لم أسمع شيئاً


لا تدينوا فلا تدانوا لا تقضوا على أحد
فلا يقضى عليكم إغفروا يغفر لكم
(لو  6 :  37)

لم أسمع شيئاً

    عند باب مبنى أسقفية الفيوم القديم سأل الأب الكاهن عن أبيه الأسقف نيافة الأنبا أبرآم، فقيل له أنه جالس على الأريكة (الدكة) كعادته فدخل إليه.
    إذ رآه الأب الأسقف همّ عليه مسرعًا في بشاشة ليحتضنه ويقبّله، ثم سأله عن أخباره، فتنهد الأب الكاهن بمرارة وهو يقول:
    - لم أنم الليل كله يا أبي الأسقف.
    - لماذا؟
    - بسبب زميلي الكاهن.
    هنا صمت الأب الأسقف دون أن تظهر على وجهه أية ملامح، لكن الكاهن استرسل في الحديث عن زميله الكاهن. وإذ طال الحديث جدًا والكاهن يشكو زميله استدعى الأنبا أبرآم أحد العاملين في الأسقفية يدعى رزق، وسأله أن يهيئ له فنجان قهوة.
    شرب الكاهن الفنجان واسترسل أيضًا في الحديث، وإذ أطال عاد نيافته فطلب للكاهن فنجانًا آخر.
    عاد الأب الكاهن يتحدث في مرارة، والأسقف لا ينطق ببنت شفة ولا ظهرت أيّة علامة تعبر عن شيء كانعكاس لما يسمعه. وأخيرًا ختم الكاهن حديثة هكذا: "لقد أطلت الحديث عليك يا أبي الأسقف لكنك لم تجبني بكلمة ولا أرشدتني ماذا أفعل". عندئذ تطلع إليه الأب الأسقف وهو يقول: "سأطلب لك فنجان قهوة يزن عقلك... صدقني إني لم أسمع شيئًا من كل ما قلته".
    خجل الكاهن جدًا من نفسه واعتذر عما صدر منه من شكوى ضد الكاهن زميله، طالبًا منه أن يصلي من أجله حتى يقدر أن يضبط لسانه بل وفكره فلا يدين أحدًا، انحنى برأسه يعتذر عما قاله، سائلاً الأب الأسقف أن يصلي من أجله لكي يعطيه الرب حلاً عن خطاياه.
    خرج الأب الكاهن من حضرة أبيه الأسقف ليجد أمامه زميله الكاهن فاحتضنه وقبَّله ناسيًا كل ما صدر منه.
    عاد الكاهن إلى الأب الأسقف وأسرع بعد فترة ليست بطويلة فسأله الأسقف عن حال زميله، فأجاب الكاهن أن كل الأمور تسير بخير وأنه يشعر بأن زميله الذي كان قبلاً يراه كمُضايق له قد صار لطيفًا معه للغاية، بل ويشعر أنه غير مستحق لزمالته ونوال بركته، وكان الكاهن يمتدح زميله جدًا، ففرح به الأسقف، وتطلع إليه ببشاشة وهو يقول له: "أسرع إلى الكنيسة واشترك في صلاة القداس الإلهي".
    خرج الأب الكاهن من حضرة أبيه الأسقف وأسرع إلى الكنيسة حيث اشترك مع الآباء الحاضرين في القداس، وكان متهللاً جدًا، يشعر بلذة روحية فائقة، وكانت نفسه كأنها منطلقة في السموات عينها.
    انتهى القداس الإلهي بسرعة عجيبة، وانطلق الكاهن يحمل "قربانة حمل" نحو الباب الخارجي، ففوجئ به مغلقًا. أخذ الكاهن يقرع باب الكنيسة حتى فتح له الفراش وهو مندهش.
    - كيف دخلت يا أبي الكنيسة؟
    - كان الباب مفتوحًا.
    - أنا لم أفتحه بعد.
    - كيف هذا؟ فإنني اشتركت مع بعض الآباء في خدمة القداس الإلهي.
    - أي قداس؟
    - القداس الإلهي.
    - لم يُقم اليوم قداس إلهي.
    - أقول لك أنني اشتركت في الصلاة بنفسي، وها هي "قربانة الحمل".
    عندئذ أدرك الأب أنه إنما كان يصلي القداس الإلهي مشتركًا مع جماعة من الآباء السواح مكافأة له عن تركه إدانة أخيه الكاهن واتساع قلبه بالحب.

+ ليصمت لساني عن الإدانة،
فيرفع قلبي وفكري إلى سمواتك،
+ ليتني لا انشغل بضعفات الآخرين،
فأتمتع بشركة السمائيين!
+ هب لي ألا أدين أحدًا،
فأهرب من الدينونة الأبدية!
لأبونا تادرس يعقوب

اية وتأمل

ذوقوا وانظروا ما اطيب الرب.طوبى للرجل المتوكل عليه
مز34: 8

Oh, taste and see that the LORD is good;
Blessed is the man who trusts in Him!
(Ps. 34: 8)

الله يُنادينا وينتظر أن نتقدم إليه بكامل
حريتنا، فإذا اقتربنا يهبنا كل عونه

القديس يوحنا ذهبي الفم

God calls us, then waits for us to approach Him
with all our free will, to grant us every help.
(St. John Chrysostom)
 

