفع أيضاً فوق مستوى المادة. وهذه هى حكمة الصوم. ولكن حينما ينهزم الإنسان أمام الجسد، حينئذ يأخذ الجسد سُلطاناً عليه. ويظل الإنسان يقع في خطايا عديدة من خطايا الجسد، واحدة تلو الأخرى.
?? والصوم عرفته كل الشعوب. وهو معروف في كل ديانة، حتى في الديانات الوثنية والبدائية. والذي يقرأ عن البوذية والبراهمية والكونفشيوسية، وعن اليوجا أيضاً، يرى أمثلة واضحة عن الصوم، وعن قهر الجسد لكي تأخذ الروح مجالها. والصوم عندهم تدريب للجسد وللروح أيضاً.
 
        وفي حياة المهاتما غاندي الزعيم الروحي الشهير بالهند، نرى الصوم من أبرز الممارسات الواضحة في حياته. وكثيراً ما كان يواجه به المشاكل. وقد صام مرة مدة طويلة متواصلة، حتى قال الأطباء: إن دمه بدء يتحلَّل.
 
        وبالصوم اكتشف اليوجا بعض طاقات للروح ... تلك الطاقة الروحية التي كانت محتجبة وراء الاهتمام بالجسد، وقد عاقها الجسد عن الظهور، ولم يكتشفوها إلاَّ بالصوم. ويرى الهندوس أن غاية ما يصلون إله هو حالة " النرڤانا " أي إنطلاق الروح من الجسد للاتحاد باللَّه. ولا يمكن أن يدركوها إلاَّ بالنُّسك الشديد والزُّهد والصوم.
 
?? بالصوم يشعر الإنسان بضعفه، فيلجأ إلى اللَّه لكي يقوِّيه. فالصوم إذن هو فترة صالحة يتوسَّل بها الإنسان أن يتدخَّل اللَّه لكل مشاكله لكي يحلَّها. وفي فترات الصوم الممزوج بالصلاة، يقترب الإنسان إلى الحياة التي تُرضي اللَّه سبحانه. وروحيات الإنسان يمكن أن تكون في أي وقت، ولكنها في فترة الصوم تكون أعمق، وتكون أصدق، وتكون أقوى.
 
?? والذي يدرك فوائد الصوم وفاعليته في حياته وفي علاقته باللَّه، إنما يفرح حقاً بالصوم. ولا يكون من النوع الذي يصوم، وفي أثناء الصوم يشتهي متى يأتي وقت الإفطار! بل أنه حينما يحين الإفطار يشتهي الوقت الذي يعود فيه لصوم من جديد. والإنسان الروحي يفرح بأيام الصوم، أكثر مِمَّا يفرح بالأعياد التي يأكل فيها ويشرب. ومن فرح الروحيين بالصوم، لا يكتفون بالصوم العام، إنما يُضيفون إليه أصواماً خاصة بهم ... شاعرين أن روحياتهم تكون أقوى في فترة الصوم.
        ولعلَّنا نتذكَّر أن الآباء الرهبان ـ من محبتهم للصوم ـ جعلوه منهج حياة. وبه صارت حياتهم منتظمة.
 
?? إن الصوم الحقيقي، هو الذي يتدرَّب فيه الصائم على ضبط النفس. ويستمر معه ضبط النفس كمنهج حياة. فيضبط نفسه في أيام الفطر كما في أيام الصوم ... وهكذا يكون الصوم نافعاً له، ويعتبر بركة لحياته. ولا يرى في الصوم صعوبة، بل يراه نعمة.
 
?? إن الصوم يصل إلى كماله، بالجوع وفي احتماله. وما أكثر الفضائل الروحية التي يحملها الجوع. ففيه يشعر الإنسان بضعفه، فيبعد عن الغرور والشعور بالقوة. وفي ضعفه تقوده مسكنة الجسد إلى مسكنة الروح ... ويصل إلى فضيلة الاتضاع. وفي شعوره بالضعف يحتاج إلى قوة تسنده، فيلجأ إلى اللَّه بالصلاة. وهكذا يرتبط الصوم بالصلاة. وصلاة الإنسان وهو جائع، صلاة أكثر عمقاً. أمَّا الجسد الممتلئ بالطعام، فلا تخرج منه صلوات ممتلئة بالروح. في الواقع أن الجوعان يشتاق أن يُصلِّي. أمَّا الشبعان فكثيراً ما ينسى الصلاة. ولعلنا نلاحظ أن غالبية المتدينين يُصلُّون قبل الأكل. بل نرى قليلين من الذين يُصلُّون بعد الانتهاء من الأكل وقد شبعوا.
 
