علاقة العذراء مريم بآباء وأنبياء العهد القديم




علاقة العذراء مريم بآباء وأنبياء العهد القديم

[ منقول من كتاب روحانية التسبحة – ج 7 – للقمص بقنتيوس السريانى ]
فى القطعة الثامنة من ثيئوتوكية الأحد تورد الثيئوتوكية ملحمة جميلة من سلامات العذراء مريم وعلاقتها مع آباء وأنبياء العهد القديم الذين اشتهوا أن يروا السيد المسيح – المولود من العذراء مريم – ولم يروه وأن يسمعوا كلمات النعمة الخارجة من فيه ولم يسمعوا ، فماتوا على رجاء الخلاص الذى سيتممه لهم فى ملء الزمان ، حتى جاء المسيح أو المسيا المنتظر مولودا من العذراء مريم وتمم كل نبواتهم وأنعم لهم بالخلاص ومسح دموعهم وحول حزنهم إلى فرح .
تخاطب الثيئوتوكية السيدة العذراء قائلة :
+ السلام لك يا مريم خلاص أبينا آدم :
بعد أن سقط آدم فى المعصية وأكل من ثمرة الشجرة المنهى عنها ، وتحقق فيه العقاب الإلهى " أنك يوم تأكل منها موتا تموت ( تك 2 : 17 ) لم يتركه الله فى موته أو فى يأسه من الخلاص بل سمع الوعد المبارك بالخلاص من فم الله وهو يخاطب الحية قائلا : " اضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها ، هو يسحق رأسك وأنت تسحقين عقبه ( تك 3 : 15 ) " .
ونلاحظ أنه كما تشير النبوة إلى المسيح الذى سيسحق الشيطان تشير أيضا إلى أمه القديسة فهو " نسل المرأة " .
" فإذا كنا كلنا نولد من إمرأة ورجل ، وإذا كان آدم قد جاء لا من إمرأة ولا من رجل ، وإذا كانت حواء قد جاءت من رجل بلا إمرأة ، فالمسيح جاء من إمرأة دون رجل " ولذلك دعى " نسل المرأة " .
والذى عزى آدم فى محنته أن هذه المرأة التى ستلد المخلص الذى سيسحق رأس الحية ويخلصه من سقطته ستكون من نسله هو ، لأن العذراء مريم هى إبنة آدم مثل كل الناس الموجودين على الأرض .
لقد مات آدم مطمئنا بعد سماعه وعد الله بالخلاص ، وفى ملء الزمان جاء المسيح " آدم الثانى " مولودا من إمرأة من بنات آدم ليخلص آدم وبنيه من مصيرهم المرعب ، وفعلا لما مات الرب يسوع على الصليب نزلت روحه إلى الجحيم متحدة بلاهوته وأخرجت آدم الحزين وكل بنيه الذين ماتوا على الرجاء وأدخلتهم إلى الفردوس .
وتقول ثيئوتوكية الأثنين فى هذا الموضوع " آدم بينما هو حزين سر الرب أن يرده إلى رئاسته ( القطعة 1 الربع 1 ) ولبش الأثنين يقول : " لأن آدم أبانا الأول بيدى الله الخالق . بمشورة حواء أمنا الأولى أكل آدم من ثمرة الشجرة . فجاء على جنسنا وكل الخليقة سلطان الموت والفساد . ومن قبل مريم والدة الإله أرجع آدم إلى رئاسته مرة أخرى ( أرباع 2 – 5 ) " .
وهكذا كما أن ثمرة شجرة معرفة الخير والشر كانت سببا فى سقوط آدم وموته واغترابه من الله أصبح المسيح – ثمرة بطن العذراء مريم – وهو الثمرة المحببة أو عنقود الحياة الذى حملته الكرمة الحقانية مريم بدون غرس ولا سقى ولا تفليح ، أصبح سببا فى خلاص آدم ورجوعه إلى الحياة الأبدية .
+   +   + 
+ السلام لك يا مريم تهليل حواء
عندما أخطأت حواء وأطاعت الحية وأكلت من الشجرة المنهى عنها ، ورفضت الأعتراف بخطيتها وغوايتها جاء إليها العقاب الإلهى قائلا : " تكثيرا أكثر أتعاب حبلك . .. بالوجع تلدين أولادا ( تك 3 : 16 ) " هذا إلى جانب طردها مع زوجها من الفردوس وذهابها بعد الموت إلى الجحيم مما أثار أشجانها وحرك حزنها .
ولما جاء المسيح الذى هو من نسل المرأة وصنع الفداء العظيم على الصليب وسحق رأس الحية حسب الوعد الإلهى : " وأضع عداوة بينك ( الحية ) وبين المرأة ، وبين نسلك ونسلها ، هو يسحق رأسك وأنت تسحقين عقبه " ( تك 3 : 15 ) .
نزل المسيح إلى الجحيم وحول حزن حواء إلى فرح ونقلها مع آدم وجميع الصديقين الذين ماتوا على رجاء إلى فردوس النعيم حيث الفرح والتنعم ، حيث هرب الحزن والكآبة والتنهد . وفى قطعة " تناف " ، وهى مديح القيامة فى التسبحة تقول :
" كل الأفراح تليق بك يا والدة الإله لأن من قبلك أرجع آدم إلى الفردوس ونالت حواء الزينة عوض حزنها وأخذت الحرية دفعة أخرى من قبلك والخلاص الدهرى " .
وليست حواء – أم العذراء مريم – هى وحدها نالت الفرح والتهليل بل كل جنس النساء ، فيقول لبش الأثنين " لأن من قبلها ( أى من قبل مريم ) وجدت النساء دالة أمام الرب ( ربع 11 ) " .
ويحلو لبعض الآباء أن يطلقوا على مريم العذراء لقب " حواء الثانية "
+  +  +
+ السلام لك يا مريم فرح الأجيال
كل الأجيال فرحت ومازالت تفرح بالقديسة مريم ، وفى القطعة السادسة من ثيئوتوكية الخميس تقول :
" لأنها مكرمة جدا عند جميع القديسين ورؤساء الآباء لأنها أتت لهم بمن كانوا ينتظرونه "
" وكذلك الأنبياء الذين تنبأوا من أجله بأنواع كثيرة وتشبيهات شتى بأنه يأتى ويخلصنا "
" والرسل معا لأنها والدة الذى كرزوا به فى كل المسكونة " .
" والشهداء المجاهدين لأنه قد خرج منها واضع جهادهم الحقيقى ربنا يسوع المسيح "
وما زالت الأجيال وستزال تكرمها وتطوبها مصداقا لقولها :
" هوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبنى لأن القدير صنع بى عظائم واسمه قدوس ورحمته إلى جيل الأجيال للذين يتقونه " ( لو 1 : 48 – 50 ) .
انها فرح جميع الأجيال :
أولا : لأنها ولدت المسيح ابن الله الذى خلص العالم من سلطان الشيطان والخطية والفساد .
ثانيا : لجل شفاعتها المقبولة لدى ابنها الحبيب ، والمعجزات الكثيرة التى تعملها للمؤمنين من شفاء أمراض وحل مشاكل وانقاذ من الضيقات ، مما يجعل الناس يفرحون بالعذراء وينذرون لها النذور ويقيمون لها التماجيد فى كل زمان ومكان .
+  +  +
السلام لك يا مريم فرح هابيل البار :
+ قدم هابيل للرب قربانا من أبكار غنمه ومن سمانها ، أى قدم ذبائح دموية حيوانية مؤمنا أنه بدون سفك دم لا تحصل مغفرة ، وشاعرا بإحتياجه الشديد إلى مخلص يكون فى هرق دمه تكفير وغفران وفى موته تبرير وتطهير .
ولما رأى الله إيمانه المستقيم وشعوره المتضع قبل ذبيحته " نظر الرب إلى هابيل وإلى قربانه " ( تك 4 : 4 ) ففرح هابيل لما قبل الله ذبيحته .
وكما قدم هابيل ذبيحة من أعز ما عنده ، من أبكار غنمه ومن سمانها ، قدمت العذراء مريم ابنها الوحيد الحبيب ذبيحة كفارية عن خلاص العالم كله " فاشتمه أبوه الصالح وقت المساء على الجلجثة " وتنسم الرب رائحة الرضا ، ورفع غضبه وسخطه عن العالم .
+ لما قتل هابيل ظلما ومات طاهرا انتظر مع الأبرار الآخرين مجىء الفادى والمخلص الذى ولد من العذراء مريم ، ثم صلب على الصليب ، ومن هناك نزل إلى الجحيم وأزال حزن هابيل البار من جراء انتظاره الطويل للمخلص ، ثم نقله وكل الأبرار إلى فردوس النعيم مما زاد فرحه وتنعمه ، ويقول الرسول بولس عن خلاص المسيح ودمه المسفوك على الصليب " .... إلى وسيط العهد الجديد يسوع وإلى دم رش يتكلم أفضل من هابيل ( عب 12 : 24 ) " – ودم المسيح أفضل من دم هابيل لأن دم هابيل طلب الأنتقام " صوت دم أخيك صارخ إلى من الأرض ( تك 4 : 10 ) " ،
أما دم المسيح فطلب الصفح والغفران " يا أبتاه أغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون ( لو 23 : 34 ) " .
+   +   + 
+  السلام لك يا مريم خلاص نوح :
نقول فى ذكصولوجية العذراء لرفع بخور باكر " الروح المعزى الذى حل على إبنك فى مياة الأردن كمثال نوح . لأن تلك الحمامة بشرتنا بسلام الله الذى صار للبشر ، وأنت أيضا يا رجائنا اليمامة العقلية أتيت لنا بالرحمة وحملته فى بطنك ، أى يسوع المولود من الآب ولد لنا منك وحرر جنسنا " .
ومعنى ذلك أنه كما أن الحمامة حينما أطلقها نوح من الفلك رجعت بعد قليل وفى منقارها غصن رمز السلام والطمأنينة وزوال الخطر بنزوح مياة الطوفان عن الأرض ، مما جعل نوح ينزل من الفلك هو وكل من معه ويقدم للرب ذبائح شكر وسلامة على خلاصه وخلاص أسرته وكل ما كان معه من حيوانات وطيور ، ثم عمر الأرض ونما وكثر .
كذلك العذراء مريم الحمامة الحسنة أتت لنا بالرب يسوع المسيح رئيس السلام ، فصنع فى الأرض سلاما وصالح ذرية نوح مع الله خالقهم صانعا الصلح دم صليبه .
+ نوح بفلكه خلص ثمانى أنفس من الغرق أى هو وأفراد أسرته فقط ، أما العذراء مريم فقد قدمت المسيح فلك النجاة الذى خلص العالم كله من طوفان بحر الخطية وشرورها التى تغرق الناس فى العطب والهلاك .
+      +     +
+  السلام لك يا مريم نعمة إبراهيم :
أعطى الله لإبراهيم نعمة الإيمان بغزارة " آمن إبراهيم بالله فحسب له برا " ( رو 4 : 3 ) . كان إيمانه قويا يهزأ بالمستحيلات ويستهين بالمعوقات .
لما أمره الله بالخروج من أرضه ومن عشيرته ومن بيت أبيه إلى الأرض التى سيريه إياها " خرج وهو لا يعلم إلى أين يأتى ( عب 11 : 8 ) " ولما وعده الله بميلاد اسحق آمن بوعد الله رغم وجود بعض معطلات الإنجاب لديه ولدى زوجته سارة لشيخوختهما المتأخرة " وإذ لم يكن ضعيفا فى الإيمان لم يعتبر جسده وهو قد صار مماتا إذ كان ابن نحو مائة سنة ، ولا مماتية مستودع سارة ولا بعدم ايمان ارتاب فى وعد الله بل تقوى بالإيمان معطيا مجدا لله ، وتيقن أن ما وعد به هو قادر أن يفعله أيضا " ( رو 4 : 19 – 21 ) .
ولما أمره الله بتقديم اسحق ابن الموعد ذبيحة لم يعارض بل قام باكرا وبقلب شجاع عزم على تنفيذ أمر الله بحذافيره ، ويقول الرسول : " بالإيمان قدم إبراهيم اسحق وهو مجرب ، قدم الذى قبل المواعيد ، وحيده الذى قيل له أنه بإسحق يدعى لك نسل إذ حسب أن الله قادر على الإقامة من بين الأموات " ( عب 11 : 17 – 19 ) .
هكذا كان إيمان العذراء القديسة مريم . كان إيمانها بسيطا وقويا . بشرها الملاك بأنها ستحبل وتلد إبنا دون أن تتزوج أو تعرف رجلا ، ورغم غرابة الخبر استفسرت من الملاك استفسارا بسيطا قائلة " كيف يكون لى هذا وأنا لست أعرف رجلا "( لو 1 : 34 ) ولما عرفت أن هذه مشيئة الرب وتدبيره خضعت بإيمان واتضاع قائلة " هوذا أنا أمة الرب ليكن لى كقولك " ( لو 1 : 38 ) .
لما أمر الملاك يوسف بأن يأخذ الصبى وأمه ويهرب إلى مصر أطاعت فى اتضاع وتسليم ، ولما أمرها الملاك بالرجوع إلى فلسطين فعلت نفس الشىء .
