دموع زيزي


دموع زيزي
القمص تادرس يعقوب ملطي
1992
كنيسة الشهيد مارجرجس باسبورتنج
مع تاسوني مريم

صرفت تاسوني مريم الأطفال الصغار بعد أن روت لهم الكثير عن ربنا يسوع. وكان الأطفال فرحين متهللين لأنهم سيستقبلون ربنا يسوع غدًا، ويدخلون معه الهيكل...
أما الطفلة الصغيرة زيزي فلم تكن فرحة كبقية الأطفال، وإنما كانت صامتة، بينما كانت الدموع تتسلل من عينيها...
لاحظت تاسوني مريم حزن الطفلة الصغيرة زيزي، فطلبت منها أن تنتظر حتى يخرج كل الأطفال، عندئذ بدأت تسألها: "لماذا أنتِ حزينة يا حبيبتي زيزي؟"
أجابت الطفلة زيزي: "كل الأطفال سيخرجون غدًا لاستقبال ربنا يسوع، أما أنا..." ولم تستطع زيزي أن تكمل حديثها، بل انفجرت في البكاء بصوتٍ عالٍ.
أخذتها تاسوني مريم في حضنها، وصرت تقبّلها، وهي تقول لها: "لاتحزني يا زيزي... لقد عرفت سبب بكائِك... بابا سيمنعك من الذهاب لاستقبال بابا يسوع!".
قالت زيزي وهي تبكي: "نعم يا تاسوني... لماذا لايحب والدي ربنا يسوع؟ ربنا يسوع لطيف! أنا كلمت بابا عنه كثيرًا جدًا لكنه لا يريد أن يراه أو حتى يسمع عنه... أنا أحبه، أريده أن يباركني!".
أجابت تاسوني مريم: "سأخبره أن والدك يمنعك من الحضور، وسأطلب منه أن يباركك".
قالت زيزي: "ولماذا لا يذهب والدي مع كل الناس ويراه، ويأخذ بركته؟".
أجابت تاسوني مريم: "لنصلي من أجله يا زيزي. ربنا يسوع يقدر يفتح قلبه ويدخل فيه!".
عندئذ خرجت زيزي ودموعها على خديها... وقد وضعت في قلبها أن تصلي من أجل والدها لكي يحب ربنا يسوع.
مع والدة زيزي
إذ دخلت منزلها لاحظت والدتها حزنها، فسألتها: "لماذا أنت حزينة يا زيزي؟ هل ضربك أحد الأطفال؟".
أجابت زيزي: "كلهم أطفال لطفاء يا ماما. إني أحبهم جدًا وهم يحبونني. أنا حزينة لأن ربنا يسوع سيصل أورشليم غدًا، وكل أصدقائي سيستقبلونه، ماعدا أنا".
قالت والدة زيزي: "وما العمل يا زيزي؟ أنا أيضًا مشتاقة أن أراه، لكن يستحيل والدك يسمح لنا بمقابلته".
بكت زيزي وهي تقول: "تاسوني مريم طلبت مني أن أصلي لكي يفتح الرب قلب بابا ويدخل ربنا يسوع حبيبي فيه...".
عندئذ دخلت زيزي حجرتها، وركعت وبدأت تصلي، قائلة:
"يا ربي يسوع... أنا سمعت عنك إنك تشفي المرضى وتفتح عيون العمي وتُطهّر البرص وتسامح الخطاة وتقيم الأموات...
يا ربي يسوع... اِفتح قلب بابا لكي يحبك، وتسكن أنت داخله!
يا ربي يسوع... كل أصدقائي سيخرجون غدًا لاستقبالك، وأنا كنت مشتاقة أن أراك، وأقدم لك هدية جميلة... لكن بابا سيمنعني من الخروج...".
أب عنيف
عاد مرقس والد الطفلة زيزي، وهو جندي يعمل في قصر الوالي بيلاطس... فوجد ابنته زيزي قد نامت. ولما سأل عنها والدتها، قالت له: "زيزي نائمة وهي حزينة يا مرقس!".
سأل مرقس عن السبب، فأجابت والدتها: "ربنا يسوع قادم غدًا، وكل أصدقائها يريدون استقباله...".