?? إن الصوم مفيد للإنسان صحيَّاً. فالذي يُتعب الجسد ليس هو الصوم بل الأكل أي كثرة الأكل والتخمة وعدم الضوابط في الطعام. بل الصوم هو فترة راحة لبعض أجهزة الجسد، إنها فترة تستريح كل أجهزة الجسد الخاصة بالهضم والتمثيل: كالمعدة والأمعاء والكبد والمرارة. هذه التي يرهقها الأكل الكثير والطعام المُعقَّد في تركيبه. كما يُتعب الجسد أيضاً أنه بعد الإفطار يبدأ في تناول المسليات والترفيهات وما أشبه، فترتبك أجهزته.
 
?? وما أخطر اللحوم بشحومها ودهونها في إزادة نسبة الكوليسترول في الدم، وخطر ذلك في تكوين الجلطات. حتى أن الأطباء يشددون جداً في هذا الأمر. ويُقدِّمون النصائح في البُعد عن الدسم الكثير حرصاً على صحة الجسد وبخاصة بعد سن مُعيَّنة وفي حالات خاصة.
?? ومن فوائد الصوم أنه يُساعد على التَّخلُّص من السمنة والبدانة والتَّرهُّل. فالمعدة كلما تعطيها أزيد من احتياجها، تتسع لتحتمل ما هو أكثر. ويزداد اتساعها في حالات التَّرهُّل. وكثير من الأطباء ينصحون من أجل صحة الجسد بإنقاص وزنه، ويضعون له حكماً يُسمَّى Regime ( رچيم ). ويقولون: الإنسان البدين لن يضبط نفسه في الأكل بعد أن كان يأكل بلا ضابط. والصائم يُقلِّل أو ينقص من وزنه بدون أمر من طبيب. حقاً أنها لمأساة، أن يقضي الإنسان جزء كبير من عمره يُربِّي أنسجة لجسده، ويُكدِّس في هذا الجسم دهوناً وشحوماً. ثم يقضي جزء آخر من عمره في التَّخلُّص من هذه الكتل التي تعب كثيراً في تكوينها واقتنائها. لعلَّ هذا يُذكِّرني بالتي تظل تأكل إلى أن يفقد جسدها رونقه. ثم ينصحها الأطباء أن تصوم وتُقلِّل الأكل وتتبع رچيم.
 
?? صوموا إذن لتستفيد أجسادكم صحيَّاً ولا تفقد رونقها، وفي نفس الوقت تسمو الروح وتقترب من اللَّه.
 
?? إن الصوم يُساعد على علاج كثير من الأمراض. ومن أهم الكُتُب التي قرأتها قديماً في هذا المجال، كتاب لعالم روسي تُرْجِمَ إلى العربية سنة 1930م باسم " التطبيب بالصوم ".
?? إن الصوم أيضاً يجعل الجسد خفيفاً ونشيطاً. فالصوم إذن ليس مُجرَّد علاج للروح، إنما هو علاج للجسد أيضاً. فيجب أن تتحرَّروا من فكرة أن الصوم يتعب الصحة، هذه الفكرة التي تجعل بعض الأمهات من حنوهم الزائد على صحة أبنائهن يخفن عليهن من الصوم. فتفرح الأم أن ترى ابنها سميناً وممتلئ الجسم وتظن أن هذه هى الصحة! بينما قد يكون العكس هو الصحيح.