كانت العذراء من نسل إبراهيم ، وكانت نسلا صالحا ، والنسل الصالح يكون سبب نعمة لآبائه وسبب فرح وسرور لهم حسب قول الحكيم فى الأمثال ( أم 10 : 1 ) ، فالعذراء مريم كانت سبب نعمة وفرح لأبيها ابراهيم ، وسبب اكرام وتبجيل له على مدى الأيام فنقول فى القطع المعقب العربى فى عشيات شهر كيهك هذا المرد الذى يتكرر فى كل قطعة :
" السلام لك ثم السلام لك ونسألك يا أم المحبوب أن تحظينا فى مظال آبائك إبراهيم واسحق ويعقوب " .
الرب يسوع ابن العذراء مريم أخرج ابراهيم من الجحيم ونقله إلى الفردوس وجعل حضنه مكان راحة وتعزية لكل المؤمنين الراحلين ، فتقول الكنيسة فى صلواتها على المنتقلين :
 " نيح نفوسهم جميعا فى حضن آبائنا القديسين ابراهيم واسحق ويعقوب " .
+   +   +
+  السلام لك يا مريم خلاص اسحق القديس :
+ حملت سارة اسحق ابن الموعد وهى عجوز سنها 90 سنة بعد أن مات مستودعها ( رحمها ) وانقطعت عنها عادة النساء ، ويقول الرسول فى ذلك " وإذ لم يكن ( ابراهيم ) ضعيفا فى الإيمان لم يعتبر جسده إذ صار مماتا اذ كان ابن نحو مائة سنة ولا مماتية مستودع سارة ، ولا بعدم ايمان ارتاب فى وعد الله بل تقوى بالأيمان معطيا مجدا لله وتيقن أن ما وعد به هو قادر أن يفعله أيضا " ( رو 4 : 19 – 21 ) .
هكذا حملت العذراء مريم المسيح ابن الله بطريقة إلهية فى مستودعها الصغير البكر دون أن تتزوج أو تعرف رجلا ، وكلاهما طرقتان للحمل تمجدان الله وتشهدان بقدرته الفائقة وتدبيره العالى حقا يارب " ما أبعد أحكامك عن الفحص وطرقك عن الأستقصاء " .
+ عندما ولدت سارة اسحق وأصبحت أما لأبن الموعد فرحت وابتهجت قائلة : " قد صنع الله إلى ضحكا ، كل من يسمع يضحك لى ، ودعت اسمه اسحق أى  ضحك " .
هكذا العذراء مريم عندما حملت بالمسيح كلمة الله وتأكدت أنها أصبحت أما للمسيا المنتظر الموعود به لخلاص الله ، والذى كانت كل فتاة يهودية تتمنى أن تكون أما للمسيا المنتظر ، عندما تأكدت من ذلك فرحت وابتهجت وطفقت تسبح الرب قائلة : " تعظم نفسى الرب وتبتهج روحى بالله مخلصى .... لأن القدير صنع بى عظائم واسمه قدوس " ( لو 1 : 46 – 49 ) " .
+ بناء على أمر الله أخذ ابراهيم ابنه الشاب اسحق وذهب به إلى جبل المريا ، وهناك أوثقه ووضعه على المذبح وهم بذبحه ، وهنا تدخل الله وناداه قائلا " لا تمد يدك إلى الغلام ولا تفعل به شيئا ... فرفع ابراهيم عينيه ونظر وإذا كبش وراءه ممسكا فى الغابة بقرنيه . فذهب ابراهيم وأخذ الكبش وأصعده محرقة عوضا عن إبنه " ( تك 22 : 12 ، 13 ) " 
لم يذكر الكتاب من أين أتى الكبش ولا كيف أمسك فى الشجرة بقرنيه ، ونحن نعتقد أنه بمعجزة إلهية أخرجت الشجرة – على غير طبع الأشجار – هذا الكبش الذى أصعده إبراهيم محرقة بدلا عن ابنه اسحق . والذى يؤيد نظرتنا هذه أن الكتاب لم يقل أن الكبش كان موثقا أو مربوطا فى الشجرة بقرنيه كأن يكون مربوطا بحبل أو غيره ، ولكنه قال أن الكبش كان ممسكا فى الشجرة بقرنيه ، أى أن قرنيه كانا ممسوكين فى الشجرة أو ملتصقين بها .
وكما أخرجت الشجرة الكبش على غير الناموس الطبيعى للأشجار ، هكذا العذراء مريم ولدت السيد المسيح له المجد بتدبير إلهى وسر لا يدركه العقل ، ولدته وهى عذراء بدون زرع بشر وذلك على غير طبيعة النساء ، وكما قدم إبراهيم ذلك الخروف محرقة وفداء عن إبنه هكذا أصعد المسيح ذاته على مذبح الصليب ذبيحة محرقة عن جنس البشر وصنع على الصليب فداء عظيما كحمل الله الذى يحمل خطية العالم كله .
+   +   +
+  السلام لك يا مريم تهليل يعقوب :
+ بينما كان يعقو هاربا خائفا من أخيه عيسو أدركه الليل فنام فرأى سلما منصوبا على الأرض ورأسها يمس السماء ، وهوذا ملائكة الله صاعدة ونازلة عليها وهوذا الرب واقف عليها .
فقال : " أنا الرب إله إبراهيم أبيك وإله اسحق ، الأرض التى أنت مضطجع عليها أعطيها لك ولنسلك .. " ( تك 28 : 12 – 15 ) .
فاطمأن يعقوب بسبب مواعيد الله الغنية وسار فى طريقه متهللا .
السلم الذى رآه يعقوب يرمز إلى العذراء مريم التى حل الرب فى بطنها فوصلت بين السماء والأرض بعد قطيعة طويلة ، فقد كان التجسد بداية الصلح والأتصال بين الله والإنسان .
كانت الملائكة تسبح الرب وهو طفل مولود فى حجر العذراء مريم كما يشهد بذلك لبش الثلاثاء قائلا : " أفرحى يا مريم العبدة والأم لأن الذى فى حجرك تسبحه الملائكة ، والشاروبيم تسجد له باستحقاق والسيرافيم بغير فتور ، يرفرفون بأجنحتهم قائلين هذا هو ملك المجد رافع خطية العالم كعظيم رحمته .
أما تشبيه العذراء مريم بالسلم فيأتى فى القطعة الثامنة من ثيئوتوكية السبت هكذا : " شبهت بالسلم الذى رآه يعقو مرتفعا إلى السماء والرب المخوف عليه " .
+ تهلل يعقوب أيضا عندما رأى من بعيد بعين النبوة مجىء " شيلون ( أى ابن الله الحى ) من نسل إبنه المحبوب يهوذا قائلا " لا يزول قضيب من يهوذا ومشترع من بين رجليه حتى يأتى شيلون وله يكون خضوع شعوب ( تك 49 : 10 ) "
ومعروف أن العذراء مريم والدة ( شيلون ) هى من نسل يهوذا بن يعقوب ، والحكيم يقول " تاج الشيوخ بنو البنين ( أم 27 : 6 ) " .
+ كان ليعقوب زوجتان : ليئة وراحيل ، كانت ليئة هى الكبرى وكانت عيناها ضعيفتين ، وهى تمثل العهد القديم بشرائعه وطقوسه الضعيفة التى لا تقدر على رفع الخطايا ، أما راحيل وهى الصغرى فكانت جميلة ومحبوبة ، وهى تمثل العهد الجديد – عهد النعمة والمحبة – الذى جاء مكملا لكل نقائص العهد القديم .
هكذا المسيح – الأسد الخارج من سبط يهوذا بن يعقوب – هو رب العهدين ، أوحى بالعهد القديم للأنبياء . ثم جاء بنفسه ليعطينا العهد الجديد بدمه لغفران الخطايا . وقال بنفسه " لا تظنوا أنى جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء ما جئت لأنقض بل لأكمل " ( مت 5 : 17 ) وقال الرسول : " الله بعدما كلم الآباء بالأنبياء قديما بأنواع وطرق كثيرة كلمنا فى هذه الأيام الأخيرة بإبنه" ( عب 1 : 1 ) .
+   +   +
+  السلام لك يا مريم فخر يهوذا : 
السيد المسيح له المجد هو الأسد الخارج من سبط يهوذا ، والعذراء هى بنت يهوذا أى من نسله . ولما حصلت العذراء مريم على كل هذا الفخر والتكريم والتمجيد فى جميع الأجيال وفى جميع الأقطار بسبب أمومتها الطاهرة للمسيح الإله المتجسد لخلاص العالم ، انعكس كل هذا التكريم على يهوذا أبيها ونال هو قسطا من هذا الفخر والكرامة بسبب أبوته للقديسة مريم والدة الإله ، ويقول الرسول " فإنه واضح أن ربنا قد طلع من سبط يهوذا " ( عب 7 : 14 ) ويخبرنا الكتاب أن " يهوذا اعتز على أخوته ومنه الرئيس "  ( 1 أى 5 : 2 ) .
+   +   +
+  السلام لك يا مريم كرازة موسى :
+ كان موسى وديعا وحليما جدا ، لقد قال عنه الكتاب " وأما الرجل موسى فكان حليما جدا أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض "  ( عد 12 : 3 ) ولذلك رفعه الله ليكون قائدا للشعب ونبيا عظيما جدا .
وكان فى ذلك مثالا للعذراء مريم الحمامة الحسنة الوديعة الهادئة ، التى كانت بحق فى زمانها وديعة جدا أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض ، ولعل من أجل هذا السبب بالذات أحتارها الله لتكون أما لمخلص العالم مانحا إياها هذا الشرف العظيم مكافأة لأتضاعها ووداعتها حسب وعد الله المبارك القائل " كل من يضع نفسه يرفع " ( مت 23 : 12 ) .
+ بينما كان موسى يرعى غنم يثرون حميه فى برية سيناء جاء إلى جبل الله حوريب ( خر 3 : 1 ) فظهر له الله فى وسط عليقة ( شجرة صغيرة ) فنظر موسى " وإذ العليقة تتوقد بالنار والعليقة لم تكن تحترق " ( خر 3 : 2 ) ومن هناك كلفه الرب بمهمة اخراج بنى اسرائيل من مصر .
العليقة ترمز إلى العذراء القديسة مريم التى حملت فى داخلها جمر اللاهوت ولم تحترق ، وقد اسهبت كتب الكنيسة فى عقد هذه المقارنة الرائعة بين عليقة موسى والعذراء مريم . فتقول ثيئوطوكية الخميس " العليقة التى رآها موسى النبى فى البرية والنار مشتعلة فيها ولم تحترق أغصانها هى مثال مريم العذراء غير الدنسة التى أتى وتجسد منها كلمة الآب ، ونار لاهوته لم تحرق بطن العذراء وأيضا بعد ما ولدته بقيت عذراء " ( القطعة الأولى ) ، وإبصالية العليقة المشهورة التى تقال فى أيام الخميس من شهر كيهك المبارك نقول فى مطلعها :
" العليقة التى رآها موسى النبى فى البرية والنيران تشعل جواها ولم تمسها بأذية " .
" مثال أم النور طوباها حملت جمر اللاهوتية تسعة أشهر فى أحشاها وهى عذراء ببكورية " .
+ صنع موسى خيمة الأجتماع أو قبة الشهادة كما يسميها حسب المثالات التى أراها الله له فى الجبل ، وكانت تلك الخيمة مشحونة بالرموز عن السيد المسيح له المجد ، وعن أمه العذراء القديسة مريم ، وكان ذلك بمثابة كرازة مسبقة من موسى رئيس الأنبياء عن مجىء المسيح وولادته من العذراء الطاهرة ميلادا عذراويا طاهرا فمثلا :
+ كان أهم جزء فى خيمة الإجتماع هو قدس الأقداس حيث وضع فيه موسى لوحى العهد المكتوب فيهما الوصايا العشر التى قالها له الله .
قدس الأقداس يرمز إلى العذراء القديسة مريم التى حملت المسيح كلمة الله المتجسد .
+ صنع موسى التابوت المصفح بالذهب من كل ناحية ، وهو يرمز إلى العذراء الطاهرة داخلا وخارجا .
+ صنع موسى قسطا ذهبيا ووضع فيه كمية من المن الذى كان يأكله الشعب فى برية سيناء كشهادة أبدية على عناية الله بشعه .
كان القسط الذهبى يرمز إلى العذراء والمن الذى بداخله يرمز إلى المسيح خبز الحياة النازل من السماء الذى كل من يأكل منه لا يموت إلى الأبد بل تكون له حياة أبدية .
+ صنع موسى منارة من الذهب النقى ليوضع عليها السراج الذى لا ينطفىء أبدا داخل خيمة الأجتماع .
المنارة الذهبية ترمز للعذراء مريم والسراج الذى عليها يرمز للسيد المسيح نور العالم الساكن فى نور لا يدنى منه ، والذى جاء إلى العالم لينير الطريق للسالكين فى الظلمة وظلال الموت وكل من يتبعه يسير فى النور ولا يدركه الظلام .