اُحكمْ يَا رَبُ للمَظلوُمين - بقلم: القمص أثناسيوس فهمي جورج


اُحكمْ يَا رَبُ للمَظلوُمين - بقلم: القمص أثناسيوس فهمي جورج


   بقلم: القمص أثناسيوس فهمي جورج 

في اللغة، الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه... أي جعله غير مرئي، وكأنك ألقيت الظلام عليه. المظلومون يجمعهم الظلام الذي يلغي وجودهم وينفيهم. لهذا نستبطن من قتل قايين لأخيه هابيل، أن القاتل لم يشأ له الوجود، وأن القاتل لم يقبل هابيل فألغاه وقتله ولم يَخشَ الله في ظلمه، ظانًا أن الله 
غائب وأنه غير موجود بينما هو حي ويجازي الذين يطلبونه كل حين، لذلك كان قايين أول إنسان تحل عليه اللعنة البشرية وتطارده على وجه الأرض، فصار مختفيًا عن وجه الله، خارجًا عن ستره وحمايته

الظالم صورته تبلىَ ومسكنه في الهاوية ويتضور في مشاجرات الضلال، مملوءًا من النفاق والسخط والعداوة، مشحونًا من الرياء الذي به يدمر نفسه... قد يظن الظالم أن جريمته تهرب من أمام عيني الله، لكن رعاية الله لا تغفل. قد يظن أنه أفلت من القانون الوقتي، إلا أنه لن ينجو من قصاص القانون السرمدي... الظالم يُخفي وجود المظلوم، لكنه لا يقدر أن يكتم صوته الصارخ، أو أن يلغي حضوره أمام الله الخالق، فصوت دم النفوس المظلومة صارخة إلى الله من الأرض. صوت صراخها من أجل الحق، شاهدة وشهيدة للحق، حتى يقضي السيد القدوس والحق... تبقى صرخاتها تدوّي فوق حدود الزمان والمكان، فوق حدود الأرض والأوقات، فللدم ولأنين المسحوقين صوت مُكبَّر عالٍ يصِل من الأرض إلى السماء، ولا يستطيع الظالمون أن يكتموا أنفاسهم أو أن يُلجموا ألسنتهم لأنها متحدة بالشاهد الأمين الإله الحق من الإله الحق... أصوات يغيِّبها الموت لكن لا يحبسها القبر، فكل دم سُفك من أجل الشهادة التي كانت عندهم إنما يَعبُر عبر مركز بَصختنا، الدم الذي هو الكلمة الحي والدائم إلى الأبد. 

المظلوم الأول هو الظالم نفسه، فالظالمون يظلمون أنفسهم قبل أن يظلموا مظلوميهم، لكن الظالم والمظلوم سيقفان أما منبر القضاء الإلهي العادل، عند يدي الديان الوحيد عندما يدين سرائر الناس، وعندما يفحص كل ظلم ومذلة وشكوى واحتجاج، فما أبعد أحكام الله عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء، ومُخيف هو الوقوع بين يدي الديان العادل. 

الظالمون يقتلون ويفترون على عبيد الله الأبرياء ويصنعون شرورهم وكأن الله لا يرى ولا يسمع ولا يعرف، بل ويصنعون شرورهم هذه بإسم الله ولحسابه، وكأنهم يقرِّبون قربانًا لله، وحاشا لله ان يكون ظالمًا أو سفّاكًا للدماء، لأنه بسبب هؤلاء القتلة الظالمين صارت اللعنة تطاردهم على الأرض التي فتحت فاهها لتقبل دماء المظلومين... بينما تشهد دماء المؤمنين على اضطهاد السالكين حسب الجسد والضلال (أولاد الناس) للسالكين حسب الروح والحق (أولاد الله).

 وفخر المسيحية في تسامحها الذي يرفعها فوق أية ديانة أخرى وأي مكيال اجتماعي آخر مهما عَلتْ مقدرته، عندما يصب العدو غضبه ونقمته على المسيحي، والمسيحي يصب محبته ومسامحته وصفحه على رأس العدو، فيخرج العدو من المعركة رابحًا أركان العالم، أما المسيحي ما كان له ربح قد حسبه خسارة ونفاية من أجل اسم المسيح. إن أعداءنا مُمعنون في العداوة بلا سبب، عدونا صاحب بأس وسلطان وقسوة... قتّال للناس منذ البدء، كذاب وأبو الكذاب... يعمل في أبناء المعصية... يسلب وينهب... يكره ويفجِّر... يكذب ويقتل... لكن هذه العداوة الدموية والمظالم والسعايات تسوقنا لأن نعمل ونصلي وأن نصلي ونعمل، وأن نفعل الممكن لكي يفعل الله المستحيل، طالبين الرحمة والمعونة من حيث تأتي معونتنا، فلا نضرب خيمتنا على الطريق ولا ندق أوتادنا في أرض الشقاء... فبينما نحن لا حَوْل لنا، تكون فرصتنا الأكيدة لغلبة العالم بذبيحة إيماننا وبطلب حكم القضاء الإلهي العادل، حسب منطوق قانون من يُمهل ولا يُهمل... عندئذ يُجري ويتمجد عدله في الأشرار من أجل الدماء الزكية التي سفكوها.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010