عمل الرحمـــة

عمل الرحمـــة
كان واحداً من البلاط الملكي مسافراً على حصانه
فوجد شخصًا ملقى على الطريق واكتشف انه ميت
فخلع رداؤه وستره واكمل طريقه
و مرت الأيام ........ مرض الرجل و ساءت حالته ..... و قرر الاطباء بتر ساقه
فصلى بحزن و عتاب لله و في الليلة السابقة للعملية ظهر لة شخص نوراني
وطمأنه انهم لن يقطعوا ساقه و مد يده و لمسه فشفي
ثم سأله الرجل النوراني الا تعرفني فقال : لا
قال له : انظر اليّ جيداً
فقال له :نعم لقد تذكرت ان هذا هو ردائي و قد غطيت به ميت في الطريق
قال له : نعم انا هو و قد ارسلني الله اليك لأشفيك لأجل عمل الرحمة معي


"اصنعوا لكم اصدقاء بمال الظلم حتى ادا فنيتم يقبلونكم في المظال الابدية"
ترنيمة مبتنساش

عيد رئيس الملائكة

بمناسبة عيد رئيس الملائكة ميخائيل 19 يونيو - 12 بؤونة.....

مديح للملاك ميخائيل ـ فيديو

http://www.youtube.com/watch?v=pyQQbwqilcI&feature=player_embedded

  
فى مثل هذا اليوم تحتفل الكنيسة بتذكار رئيس جند السماء الملاك الجليل ميخائيل الشفيع في جنس البشر الذي ظهر ليشوع بن نون وقال له " أنا رئيس جند الله " . وعضده وحطم العمالقة وأسقط مدينة أريحا في يده وأوقف له الشمس. شفاعته تكون معنا  أمين.

كان الوثنيون بالإسكندرية يعبدون الصنم زحل صاحب التمثال الذي بنته كليوباترا في اليوم الثاني عشر من شهر بؤونه ، وفي أيام الملك  قسطنطين أخذ البابا الكسندروس في وعظ الجميع مظهرا لهم خطأ عبادة الأوثان التي لا تعقل ولا تتحرك وخطأ تقديم الذبائح لها. ثم حول هيكل هذا الصنم إلى كنيسة باسم الملاك ميخائيل بعد أن حطم التمثال وطلب منهم أن يذبحوا الذبائح لله الحي ويوزعوها علي الفقراء الذين دعاهم أخوته حتى يكسبوا بذلك شفاعة الملاك ميخائيل. وكانت هذه الكنيسة تسمي وقتئذ بكنيسة القيسارية (عن مخطوط بشبين الكوم) .



وقد قيل ان هذا العيد أيضا أخذ عن المصريين القدماء الذين كانوا يعتقدون أن زيادة 

النيل تبتدئ في الليلة الثانية عشرة من شهر بؤونة ( نزول النقطة ) أي دمعة إيزيس 

آلهة الخصب والنماء وهي الدمعة التي أراقتها حزنا علي زوجها " اوزيريس اله الخير 

الذي قتله " تيفون " اله الشر.


وقد استبدل هذا العيد في المسيحية بعيد رئيس الملائكة ميخائيل (تاريخ الأمة القبطية ).

شفاعته تكون معنا . ولربنا المجد دائما . آمين

الجهاد و التغصب


الجهاد و التغصب
========================   
            مِنْ رِسالة مُعلّمِنا بولس الرسول إِلَى أهل أفسُس بركاته على جميعِنا آمين
.  [ فإِنَّ مُصارعتنا ليست مَعَ دمٍ وَلحمٍ ، بل مَعَ الرُّؤساء ، مَعَ السَّلاطين ، مَعَ وُلاة العالم على ظُلمة هذا الدَّهر ، مَعَ أجناد الشَّرِّ الرُّوحيَّة فِى السَّماويَّات 0مِنْ أجل ذلِك إِحمِلوا سِلاح الله الكامِل لِكى تقدِروا أنْ تُقاوِمُوا فِى اليوم الشِّرِّير ، وَبعد أنْ تُتمِّمُوا كُلَّ شىءٍ أنْ تثبُتُوا 0 فأثبُتُوا مُمنطِقين أحقاءكُمْ بالحقِّ ، وَلاَبسين دِرع البِرِّ ، وَحاذين أرْجُلكُمْ بإِستعداد إِنجيل السَّلام0 حامِلين فوق الكُلِّ تُرْسَ الإِيمانِ ، الّذى بِهِ تقدِرون أنْ تُطفِئوا جميع سِهام الشِّرِّير المُلتهِبة0 وَخُذوا خُوذة الخلاص ، وَسيف الرُّوح الّذى هُو كلِمةُ الله0 مُصلِّين بِكُلِّ صلوةٍ وَطِلبةٍ كُلِّ وَقْتٍ فِى الرُّوح ، وَساهِرين لِهذا بِعينِهِ بِكُلِّ مُواظبةٍ وَطِلبةٍ ، لأِجْلِ جميع القدِّيسين 0]           ( أف 6 : 12 – 18 ) 0
.  لِكى نصِل إِلَى حياة الصلاة المُثمِرة يلزمنا أنْ لاَ ننتظِر البركات تهبِط علينا فجأة ، بل نحنُ نأخُذ طريقنا إِليّها بخطوات بطيئة وَلكِن ثابِتة ، يلزمنا جِهاد مُنظّم طويل ، وَيلزمنا صبر وَتغصُّب0
.  يكفينا أنْ نتقدّم ، مهما كان هذا التقدُم بطيئاً ، وَمهما كانت حلكة الظلام التّى تُحيط بِنا وَبِإِيماننا !! وَأنّ مُجرّد تقدُمنا فِى حياة الصلاة وَالعِشرة مَعَ الله لهُو دليل أكيد أنّنا واصِلون ، وَأنّ النّور لابُد أن يظهر وَإِنْ إِحتجب عنّا طويلاً ، وَحينئِذٍ يظهر تعب جِهادنا وَشدّة إِيماننا وَصبرِنا 0
.  أمّا تغّصُبنا فِى جِهادنا وَعرقنا وَدموعنا وَمُغالبتنا مَعَ شِكوكنا ، وَسيّرنا بالرغم مِنْ الظُلمة التّى تُحيط بِكُلّ شىء فينا ، فهو وَإِنْ ظهر بِمظهر الضعف فِى أعيُننا إِلاّ إِنّهُ فِى عينّى الله غالِى القيمة [ طوبى للّذين آمنوا وَلَمْ يروا ] ، [ لأنّ الله ليس بِظالِم حتّى ينسى عملكُم وَتعب المحبّة التّى أظهرتموها نحو إِسمِهِ ] ( عب 6 : 10 ) 0
.  معنى الجِهاد وَالتغّصُب القانونِى السوِى الّذى يقود إِلَى المسيح وَالحياة الأبدية وَهُو أنْ تتجِه إِرادة الجِهاد نحو التسليم المُطلق لله ، وَيتجِه تغّصُب الإِرادة إِلَى إِتضاع النَفْسَ لتدبير النعمِة مهما كانت الظروف ، بإِيمان لاَ يكِل ، حتّى لاَ يتبّقى للنَفْسَ مشيئة خاصة وَ لاَ شهوة خاصة إِلاّ أنْ تكون فقط مُطيعة دائِماً لصوت الله وَوصاياه 0
.  وَهُنا ينبغِى أنْ نحترِس مَعَ إِنحراف الذات أثناء حرارِة العِبادة ، حينما تبدأ علامات النجاح وَما يتبعها مِنْ فرح وَسرور ، لأنّ الذات تميل فِى هذِهِ اللحظات أنْ تستزيد مِنْ النّجاح وَتستزيد مِنْ السرور ، فتلجأ إِلَى الجهد الذاتِى لِتستحدِث بِهِ مزيداً مِنْ النّجاح وَالفرح ، وَهُنا النُقطة الحرِجة التّى عِندها يتحّول الجِهاد وَالتّغصُب مِنْ سيرة القانونِى السوِى إِلَى جِهاد ذاتِى مقلوب ، وَتغّصُب لِحساب نمو القُدرات الشخصيّة 0
.  إِذن فالإِجتهاد وَالتغّصُب لاَ ينبغِى أنْ يكون لهُما حافِز على الإِطلاق سوى محبِة الله فِى شخص يسوع المسيح مِنْ كُلّ القلب ، وَالتعبير عَنَ هذا الحُب ليس إِلاّ بقسر الذات على طاعِة الوصيّة مهما كان الثمن باهِظاً ، وَإِلزام الإِرادة وَالنيّة للتسليم بتدبير الله مهما كانت النتائِج غير مُسرّة للنّفْسَ ، أمّا الهدف الّذى يلزم أنْ نضعه أمامنا بالنسبة للجِهاد وَالتغّصُب فهو الخضوع الكامِل لله وَالتسليم المُطلق لمسرِّة مشيئتةُ 0
 