ثلاثيات الصوم المقدس

ثلاثيات الصوم  المقدس
نيافة الأنبا تاوضروس
فترة الصوم المقدس من أقدس فترات السنة الكنسية، حيث  نصوم الأربعين يوماً المقدسة كما صامها السيد المسيح عنا،  ونحن نصوم معه ولأهمية هذا الصوم نراه مرتبطاً بثلاثة أصوام أخرى هى :
1- صوم يونان : وهى بطول ثلاثة أيام، نصومها قبل الصوم الكبير بأسبوعين وهى على نفس الطقس من حيث الانقطاع والميطانيات والنبوات والقداسات المتأخرة، كما تنتهى أيضاً بفصح يونان (يوم الخميس) كمثال لعيد القيامة بإعتبار أن يونان النبى هو الشخصية الوحيدة التى شبه المسيح نفسه بها.
2- أسبوع -- الكنوز : وهو الذى يسبق الأربعين المقدسة مباشرة، ونصومه تعويضاً عن السبوت التى تخلل فترة الأربعين يوماً ولا يجوز فيها الصوم الانقطاعى، وبذلك تكون الأربعين يوماً كاملة صوماً إنقطاعياً.
3- أسبوع الآلام : وهو أقدس أصوام السنة كلها ويبدأ عقب جمعة ختام الصوم ويستمر ثمانية أيام، وبذلك تكتمل أيام الصوم الكبير كلها 55 يوماً، ويتخلل هذا الأسبوع أحد الشعانين وأيام البصخة وخميس العهد وجمعة الصلبوت وسبت النور، وينتهى بقداس عيد القيامة المجيد.
أما رحلتنا الثلاثية فى هذه المرة فهى مع آحاد الصوم الكبير التى هى بمثابة محطات زمنية للصوم، حيث نجد ثلاثية رائعة فى كل محطة كما فى الجدول التالى :؟
من هو الشيطان
م
الأحد
إنجيل القداس
الموضوع
الثلاثية
-
أحد الرفاع
(مت 1:6-18)
ثلاثة محاور
الصدقة
الصلاة
الصوم
1
أحد الاستعداد
(مت 19:6-33)
ثلاثة محاذير
لا تكنزوا
لا يقدر
لا تهتموا
2
أحد التجربة
(مت 1:4-11)
ثلاثة تجارب
الطعام
العالم
الغنى
3
أحد الإبن الضال
(لو 11:15-32)
ثلاثة صفات
الآب المحب
الإبن التائب
الأخ الرافض
       