تقول ثيئوتوكية الأحد : أنت هى المنارة الذهب النقى الحاملة المصباح المتقد كل حين الذى هو نور العالم غير المقترب إليه الذى من النور غير المدنى منه ( قطعة 5 ) .
+ صنع موسى مجمرة من ذهب يوقد فيها الكاهن الجمر ويضع عليه البخور بها على مذبح البخور .
المجمرة الذهب ترمز للعذراء مريم وجمر النار يرمز إلى لاهوت المسيح الذى سكن فى بطنها تسعة شهور ولم تحترق أحشاءها كما أن جمر النار لا يحرق المجمرة .
وتقول ثيئوتوكية الأحد " أنت هى المجمرة الذهب النقى الحاملة جمر النار المباركة الذى يؤخذ من على المذبح يطهر الخطايا ويمحو الأثام . أى الله الكلمة الذى تجسد منك ورفع ذاته بخورا إلى الله أبيه ( قطعة 6 ) ثم تضيف نفس القطعة " حينئذ لا أخطىء فى شىء إذا ما دعوتك المجمرة الذهب " .
+ جمع موسى عصى رؤساء الأسباط ووضعها فى خيمة الإجتماع أمام الشهادة بناء على أمر الرب ( عدد 17 ) " وفى الغد دخل موسى إلى خيمة الشهادة وإذا عصا هارون لبيت لاوى قد أفرخت ، أخرجت فروخا وأزهرت زهرا وأنضجت لوزا ( عدد 17 : 8 ) ، وكان ذلك بدون أن يغرسها موسى فى الأرض أو يسقيها بالماء .
عصا هارون ترمز إلى العذراء القديسة مريم التى ولدت المسيح ثمرة الحياة بدون غرس ولا سقى أى بدون زرع بشر أو زواج طبيعى وتقول ثيئوتوكية الأحد " عصا هارون التى أزهرت بغير غرس ولا سقى هى مثال لك يا من ولدت المسيح إلهنا . بالحقيقة بغير زرع بشر وأنت عذراء ( قطعة 7 ) .
 رموز كثيرة جدا صنعها موسى تكرز وتبشر لكل من يتأملها ويسبر غورها ، تكرز بميلاد المسيح من العذراء الطاهرة بطيقة إلهية إعجازية وتقول ثيئوتوكية الأحد فى مطلع القطعة " 15 " ( من يقدر أن يصف كرامة القبة التى زينها النبى لما رآها المعلمون المختارون للكتب المقدسة تعجبوا جدا ) .
وبجانب هذه الرموز التى صنعها موسى تنبأ نبوة صريحة عن مجىء المسيح وأوصى شعه أن يسمعوا له قائلا " يقيم لك الرب إلهك نبيا فى وسطك من إخوتك مثلى له تسمعون " تث 18 : 15 .
وبناء على كل هذه الرموز والنبوات قال السيد المسيح مرة موبخا اليهود " لأنكم لو كنتم تصدقون موسى لكنتم تصدقوننى لأنه هو كتب عنى " ( يو 5 : 46 ) .
+     +     +
+  السلام لك يا مريم كرامة صموئيل
ولادة صموئيل النبى وولادة القديسة مريم من والديها يواقيم وحنة متشابهين ، كانت حنة أم صموئيل عاقرا وصلت إلى الرب أن يعطيها نسلا فتجعله نذيرا للرب ليخدمه فى هيكل قدسه فسمع الرب صوتها وأعطاها صموئيل ، ولما كبر قليلا أحضرته إلى هيكل الرب وسلمته إلى عالى الكاهن ليخدم الرب ويخدم الكهنة .
نفس الأمر يتكرر بخصوص القديسة مريم فقد كانت أمها حنة وهو نفس اسم أم صموئيل النبى كانت حنة عاقرا فصلت إلى الرب ونذرت نسلها للرب فأستجاب الرب طلبتها وأعطاها إبنة دعتها مريم ولما كبرت قليلا سلمتها إلى زكريا الكاهن لتعيش فى الهيكل وتخدم الرب وتعبده ، وتخدم الكهنة .
أمر آخر يتشابه فيه صموئيل النبى والعذراء مريم فقد اختار الرب كلا منهما منذ صغره ليقوم بمهمة إلهية خطيرة .
بينما صموئيل صبى صغير وكان نائما فى مخدعه فى الهيكل ناداه الرب صموئيل صموئيل ، ولما تحقق أنه صوت الرب قال كما لقنه عالى الكاهن معلمه : " تكلم يارب فإن عبدك سامع " ( 1 صم 3 ) فكلفه الرب بأن يحل محل عالى الكاهن فى قيادة الشعب وتعليمه وأن يقوم بعمل القضاء للشعب لحل مشاكله .
مريم الصبية الصغيرة سلمها الكهنة لقريبها البار يوسف الطاهر ليحفظها فى بيته فجاء إليها الملاك وبشرها بأمر التكليف الصادر من قبل الرب بأن الروح القدس يحل عليها وقوة العلى تظللها فتحبل وتلد يسوع المسيح مخلص العالم كله فقبلت المهمة بإتضاع وتسليم وقالت " هوذا أنا أمة الرب ليكن لى كقولك فمضى من عندها الملاك " ( لو 1 : 38 ) .
لذلك نال كل منهما كرامة عالية وتشرف بخدمة الرب منذ صباه ، وقام كل منهما بمهمة خطيرة بتكليف من الرب نفسه ونجحا فى ذلك أعظم نجاح .
+   +   +
+  السلام لك يا مريم فخر إسرائيل :
القديسة مريم بأمومتها العذراوية الطاهرة للمسيح ابن الله المتجسد أصبحت أشرف نساء العالمين هى فخر الجنس البشرى عامة ، وفخر إسرائيل خاصة ولو أنه بعد أن حل عليها الروح القدس وطهرها فحملت المسيح وولدته ثم حل عليها الروح القدس مع التلاميذ فى العلية فى يوم الخمسين لم تصبح يهودية بل مسيحية وأم جميع المسيحيين ، هى فخر العذارى والمتبتلين ، هى فخر الطهارة والبتولية والعفة . ينسج على منوالها ويقتدى بسيرتها كل من يريد أن يعيش بتولا وكل فتاة تريد أن تحيا عذراء تأخذ سيرة حياة العذراء قدوة صالحة ونبراسا منيرا ، ينير لها الطريق ويخفف عنها معاناة الجهاد .
+   +   +
+  السلام لك يا مريم ثبات أيوب البار :
أيوب الصديق رمز الصبر والثبات فى التجارب حتى أن الرسول يوجه أنظارنا إليه لنتعلم منه فضيلة الصبر والثبات والأحتمال أمام التجارب المحرقة فيقول : " خذوا يا إخوتى مثالا لأحتمال المشقات والأناة ، الأنبياء الذين تكلموا باسم الرب . ها نحن نطوب الصابرين ، قد سمعتم بصبر أيوب ورأيتم عاقبة الرب معه ، لأن الرب كثير الرحمة ورؤوف " ( يع 5 : 10 – 11 ) .
ولما احتمل أيوب التجربة واجتازها بثبات ونجاح " رد الرب سبى أيوب ... وزاد الرب على ما كان لأيوب ضعفا ... وبارك الرب آخرة أيوب أكثر من أولاه " ( أى 42 : 10 – 12 ) كان أيوب فى تجربته يرى الرب بعين الإيمان والنبوة آتيا من بعيد كمخلص ومنقذ ولذلك تعزى فى ضيقته . يقول أيوب بروح النبوة " أما أنا فقد علمت أن وليى حى ويظهر على الأرض فى آخر الزمان ، وبعد أن يفنى جلدى هذا وبدون جسدى أرى الرب " ( أى 19 : 25 – 27 ) حسب النص القبطى – القديسة مريم شابهت أيوب فى الصبر والأحتمال ، فقد فقدت والديها منذ صباها وفقدت معهما نعمة حنان الأبوة والأمومة وكابدت متاعب اليتم المبكر بكل ثقله وحرمانه .
لما ظهرت عليها علامات الحمل وهى فى بيت يوسف ، ظهرت عليه هو بالتالى علامات الشك والأرتياب فى سلوكها ، ولو كان رجلا عاديا لهم بقتلها ولكنه إذ كان رجلا بارا أراد تخليتها سرا ( مت 1 : 19 ) كانت القديسة مريم تشعر بارتياب الرجل فى أمرها ولكنها تحملت فى صمت وتسليم تاركة الأمر للرب لكى يقنعه بطهارتها ويكشف له الأمر بوضوح وجلاء ، وقد فعل الرب ذلك إذ فيما كان يوسف متفكرا فى هذه الأمور إذا ملاك الرب ظهر له فى حلم قائلا يا يوسف ابن داود لا تخف أن تأخذ مريم أمرأتك لأن الذى حبل به فيها هو من الروح القدس ( مت 1 : 20 ) فلما استيقظ يوسف من النوم فعل كما أمره ملاك الرب وأخذ إمرأته ( مت 1 : 24 ) بعد أن استرد ثقته فيها واطمأن إلى طهارة سيرتها ونقاوة حياتها .
احتملت العذراء كثيرا فى سبيل إبنها الحبيب فقد هربت به إلى مصر فى رحلة شاقة مخيفة متعبة ، ومكثت ما يقرب من ثلاث سنوات متغربة بالضنك والفاقة حتى أمر ملاك الرب يوسف بالعودة مع العائلة المقدسة إلى فلسطين .
جاز فى نفس العذراء سيف الألم كما تنبأ لها سمعان الشيخ ( لو 2 : 35 ) عندما أمسك اليهود ابنها الوحيد وحاكموه ثم أحضروه لبيلاطس فأيد حكمهم بموته صلبا بعد عذابات شديدة ومؤلمة على مرأى ومسمع من أمه المباركة بكل ما تحمله من حنان الأمومة ورقة المشاعر وحساسية الفضيلة ، مما أتعبها جدا وألمها غاية الألم .
كل هذا تقبلته بصبر واحتمال مثل أيوب البار الذى احتمل التجربة حتى تزكى قدام الله ونال المواعيد .
+   +   +
+  السلام لك يا مريم ابنة الملك داود :
لما بشر الملاك العذراء بالحبل الإلهى قال : " .......... وها انت ستحبلين وتلدين إبنا وتسمينه يسوع هذا يكون عظيما وإبن العلى يدعى ويعطيه الرب الإله كرسى داود أبيه ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية " ( لو 1 : 31 ) وسمى داود أبو المسيح لأن العذراء مريم هى إبنة داود أى من نسله وسلالته .
وقال الملاك مخاطبا يوسف خطيب مريم والذى من عشرتها أى من بيت داود وسلالة يهوذا : " يا يوسف ابن داود لا تخف أن تأخذ مريم إمرأتك " ( مت 1 : 20 ) لكى يذكره بوعد الرب لداود بمجىء المسيح من نسله بقوله :  " أقسم الرب لداود بالحق ولا يحنث أن من ثمرة بطنك أضع على كرسيك " ( مز 132 : 11 ) .
لقد رأى داود إبنته مريم من بعيد بعين النبوة وأنها ستكون هى الملكة أم الملك ، فأوصاها بروح النبوة وبمحبة الأبوة قائلا : " أسمعى يا إبنتى وانظرى وأميلى سمعك وأنسى شعبك وبيت أبيك فإن الملك قد اشتهى حسنك لأنه هو ربك وله تسجدين " ( مز 45 : 10 – 11 ) .
وقال فى نفس المزمور أيضا جلست الملكة عن يمينك بذهب أوفير ( مز 45 : 9 ) لقد سماها " صهيون الأم " ، فقال : " صهيون الأم تقول أن إنسانا وإنسانا ولد فيها وهو العلى الذى أسسها ، الرب يحدث فى كتب الشعوب أن هذا ولد هناك " ( مز 87 : 5 – 6 ) . 
نال الملك داود عن طريق أبوته للقديسة مريم شرفا وكرامة لم ينلها من ملكه ولا عظمته ولا جبروته ، أصبح له شرف أن يكون جد المسيح بالجسد .
+    +    +
+  السلام لك يا مريم صديقة سليمان :
لبش الأثنين يبين العلاقة بين سليمان وبين العذراء مريم فيقول : " .... وأيضا سليمان الجامعة هكذا يقول فى نشيد الأنشاد " يا أختى وخليلتى الكاملة رائحة ثيابك هى عنبر " وفى ذكصولوجية رفع بخور عشية الخاصة بالعذراء نقول : " سليمان دعاها فى نشيد الأنشاد وقال : أختى وصديقتى مدينتى الحقيقية أورشليم ، لأنه أعطى علامة عنها بأسماء كثيرة عالية قائلا من بستانك أيتها العنبر المختار .
وفى ذكصولوجية نصف الليل الخاصة بالعذراء نقول " عظمتك يا مريم العذراء غير الدنسة تشبه النخلة التى تكلم عنها سليمان " .
هذه النصوص تكشف لنا رموزا جديدة من رموز عروس النشيد التى تغنى سليمان كثيرا بجمالها وطهارتها .
نحن نعرف أن عروس النشيد ترمز إلى النفس الإنسانية وترمز أيضا إلى الكنيسة المقدسة عروس المسيح التى اشتراها بدمه . وهنا يضيف الآباء رمز عروس النشيد إلى العذراء القديسة مريم التى تغنى سليمان كثيرا بفضائلها العالية وخصالها الحميدة .
فعن طهارتها قال : " مشرقة مثل الصباح جميلة كالقمر ، طاهرة كالشمس ، مرهبة كجيش بألوية " ( نش 6 : 10 ) .