.  أولاً     :  إِحترِس مِنْ توّتُر الإِرادة لأنّهُ عتيد أنْ يُلقيك فِى دوّامِة جِهاد ذاتِى ، فحينما تنشط الإِرادة وَ تتحمّس أُربُطها فِى الحال بِطاعِة المسيح حتّى لاَ تعمل شيئاً مِنْ ذاتك 0
.     ثانياً     :  أُرفُض كُلّ إِحساس بمسئوليتك عَنَ النّجاح وَالفشل ، وَحوِّله فِى الحال إِلَى إِحساس بمسئوليِة مُتابعِة العمل فقط 0
.  ثالِثاً     :  لاَ تتطلّع إِلَى ضرورِة الحصول على معونة خارِجيّة مِنْ القوّات غير المنظورة ، لأنّ المسيح لَمْ يجعلك فِى نقص مِنْ شىء ، وَقَدْ تكفّل لك بِكُلّ لوازِم المسير ، إِذن فأكتفِى بِقوّة المسيح التّى معك ، وَجاهِد على أساسها ، فإِذا أتتك معونات وَتعزّيات مِنْ فوق فأفرح بِها وَأبتهِج ، وَلكِن لاَ تجعلها أساس جِهادك لئلاّ تُبطِل مسيرك وَيتعطّل 0
.  رابِعاً     :  الإِجتِهاد وَالتغّصُب الّذى تعيشه ليس مِنْ أجل حصول شىء لذاتك أو لتقوية إِرادتك وَعزيمتك ، أوْ لِمواجهة عدوّك ، بل هُو فِى الحقيقة لِتتخلّى عَنَ ذاتك ، وَتُسلِّم إِرادتك ، وَ لاَ تعتمِد على عزيمتك ، وَتختفِى خلف المسيح مِنْ مواجهة عدّوك 0
.  خامِسا  :ً  بقدر ما ستعتمِد على إِرادتك ، بقدر ما سيضعُف إِحساسك بِمعونة الله ، وَبقدر ما تقتصِر فِى جِهادك على تسليم إِرادتك فِى هدوء الخُضوع وَعِناد المُثابرة وَالتغّصُب لقبول كُلّ تدبيرات الله ، بقدر ما تحِس بيقين عمل الله وَعنايتهُ وَتدبيره لحياتك 0
.  سادِساً   :  لاَ توقِف إِجتهادك وَتغّصُبك فِى طاعِة وصايا الله مهما كان فشلك ، وَمهما كانت تجارُبك ، لأنّ خلف نَفْسَك المهزومة يقِف المسيح وَفِى يديهِ إِكليل الجِهاد ، فأنت غير مسئول عَنَ النّجاح ، بل مسئول عَنَ الجِهاد 0
.  سابِعاً    :  الجِهاد الّذى نُجاهِده وَالتغّصُب الّذى نُمارِسه إِذا مارسناه بِصِحّة فهو قطعاً يُبعِدنا عَنَ ذواتنا ، وَيفصِلنا عَنَ حياة الخطيئة وَالعصيان 0
.  وَالحقيقة التّى لاَ ينبغِى أنْ تغيب عَنَ أذهانِنا ، هى أنّ الإِنسان الّذى يعتمِد على ذاته وَإِرادتهُ فِى جِهاده لاَ يكتشِف أنّ جِهاده ذاتِى وَ لاَ يحِس أنّ إِعتماده لاَ يستنِد على الله ، فيمضِى فِى مسيره مُتعلِّقاً بِنَفْسَه مُتخبِّطاً ، يقوم مِنْ حُفرة لِيسقُط فِى أُخرى ، يلغِى نَفْسَه وَيلوم مشيئتةُ وَيحزن وَيكتئِب نَفْسَياً ، وَهُو لاَ يزال يعتقِد أنّهُ يستنِد على الله وَأنّهُ يثِق بِهِ وحدهُ 0
.  فالحقيقة عكس ذلِك تماماً ، فالمسير فِى حياة تسليم الإِرادة لله لاَ يكون فيِهِ لوم للإِرادة كأنّها هى المسئولة عَنَ السقوط وَالتعثُّر ، فالسقوط وَالعثرات لاَ تنشأ عَنَ ضعف الإِرادة بل تنشأ عَنَ قوّتِها وَ تداخُلِها وَنشاطِها وَتعاليها على النعمة 0
.  إذاً فإِنْ كُنّا نُريد أنْ نتحاشى العثرات وَالخطايا وَالسقطات ، فعلينا أنْ نخضع إِرادتنا وَنُسلّمها لله بِكُلّ عزم تسليماً نهائياً ، وَهذا يتِم بتغليب صوت الله على صوت الذات ، وَإِلزام الإِرادة بتكميل وصيّة الله مهما كانت الخِسارة أوْ الإِهانة ، وَإِلزامها بالخضوع وَإِحتمال التعب وَالمشقّة وَالوقوف وَالسهر لطاعِة كُلّ تعليمات الآباء وَتدبيرهُم ، حتّى تخضع الإِرادة وَينكسِر سُلطانِها لسُلطان الروح القُدس ، وَتبدأ تختفِى وراء النعمة ، وَحينئِذٍ ينجح الإِنسان 0
.  علماً بأنّ الأحزان المُفرِطة التّى يستسلِم لها الإِنسان عِند سقوطه فِى خطيّة أو عثرة ما هى إِلاّ علامة على الكبرياء وَتوقير الذات وَالظُنون بالإِرادة فوق ما تستحِق ، ممّا يجعل على الإِنسان يستكثِر على نَفْسَه السقوط ، وَيظِل يتلّمس العزاء وَالراحة فِى تشجيعات كاذِبة مِنْ النّاس وَأب الإِعتراف لِيُضّمِد بِها كبرياء نَفْسَه المجروحة 0
.  أمّ الموقِف الصحيح إِزاء سقوط الإِنسان فِى أىّ خطيّة فهو الإِعتراف بالخطيئة ، الإِلتِجاء فِى الحال إِلَى التوبة ، مواصلة الجِهاد بِتغّصُب لِمُتابعة تسليم وَمُمارسة إِتضاع النَفْسَ لله 0
 
