العروس الصغيرة
القمص تادرس يعقوب ملطي
الشاب المريض
- ماذا تظن في مرض ابني؟
- إنه ليس مريضًا، لكن نفسه محطمة وحزين جدًا.
- كيف؟... ماذا ينقصه لكي يحزن هكذا؟ لقد أوشك أن يموت!
- ربما يخجل أن يتحدث معك، لكنني اتفقت معه أن أتحدث معك عنه بصراحة.
- خيرًا!
- إنه يريد أن يتزوج.
- وهل هذه مشكلة؟ إنني أسر أنا ووالدته أن يتزوج ابننا.
وأظن أن كل فتاة في روما تتمنى أن الزواج منه. فهو شاب صغير ووسيم، غني ومتعلم وذو وجاه!
- حتمًا... لكنه يحب فتاة صغيرة جميلة جدًا، عمرها 12 عامًا.
- وما المانع؟
- مسيحية!
- مادام يحبها لا مانع لدي!
- هي ترفض الزواج منه.
- هل يمكن لفتاة أن ترفض الزواج من بروكبيوس؟
هل تجد من هو أغنى منه؟ أو أجمل منه؟...
- لقد حاول معها، لكنها رفضت بإلحاح.
- لعلها تحب آخر.
- تقول أنها عروس المسيح... ولا تريد الزواج!
- يالسخافة المسحيين!
أنا أعرف كيف أسحب قلبها لابني بالهداية الثمينة، أدعوها إلى الحفلات وأكشف لها عن قصورنا وحدائقنا وكنوزنا... فتجري وراءه، وتشتاق أن يتزوجها.
- لقد حاول كثيرون من أبناء الأشراف ذلك فرفضت، أولاً لأنهم غير مسيحيين، وثانيًا لأنها لا تريد الزواج بل قدمت نفسها عروسًا للمسيح.
- لا تقلق... لي أسلوبي الذي به أُلزمها بالزواج.
لقاء مع الوالي
استدعى الوالي الفتاة الصغيرة أجْنِس، وصار يلاطفها. لاحظ أنها فتاة جميلة الصورة جدًا، رقيقة الطبع، هادئة، ابتسامتها لا تفارقها، لكنها جادة ووقورة.
فاتحها في أمر ابنه بروكبيوس. بأدب مع حزم أخبرته أنها مسيحية، وأنها نذرت حياتها للسيد المسيح عريسها السماوي، ولن تقبل الزواج قط.
حاول مرة ومرات، وإذ رفضت أمر الجند أن يقيدوها ويسحبوها أمامه إلى هيكل الأوثان لتسجد هناك.
لم ترتبك، ولم تظهر عليها علامات الخوف، بل بكل شجاعة سارت مع الجند مُقيدة... وهناك عوض السجود للأوثان رشمت نفسها بعلامة الصليب مجاهرة.
أمر الوالي بضربها وتعزيبها، ولكنها كانت تطلب معونة السيد المسيح مخلصها فشعر الوالي بخيبة أمله...
جلس الوالي مع نفسه يفكر:
"الفتيات في سنها لا يحتملن مجرد نظرة غاضبة من الوالدين،
ويحسبن وخزات إبرة جراحات قاسية فيصرخن،
أما هذه فلا تخاف مني ولا من الجند. لم ترهبها العذابات،
ولا تبالي حتى بالموت. ألعلها ساحرة؟!
ألعلها من طبيعة غير طبيعتنا؟!
أم ماذا؟!"
في مكان غير لائق
سأل الوالي أحد مشيريه:
"كيف يمكن لفتاة في الثانية عشر من عمرها تعصى أوامري؟
إنها لم تلنْ بلطفي واهتمامي بها،
ولم تخف من الضرب والعذابات... ولا من السجن.
ماذا أفعل؟"
أجابه المشير:
"هذا هو حال كل المسيحيين الحقيقيين.
أتريد أن تهزمها؟
أنا أعرف أنها تكره الخطية،
أرسلها إلى مكان غير لائق،
واطلب من الأشرار أن يلتصقوا بها... فتعرف إما الزواج بابنك أو البقاء في هذا المكان الرديء".
قادها الجند إلى المكان، وبأمر الوالي جاء مجموعة من الأشرار يضايقونها. أما هي فصلَّت إلى الله مخلصها، وآمنت أنه لن يستطيع أحد أن يؤذيها مادامت في يديه.
تطلع الشبان الأشرار إليها كعصفور صغير ساقط من فخ لا حول له ولا قوة... فقد أكدوا للوالي أنها لن تحتمل شرهم.
بدأ أحدهم في معاكستها، فرفعت عينيها وقلبها إلى الله... وإذ بالكل ينظر إليها باستخفاف... لكن سرعان ما سقط الشاب عند قدميها يصرخ:
"أخطأت يا أَجْنِس!
صلي لأجلي!
لقد عرفتُ قوة إلهك! سامحيني!"
ظنه أصحابه أنه يقوم بدور تمثيلي كوميدي يحمل سخرية، فصاروا يقهقهون بصوتٍ عالٍ... لكن سرعان ما اكتشفوا أن زميلهم لا يمثّل إنما يصرخ حقيقة ويطلب نجدتها.
صرخ أحدهم: "ما الذي حدث؟ ماذا تشعر؟"
أجاب الشاب: "ارحميني يا أجنس... لقد فقدتُ بصري... لقد أصابني عمى! صلِ لأجلي".
حاول الشبان أن يحملوه ليتأكدوا من صدق كلماته، لكنه سرعان ما ارتمى ثانية عند قدميها وصار يستنجد بها...
وقف الكل في دهشة وخوف... صمتوا قليلاً، فوجدوها في هدوء تصلي لله مخلصها.
طلبوا منها الصلاة من أجله، فلم تعاتبهم بكلمة واحدة، ولا وبختهم، بل صلت لأجله فانفتحت عيناه، وصار الكل يسبح الله ويشكره.
العروس الجميلة
سمع الوالي بما حدث مع الشبان، فخشى أن ينتشر الخبر ويؤمن كثيرون بالمسيحية. أصدر أمره بقطع رأسها.
لم تخف الفتاة الصغيرة، بل انطلقت إلى السياف إلى الميدان كما إلى حفل زفافها. كانت تسرع في خطواتها، لأنها تنتظر رؤيتها للمسيح عريسها السماوي.
تعجب السياف من شجاعتها، وفرحها بالموت، فصار يلاطفها، أما هي فطلبت منه مهلة عدة دقائق، حيث ركعت لتصلي بصوتٍ عالٍ مملوء فرحًا... وكان المشاهدون يدهشون ويتعجبون لما يرون...
كشف السياف وجهها ورأسها فرأى الحاضرون جمالها، وبصوت واحد صرخوا في مرارة يطلبون أن تترفق بشبابها وجمالها...
كان الكل يبكون، أما هي فكانت وحدها ترنم لله بفرح.
مد السياف يده ليضرب بالسيف فصارت ترتعش... لكن أجْنِس شجعته بابتسامتها العذبة... إنها تريد أن ترى يسوع عريسها الأبدي!