وعن بتوليتها قال :
 " أختى العروس جنة مغلقة عين مقفلة ينبوع مختوم " ( نش 4 : 12 ) .
وعن عبادتها ونسكها وأصوامها قال :
 " معطرة بالمر واللبان وكل أذرة التاجر " ( نش 3 : 6 ) .
وعن هدوئها ووداعتها قال :"عيناك حمامتان " ( نش 1 : 15 ) .
وقد تنبأ سليمان عن مجىء المسيح وميلاده من العذراء مريم بطريقة إعجازية فقال :
 " ينزل مثل المطر على الجزاز ومثل الغيوث الذارفة على الأرض . يشرق فى أيامه الصديق وكثرة السلام إلى أن يضمحل القمر ويملك من البحر إلى البحر ومن النهر إلى أقاصى الأرض " ( مز 72 لسليمان 6 – 8 ) .
ويقول أيضا " كل الأمم تتعبد له لأنه ينجى الفقير المستغيث والمسكين إذ لا معين له .. يشفق على المسكين والبائس ويخلص أنفس الفقراء ... يكون اسمه إلى الدهر قدام الشمس يمتد اسمه ويتباركون به كل أمم الأرض " ( مز 72 : 11 – 17 ) . وقد مدح السيدة العذراء مريم بروح النبوة قائلا : " بنات كثيرات عملن فضلا أما أنت ففقت عليهن جميعا " ( أم 31 : 29 ) وتستعمل الكنيسة هذه العبارة فى ألحانها الخاصة بالعذراء .
+    +    +
+  السلام لك يا مريم خلاص إشعياء
أعطت الكنيسة إشعياء النبى " لقب النبى الأنجيلى " وذلك بسبب نبواته الكثيرة عن المسيح فى مختلف مراحل حياته كأنه شاهد عيان للمسيح المتجسد على الأرض فعن ميلاده البتولى العجيب من العذراء مريم قال : " يعطيكم السيد نفسه آية .. كا العذراء تحبل وتلد إبنا وتدعو اسمه عمانوئيل .... يرفض الشر ويختار الخير " ( إش 7 : 14 ) .
من كتاب القمص تادرس يعقوب :
يتميز إشعياء بكثرة النبوات عن السيد المسيح :
من جهة ميلاده من عذراء : [ 7 : 14 ] : " ولكن يعطيكم السيد نفسه آية ، ها العذراء تحبل وتلد أبنا وتدعو اسمه عمانوئيل " .
من جهـــة لاهوتـــــه :
 [ 9 : 6 ] : "  ويدعى اسمه عجيبا مشيرا إلها قديرا أبا أبديا رئيس السلام " .
من نسل يسى :
[ 11 : 1 ] : " ويخرج قضيب من جذع يسى وينبت غصن من أصوله ،  "
معلن الحق للأمم : [ 42 : 1 ] : " هوذا عبدى الذى أعضده مختارى الذى سرت به نفسى ، وضعت روحى عليه فيخرج الحق للأمم ، ... " .
يسلك بالوداعة : [ 42 : 2 ] : " لا يصيح ولا يرفع ولا يسمع فى الشارع صوته " .
 واهب الرجاء للكل : [ 42 : 3 ] : " قصبة مرضوضة لا يقصف وفتيلة خامدة لا يطفىء ، إلى الأمان يخرج الحق " .
هروبه إلى مصر وإقامة مذبح كنيسة العهد الجديد هناك : [ 19 ] : " وحى من جهة مصر ، هوذا الرب راكب على سحابة سريعة وقادم إلى مصر فترتجف أوثان مصر من وجهه ويذوب قلب مصر داخلها ، .... " .
الآمه وصلبه [ 50 : 6 ، 53 : 1 – 12 ] .
فتح طريق الفرح للمفديين بقيامته [ 35 : 8 – 10 ] : " وتكون هناك سكة وطريق يقال لها الطريق المقدسة ، ..... " .
تحدث أيضا عن الروح القدس وعطيته الفائقة فى العصر المسيانى :
[ 11 : 2 ] : " ويحل عليه روح الرب روح الحكمة والفهم روح المشورة والقوة روح المعرفة ومخافة الرب " .  وكذلك ما ورد فى الأصحاحات : [32 : 15 ؛ 40 : 7 ؛ 42 : 1 ؛ 44 ؛ 3 ؛ 61 : 1   ..... الخ ] 
بعض الآيات التى اقتبست من سفر إشعياء عن السيد المسيح
ووردت فى العهد الجديد (من كتاب د . أنطون يعقوب ميخائيل )
إنجيل متى
إشعيــــــاء
1 : 23 [ هوذا العذراء تحبل وتلد أبنا ويدعون أسمه عمانوئيل الذى تفسيره الله معنا ] .
7 : 14 [ ولكن يعطيكم السيد نفسه آية ، .. ]
3 : 3 [ فإن هذا هو الذى قيل عنه بأشعياء النبى القائل صوت صارخ فى البرية أعدوا طريق الرب ، اصنعوا سبله مستقيمة ] .
40: 3 [ صوت صارخ فى البرية أعدوا طريق الرب ، قوموا فى القفر سبيلا لإلهنا ] .
4 : 15 ، 16[ أرض زبولون وأرض نفتاليم طريق البحر عبر الأردن جليل الأمم ، الشعب الجالس فى ظلمة أبصر نورا عظيما .... ] 
9 : 1 ، 2 [ ولكن لا يكون ظلام للتى عليها ضيق ، كما أهان الزمان الأول أرض زبولون وأرض نفتالى يكرم الأخير طريق البحر عبر الأردن جليل الأمم ]
8 : 17 [ لكى يتم ما قيل بأشعياء النبى القائل هو أخذ أسقامنا وحمل أمراضنا ] .
53 : 4 [ لكن أحزاننا حملها وأوجاعنا تحملها ونحن حسبناه مصابا مضروبا من الله ومذلولا ]
12 : 18 [ هوذا فتاى الذى اخترته ، حبيبى الذى سرت به نفسى ، أضع روحى عليه فيخبر الأمم بالحق ]
42 : 1 [ هوذا عبدى الذى أعضده مختارى الذى سرت به نفسى ، وضعت روحى عليه فيخرج الأحق للأمم ]
13 : 14 [ فقد تمت فيهم نبوة إشعياء القائلة تسمعون سمعا ولا تفهمون ، ومبصرين تبصرون ولا تنظرون ]
6 : 9 ، 20 [ فقال اذهب وقل لهذا الشعب اسمعوا سمعا ولا تفهموا وابصروا أبصارا ولا تعرفوا ]
15 : 8 ، 9 [ يقترب إلى هذا الشعب بفمه ويكرمنى بشفتيه وأما قلبه فمبتعد عنى بعيدا ، وباطلا يعبدوننى وهم يعلمون تعاليم هى وصايا الناس ]
29 : 13 [ فقال السيد لأن هذا الشعب قد اقترب إلى بفمه وأكرمنى بشفتيه وأما قلبه فأبعده عنى وصارت مخافتهم منى وصية الناس معلمة ]
24 : 29 [ وللوقت بعد ضيق تلك الأيام تظلم الشمس والقمر لا يعطى ضوءه والنجوم تسقط من السماء وقوات السموات تتزعزع ]
13 : 10 [ فإن نجوم السموات وجبابرتها لا تبرز نورها ، تظلم الشمس عند طلوعها والقمر لا يلمع بضوءه ]
مرقس
إشعيـــــــــاء
1 : 3 [ صوت صارخ فى البرية أعدوا طريق الرب أصنعوا سبله مستقيمة ]
40 : 3 [ صوت صارخ فى البرية أعدوا طريق الرب ، قوموا فى القفر سبيلا لإلهنا ]
4 : 12 [ لكى يبصروا مبصرين ولا ينظروا ويسمعوا سامعين ولا يفهموا لئلا يرجعوا فتغفر لهم خطاياهم ]
6 : 9 [ فقال اذهب وقل لهذا الشعب اسمعوا سمعا ولا تفهموا وابصروا إبصارا ولا تعرفوا ]
7 : 6 [ فأجاب وقال لهم حسنا تنبأ إشعياء عنكم أنتم المرائين كما هو مكتوب ، هذا الشعب يكرمنى بشفتيه وأما قلبه فمبتعد عنى ] .
29 : 13 [ فقال السيد لأن هذا الشعب قد اقترب إلىبفمه وأكرمنى بشفتيه وأما قلبه فأبعده عنى وصارت مخافتهم منى وصية الناس معلمة ]
11 : 17 [ وكان يعلم قائلا لهم أليس مكتوبا بيتى بيت صلوة يدعى لجميع الأمم ، وأنتم جعلتموه مغارة لصوص ]
56 : 7 [ آتى بهم إلى جبل قدسى وأفرحهم فى بيت صلاتى وتكون محرقاتهم وذبائحهم مقبولة على مذبحى لأن بيتى بيت الصلوة يدعى لكل الشعوب ]
15 : 28 [ فتم الكتاب القائل وأحصى مع أثمة ] . 
53 : 12[ لذلك أقسم له بين الأعزاء ومع العظماء يقسم غنيمة من أجل أنه سكب للموت نفسه وأحصى مع أثمة وهو حمل خطية كثيرين وشفع فى المذنبين ]
لـــــوقا
إشعيـــــــاء
2 : 24 [ وباركهما سمعان وقال لمريم أمه ها إن هذا قد وضع لسقوط وقيام كثيرين فى إسرائيل ولعلامة تقاوم ]
8 : 14 [ ويكون مقدسا وحجر صدمة وصخرة عثرة لبيتى إسرائيل وفخا وشركا لسكان أورشليم ]
19 : 46 [ قائلا لهم : مكتوب إن بيتى بيت الصلوة وأنتم جعلتموه مغارة لصوص ]
56 : 7 [ آتى بهم إلى جبل قدسى وأفرحهم فى بيت صلاتى وتكون محرقاتهم وذبائحهم مقبولة على مذبحى لأن بيتى بيت الصلوة يدعى لكل الشعوب ]
22 : 37 [ لأنى أقول لكم إنه ينبغى أن يتم فى أيضا هذا المكتوب وأحصى مع أثمة لأن ما هو من جهتى له انقضاء ] .
53 : 12 [ لذلك أقسم له بين الأعزاء ومع العظماء يقسم غنيمة من أجل أنه سكب للموت نفسه وأحصى مع أثمة وهو حمل خطية كثيرين وشفع فى المذنبين ]
يوحنا
إشعيــــــاء
1 : 23 [ قال أنا صوت صارخ فى البرية قوموا طريق الرب كما قال إشعياء النبى ]
40 : 3 [ صوت صارخ فى البرية أعدوا طريق الرب ، قوموا فى القفر سبيلا لإلهنا ]
12 : 40 [ قد أعمى عيونهم وأغلظ قلوبهم لئلا يبصروا بعيونهم ويشعروا بقلوبهم ويرجعوا فأشفيهم ]
6 : 10 [ غلظ قلب هذا الشعب وثقل أذنيه وأطمس عينيه لئلا يبصر بعينيه ويسمع بأذنيه ويفهم بقلبه ويرجع فيشفى ]
سفر الأعمال
إشعياء
7 : 49 ، 50 [ السماء كرسى لى والأرض موطىء لقدمى ، أى بيت تبنون لى يقول الرب وأى هو مكان راحتى ]
66 : 1 ، 2 [ هكذا قال الرب ، السموات كرسى والأرض موطىء قدمى ، ..... ] .
8 : 32 ، 33 [ وأما فصل الكتاب الذى كان يقرأه فكان هذا : مثل شاة سيق إلى الذبح ومثل خروف صامت أمام الذى يجزه هكذا لم يفتح فاه ، ....]
53 : 7 ، 8 [ ظلم أما هو فتذلل ولم يفتح فاه كشاة تساق إلى الذبح وكنعجة صامتة أمام جازيها فلم يفتح فاه ] .
13 : 34 [ أنه أقامه من الأموات غير عتيد أن يعود أيضا إلى فساد فهكذا قال أنى سأعطيكم مراحم داود الصادقة ] .
55 : 3 [ أميلوا أذانكم وهلموا إلى ، اسمعوا فتحيا أنفسكم وأقطع لكم عهدا أبديا مراحم داود الصادقة ]
13 : 47 [ لأن هكذا أوصانا الرب ، قد أقمتك نورا للأمم لتكون أنت خلاصا إلى أقصى الأرض ] .
49 : 6 [ فقال قليل أن تكون لى عبدا لإقامة أسباط يعقوب ورد محفوظى إسرائيل . فقد جعلتك نورا للأمم لتكون خلاصى إلى أقصى الأرض ]
28 : 26 ، 27 [ قائلا اذهب إلى هذا الشعب وقل ستسمعون سمعا ولا تفهمون وستنظرون نظرا ولا تبصرون ، لأن قلب هذا الشعب قد غلظ .... ] .
6 : 10 [غلظ قلب هذا الشعب وثقل أذنيه وأطمس عينيه لئلا يبصر بعينيه ويسمع بأذنيه ويفهم بقلبه ويرجع فيشفى ]
إذن كان إشعياء ينتظر الخلاص مع المنتظرين خلاصا فى إسرائيل ، ولما مات منشورا بالمنشار من أجل الحق مات على رجاء الخلاص . وفى ملء الزمان جاء الخلاص مولودا من القديسة مريم ليخلص إشعياء وكل الذين ماتوا على رجاء .
+    +    +
+  السلام لك يا مريم شفاء إرميا :
كان إرميا النبى دائم الحزن والبكاء بسبب خطايا شعبه وانحرافهم عن طريق الله المستقيم كان يقول " أحشائى أحشائى توجعنى ، جدران قلبى يئن فى قلبى . لا أستطيع السكوت لأنك سمعت يا نفسى صوت البوق وهتاف الحرب .. لأنه قد خربت كل الأرض ... هم بنون جاهلون وهم غير فاهمين ، هم حكماء فى عمل الشر ولعمل الصالح ما يفهمون " ( إر 4 : 19 – 22 ) .
وكان يقول أيضا من شدة الحزن " يا ليت رأسى ماء وعينى ينبوع دموع فأبكى نهارا وليلا قتلى بنت شعبى " ( إر 9 : 1 ) ومن كثرة بكائه لقبوه " النبى الباكى " .