 
 
 
 
 
+ فِى بدء حياة العِبادة ، تكون الصلاة أمراً ثقيلاً على الجسد وَالعقل ، وَإِنْ تُرِكا لذاتيهِما لِما تقدّمنا للصلاة قط ، لِذا وجب أنْ نُغصِب ذواتنا حتّى تصير الصلاة جُزءاً هاماً مِنْ حياتنا            لاَ نستطيع أنْ نُهمِله أو نستغنى عنهُ 0
+ يقول النّاس إِذا كُنت لاَ تشعُر بميل إِلَى الصلاة ، فالأحسن أنْ لاَ تُصلّى ، هذا إِحتيال وَسفسطة جسدانيّة ، لأنّك إِذا كُنت ستُصلّى فقط حينما يكون لك ميل للصلاة ، فأنت لن تُصلّى قط ، لأنّ ميل الجسد الطبيعِى هُو ضد الصلاة [ فإِنِّى عالِم أنّهُ ليس ساكِن فىّ أىّ فِى جسدِى شىءً صالِح ] ( رو 7 : 18 ) ، وَ معروف أنّ [ الجسد يشتهِى ضد الرّوح ] ،                 وَ [ ملكوت الله كُلّ واحِد يغتصِب نَفْسَه إِليه ] ( لو 16:16 ) ، فأنت لن تستطيع أنْ تعمل لِخلاص نَفْسَك إِذا لَمْ تغصِب ذاتك 0
  + الصلاة التّى تكون لأداء الواجِب فقط خوفاً مِنْ النّاس تولِّد النِفاق وَالرياء ، وَتجعل الإِنسان عاجِزاً عَنَ أىّ خِدمة تحتاج إِلَى تأمُلّ روحِى ، وَتجعلهُ كسلاناً مُتباطِئاً فِى كُلّ شىء حتّى فِى تتميم واجِباته الجسديّة ، لِذلِك وجب على الّذين يُمارِسون مِثل هذِهِ العِبادة أنْ يُصّححوا صلواتهُم وَيجعلونها بفرح وَهِمّة وَنشاط مِنْ كُلّ القلب ، فَلاَ نُصلّى للرّبّ فقط حينما نكون مُجبرين على ذلِك بحُكم طقس العِبادة أوْ القوانين المُرتّبة ، بل يجِب أنْ نكون                                              [ غير مُتكاسلين فِى الإِجتهاد ، حارين فِى الرّوح ، عابِدين الرّبّ ، فرِحين فِى الرجاء ، صابِرين فِى الضيق مواظِبين على الصلاة ] ( رو 12 : 11 ) 0
 +  الكسل هُو الشوك الّذى يخنُق حِنطة الجِهاد ، وَهُو يحرِمنا مِنْ أتعابنا السالِفة ، وَالكسل فُرصة للشيطان ، يرمِى فيها بذوره السّامة ، الحسد ، الغيرة ، البُغضة ، الدينونة 0
+ إِغصِب نَفْسَك فِى كُلّ كلِمة مِنْ كلِمات الصلاة لِكى تكون بصحو وَشِدّة مِنْ عُمق القلب ، فإِذا فرِحت بِصلاتك فأعلم أنّ الله فرِح بِها ، فكُلّما كان القلب صادِقاً فِى شعوره ، كُلّما صارت الصلاة مُستحِقة القبول وَالإِستِجابة ، وَالله يُعطيك حسب قلبِك 0
+ إِذا كان جسدك ضعيفاً مُتكاسِلاً ، وَمهما كانت تيّرات النُعاس شديدة ، وَقَدْ سرت فِى جسدك كُلّه ، وَأخذت ترخِى أعضاءه عُضواً بعد الآخر ، هُنا وقت الشِهادة ، قُم أُنفُض غُبار الكسل وَأنزع نوم الغفلة ، وَجاهِد نَفْسَك حتّى تغلِبها ، وَ لاَ تُشفِق عليها ، وَمَنْ أجل حُبّك لله أُرفُض ذاتك وَأجحدها وَتقدّم للصلاة بِقلبٍ شُجاع وَنَفْسَ حارّة 0
+ القلب الّذى تقسّى بأباطيل العالم وَشهوات الجسد طويلاً ، يلزمهُ جِهاد طويل كذلِك 0
+ الله يفرح بلجاجتنا فِى الصلاة ، أىّ لاَ تكون صلواتنا قصيرة ، لِذلِك أعطانا مَثَلَ صديق نصف الليل وَالأرملة المُلِحّة ، فَلاَ تمل مِنْ الصلاة وَجاهِد إِلَى أنْ تبلُغ ما تُريد 0
+ تعلّم كيف تُصلّى وَأغصِب ذاتك على الصلاة ، فِى البداءة سيكون الأمر لديك شاقّاً ، وَلكِن بعدئِذٍ كُلّما غصبت نَفْسَك صار سهلاً لديك أنْ تُصلّى ، كُلّ شىء فِى بدايتِهِ يحتاج إِلَى أنْ يغصِب الإِنسان نَفْسَه عليه 0
                                                                     [ القديس يوحنا كاسيان ]                                                   