م
الأحد
إنجيل القداس
الموضوع
الثلاثية
4
أحد السامرية
(يو 1:4-42)
ثلاثة مراحل
يهودى - سيد
نبى - المسيا
المسيح - مخلص العالم
5
أحد المخلع
(يو 1:5-18)
ثلاثة مشاهد
وحيد
مخلع
صحيح
6
أحد المولود أعمى
(يو 1:9-41)
ثلاثة مواقف
الفريسيون
الأبوان
المريض
أولاً: أحد الرفاع (مت 1:6-18) ثلاث محاور
1- الصدقة أو الرحمة هى المحور الأول : فى خطوات الحياة الروحية حيث ينفتح قلب الإنسان نحو الاخر يشعر بإحساسه، وبإحتياجاته، وأتعابه، وبذلك يتكامل جسد المسيح بكل أعضائه ولذا ترنم الكنيسة (طوبى للرحما على المساكين...) طوال  فترة الصوم.
2- الصلاة هى المحور الثانى : حيث ارتبط بإلهى بصورة حية من خلال التسبيح فنرتفع نحو مسيحنا القدوس فى تسليم حقيقى لسيدنا الحنون ولراحة قلوبنا.
3- الصوم وهى المحور المكمل : لصورة الحياة الروحية حيث يكون تدريبنا الروحى مأخوذاً من (مت 6:6) ".. ادخل إلى مخدعك (قلبك) وأغلق بابك (فمك)..." وغلق الباب (الفم) ليس بالإمتناع عن الطعام والكلام وإنما بالضبط، وكل من يجاهد يضبط نفسه فى كل شئ.
ثانياً: أحد الكنوز (مت 9:6-33) ثلاث محاذير:
1- لا تكنزا لكم كنوزاً على الأرض : والمقصود أن لا تكون تعلقات قلوبنا بالأرض بل بالسماء، لأن من أهداف الصوم زيادة إشتياقاتنا للملكوت بعيداً عن تطلعات وشهوة العيون والشهرة والسلطان والجمال ومحبة الأرضيات.
2- لا يقدر أحد أن يخدم سيدين : ليس من اللائق أن ننشغل عن مسيحنا القدوس بسيد آخر، مثل الذين سقطوا فى المادية وعبادة المال ومحبته وكل شروره.
3- لا تهتموا للغد : الاهتمامات الأرضية المستقبلية أحياناً تفقد الإنسان سلامه، فى حين أن الغد هو من يد الله. ولأنه كذلك فهذا يجعلنا دائماً فى طمأنينة.
ثالثاً: أحد التجربة (مت 1:4-11) ثلاث تجاربن هو المعرض للسقوط فى هذه العبادة؟
-1 تجربة الخبز أو الطعام أى لقمة العيش : وتعنى التشكيك  فى أبوة ورعاية الله ويكون السؤال: هل حياتى هى من الله أم من الطعام؟!
2- تجربة العالم أو مجد العالم : وتعنى الوقوع فى شهوة العيون والمجد الباطل واستعراض الإمكانيات والتباهى بما نملك.
3- تجربة الغنى أو الطريق السهل : وهى الخضوع لجنون الغنى والطمع وحب المال، وهذا ما نسميه "تعظم المعيشة" وحب حياة الراحة الرخوة بلا تعب ولا إجتهاد..
رابعاً: أحد الإبن الضال (لو 11:15-32) ثلاث إختياراتاص من هذه الضلالة الجديدة؟
هنا الأحد يقدم ثلاثة شخصيات بثلاث صفات أساسية يمكنك أن تختار منها :
1- الآب المحب : حيث نقابل الأب المشتاق الذى يحترم إرادة الآخر (إبنه) ولا ييأس من خطئه ويتحنن عليه عندما يرجع ويقبل توبته. وهذا يمثل الإنسان الذى يقدر أن يسامح وينسى لأنه يحب.
2- الإبن التائب : وهو الإبن الشاطر الذى رجع إلى نفسه وبإرادته وعاد إلى صوابه قبل أن ينجرف أكثر فى خطاياه. وهو يمثل الإنسان الشجاع الذى اعترف بخطيته، وأخذ الخطوة العملية ليحتمى فى بيت أبيه أى الكنيسة.
3- الإبن المتذمر : وهو الأخ الكبير الغضوب المتذمر من عودة أخيه الأصغر. وهو يمثل الإنسان الذى يعيش مغترباً ومبتعداً بكيانه حتى وإن كان يعيش بجسده فى داخل بيت أبيه.
خامساً: أحد السامرية (يو 1:4-42) ثلاث مراحل :
لقد تدرج عمل النعمة مع هذه المرأة السامرية خلال حوارها مع السيد المسيح حيث نادته بثلاثة ألقاب متتالية..