وقد تنبأ إرميا النبى عن الحبل العذراوى بالسيد المسيح ووصفه بأنه : " شىء حديث فى الأرض " فقال الرب قد خلق شيئا حديثا فى الأرض أنثى تحيط برجل " ( إر 31 : 22 ) .
كما تنبأ عن ميلاد المسيح فى بيت لحم إفراثة حيث قبر راحيل كما تنبأ عن مذبحة أطفال بيت لحم التى حدثت بسبب ميلاد المسيح بقوله :
 " هكذا قال الرب صوت سمع فى الرامة نوح ، بكاء مر راحيل تبكى على أولادها وتأبى أن تتعزى لأنهم ليسوا بموجودين " ( إر 31 : 15 ) .
أخيرا أنهى اليهود حياته برجمه بالجحارة فى مصر كما يروى التاريخ الكنسى ، وذلك ليتخلصوا من كلماته النارية وتوبيخاته الشديدة على انحرافهم وشرهم .
جاء ربنا يسوع المسيح فى ملء الزمان مولودا من العذراء مريم ، وبعد أن صنع الخلاص العظيم على الصليب نزل إلى الجحيم ونقل الصديقين إلى الفردوس ومن جملتهم إرميا هذا ، بعد أن شفاه من حزنه ومسح كل دمعة من عينيه حتى يعيش فى المكان الذى هرب منه البكاء والحزن والتنهد فى نور القديسين .
+   +   +
+  السلام لك يا مريم علم حزقيال :
كان حزقيال النبى من بنى السبى وقد أعطاه الله علما وحكمة لكى يعلم بنى إسرائيل الذين فى السبى أن يرجعوا إلى الرب إلههم حتى يتحنن عليهم ويرجعهم إلى أورشليم ، وقد رسم لهم عن طريق رؤيا إلهية رسم الهيكل الجديد ليبنوه عند رجوعهم من السبى ، ويقول فى ذلك :
" ..... وإذا برجل منظره كمنظر النحاس وبيده خيط كتان وقصبة القياس وهو واقف بالباب فقال لى الرجل يا لبن آدم انظر بعينيك واسمع بأذنيك وأجعل قلبك إلى كل ما أريكه لأنه لأجل أرائك أتى بى إلى هنا " ( حز 40 : 3 – 4 ) وهكذا عرفه صورة البيت ورسمه ومخارجه ومداخله وكل أشكاله ، وكل فرائضه وكل شرائعه وأمره أن يعرفهم كل هذا ويكتبه أمامهم ليعلموا به  .
وقد استغرق هذا الوصف حوالى خمسة اصحاحات من سفره ( 40 – 44 ) فلو لم يكن حزقيال ذا علم وخبرة وعقل واع لما استطاع أن يستوعب كل ما رآه وسمعه فى الرؤيا .
تنبأ حزقيال نبوة واضحة عن سر تجسد ربنا يسوع المسيح فى بطن العذراء مريم . بطريقة معجزية ثم ميلاده منها بطريقة أكثر اعجازا إذ دخل وخرج وبتوليتها مختومة ، وقد شبه ذلك بباب مغلق دخل وخرج منه الرئيس وهو مغلق فيقول : " ثم أرجعنى إلى طريق باب المقدس الخارجى المتجه للمشرق وهو مغلق . فقال لى الرب هذا الباب يكون مغلقا لا يفتح ولا يدخل منه إنسان لأن الرب إله إسرائيل دخل منه فيكون مغلقا . الرئيس الرئيس هو يجلس فيه ليأكل خبزا أمام الرب " ( حز 44 : 1 – 3 ) .
وبعد أن ظل 22 سنة يتنبأ ويعلم كلمة الله لبنى السبى ويحضهم على التمسك بالشريعة الإلهية تضايق منه بنو عشيرته فوثبوا عليه وقتلوه ودفنوه هناك فى بابل كما يخبرنا سنكسار 25 برمودة .
+   +   +
+  السلام لك يا مريم نعمة دانيال :
كان دانيال شابا يافعا سبى إلى بابل وهناك أعطاه الله نعمة لدى ملك بابل بسبب أمانته وطهارته لأنه وضع فى قلبه أنه لا يتنجس بأطايب الملك ولا بخمر مشروبه ، فطلب من رئيس الخصيان أن لا يتنجس ( دا 1 : 8 ) .. وأعطى الله دانيا نعمة ورحمة عند رئيس الخصيان ( دا 1 : 9 ) وقد عين فى خدمة الملك وترقى حتى أصبح فى باب الملك ( دا 2 : 9 ) أى فى رتبة رئيس وزراء ، وقد أعطاه الله روح النبوة وتفسير الأحلام ، فقد قال للملك نفس تعبير الرؤيا التى رآها الملك فى مخدعه ثم فسرها له ، وكانت هذه الرؤيا نبوة واضحة عن ربنا يسوع المسيح :
" الحجر الذى قطع بغير يدين ثم صار جبلا كبيرا حتى ملأ الأرض كلها " ( دا 2 : 31 – 45 ) .
ربنا يسوع المسيح ولد من العذراء بغير زرع بشر تماما مثل حجر يقطع من جبل بدون يد إنسان وقد صار اسم الرب يسوع معروفا فى كل مكان وعلى كل لسان وفى كل قلب ، وصدقت عليه نبوة دانيال أنه ملأ الأرض كلها .
" حينئذ خر نبوخذ نصر على وجهه وسجد لدانيال ... وقال حقا أن إلههكم إله الآلهة ورب الملوك وكاشف الأسرار إذ استطعت كشف هذا السر . حينئذ عظم الملك دانيال وأعطاه عطايا كثيرة وسلطة على كل ولاية بابل وجعله رئيس الشحن ( الولاة ) على جميع حكماء بابل " ( دا 2 : 46 – 48 ) .
وتفسر ثيئوتوكية الثلاثاء رؤيا دانيال هكذا ( لأن هذا هو الحجر الذى رآه دانيال قد قطع من جبل ، ولم تلمسه يد إنسان البتة ، هو الكلمة الذى من الآب ، أتى وتجسد من العذراء بغير زرع بشر حتى خلصنا ( القطعة الخامسة ) .
+    +    +
+  السلام لك يا مريم قوة إيليا :
كان إيليا النبى قويا فى خدمته غيورا فى رسالته حتى سمى بـ " النبى النارى " لأنه أنزل النار من السماء عدة مرات ، مرة لتأكل الذبيحة التى قدمها لله ، ومرتين لتأكل الجنود الذين أرسلهم أخزيا ملك السامرة لإحضاره من الجبل .
كانت قوة إيليا ترجع إلى عدة أسباب منها :
1 – وجوده الدائم فى حضرة الرب . فقد كان مسكنه فى الجبل حيث الخلوة والجو المهيأ للصلاة والأتحاد بالله .
2 – بتوليته التى أعطته القوة والدالة أمام الله ، وأعطته الوقت الكافى للعبادة والخدمة ، فنجح فى عبادته وفى خدمته .
3 – نسكه وزهده : فلم تكت له مطالب ولا رغبات من الملوك ، فلم يتملقهم ولم يداهنهم ، بل كان يقطع بكلمة الحق باستقامة غير خائف من شىء .
لقد اشتركت العذراء القديسة مريم مع إيليا النبى فى هذه الفضائل العالية حتى أصبحت ذات قامة روحية عالية أهلتها بأن يختارها الله لتكون أما لأبن الله المتجسد لأجل جنس البشر .
1 -  لقد كانت دائمة الوجود فى حضرة الله ، سواء كانت فى الهيكل أو فى بيت يوسف النجار ، وأيقونات البشارة دائما تصور العذراء مريم قائمة تصلى حين ظهر لها جبرائيل الملاك وأعطاها السلام وبشرها بحبل وميلاد المخلص منها .
2 – العذراء مريم الدائمة البتولية بعيدا عن الأنشغالات الكثيرة وجدت الوقت لتكرس حياتها كلها لله دون مانع أو عائق لقد توفرت لها اللياقة والمثابرة للرب بدون ارتباك ( 1كو 7 : 35 ) .
3 – كانت العذاء مريم فقيرة ، وكانت فى فقرها شاكرة الرب .
إيليا عند صعوده إلى السماء حيا صعد فى مركبة نارية ، والعذراء مريم هى المركبة الشاروبيمية التى سكن فيها العلى ، ويقول الربع الأول من القطعة الرومية الثالثة التى تقرأ فى عشية شهر كيهك المبارك : " أنت هى مركبة الله يا مريم وميلادك لا يفسر يا جوهرة عفيفة وفتاة متنفسة بالله " .
+      +      +
+  السلام لك يا مريم نعمة أليشع :
لقد أعطى الله أليشع النبى نعمة فى عين كل الشعب حتى أصبح محبوبا جدا لديهم ، وكانوا يدعونه رجل الله كما أعطاه نعمة لدى ملوك إسرائيل فكانوا يحترمونه ويدعونه : " يا أبى " ( 2 مل 6 : 21 ) .
أعطى الله أليشع نعمة عمل المعجزات بغزارة فأقام الموتى وشفى المرضى وأصلح المياة وأفسد طبع السم القاتل وغير ذلك من المعجزات الخارقة ، وقد حباه الله بهذه النعم لسيرته الصالحة فقد كان :
1 – رجل صلاة .
2 – اختاره الله بنفسه ليخلف إيليا فى نعمة النبوة .
3 – بتولا : وبتوليته أعطته القوة الروحية وفرصة الوقت للعبادة والجهاد .
اشتركت القديسة مريم مع أليشع النبى فى كل هذه الفضائل العالية والصفات النبيلة . فقد كانت إمرأة صلاة من الطراز الأول ، تعرف كيف تكلم الله وتسمع كلامه وتعيش دائما فى حضرته .
كانت بتولا طاهرة تهتم فيما لله كيف ترضى الله ، فقبل الله ذبيحة صلواتها وبتوليتها . مثل رائحة طيبة وأختارها لتكون أما لإبنه المتجسد لأجل خلاص العالم .
فى حياة أليشع حادثة يمكن أن تكون نبوة عن الخلاص المزمع أن يتم على خشبة الصليب المقدسة ، فقد ذهب أليشع مرة مع بنى الأنبياء إلى شاطىء نهر الأردن ليقطعوا خشبا من الأشجار النامية على حافة النهر ، وبينما أحدهم يقطع خشبة سقط الفأس من يده فى الماء :
 " فصرخ وقال آه يا سيدى لأنه عارية ( أى مستعارة ) فقال رجل الله أين سقط فأراه الموضع فقطع عودا وألقاه هناك فطفأ الحديد ، فقال أرفعه لنفسك فمد يده وأخذه " ( 2 مل 6 : 1 – 7 ) .
الحديد الثقيل هنا يشير إلى الخطية التى أثقلت كاهلنا وثقلت حياتنا فغاصت بنا فى بحر لا قرار له ، وأما المياة فتشير إلى العالم الذى غرقنا فى مشاكله واهتماماته ومغرياته ، أما العود الذى ألقاه النبى فى الماء فيشير إلى شخص الرب يسوع ( العود الرطب ) لو 23 : 31 ... الذى ألقى على صفحة الماء أعنى جاء إلى عالمنا فى مهمة مقدسة ليجد المفقود ويرد الضائع ، والعود فى خفته يشير إلى طبيعة يسوع المقدسة الخالية من الخطية ، وكما استطاع العود أن يجذب الحديد الضائع من تحت سطح الماء ، هكذا يستطيع الرب يسوع أن يجذب غليه الخطاة المثقلين بالخطايا والذنوب الغائصين فى بحر الأهتمامات والأنشغالات وذلك بقوة عمل صليبه المحيى حسب قوله ألإلهى :
" وأنا ان ارتفعت عن الأرض ( أى على الصليب ) أجذب إلى الجميع " ( يو 12 : 32 ) .
إذن رأى أليشع من بعيد ربنا يسوع المسيح المولود من العذراء مريم ، رآه صانعا الخلاص بدم صليبه جاذبا الناس المثقلين بالخطايا الغائصين فى بحر العالم الشرير إلى حياة القداسة وارتفاع السيرة ، فصنع هذه المعجزة تذكارا ورمزا لهذه الرؤيا المباركة . 
 نتيجة نهائية
مما تقدم نستطيع أن نقول أن كل واحد من أولئك الآباء والأنبياء كان يمثل جانبا معينا أو فضيلة معينة من جوانب وفضائل القديسة الطاهرة مريم ذات الشخصية العجيبة متعددة الجوانب والفضائل . فمثلا ابراهيم كان يمثل ايمانها وتسليمها ، وصموئيل يمثل اختيارها منذ صغرها للمهمة العظمى التى قامت بها ، وايوب يمثل صبرها واحتمالها للشدائد والمتاعب ، وإيليا يمثل روحانيتها ونسكها واتحادها بالله وموسى يمثل حلمها ووداعتها .....وهكذا .
لقد صدق أحد الآباء الذى كتب فى الطرح الكيهكى على مجمع القديسين مناجيا العذراء مريم قائلا " السلام لك أيتها العذراء التى أكملت كل الفضائل ، السلام لك أيتها العذراء المكملة بكل محاسن الشريعة . السلام لك أيتها العذراء التى لا يقدر لسان بشرى أن يصف علو فضائلك لأن جميع الفضائل المتفرقة فى القديسين قد تجمعت فيك .. وصار الخلاص موجودا بك ...
نطلب من تحننك أن تذكرينا عند ابنك الحبيب لكى يرحمنا ويغفر لنا خطايانا ويتجاوز عن آثامنا لكى نباركه مدة أيام حياتنا وإلى الأبد آمين .