+ لاَ تتبع راحِة الجسد وَلكِن صلّى ، وَصلّى بجِد وَإِهتمام حتّى وَلو كُنت طول النّهار تكِد وَتتعب ، لاَ تكُن مُهمِلاً فِى الصلاة المُقدّسة ، بل إِنتصِب وَقُل صلاتك مِنْ قلبك حتّى نهايتها ، لأنّها واجِب عليك نحو الله [ لاَ أصعد على سرير فِراشِى وَ لاَ أُعطِى لعينىّ نوماً أو لأجفانِى نُعاساً              وَ لاَ راحةً لصدغِى إِلَى أنْ أجِد موضِعاً للرّبّ ] ( مز 132 ) ، إِذن فأحترِس أنْ لاَ تتمدّد بِجسدك أمام الله ، وَتزدرِى بالصلاة مِنْ أجل راحِة الجسد 0
+ إِذا كُنت قَدْ رتّبت لنَفْسَك قاعِدة أنْ تقرأ عدداً مِنْ الصلوات قصيرة كانت أم طويلة فتمِّم قراءتها بأعتناء حتّى أخر كلِمة ، إِقرأ بِكُلّ إِنتباه وَتيّقُظ ، وَ لاَ تعمل عمل الله بقلبٍ مُنقسِم فيكون نصفهُ أمام الله وَنصفه الآخر يطوف فِى العالم ، الرّبّ إِله غيور وَلن يسكُت على خِداعك وَمُخاتلتك وَإِشفاقك على ذاتك وَتقول أنّك تُصلّى وَأنت لاَ تُصلّى 0
وَأعلم أنّ كُلّ صلاة تُقدّم بِلاَ إِخلاص نيّة تفصِل قلبك عَنَ الله وَتجعله ضِدك ، وَكُلّ صلاة تُقدِّمها بإِهتمام وَإِشتياق ترفع قلبك نحو الله فتجعلك قريباً مِنهُ على الدوام ، لأنّهُ ليس شىء يستطيع أنْ يجعل قلبك قريباً مِنْ الله مِثَلَ العرق وَالدموع 0
+ لِكى تتحرّر مِنْ عبودية الشهوات وَالخطايا وَسُلطة الشياطين ، ضع ملكوت السموات وَأورُشليم السمائيّة هدفاً لك ، مُستعيناً بإِسم الرّبّ يسوع ، وَأعلم أنّ هذا الهدف يحتاج إِلَى ثلاثة وَهى : الإِيمان وَ الرّجاء وَ المحبّة ، وَالمحبّة تكون أعظمهُنّ 0
+ أحياناً تفتقِد النَفْسَ حركة روحانيّة حادّة تتذّوق فِيها الله بِحرارة وَتشتعِل بِحُب الأشياء الإِلهيّة ، ثُمّ تعود تفتقِدها فتجِدها بردت وَجفّت مِنها ، لأنّ التشويش الحادِث مِنْ خُلطة النّاس قَدْ أصابك فِى موضعٍ ما ، أوْ لأنّك قَدْ فضّلت بعض الأعمال الجسديّة وَقدّمتها على خدمِتك الرّوحيّة 0
 إِلاّ أنّهُ فِى أىّ حال أنّ الدموع وَقرع الرأس على الأرض أثناء الصلاة وَإِنسحاق النَفْسَ ، تُسرِع مرّة أُخرى بإِنسياب تيار الحرارة الرّوحيّة الحلو الدافىء مِنْ القلب ، وَفِى شغف الفرح الرّوحِى الممدوح يطير القلب وراء الله هاتِفاً [ عطِشت نَفْسَى إِلَى الله إِلَى الإِله الحىّ  ، متى أجىء وَأتراءى قُدّام الله ] ( مز 42 ) 0
                                                                   ( القديس مارِأفرآم السُريانِى )
+ الإِنسان الّذى يرغب أنْ يأتِى إِلَى الرّبّ وَيوجد مُستحِقاً للحياة الأبدية ، عليهِ أنْ يُداوِم بإِستمرار على الصلاة ، وَيغصِب ذاته على الإِتضاع ، واضِعاً فِى نَفْسَه أنّهُ أقل وَأحقر النّاس جميعاً ، وَكُلّ ما يغصِب نَفْسَه لأجله وَيعمله وَهُو مُتألِّم بقلب نافِر غير راضِى ، سوف يأتِى عليه يومً يعملهُ بِرضى وَقبول ، وَحينما يرى الرّبّ نيّة الإِنسان وَإِجتهاده يتحنّن الرّبّ عليه وَيُظهِر لهُ رحمتهُ ، وَيُخلِّصه مِنْ أعدائه وَمِنْ سُلطان الخطيّة ، وَيملأه مِنْ الرّوح القُدس ، وَحينئِذٍ يُتمِّم وصايا الرّبّ دون تغّصُب وَإِجتهاد ، لأنّ الرّبّ الساكِن فيه هُو يكون العامِل فيه ، وَبِذلِك يُثمِر ثِمار الرّوح بِطهارة 0
                                                                     ( الأنبا مكاريوس الكبير )               
 