وفي الحال صرخ مرقس في زوجته: "ألم أقل لكِ إنني لا أريد أن أسمع شيئًا عن هذا الشخص وأن لايُذكر اسمه في بيتي؟!"
صمتت والدة زيزي طويلاً، وبعد أن أكل زوجها مرقس بدأت تروي له بهدوء بعض القصص عن ربنا يسوع التي سمعتها عن ابنتها زيزي... أما هو فكان يسمع دون أن يُظهِر أي حب أو إعجاب بربنا يسوع.
في قصر بيلاطس
بعد أيام قليلة إذ كان مرقس جالسًا مع زملائه الجند حول النار يستدفيء، وكان بعض منهم يروي ما سمعه عن ربنا يسوع والموكب الضخم الذي استقبله في دخوله أورشليم وكيف أن الأطفال والرضع تكلموا ونطقوا بتسابيح جميلة، وروى بعضهم عن شفاء جيرانهم بواسطته، وآخرون تحدثوا عن ثورة رجال الدين اليهودي وهياجهم ضده... وكان مرقس يسمع هذا كله وهو يسترجع ما سمعه من ابنته زيزي وزوجته عن ربنا يسوع.
فجأة قطع الجند أحاديثهم وخرجوا مسرعين على صوت هياج شديد جدًا وصرخات غير مفهومة... فإن ربنا يسوع مقيد وجند الهيكل يقتادونه إلى قصر بيلاطس ومعهم رجال الدين اليهودي وجموع كثيرة من الشعب تصرخ من هنا وهناك...
تقابل القائد مع هذا الموكب الصاخب وسمح لهم بالدخول إلى القاعة حيث التقوا ببيلاطس الوالي... ودخل مرقس معهم ليحفظ الأمن والنظام...
وقف أحد رجال الدين اليهودي لبيلاطس: "لقد أتينا بهذا الرجل إليك أيها الوالي الأمين، فإنه يريد أن يقيم نفسه ملكًا؛ ونحن لانريد ملكًا إلا قيصر!!".
وهنا هاج الجمع، وكانوا يلوحون بأيديهم وهم يصرخون قائلين: "لا نريد ملكًا إلا قيصر! أما يسوع فاصلبه اصلبه!".
حاول بيلاطس أن يجد شكوى ضد ربنا يسوع ليحاكمه فلم يجد. وإذ أراد أن يطلقه كانت الجماهير الثائرة تصرخ: "اصلبه... اصلبه... لا نريد ملكًا إلا قيصر!"
أراد بيلاطس أن يرضي هذه الجماهير، فطلب من الجند أن يُلبسوا يسوع ثوبًا من الأرجوان، ويعطوه في يده قصبة، وأن يضفروا إكليل شوك على رأسه. ففعلوا هكذا، وصاروا يستهزئون به.
بدأ الجند يجلدون ربنا يسوع، ونسوا كل ما سمعوه عنه.
فيما كان مرقس يشترك مع زملائه في إهانة ربنا يسوع وجلده والقسوة عليه، كان يقول في نفسه: "لماذا لم يصنع يسوع معجزة واحدة أمام الوالي وأمامنا؟! إن كان هذا هو يسوع الذي أقام الموتى، فلماذا لم يفلت من أيدينا؟! ترى هل يموت حقًا؟!"
على الصليب!
مرَّ يوم الجمعة العظيمة ومرقس يرافق السيد المسيح وسط آلامه. وكان عنيفًا جدًا، لكنه في أعماق نفسه كان يتوقع من لحظة إلى أخرى أن تحدث معجزة.
سمر الجند يديْ يسوع ورجليه على الصليب، وكان جسده كله يدمي...
فجأة تحركت شفتا ربنا يسوع وبدأ يتحدث: "يا أبتاه..."، وهنا بدأ قلب مرقس ينبض بسرعة، واهتزت أعماقه فيه وإن كان قد حاول أن يتظاهر بالشجاعة وعدم الاكتراث أمام القائد والجند...