الطريق الوحيد إلي السماء


الآية : "إلي هذا انظر إلي المسكين والمنسحق الروح" (اش 66: 2).

يقول القديس يوحنا الدرجى:

"إذا كان الشيطان سقط من السماء بالعظمة وحدها فالإتضاع وحده يرفع الإنسان إلي السماء"

إن الإتضاع هو أقصر الطرق إلي قلب الله، به تنال كل مراحمه وعطاياه.

ولكن كيف تكون متضعاً أمامه؟

1- بالتوبة اليومية علي خطاياك بتذلل ودموع.

2- بتنفيذ وصاياه مهما بدت صعبة فشرف عظيم أن تكون تابعاً لله محبا لوصاياة.

3- بشكر الله علي كل عطاياه وأيضاً علي الأمور المعاكسة لمشيئتك.

 4- بطلب كل ما تريد منه وتلتجئ إليه قبل أي أحد.

5- بالمثابرة في الصلاة بإلحاح مهما طال الزمان.

6- نتيجة لإتضاعك أمام الله تتضع أمام كل الناس.

ليكن لك قليل من المطانيات (السجدات) بإتضاع لأجل خطاياك وطلباتك.

أعظم ما تناله


الآية : "من يأكل جسدى ويشرب دمى فله حياة أبدية" (يو 6: 54)

يقول القديس يوحنا ذهبي الفم:

"إن اللذين كانوا يلمسون طرف ثوبه كانوا ينالون موهبة عظيمة فكم بالأحرى ينال منه الذين يحصلون عليه كله ويتناولونه".

عندما صار شاباً حاول والداه تزويجه فذهب إلي الكنيسة وطلب معونة الله، وبعد أن تناول الأسرار وتعزى بكلمة الله خرج فرأى جنازة متجهة إلي الدير للصلاة علي الميت فشعر أنه هو الميت الذي سيصلى عليه، وبعد الجنازة بقى في الدير وحاولوا إرجاعه فرفض ونما في محبة الله ثم اختاروه أسقفاً لأسوان باسم الأنبا هدرا ونال موهبة شفاء المرضي.

إن التناول من جسد الرب ودمه هو أهم شيئ لهذه الحياة، وإذ تتحد به تنال عربون الملكوت. هو يحميك ويعالج ضعفاتك الروحية، ويدفعك للنمو في محبة الله وكل عمل صالح، ويوحدك مع إخوتك المؤمنين في جسد المسيح أي الكنيسة.

تمسك بالتناول علي الأقل إسبوعياً وفكر اليوم في قوته العاملة فيك.

احفظ فمك


الآية : "رجل الأكاذيب يطلق الخصومة والنمام يفرق الأصدقاء" (أم 16: 25)

يقول القديس مقاريوس الكبير

" أحفظوا أسماعكم من كلام النميمة لتكون قلوبكم نقية"

عندما يوصي القديس بولس الرسول تلميذه القديس تيموثاوس في مجال القدوة يقول له " كن قدوة" ويعدد له ستة مجالات للقدوة ولكنه يبدأها بقدوة الكلام " كن قدوة للمؤمنين في الكلام".

لأن "الكلام" أكثر فعل إنساني يمارسه الإنسان كل يوم ولساعات طويلة .. وحفظ اللسان أو ضبط السان أحد التداريب الروحية اللازمة لنا ونحن في طريق جهادنا ... "لأن كثرة الكلام لا تخلو من معصية".

ولأن الكلمة الواحدة قد تفتح لك علاقة جديدة بخبرات كثيرة، ولكنها من جانب آخر قد تهدم علاقة طويلة استمرت لسنين عديدة. فالجواب اللين يصرف الغضب والكلام الموجع يهيج السخط.

أحترس اليوم في كل ما يخرج من فمك من كلمات وألفاظ .. واجعلها للبنيان.

تفسير مزمور انصت يارب لكلماتى لابونا تادرس



مزمور انصت يارب لكلماتى

ضد المسيح (المجدَّف ورجل الدماء)


 
في هذه المرثاة، يحوّل داود النبي اهتمامه إلى أختيوفل المستشار الشرير لأبشالوم، والمشبَّه بضد المسيح (6). يُظهر المرتل هنا التضاد بين أمان البيت الله (8-9؛ 12-13) والخطر الذي يُلحق بمصاحبة الشرير (5-7؛ 10-11). يقارن المرتل بين نفسه وأخيتوفل، بكونه رمزًا للكنيسة – بيت الله الروحي – المتحدة مع ابن داود، والتي تدخل في معركة مستمرة مع ضد المسيح؛ بينما يمثل أخيتوفل ضد المسيح واتباعه الشعب الشرير.
صلاة هذه المرثاة، صلاة شخصية عميقة؛ تمس في نفس الوقت حياة المؤمن بكونه عضوًا في الكنيسة الواحدة. وكما سبق فقلت إننا في عبادتنا لا يمكننا أن نفصل حياتنا الشخصية عن الحياة الجماعية. هنا يبدأ المرتل بدعاء شخصي، فيقول: "كلماتي، صراخي، ملكي وإلهي" [1-2]، ويختتم المزمور باتجاه جماعي، فيقول: "يفرح جميع المتكلين عليك، يبتهجون إلى الأبد" [11]. هذه المرثاة تخص كل شخص أيّا كان عمره، كما تخص الكنيسة ككل.
من بين الخمس مقطوعات الشعرية stropes للمزمور تتحول ثلاث منها بالكامل نحو الله تتخللها مقطوعتان هما شكوى ضد العدو مقدمه لله بانفعال. وقد جاء المزمور ككل يفسر روح الصرخة الواردة في الآية "ملكي وإلهي"[152].
هذا المزمور يسندنا عندما نكون في أسوأ أزمات الخيانة التي قد تحدث من أحد أفراد الأسرة أو من الجماعة.
نسبح بهذا المزمور كل صباح في صلاة باكر لنمتلئ رجاءًا.
يبدو أن هذه المرثاة الصباحية كانت تردد في الهيكل مرتبطة بطقس الذبيحة الصباحية (3، 7؛ 2 مل 3: 20؛ عا 4: 4)[153].
يصنف Dahood هذا المزمور ضمن "مزامير البراءة Psalms of Innocence" (مز 5؛ 17؛ 26؛ 139). لم يفكر المرتلون والأنبياء أن ينكروا خطاياهم قط، إنما كانوا يتضرعون لكي يخلصوا منها؛ فلا تقوم براءتهم على برّهم الذاتي، وإنما تعتمد على النعمة التي صارت لهم عند الله، خلال رغبتهم الصادقة للاتحاد معه. بمعنى آخر كانوا أبرياء من جهة الاتهامات الباطلة التي اعتاد الأشرار أن يثيروها ضدهم.

الإطار العام:

1. توسل إلى الرب                   [1-3].
2. لا اتفاق بين الله والشر             [4-6].
3. البار يعبد الله                      [7-8].
4. الهتاف الليتورجي والبركة         [12-13].

عنوان المزمور:

جاء عنوان المزمور في العبرية: "لإمام المغنين على ذوات النفخ Nehiloth، مزمور لداود"، وفي الترجمة السبعينية: "حتى النهاية، للوارثة، مزمور لداود".
1. لشرح "لإمام المغنين" أنظر شرح المزمور الرابع: عنوان المزمور.
2. تُشرح كلمة Nehiloth بطرق مختلفة:
* يعتقد البعض أنها تعني "جيوشًا"؛ هذا يقتضي أن تكون الكلمة السابقة لها هي "ضد" أو "مقابل" وليس "على upon"؛ لكي تُقرأ "لإمام المغنين، ضد الجيوش". يفترض هذا التفسير أن هذه الأنشودة يُسبَّح بها مقابل فرق الأعداء التي قامت لتهاجم المدينة؛ لكن هذا الرأي يرتكز على أساس واهٍ جدًا[154].
* يظن البعض أن كلمة Nehiloth هي الكلمة الأولى لأغنية ما مشهورة، تدل على اللحن الذي يُغنى به المزمور.
* يترجمها البعض "آلات نفخ"، لتقابل كلمة Niginoth في المزمور السابق بمعنى "آلات وترية".
* يضع البعض كلمة "وارثة" بدلاً من كلمة "Nehiloth"، معتمدين في ذلك على العنوان الوارد في الترجمة السبعينية، بفرض أن داود هنا يدعو الأسباط الإثنى عشر وارثة، وأن هذا المزمور هو صلاة لأجل شعب إسرائيل[155].
3. جاء العنوان في الترجمة السبعينية "إلى النهاية". وكما يقول القديس أغسطينوس: ["لأن غاية (نهاية) الناموس هي المسيح، للبر لكل من يؤمن" (رو 10: 4)، ومع ذلك فإن هذه النهاية تعني الكمال لا الفناء]. ويعلق القديس جيروم، قائلاً: [الوعد بميراثنا لم يحدث في البداية بل في نهاية العالم... هذا بالتدقيق ما يعنيه الرسول يوحنا بقوله: "يا أولادي الأحباء، إنها الساعة الأخيرة" (1 يو 2: 18)].
4. يعلق كثير من آباء الكنيسة على كلمة "الوارثة" الواردة في العنوان حسب الترجمة السبعينية، مثل:
* يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [إن المرتل يتكلم لحساب العروس، ليشفع في البلاط الملكي، مخبرًا إيانا عمن يشفع فيها ألا وهي "الوارثة"، هذه الوارثة هي الكنيسة[156].
*   لأنه ماذا تطلب الوارثة؟ لنسمع: "انصت يارب لكماتي" [1]. إنها تدعو عريسها "ربها"، لأن هذا هو واجب العروس الكاملة المهيأة حسنًا! إن كان هذا يحدث كأمر طبيعي بين البشر، إذ تدعو الزوجة زوجها "يا سيدي"، فكم بالحري يكون حال الكنيسة مع السيد المسيح الذي هو بالطبيعة الرب حقًا[157]؟
القديس يوحنا الذهبي الفم
* يقول القديس جيروم: [بإن داود يرتل باسم الكنيسة[158]؛ وأنه يركز على ضد المسيح وأتباعه، الذين يقاومون الكنيسة "الوارثة"، لكن تنتهي المعركة بنصرتها ومجدها وتمتعها بالميراث الأبدي.
* يقول القديس أوغسطينوس: [إن كنيسة العهد الجديد نفسها هي ميراث المسيح، فهي أيضًا تنال الميراث الأبدي.
*   تُدعى الكنيسة بدورها ميراث الله في النص الأصلي: "اسألني فأعطيك الأمم ميراثك" (مز 2: 5)؛ لهذا يُدعى الله ميراثنا، لأنه يسندنا ويحتضن كياننا، ونُدعى نحن ميراث الله لأنه يملك علينا ويدبر حياتنا. لهذا فإن هذا المزمور هو أغنية الكنيسة التي دُعيت لترث ومن أجل أن تكون هي نفسها ميراث ربنا.
*   الكنيسة هي المعنية، هذه التي تتقبل ميراثها حياة أبدية بالمسيح يسوع ربنا، فتقتني الله نفسه، بالتصاقها بذاك الذي لأجله تتبارك، وفقًا للعبارة: "طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض" (مت 5: 5)...
القديس أغسطينوس
جاء عنوان هذا المزمور في السريانية هكذا: "صلاة في شخص الكنيسة عندما تأتي مبكرًا في الصباح إلى بيت الرب"، لكن هذا تفسير وليس ترجمة لنص العنوان[159].
بحسب ما ورد في المزمور (142: 5)، ميراث الكنيسة هو ربنا نفسه: "أنت هو رجائي، نصيبي في أرض الأحياء".
داود رمز الكنيسة الوارثة:
1. رجل الصلاة والتأمل: لقد أقترب إلى الله، الذي يصرخ إليه على الدوام، فإنه يشتاق لا أن تصل إليه كلماته فحسب، وإنما أن ينصت الله إلى صوت صلاته الداخلية [1].
*   "اَنصت يارب لكلماتي" [1]. ما من أحد له مثل هذه الثقة إلا الكنيسة، فالخاطي لا يجسر على القول: "انصت يارب لكلماتي"... بل بالحري يترجى ألا يشاء الله أن يسمعه...
"أفهم (تأمل) صراخي" [1]: كلمة "صراخي في الكتاب المقدس لا تعني صرخات الصوت بل القلب". وقد قال الله بالحقيقة لموسى: "مالك تصرخ إليّ هكذا؟!" (خر 14: 15)، بينما لم يتفوّه موسى بأي صراخ على الإطلاق... على نفس الوتيرة جاءت كلمات إرميا: "لا تعطِ لعيني راحة" (مرا 2: 18). لاحظ ماذا يقول: لا تسمح أن تصمت حدقة عيني... إذ أحيانًا تصرخ حدقة أعيننا ذاتها إلى الله[160].
القديس جيروم
*   يكشف المرتل عما تكون عليه تلك الصرخة، وكيف تصدر عن عمق الداخل، عمق القلب، دون صوت جسداني؛ فتصل إلى الله، فإن الصوت الجسداني يُسمع أما الروحاني فيُفهم: "أفهم صراخي".
القديس أغسطينوس