+ لاَ وسيلة لرفع الملل وَالضجر وَ الحُزن المُفسِد إِلاّ بالإِنقطاع عَنَ الكلام البطّال وَالمزاح وَمُضاعفة الصلاة وَالإِنهماك فِى العمل الموكول إِلينا ، وَعدم التنّقُل مِنْ مكان إِلَى مكان 0
                                                                     ( القديس يوحنا كاسيان )
+ بالإِيمان ينال الإِنسان نعمة ، وَيكون أهلاً لدخول الملكوت ، إِلاّ أنّهُ مِنْ الناحية الأُخرى عليهِ أنْ يُحافِظ على روح النعمة وَيكون موافِقاً لهُ فِى كُلّ أعمالهِ ، فَلاَ يأتِى عملاً رديّاً أوْ يُهمِل عملاً مِنْ أعمال الله ، فإِذا داوم على ذلِك وَلَمْ يُحزِن الرّوح داخِلهُ بعمل ما يوافِقهُ ، يُمكِن عملياً مِنْ الدخول إِلَى ملكوت السموات 0
+ أحياناً يقوى علينا جانِب الشر ( بِسماح مِنْ الله ) وَتثِب علينا الأفكار الشرّيرة بِشِدّة ، وَفِى أُخرى تكون ثِقة الإِنسان وَعزمه أكثر مِنْ قائِد مُنتصِر يستمِد العون وَالنجاة مِنْ الله ، وَيُقاوِم الشرّ بِقوّة ، وَهكذا يسمح الله أنْ نكون فِى ناحية مغلوبين ، وَفِى أُخرى غالِبين ، حيناً ضُعفاء وَحيناً نتقدّم إِلَى الله بغيرة وَحرارة مُلتهِبة ، وَالشيطان يعلم ذلِك وَ لاَ يتجاسر أنْ يقترِب مِنْ الإِنسان فِى هذِهِ الأوقات لأنّهُ يعلم أنّهُ لاَ يقوى عليه ، وَ لِماذا ؟ لأنّ الإِرادة تكون حاضِرة عِنده مُشدّدة بالنعمة ، وَقَدْ تكاثرت عِنده بسبب ذلِك قوّة الإِيمان وَالحُب 0
+ الرّبّ يعمل مَعَ الإِنسان فِى أرض النَفْسَ ، أمّا الأشواك التّى يُبذِرها الشرّير فهى تنمو ، وَ لكِن حينما تكثُر النعمة تذويها وَتلفحها شمس البِر 0
+ المواهِب التّى يمنحها الله لنا تكون بِمثابِة وسائِل لتقوية إِيمان الآخرين ، فكُلّ إِجتهاد وَكُلّ بلوغ لَمْ يكمُل وَيُكلّل بعد رباط الحُب يبقى مُعرّضاً للخوف وَالحرب وَالسقوط وَالزوال ، وَإِذا              لَمْ يأخُذ صاحِبهُ الحذر البالِغ فإِنّ الشيطان يُباغِتهُ وَيُصرِعهُ 0
                                                                     ( القديس مكاريوس الكبير )
+ قبل كُلّ شىء إِعلم أنّهُ لن يُتّوج أحد إِذا لَمْ يُجاهِد قانونياً ، كما قال بولس الرسول ، وَكُل واحِد لاَ يُجاهِد حسب ناموس السيرة التّى إِختارها لِنَفْسَه فإِنّهُ لن يُتّوج ، فينبغِى لِمَنْ تقدّم إِلَى الطريق الروحانِى أنْ يغصِب نَفْسَه فِى كُلّ تدبير يُقدِّمهُ إِلَى الله ، إِنْ كان صوماً أو صلاة أو بقيّة الفضائِل 0
+ إِذا كُنت تسأل إِلَى أىّ حد أغصِب ذاتِى ، أقول لك إِلَى حد الموت إِغصِب نَفْسَكَ مِنْ أجل الله ، إِغصِب نَفْسَكَ على الصلاة قبل مواعيدها لِتخِف عليك 0
+ إِحذر أنْ تُبطِل شيئاً مِنْ خِدمة الأوقات ( أىّ سبع الصلوات التّى بالأجبية ) ، إِتعِب جسدك بالصلاة حتّى تؤهّل لِحفظ الملائِكة ، وَحتّى يتقدّس سريرك مِنْ عرق الصلاة ، وَبِغير تعب فِى الصلاة لاَ تنم 0
+ صدّقنِى ياأخِى أنّ الملل وَالضجر وَثِقل الأعضاء وَالتكدُر وَتعب الفِكر وَبقيّة أسباب الحُزن التّى يسوقها عدو الخير على الإِنسان ، تُحسب لهُم عملاً إِلهياً ، وَلو يبقى الإِنسان مضغوطاً بِها فيصبِر وَيحتمِل وَ لاَ يخضع لها ، تُحسب لهُ ذبيحة نقيّة وَعملاً إِلهياً ، ما خلا فِكر العظمة وَالكبرياء 0
+ التجارُب التّى أمرنا الرّبّ أنْ نطلُب عدم الدخول فيها هى التجارُب النَفْسَية التّى تؤول بِنا إِلَى الفشل وَتُبعِدنا عَنَ الخلاص ، أمّا تجارُب الجسد فعلينا أنْ نستعِد لقبولها بالشُكر لأنّها توّصلنا إِلَى الله 0
+ مُحِبّو الراحة لاَ يحِل فيهُم روح الله ، بل الشيطان 0
+ أمّا إِنْ كُنت تتعب فِى سهرك مِنْ الوقوف وَيُوسّوِس الشيطان إِليك أنّهُ ما يبقى فيك قوّة ، وَيوحِى إِليك بالنوم ، فقُل لهُ أنا أجلِس وَأُكمِل سهرِى وَلستُ أنام 0
+ إِنّهُ أليق لنا أنْ نموت فِى الجِهاد ، مِنْ أنْ نحيا فِى السقوط 0
+ لاَ تقُل إِنِّى جاهدت وَمللت ، فرُبّما فِى أخر لحظة تهزِم عدوك وَتأخُذ إِكليلك وَتعبُر فِى أرض الشقاء إِلَى الراحة الأبديّة ، وَرُبّما يكون ذلِك بِكلِمة تقولها فِى موضعِها ، أو بِفكر مُنسحِق تُقدِّمهُ ، أو بشُكر على ضيقة تحِل عليك ، أُذكُر اللص الّذى دخل ملكوت الله مَعَ مُخلّصنا بسبب فِكرة إِيمانيّة ملأت نَفْسَه فِى أخر ساعة مِنْ ساعات حياته 0
+ إِذا هبط علينا روح الإِهمال وَبردت حرارتنا ، نجلِس بيننا وَبين أنَفْسَنَا وَنجمع أفكارنا ، وَنُميِّز بِدقّة ما هُو سبب الإِهمال ، وَمِنْ أين بدأ ، وَ ماهُو الّذى يُبطِلك مِنْ الصلاة وَالعِبادة ؟ إِبحث00وَإِذا عرفت داءك فَلاَ تتوان عَنَ تقويمه وَقطعه ، مُركِّزاً كُلّ عِبادتك وَصلاتك مِنْ أجله0
+ إِذا تعرّقلت حياتك الرّوحيّة لأىّ سببٍ كان ، فأبدأ حياتك مِنْ جديد ، كأول يوم عرفت فيهِ الله ، وَأبدأ جِهادك بِشِدّة وَأنت تصِل سريعاً إِلَى درجتك الأولى 0
+ الّذين يبدأون جِهادهُم بِعزيمة مُتراخية ، فإِنّ الشيطان يقوى عليهُم ، وَالله لاَ يُعضّدهُم لأنّهُ يقول [ ملعون مَنْ يعمل عمل الرّبّ بِرخاءٍ ] 0
+ أنّ جميع الفضائِل التّى نقتنيها بالتعب ، إِنْ كُنّا نتهاون فِى عملِها تضيع قليلاً قليلاً 0
                                                                   ( القديس مارِإِسحق السُريانِى )
+ الملل عدو الصلاة ، إِذا وقفت يُصارِعك لِتجلِس ، وَإِذا جلست يُصارِعك لِتتكىء ، وَإِذا إِتكأت يُصارِعك لِتنام ، أمّا ثمرِة الملل المُرّة فهو التنقُلّ مِنْ مكانٍ إِلَى مكان ، وَعصيان أوامِر الرؤساء وَالآباء 0
                                                                     ( القديس يوحنا الدرجِى )
+ إِسهر بغير ضجر ، لأنّ الله يُحِب سهراً بِفرح ، وَكُلّ ما يكون بِفرح فلهُ ثمرُه ، أمّا العمل الّذى بالضجر ما يكون لهُ أجر بل دينونة 0
                                                                     ( القديس يوحنا ذهبىّ الفم )
+ مَنْ تكاسل عَنَ الأمور الصغيرة ، لاَ تثِق بِهِ فِى الأمور الكبيرة ، وَ لاَ يُثقلّ عليك أنْ تموت مِنْ أجل الأمور التّى تحيا بِسببِها 0
                                                                     ( القديس باسيليوس الكبير )