بدأ مرقس يفكر هكذا: "ترى ماذا يطلب يسوع المصلوب من الآب؟ ألعله يطلب نارًا تنزل من السماء فتحرق صالبيه؟ أم يطلب من الأرض أن تنفتح وتبتلعهم، أو يطلب جيوشًا من الملائكة تقاتلهم؟! أو أنه يطلب أن ينزل من على الصليب؟!...".
ارتبك مرقس جدًا؛ لكن كم كانت دهشته حين سمع كلمات السيد المسيح: "اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون".
شعر مرقس أن ربنا يسوع هذا يتكلم بسلطان، فقد أشرق نوره في قلبه؛ وكأن كل ما ارتكبه غُفر تمامًا ليبدأ من جديد!
صار مرقس يصارع في نفسه. تُرى من يكون هذا المحب؟! ولماذا وهو يقيم الأموات يحمل الآلام ولا ينزل من على الصليب بل يغفر لصالبيه؟!
تطلع مرقس إلى القديسة مريم وقد اقتربت من الصليب ومعها بعض المريمات والقديس يوحنا... رفعت القديسة عينيها نحو ابنها الحبيب لترتمي في حضن إحدى المريمات وهي تتمتم: "هوذا العالم يفرح لقبوله الخلاص، أما أحشائي فتلتهب عند نظري إلى صلبوتك الذي أنت صابر عليه يا ابني وإلهي".
كم كانت دهشة مرقس وهو يسمع صوت السيد المسيح وهو على الصليب يهتم بقلب أمه الجريح فيسلمها للقديس يوحنا الحبيب ليهتم بها.
ازداد صراع مرقس الداخلي؛ لكنه لم يقدر أن يجاهر بشيء حتى وجد فجأة الطبيعة الجامدة كلها تثور حزنًا على خالقها. فقد اظلمت الأرض إذ خسفت الشمس، وحدثت زلازل عنيفة شقّقت الصخور. ولم يستطع مرقس ومن هم حوله أن يتمالكوا أنفسهم؛ فصرخ القائد ومعه الجند: "حقًا أنت ابن الله! حقًا أنت ابن الله!!"
بدأت تنهدات مرقس تتزايد وههو يناجي المصلوب قائلاً:
"الآن عرفتك يا مخلصي الصالح!
لقد عرفتك يا حبيبي يسوع!
أخطأتُ إليك يا ربي يسوع!
اغفر لي... يا محب البشر!
حقًا إنك لم تمت عن ضعف، إنما لأنك تحبني!"
الجندي التائب
عاد مرقس إلى بيته لا يعرف ماذا يقول لزيزي الصغيرة وأمها... لكنه دخل إلى حجرته الخاصة وبدأ يبكي بدموع طالبًا من السيد المسيح أن يغفر له.
بدأت زيزي تسأل أمها: "ما الذي حدث لبابا؟".
لم تعرف الأم بماذا تجيب ابنتها، لكن خرج مرقس ليقول لها: "آه! لقد أضعتُ عمري كله بعيدًا عن ربنا يسوع! يا ليتني كنت قد عرفته ". وبدأ يروي لهما ما حدث طوال اليوم، وكيف تغير وأحب ربنا يسوع.
كانت دموع مرقس تذرف طول الليل وغالبية يوم السبت...
وفي عشاء السبت قالت زيزي لوالدها: "ليتنا نذهب لتاسوني مريم لتحكي لنا عن ربنا يسوع! ولنذهب معها أيضًا غدًا إلى قبر ربنا يسوع ونقدم له ورودًا ورياحين!"
أجابها مرقس : "بمشيئة الله سنقطف في الصباح الباكر أزهارًا من الحديقة، ونذهب جميعًا إلى قبر ربنا يسوع!"
وفي الصباح الباكر جدًا سمع مرقس الأطفال في بيت جارتهم تاسوني مريم وهم يرنمون:
"إخرستوس آنستي آليسوس آنستي
قام المسيح يا أولاد وانتصر على الموت"
عندئذ خرج مرقس وزوجته ومعهما زيزي، وأسرعوا إلى القبر ليروا ماذا حدث...
هناك عند القبر وجدوا الحجر مدحرجًا والأكفان موضوعة كما هي؛ والكل يأتون إلى القبر يقبّلونه، وهم يقولون:
"المسيح قام... بالحقيقة قام!"
  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010