1- مرحلة يهــــودى - سيـــــــــد : فى بدايـة  مقابلتها مع المسيح لم تر فيـه سـوى  أنه رجل "يهودى" الجنس وهى امـرأة  سامرية، وهناك عـداء مستحكـم بيـن  الجنسين.. ولكن حلاوة كلام المسيح جعلتها تسترسل معه فى الحوار، وخفت من حدتها إلى أسلوب أكثر رقة، ولذا نادته بلقب "سيد" كتعبير عن الإحترام والتوقير فقط.
2- مرحلة نبى - مسيا : وعندما كشف سرها وخطيتها برقة بالغة رأت أنه "نبى"، ولذا انتهزت الفرصة لتسأل عن موضع السجود هل هو فى أورشليم أم فى السامرة؟‍ وعندما أجابها المسيح إجابة روحية خالصة لم تسمعها من قبل.. راجعت معلوماتها ورأت أنه المسيا.
3- مرحلة المسيح - مخلص العالم : بعدما حضر التلاميذ تركت هى المسيح عائدة إلى مدينتها لتخبر أهلها عن هذه المقابلة العجيبة مع "المسيح". وصارت كارزة تشهد بما سمعت ورأت وأحست.. وبعد أن مكث المسيح يومين فى مدينتهم.. أعلنت مع أهل مدينتها أن "هذا هو بالحقيقة المسيح مخلص العالم".
سادساً: أحد المخلع (الوحيد) (يو 1:5-18) ثلاث مشاهد
1- وحيد.. قبل المسيح : كان مهملاً متروكاً وحيداً عبر سنوات طويلة، لم يجد من يمد له يد المعونة.. يمثل صورة الضيق والتعاسة وخيبة الأمل المتكررة وحالة العزلة عبر 38 سنة.. وقد عبر عن كل ذلك بعبارة غاية فى الرقة "ليس لى إنسان" وبالرغم من أنه كان مطروحاً فى ساحة بيت حسدا (وتعنى بيت الرحمة) إلا أنه كان يعانى من عدم الرحمة من كل الذين حوله، فهو بلا أمل، بلا صحبة، بلا رحمة.
2- مخلع.. أمام المسيح : وعندما جاءه المسيح جاءته الرحمة، ولكن المسيح احترم إرادة المريض وسأله أولاً أتريد أن تبرأ؟ وهذا السؤال موجه لكل خاطئ يود التوبة كما أن حديث المسيح معه كان عن الشفاء وليس عن المرض وهكذا يبدو مسيحنا متحنن يشفق على شعبه ومجيئه هو مجىء الشفاء والفرح.
3- صحيح.. بعد المسيح : ويسمع المريض أمر المسيح بالشفاء، فيقوم فى الحال بإيمان وطاعة ويحمل سريره ويسير، وتتبدد مظاهر ضعفه ومرضه، وينطلق صحيحاً معافياً.. ويتضح من مقابلته مع المسيح بعد واقعة شفائه أن خطيته كانت سبب مرضه، ويشجعه المسيح على أن يسلك بحذر من الخطية ونراه بعد ذلك يقدم شهادة قوية أمام اليهود.
سابعاً: أحد المولود أعمى (يو 1:9-41) ثلاث مواقف :
1موقف الفريسيين : بعد أن كان موقف الجيران كله حيرة وتعجب وعدم إكتراث بالموضوع، بدأ الفريسيون التحقيق مع هذا الإنسان ولكن كان تحقيقاً ظالماً، ولقساوة قلوبهم لم يفهموا ولم يؤمنوا بالطبع، وحدث انشقاق بينهم.
2- موقف الأبوين : لقد آمنا لأنهما أكثر الناس معرفة بإبنهما ولكن خوفهما من اليهود منعهما من إعلان ذلك. فكان
كلامهما فيه شئ من التحفظ. "هو كامل السن اسألوه فهو يتكلم عن نفسه".
3- موقف المريض نفسه : رغم أنه كان أعمى منذ ولادته وكان معرضاً لتعييرات الناس إلا أنه احتمل هذه التجربة الأليمة. وفى طاعة وخضوع وإيمان تمم أمر المسيح فيه، وبكل طهارة اللسان وشجاعة شهد للمسيح بلا خوف منشغلاً بنفسه دون النظر أو التطلع إلى أخطاء وخطايا الآخرين. "اخاطئ هو لست أعلم. إنما أعلم شيئـاً واحداً. أنى كنت أعمى والآن أبصر".
ولكن يا صديقى.. هناك إرتباط وثيق بين هذه الآحاد الثلاثة فى..
أحد السامرية
أحد المخلع
أحد المولود أعمى
الشخص
امرأة
مريض
معوق (أعمى)
المكان
ماء بئر يعقوب
ماء بركة بيت حسدا
ماء بركة سلوام
ترمز إلى
الرافضين
المقيدين
البعيدين (غير المؤمنين)
المسيح
مجدداً (يجدد الحياة)
محرراً (واهب الحرية)
مخلصاً (مانح النور)
بعد مقابلة المسيح
شهدت للمسيح 
أمام أهل مدينتها
شهد للمسيح أمام اليهود
شهد للمسيح أمام اليهود

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010