أكله مهلبية

عاشت ماريا أياما قاسية أثناء الحرب العالمية في يوغسلافيا ، فكانت تستيقظ على صوت آلات الحرب الرهيبة والقتل والتدمير، فتعرضت هي وابنها للفقر والحرمان وللسجن عدة مرات.
وسط كل ذلك لم تكن تعرف طريقا للخلاص من المخاطر والألم سوى الصلاة ، فكانت ترفع صلاتها بإيمان شديد واثقة أن الله لا يرفض لها طلبا حتى عرفت بالمرأة المصلية. وفي إحدى الليالي أتى جنود الأعداء واقتحموا المنازل وجروها هي وجيرانها على السجن وهي تتضرع لهم أن تأخذ ابنها الطفل الوحيد معها فلم يقبلوا...... و ألقوا بها مع إخوانها في السجن فركعت تصلي قائلة : ( يا إلهي الحبيب أحبك على الرغم من المدافع والدبابات ، أحبك في الحرب كما أحبك في السلم ، أحبك ولو كان ابني الوحيد بعيدا عني ، أحبك حتى لو شئت ألا أراه ثانية .... أشكرك لأنك رفعتني فوق البؤس والجوع والبرد و كل ما في هذا العالم. ولما خرجت من السجن ورأت ابنها سليما ، مجدت الله وشكرته. و في ليلة لم تجد ماريا طعاما لابنها ، فبحثت في القمامة حتى وجدت لقمة عيش فلم يرد ابنها أن يأكلها ، فقالت له : يا بني أشكر الله على هذا الطعام الذي يبقينا على قيد الحياة. و في أحد الليالي وهي راكعة تصلي في الوحدة الطبية التي كانت تعمل بها ممرضة ، إذا بأحد الضباط يشهر مسدسه في وجهها شاتما إياها لكي تسكت عن الصلاة ، وقال لها ساخرا: هل تعجبك الحرب حتى تشكري عليها إلهك فأجابته لولا الحرب ربما كنت لا أصلي فهي التي قربتني من الله ، فاستشاط غضبا وهو يقول لها: أنت مجنونة. وإذا بأحد الجنود وقد نهشه الجوع يدمدم قائلا: آه لو أستطيع الحصول على أكلة مهلبية ّ! يا إلهي لن أتوانى عن إعطاء أي شئ مقابل تلك الأكلة. سمعت ماريا هذه الكلمات ، فجرى بينهما هذا الحديث: - أي شئ تعطيه مقابل هذه الوجبة يا أخي لله إذا أحضر لك ما تريد ؟ - أي شئ تريدينه ولكن هل السماء تمطر مهلبية ، هل أنت مجنونة يا امرأة ؟ - أجب عن سؤالي من فضلك. - أعدك بالذهاب للكنيسة يوم الأحد إذا أعطاني إلهك مهلبية ثم ضحك الجندي بأعلى صوته كأنه يقول نكتة ثم أردف قائلا: هذا إذا لم أمت في هذه الحرب بالطبع. - هل تعد الله أن ترجع إليه من الليلة ؟ فهو يريد قلبك ولا شئ آخر. قال لها الجندي و هو يشعر بارتباك من الثقة والجدية التي تتكلم بها: نعم أعدك. دخلت ماريا حجرتها وظلت تصلي وتصلي ، وفي هذه الليلة أسقطت طائرات الإغاثة لأول مرة منذ بدء الحرب إعانات على شكل رزم من الطعام والدواء والملابس. ولما فتح الجندي رزمته وجد بها خبز ولحم و بلوفر وعلبة صغيرة ، ففتح العلبة بلهفة و......و انعقد حاجبيه و وقف شعر رأسه و انسالت دموعه غزيرة من مقلتيه من شدة المفاجأة ، فها هي المهلبية التي وعدته بها المرأة المصلية. نسى الجندي أن يأكل المهلبية التي طالما اشتهاها و ذهب مسرعا إلي ماريا المرأة المصلية وهو يقول لها متعجبا: هل إلي هذا الحد إلهك العظيم يستجيب إلي الصلاة لهذه الرغبات التافهة لإنسان خاطئ مثلي ؟ أجابته بسعادة بالغة : إن إلهي العظيم مستعد أن يعمل أي شئ ليرجع أولاده إليه ، لقد بذل نفسه لأجلهم. ركع الجندي وهو يقول متأثرا: اقبلني يا أعظم إله."الصلاة قادرة على كل شئ لأنها تحرك اليد التي تدير العالم"

لماذا 12 تلميذ؟


لماذا 12 تلميذ؟
سؤال: لماذا إختار يسوع إثنى عشر تلميذاً؟
!
 