1- توسل إلى الرب

صرخ داود ثلاث مرات، سائلاً الله أن يسمع صلاته، قائلاً:
"انصت يارب لكلماتي،
وافهم صراخي.
اصغ إلى صوت طلبتي يا ملكي وإلهي" [1].
يذكر انسيموس الأورشليمي أن داود كممثل للكنيسة يشير في صرخته إلى الثالوث المقدس (يارب، يا ملكي وإلهي). فتدعو الكنيسة الآب "يارب"، وليس "ياربي"، لأن اليهود أيضًا يعرفونه معها، وأما الابن والروح القدس فتنسبهما إليها "ملكي وإلهي"، لأنها الوحيدة التي تعرفت عليهما.
التكرار ثلاث مرات هنا يشير إلى شدة محبة داود ولجاجته في الصلاة. لقد كشف بتعبيراته المختلفة عن شكاواه العديدة. وهذا يدل على أنه لم يُصِلّ بفتورٍ مكتفيًا بكلمات قليلة، وإنما كان جادًا في عرضه مصائبه أمام الله بسبب شدة حزنه.
2. يقول المعلم دانيال الصالحي: [تأمل كيف لم يُسم (داود) نفسه ملكًا في صلاته، لكنه عرَّى نفسه من العظمة الملوكية، ودعا الله ملكه وإلهه؛ موضحًا أنه ليس ملك بالحقيقة إلا الله وحده. فإن من كان تحت سلطان الملك لس بملك. فيقول داود النبي: "ملكي وإلهي" يعني: "أنت هو الملك وحدك"].
إذ كان أبشالوم يطارد أباه، لا ليسحب منه العرش فحسب بل ويحرمه الحياة عينها، صرخ داود الملك: "روحك القدوس يهديني إلى الاستقامة... عرفني يارب الطريق التي أسلك فيها لأني إليك رفعت نفسي" (مز 143: 8-9). وكأنه يقول: "إنني محتاج إلى روحك القدوس يقودني إلى الطريق الملوكي... يرفعني بالصليب إليك فأحيا كملك مرتبط بملِك الملوك". إني عاجز عن حماية العرش وحراسة القصر الملوكي، لكن بك أدخل إلى نعمة الملوكية أيها الملك الحقيقي وحدك!
3. لقد وثق أنه حتى في المستقبل يقترب إلى الله بعد أن صار مطرودًا من بين شعب الله، محرومًا من المدينة المقدسة، ومن بيت الله. ربما اعتاد داود النبي على الدخول إلى بيت الله كل يوم، خاصة في الصباح، ليقف أمام الرب، حتى يفتقده الله بنفسه ويحرسه [3].
"بالغداة (في الصباح) استمع صوتي،
بالغداة أقف أمامك وتراني" [2].
الصباح بلا شك هو الوقت الطبيعي للصلاة (مز 88: 13)، ولخدمة الهيكل (خر 29: 38-40؛ لا 6: 12-13؛ 2 مل 3: 20). في الحقيقة ذبيحتا الصباح والمساء في الهيكل هما الأساس الذي قام عليه نظام صلاة التسبيح ورفع البخور عند المسيحيين صباحًا ومساءً وقد ارتبط بتقديم البخور لله.
الصباح أيضًا هو رمز تحرير الشعب من مصر (خر 14: 20-24)، ومن الآشوريين (إش 37: 36)، ومن الليل أو من ظلمة الخطية. ويعتبر السحر أو الصباح أفضل وقت للصلاة: "يارب... كن عضدنا (قوتنا) في كل صباح" (إش 33: 2). مراحم الرب جديدة في كل صباح (مرا 3: 23) هذه التي نتوقع نوالها في صلواتنا (الصباحية). هذا الأمر يتكرر في كثير من المزامير، فإن مراحم الرب تُتوقع غالبًا في الصباح (مز 59: 16؛ 90: 14)، وفي الصباح يُعين الله المدينة المقدسة وينقذها من السقوط (مز 46: 5؛ 101: 8).
ربما يشير الصباح إلى تدخل ملاك الله ضد سنحاريب (2 مل 19: 35)، وربما إلى القيامة، عندما يتحدث المرتل عن الاستيقاظ في حضرة الرب (مز 3: 5؛ 17: 15)[161].
التبكير في الصلاة هو السعي الدؤوب الجاد لطلب الله، قبلما أن نسأل الآخرين المساعدة؛ الإنسان الذي يقدم باكورة أفكار اليقظة لله لا يحجم عن أن يكرّس له بقية ساعات النهار الأخرى.
*   تُتلى الصلوات باكرًا في الصباح لكي تُكرَّس للرب كل الحركات الأولى التي للنفس والعقل، فلا يكون لنا أدنى اهتمام آخر خلاف تهليلنا وفرحنا وشبع قلوبنا بالتفكير في الله، كما هو مكتوب: "تذكرت الرب فابتهجت" (مز 77: 4) (الترجمة السبعينية)، ولكي لا يتثقل الجسد بأي عمل آخر قبل إتمام الكلمات: "لأني إليك أصلي يارب، بالغداة (في الصباح) استمع صوتي، بالغداة أقف أمامك وتراني" [2] [162].
القديس باسيليوس الكبير
*   يشرح بعض المفسرين هذه الكلمات ببساطة هكذا: أنهض في الفجر للصلاة والتضرع إليك...
اصغ إلى ما تعنيه هذه الكلمات حقًا: طالما أنا تائه في ظلمة الخطأ لا تسمعني (يارب)؛ لكن إذ تشرق شمس البر (السيد المسيح) في قلبي تسمع في الصباح صوتي...؛ فقط حينما تبدأ ظلمات الليل أن تنقشع عني تسمع صوتي، في للحظة التي أبدأ في عمل الخير تسمع صوتي دون أن تنتظر حتى النهاية.
*   بينما تخترق أشعة الفضيلة نفسي أقف أمامك؛ لست أجلس ولا أرقد بل أقف. "وأنت تُثبِّت خطواتي بقوة على الصخرة" (مز 39: 3)، فأستحق تدريجيًا أن أراك[163].
القديس جيروم
*   الشر والخيانة والكذب والقتل والخداع وما أشبه ذلك ترتكب في الليل الذي يجب أن يعبر قبل بزوغ الفجر الذي فيه يُستعلن الله...
ماذا يعني: "سأقف" وليس "أرقد"؟ ماذا يعني الرقاد إلا نوال الراحة على الأرض بطلب الملذات الأرضية؟
يقول المرتل: "أقف... أرى"؛ فعلينا أن نضحي بأمور هذا العالم إن كنا نود رؤية الله؛ إذ هو منظور فقط بنقاوة القلب!
القديس أغسطينوس
يقول أُنسيمس الأورشليمي: [إن المرتل يقصد هنا بكلمة "الصباح" العبادة المسيحية، لأن اليهود الذين كانوا تحت ظلال الناموس اعتادوا الاحتفال بالفصح عن المساء، أما الآن فقد أشرق شمس البر بالتجسد، فنعبده في الصباح، مستنيرين بأشعته الإلهية. يمكننا القول بأن الفصح المسيحي الجديد قد تحقق في الصباح بقيامة مخلصنا، هذا الذي أباد الموت وحطم قوة الشيطان.
يقول المعلم دانيال الصالحي [إن روح النبوة يخبرنا بأسرار جسيمة وإلهية على لسان الطوباوي داود... وأن هذا الملك والنبي بعدما دعا (عمانوئيل) في المزمور الأول شجرة مثمرة عديمة الفساد، وفي المزمور الثاني أنذر به مولودًا أزليًا، وفي المزمور الثالث سماه ربًا وإلهًا ومخلصًا، وفي المزمور الرابع دعاه صالحًا ونور وجه الآب؛ يسأل المرتل في هذا المزمور الخامس طالبًا ومتضرعًا بروح النبوة أن يخرج من ليل الناموس، ويأتي إلى الصباح المضئ المبهج الذي هو كلمة الآب الأزلي... (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى). يُريد أن يعلمنا أن عمانوئيل مدعو صباحًا، لأنه هو النور الحقيقي الذي لا تشوبه ظلمة ليل قط، وهو القادم بعد ليل الناموس المظلم. هذا هو الصباح الذي سماه يوحنا: "النور الحقيقي الذي يضيئ لكل إنسان آت إلى العالم"، وظلمة الناموس لم تدركه...
هكذا قد جاء سيدنا ذاك الصباح والنور الحقيقي بعدما أسودَّ العالم في ظلام الخطية...
قال مصباح الحياة: "أنا نور العالم"، ثم زاد فقال: "من يأتي ورائي لن يمكث في الظلمة لكنه يجد نور الحياة"].
كان المرتل يتطلع بثقة إلى فوق منتظرًا استجابة الله لصراخه. هذا التصوير مأخوذ عن وضع إنسان في برج مراقبة ليعلن عن اقتراب رسول عائد أو عن تحركات أي شخص آخر. هكذا توصف حالة العقل في موضع آخر بالأنبياء، فيقول حبقوق: "وعلى البرج أقف، على الحصن انتصب وأراقب لأرى ماذ يقول لي" (2: 1)؛ وميخا يقول: "ولكني أراقب الرب، أصبر لإله خلاصي؛ يسمعني إلهي" (7: 7).
4. يتجاسر المرتل فيدعو الرب [1]، إذ يقف أمامه كل صباح في بيت الرب. يقابل ذلك، لا يستطيع الأشرار أن يطلبوه لأنهم لم يقبلوا الدخول في قدسه كضيوف عنده يسكنون معه [4].
يدرك المرتل قداسة الرب ويعيها جيدًا، لهذا يحفظ نفسه بعيدًا عن الأشرار الكذبة المخادعين سافكي الدماء.
"تهلك كل الناطقين بالكذب.
رجل الدماء والغاش يرذله الرب" [6].
الكذب والغش وكل الخطايا لا تؤذي الله، إنما تحطم الذين يمارسونها. يعلق الأب ثيؤدورت أسقف قورش على العبارة السابقة قائلاً: [لا شيء يؤذي الله الذي لا يمكن أن يتدنس[164]].
*   إذ يعطي (الكذبة) ظهورهم للوجود الحقيقي (الحق) يتحولون إلى اللاوجود (الكذب الباطل).
القديس أغسطينوس
*   يلزمنا أن نكون دائمًا حذرين حتى لا نسقط في الكذب، لأن كل من يكذب لا علاقة له بالله... إذ يأتي الكذب دائمًا من الشيطان، إذ مكتوب عنه: "إنه كذاب وأبو الكذاب" (يو 8: 44)... أما الله فهو الحق، إذ يقول: "أنا هو طريق والحق والحياة" (يو 14: 6). لننظر الآن كيف نحرم أنفسنا خراجًا، وماذا يكون مركزنا بالكذب، بلا شك نصير أتباع الشرير. لذلك إن أردنا أن نخلص، يلزمنا أن نحب الحق بكل قلوبنا ونحفظ أنفسنا من كل أنواع الباطل، فلا ننفصل عن الحق بكل قلوبنا ونحفظ أنفسنا من كل أنواع الباطل، فلا ننفصل عن الحق والحياة.
*   لنهرب من الباطل (الكذب) يا إخوة، فنخلص من أيدي العدو، ولنجاهد أن نتمسك بالحق فنتحد بذاك القائل: "أنا هو الحق" (يو 14: 6). ليت الله يجعلنا مستحقين للحق الذي له[165].
الأب دوروثيؤس من غزة
5. بيت الله ملجأ المرتل، وعبادته هي درعه:
"أما أنا فبكثرة رحمتك أدخل بيتك،
وأسجد قدام هيكل قدسك بمخافتك" [7].
يقول داود إن الإنسان التقى يعبد الله متجهًا نحو الهيكل الرب المقدس، إذ كانت العادة قديمًا أن تكون الصلاة موجهة نحو قدس الأقداس أينما كان المتعبدون (1 مل 8: 30، 38، 42؛ دا 6: 10). بعد خراب أورشليم، في المجامع اليهودية في الجليل، كان المؤمنون يؤدون العبادة متجهين نحو أورشليم.
*   "إلى الأبد يهتفون وتحل فيهم" [11].
طوبى للذين يصيرون خيامًا للمسيح!...
من يحب الرب يبتهج في الرب![166]
القديس جيروم
*   سأدخل بيتك (مز 5: 7) كحجر في البناء. هذا هو المعنى على ما أعتقد، وإلا ماذا يكون بيت الله إلا هيكل الله الذي قيل عنه: "لأن هيكل الله مقدس، الذي أنتم هو" (1 كو 3: 17)؟ البناء الذي فيه (الرب) هو رأس الزاوية (أف 2: 20)، الذي هو قوة الله وحكمته شريك الآب في الأزلية.
القديس أغسطينوس
ربما يُعّبِر داود هنا عن اقتناعه بأن نفيه لن يدوم طويلاً، معنًا تصميمه على انتهاز أول فرصة للدخول إلى بيت الله. في كل هذا كان متضعًا، لا يعتمد على استحقاقه الذاتي أو حكمته أو قوته، بل على كثرة مراحم الله: "وأما أنا فبكثرة رحمتك أدخل بيتك" [7]؛ والجدير بالذكر أن مخافة الله والعبادة لا ينفصلان: "وأسجد قدام هيكل قدسك بمخافتك" [7].
6. الله هو القائد:
"اهدني يارب بعدلك،
من أجل أعدائي سهل أمامك طريقي" [8].
إذ يقودنا الرب نكون في مأمن من أعدائنا الروحيين. حقًا يخضع العالم للظلم، لكن الله العادل يعتني بأولاده، مظهرًا لهم رحمته ويدافع عنهم ويحفظهم. نحن نتضرع إليه أن يقودنا أمامه أو أمام عينيه، متوسلين إلى كِلّي المعرفة أن يرشدنا وأن يفحص طرقنا.
في محبته الإلهية إذ يهدينا يقدم لنا نفسه "الطريق" طريقًا لنا، سهلاً، لا يقدر الأعداء على مقاومته. طريقه هو الصليب يصير طريقنا، يحمل عذوبة خاصة وسهولة لأجل شركتنا مع المصلوب!
من أجل العدالة الإلهية حمل مسيحنا الصليب، لتُعلن رحمته كلية لعدالة، وعدله كليّ الرحمة؛ ناسبًا صليبه إلينا بكونه طريقنا الملوكي واهب النصرة.
*   لقد أُمرنا أن نظهر له طرقنا، فتكون معروفة، فإنها لم تصر مستقيمة بجهادنا الذاتي، وإنما بمعونته ورحمته. لذلك كُتب: "اجعل طريقي مستقيمًا أمامك"، حتى ما يكون مستقيمًا عندك أحسبه أنا أيضًا مستقيمًا...
سلم للرب أعمالك، فتستقر أفكارك. عندما نعهد للرب معيننا كل ما نعمله، تستقر كما على صخرة ثابتة صلدة، وننسب كل شيء إليه[167].
القديس جيروم
7. الله هو مصدر البركة في حياة الإنسان. "لأنك أنت باركت الصديق يارب" [12]. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [إن الصديق لا تهمه إهانات الناس له، لأن الله نفسه يباركه. ما المنفعة إن أكرمه العالم ولم يكرمه الله؟
8. وفقًا لمشيئة الله مسار يوم الصديق دائمًا مُفرح، ينال الصديق الأمان والبركة [11-12].
9. الله هو درعه وإكليله [12].
"مثل سلاح المسرة كللتنا"، وفي الأصل العبري: "كأنه بترسٍ تحيطه بالرضا". وكأن ترسنا هو مسرة الله أو رضاه!
يقول القديس جيروم: [في العالم، الدرع شيء والإكليل شيء آخر، ولكن مع الله هو نفسه درعنا وهو إكليلنا]. ويقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [إن حياتنا هي معركة روحية، يجب أن نكون مستعدين، لأن الشيطان يفعل كل ما في وسعه كي يحثنا على الخطية.
*   كُتب في المزمور: "يارب، كللتنا باحسانك كما بترس" [12]. فإننا ننال نصرتنا وإكليل نصرتنا بحمايته بواسطة ترسه. نحن هنا نجري لكي ننال هناك، حيث نتسلم الإكليل بكوننا قد برهنا في هذا العالم أننا غالبون[168].
القديس جيروم