الإجابة:
أولاً: "وَأَمَّا أَسْمَاءُ الاثْنَيْ عَشَرَ رَسُولاً فَهِيَ هذِهِ: اَلأَوَّلُ سِمْعَانُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ بُطْرُسُ، وَأَنْدَرَاوُسُ أَخُوهُ. يَعْقُوبُ بْنُ زَبْدِي، وَيُوحَنَّا أَخُوهُ. فِيلُبُّسُ، وَبَرْثُولَمَاوُسُ. تُومَا، وَمَتَّى الْعَشَّارُ. يَعْقُوبُ بْنُ حَلْفَى، وَلَبَّاوُسُ الْمُلَقَّبُ تَدَّاوُسَ (يهوذا). سِمْعَانُ الْقَانَوِيُّ، وَيَهُوذَا الإِسْخَرْيُوطِيُّ الَّذِي أَسْلَمَهُ. (إنجيل متى 10: 2-4).  وبعد خيانة يهوذا الإسخريوطي، تم إحلال متياس الرسول محله، حسبما ذُكِرَ في (سفر أعمال الرسل 1: 26).
أما حول موضوع اختيار العدد 12، فهناك العديد من الآراء في هذا الأمر..  فيوجد رأي يقول أنه هذا مثال للأربع زوايا الأرض (شمال – جنوب – شرق – غرب) مضروباً في 3 (رمز الثالوث الأقدس)، أي 4×3=12
ويخبرنا علم النفس أن هذا الرقم هو رقم جيد، وقد وجد هؤلاء الذين يقودون جماعات أن رقم 12 هو عدد جيد لفصول مدارس الأحد ودراسات الكتاب المقدس، (ستجد النص الكامل للكتاب المقدس هنا في موقع الأنبا تكلا) وهو عدد كافي لتوفير آراء مختلفة ومتنوعة، وفي نفس الوقت صغير ليتم التعارف الجيد بين بعضهم البعض.. 