2- لا اتفاق بين الله والشر

أخيتوفل رمز لضد المسيح محطم الميراث:
1. شرير:
"لأنك إله لا تشاء الإثم،
ولا يساكنك من يصنع الشر" [4].
ضد المسيح وأتباعه أشرار، أما الله فقدوس ليست له مسرة في أي شر؛ لا يستطيع إلا أن يحب من هم على صورته (البر)، ولا يستطيع إلا أن يرفض صورة الشرير. الله والشر لا يمكن قط أن يجتمعا معًا، لأنه "أي شركة للنور مع الظلمة؟ أي اتفاق للمسيح مع بليعال؟" (2 كو 6: 14-15). ويقول القديس جيروم: [الله نار، نار آكلة (تث 4: 24)؛ وكل إنسان قشًا كان أو خشبًا يهرب بعيدًا عن النار لئلا تحرقه[169]]. لم يقل المرتل "هؤلاء الذين هم مذنبون بفعل الخطية" بل قال "من يصنع الشر"، أي يُصرّ على الخطية.
2. متكبر [5]: لا يقترب إلى الله، بل على العكس يتمرد ضده وضد كنيسته. التمرد ضد الله يُرى في جميع الاتجاهات، يُمارَس العنف على الأرض تحت قيادة ضد المسيح.
3. غاش [6]:
"تُهلك كل الناطقين بالكذب
رجل الدماء والغاش يرذله الرب" [6].
يقول القديس أكليمندس السكندري: [يدعوه إنسانًا كاملاً في الشر، بينما يُدعى الرب إنسانًا كاملاً في البر (2 كو 11: 2)[170]].
يقول القديس جيروم: [الإنسان الي يكذب يكون أكثر بئسًا وتعاسة ممن يفعل الشر. وإن كان فاعل الشر يخضع لكراهية الله، فالكذب يهلك تمامًا: "الفم الكذاب يذبح النفس" (حك 1: 11)[171]].
4. رجل دماء [6].
5. حنجرته قبر متسع مفتوح، منه ينبعث الموت [9]. اختبر داود أن اللسان مميت كالسيف. لقد ركَّز على فم ضد المسيح كمصدر تجديف يعلن عن شره الداخلي.
الحنجرة الشريرة قبر متسع لا يكتفي قط ولا يشبع. إنها قاسية كالقبر، تتحفز لكي تفترس وتبتلع، نهِمَة القبر، الذي لا يقول قط "كفى!" (أم 30: 15-16).
*   اسمع، كيف يجعل الناس من ألسنتهم آلة، البعض يستخدمونه للخطية والآخر للبر! "لسانهم سيفٌ ماضٍ" (مز 57: 4). ويتكلم آخر عن لسانه، قائلاً: "لسان قلم كاتب ماهر" (مز 45: 1). الأولون يسبب لسانهم هلاكًا، والآخر كتب الناموس الإلهي. لهذا حُسب الأول سيفًا والأخر قلمًا، لا بحسب طبيعته وإنما بسبب اختيار من يستخدمه؛ لأن طبيعة لسان هذا أو ذاك واحدة، لكن العمل الذي يقوم به ليس واحدًا[172].
*   لا نعجب إن اتبع هؤلاء الهراطقة حكمة الأمم، لكننا نهزأ بهم إذ يتبعون معلمين أغبياء... هم عظماء في مواقعهم، ينمون في التواءٍ جميل، يختفون وراء ثيابهم الفلسفية؛ هكذا تنتشر فلسفتهم، لكن إن تطلعت في داخلهم تجد ترابًا ورمادًا، لا شيء سليم، "حنجرتهم قبر مفتوح"، كل ما لديهم مملوء دنسًا وفسادًا، وكل تعاليمهم دود[173].
القديس يوحنا الذهبي الفم
*   الهراطقة ليس لهم المسيح الحق على شفاههم، إذ لا يحملونه في قلوبهم. قلبهم باطل (مز 5: 10)... ينطقون بالتقوى ويخفون ضلالهم. يتكلمون عن المسيح ويخفون ضد المسيح، عالمين أنهم لن ينجحوا في غوايتهم قط إن جاهروا بضد المسيح. يقدمون النور إنما لكي يخفوا الظلمة؛ بالنور يقودون الغير إلى الظلمة[174].
القديس جيروم
*   يستخدم المرتل عبارة رائعة: "قبر مفتوح"، لأن الطمع واسع لا يشبع على خلاف القبور التي تُغلق بعد دفن الجثمان...
هم أنفسهم يقدمون كلامًا بلا حياة، لأنهم محرومون من حياة الحق؛ يبتلعون الأموات الذين قتلتهم أولاً كلماتهم الكاذبة وقلوبهم الماكرة، وبعد ذلك يسحبونهم (كجثث) في داخلهم.
القديس أغسطينوس
*   كما هو الحال مع كثيرين الآن، يزينون أنفسهم من الخارج، لكنهم مملوئين شرًا من داخل. توجد أنماط وأشكال عديدة للطهارة الخارجية، بينما نفوس هؤلاء لا تملك ما يبدو عليها في الظاهر. بالحقيقة إن فتحَ إنسان ضمير أحدهم يجد الكثير من الدود مع الفساد، يجد رائحة كريهة لا يُعبر عنها تتوارى خلف الفاظ منمقة، شهوات شريرة حيوانية، أعني ما هو أكثر دنسًا من الدود[175].
القديس يوحنا الذهبي الفم
*   أفواه مثل هؤلاء إذ تُخرج كلمات موت ودمار تُدعى قبورًا، هكذا كل من يتكلم ضد الإيمان الحق أو يعارض تعليم الطهارة والعدل والاعتدال[176].
العلامة أوريجانوس
6. مُرّ المذاق [11]: ينال الأبرار عذوبة الله بينما يجده الخطاة مرًا في أفواههم.
*   "لأنهم أغاظوك يارب" [10]. يقول ربنا: "أنا هو خبز الحياة الذي نزل من السماء" (يو 6: 51)؛ "ذوقوا وانظروا ما أطيب (أحلى) الرب" (مز 34: 8)؛ أما بالنسبة للخطاة فإن خبز الحق مُرّ المذاق. لهذا يكرهون الفم الناطق بالحق، ويجدون الله مُرًّا. لأن الخطية جعلتهم مرضى للغاية حتى صار خبز الحياة اللذيذ بالنسبة للنفس التي تنعم بالعافية مذاقه مُرّ لا يحتمل.
القديس أغسطينوس
يقول المرتل:
"دنهم يا الله، وليسقطوا من جميع مؤامراتهم" [10].
يقول القديس أغسطينوس: [هذه نبوة وليست لعنة].
إنها مسئوليتهم، لأنهم يُعاقبون بواسطة أفكارهم (مؤامراتهم) وخطاياهم. إذ تحمل الخطية جزاءها في ذاتها. لذلك يقول الرب: "تموتون في خطاياكم".

صرخة من أجل الميراث

*   كن ميراثًا لي، واقبلني ميراثًا لك، يا ملكي وإلهي!
*   مع كل صباح جديد أشرق ببهائك في داخلي:
بدد ظلمة خطيتي، فاستنير ببرك وجلالك!
بدد ظلام الحرف القاتل، فاستنير بالروح المحييّ!
انصت إلى كلمات قلبي، أنت وحدك تفهمها!
حطم مؤامرات الشرير المخادع القتّال والمملوء مرارة!
*   افتح لي أبواب بيتك لأنعم ببهاء هيكلك المقدس؛
هب لي أن أفتح لك أبواب قلبي لتقيم مذبحك داخلي!
*   لتحّل بركتك عليّ، ولتدربني على حياة الجهاد، واهبًا لي النصرة!
*   هب لي روح الهتاف والبهجة بك مع كل شعبك!


أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010