أما الرأي الغالب فهو أن رقم 12 هو رقم الكمال في التقسيم الحكومي..
- في العهد القديم نجد شعب إسرائيل مقسماً إلى 12 سبط، بهم 12 رئيس.
- و الإثنى عشر تلميذاً سيصبحون نواة لإسرائيل العهد الجديد: 12 كرسي في الدينونة (مت28:19) – 12 بوابة من أحجار كريمة – إثني عشر ثمرة في أورشليم الجديدة (رؤ12:21؛ 2:22).
- ونظراً لدراية التلاميذ بأهمية هذا الأمر، سارعوا بإحلال يهوذا الخائن بتلميذ آخر.
# ومن الجدير بالذكر أن الإثنى عشر كانوا يكملون بعضهم البعض:
- كلهم عدا واحد قابلوا السيد المسيح في العلية (مع ملاحظة أن توما كان هو الغائب).
- كلهم حل عليهم الروح القدس يوم الخمسين وقاموا بعمل آيات وعجائب.
- في وقت قتل إسطفانوس، بقي التلاميذ في أورشليم، في حين أن باقي المؤمنون تفرّقوا..
- تشاوروا معاً حول قبول شاول الطرسوسي (بولس الرسول) معهم.
- أسّسوا أول مجمع كنسي مع آباء الكنيسة الأول.  .
وقد قال السيد المسيح لرسله الاثنى عشر: "متى جلس ابن الانسان على كرسي مجده، تجلسون أنتم أيضاً على اثنى عشر كرسياً، تدينون أسباط إسرائيل اثنى عشر" (مت28:19).
فمن الواضح أن السيد المسيح قد اختار تلاميذه بنفس عدد اسباط اسرائيل أو أبناء يعقوب الاثنى عشر.  فمن الإثنى عشر سبطاً تكونت كنيسة العهد القديم في إطار محدود، وبالإثنى عشر رسولاً تكونت كنيسة العهد الجديد في المسكونة كلها.
وهناك العديد من النقاط الأخرى في هذا الأمر:
أولاً: من الملاحظ أن السنة تتكون من إثنى عشر شهراً، أي أن الزمان يكمل بالنسبة للأرض بالإثنى عشر شهراً.  مثل قول الرب لإبراهيم حينما ظهر له عند بلوطات ممرا: "إني أرجع إليك نحو زمان الحياة، ويكون لسارة امرأتك ابن" (تك10:18).  والمقصود هنا أنها سوف يكون لها ابن في نفس الموعد من العام التالي.
وفي العام الواحد أي في إثنى عشر شهراً تكمل الأرض دورة كاملة حول الشمس.  تكمل كل فصول السنة بكل ما فيها من متغيرات.  وكمال العام بإثنى عشر شهرا يرمز إلى كمال الزمان مثلما قال السيد المسيح: "قد كمل الزمان، واقترب ملكوت الله.  فتوبوا وآمنوا بالإنجيل" (مر15:1).  حقاً، لقد أشرق شمس البر -ربنا يسوع المسيح- في ملء الزمان، حسب وعد الرب: "ولكم أيها المتقون اسمي تشرق شمس البر، والشفاء في أجنحتها" (ملا2:4).  لا توجد شمس لها أجنحة سوى ربنا يسوع المسيح، الذي بسط على خشبة الصليب يديه الممدودتنين لاحتضان كل التائبين.
ثانياً: نلاحظ أيضاً أن النهار يتكون من اثنتى عشرة ساعة، كما قال السيد المسيح: "أليست ساعات النهار اثنتى عشرة، إن كان أحد يمشي في النهار لا يعثر، لأنه ينظر نور هذا العالم، ولكن إن كان أحد يمشي في الليل يعثر لأن النور ليس فيه" (يو10،9:11).  إن السيد المسيح هو نور العالم..  والبشارة بالإنجيل هي نور العالم، ولهذا فقد حمل الاثنا عشر تلميذا هذا النور، ونشروه في المسكونة لإنارتها..
كانوا اثنى عشر ليحملوا أنوار ساعات النهار الإثنى عشر.  وكل منهم كانت ترمز إليه ساعة من ساعات النهار.  كقول الرب عن يوحنا المعمدان: "كان هو السراج الموقد المُنير، وأنت أردتم أن تبتهجوا بنوره ساعة" (يو35:5).
ثالثاً: رقم 12 هو رقم ثلاثة مضروباً في أربعة (3×4=12):
ورقم 3 هو إشارة إلى الثالوث القدوس وعمله في خلاص البشرية.
أما رقم 4 فيشير إلى أربع اتجاهات المسكونة، أو يشير إلى الإنجيل أي البشائر الأربعة.
وهكذا يكون رقم 12 هو إشارة إلى عمل الثالوث القدوس في خلاص البشرية، في أرجاء المسكونة من مشارق الشمس إلى مغاربها ومن الشمال إلى الجنوب.
لهذا قال السيد المسيح لتلاميذه: "اذهبوا إلى العالم أجمع، واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها" (مر15:16)؛ "وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس، وعلموهم أن يحفظوا كل ما أصيتكم به" (مت20،19:28).  وبالفعل قيل عن الآباء الرسل: "في كل الأرض خرج منطقهم، وإلى أقصى المسكونة بلغت أقوالهم" (مز4:19).
ومن تاريخ الشعب القديم عند خروج بني إسرائيل من أرض مصر، وفي بداية ارتحالهم في برية سيناء، بعد عبورهم البحر الأحمر، أنهم "جاءوا إلى إيليم وهناك اثنتا عشرة عين ماء وسبعين نخلة" (خر27:15)، وفي هذا إشارة واضحة إلى التلاميذ الاثنى عشر والرسل السبعين الذي عيَّنهم السيد المسيح نفسه.
ومن الأمور الجميلة أن الكنيسة القبطية تحتفل بعيد الآباء الرسل يوم 12 من الشهر السابع من السنة الميلادية.  .
رابعا: في حديث السيد المسيح عن جيوش الملائكة قال لبطرس: "أتظن أني لا أستطيع أن أطلب إلى أبي فيقدم لي أكثر من اثنى عشر جيشاً من الملائكة؟" (مت53:26).
خامساً: وفي سفر الرؤيا رأي القديس يوحنا اللاهوتي حول العرش في السماء أربعة وعشرين قسيساً في أيديهم مجامر وقيثارات، ويرفعون بخوراً أمام الله هو صلوات القديسين (رؤ8:5).  والملاحظ هنا أن رقم 24 هو ضعف رقم 12 لأن النهار على الأرض اثنتا عشر ساعة، أما في السماء فليس هناك نهار وليل، بل نهار دائم يرمز إليه رقم 24 (رؤ25:21).
سادسا: المئة وأربعة وأربعون ألفاً 144000 البتوليون غير الدنسين (رؤ4،3:14)، الذين ظهروا في المشهد السماوي يتبعون الحمل (المسيح) أينما ذهب، هؤلاء هو 12×12=144 مضاعفة ألف مرة.  فهؤلاء عاشوا حياة منيرة غير دنسة (12 ساعة في نور النهار)، وما فيها من نور هو بحسب الإيمان الرسولي (×12 رسول)، ويصعب حصر عددهم لكثرتهم (ألوف).  ولعل هذا يذكرنا بتوبة أهل نينوى الذين قال عنهم الله: أنهم إثنتا عشرة ربوة من الناس أي مائة وعشرون ألفاً.  وهو رقم 12×1000×10، ويرمزون إلى الذين يحبون حياة النور بالتوبة في أفواج يصعب حصرها (عشرات ألوف).
وهنا يتبادر إلى الذهن السؤال التالي:
هل دبَّر الله أن يكون النهار اثنتى عشرة ساعة، والسنة اثنى عشر شهراً، لكي يختار اثنى عشر تلميذاً؟ أم اختار 12 تلميذ لأن النهار 12 ساعة، والسنة 12 شهر؟!
وللإجابة على ذلك نقول: إن المعنى الأساسي للرقم 12 هو الإشارة إلى الثالوث القدوس، وفي عمله من أجل خلاص البشرية في أربعة أرجاء المسكونة.  وعلى هذا الأساس يأتي ترتيب باقي الأمور.
حقاً يا رب، ما أعجب تدابيرك!  كلها بحكمة صنعت، وما أبعد أحكامك عن الفحص وطرقك عن الاستقصاء..!  وإننا فقط نقف لنتأمل ونتفهم ونتعجب ويبقى أمامنا الكثير لنعرفه عنك يا إلهنا القدوس.

الكهنوت المسيحى سر الأبوة الروحية

الكهنوت المسيحى سر الأبوة الروحية
نيافة الأنبا رافائيل
من أجمل تقاليد كنيستنا القبطية مناداة الأب الأسقف والكاهن بلقب "أبونا"، بل يقف على قمة الهرم الكنسى شخص محبوب يسمى (البابا) ووظيفته (بطريرك) أى (رئيس الآباء) أو بالأحرى (أب الآباء)... فكل كهنوت كنيستنا هو أبوة روحية غامرة يتلقنها الكاهن (فى أية درجة، من المسيح ويشبع بها بفيض، فتشع منه روحاً ينسكب فيغمر الكنيسة بفيض الحب والأبوة، الاهتمام والرعاية لكل نفس "التراكم علىّ كل يوم. الاهتمام بجميع الكنائس. من يضعف وأنا لا أضعف، من يعثر وأنا لا ألتهب" (2كو29:11)، هذه هى الأبوة التى تنسكب كأنهار مياه حية من أحضان الثالوث القدوس فتحى العالم عبر الكاهن.
وأبوة الكهنوت فى كنيستنا تتجلى فى ثلاثة وظائف:
قداسة البابا البطريرك :
هو الراعى الأكبر للكنيسة القبطية، ورئيس أساقفتها، وهو الذى يرأس المجمع المقدس، الذى هو السلطة العليا فى الكنيسة من جهة التعليم والتشريع والعقيدة والرعاية.
1- الوساطة :
الوسيط هو من يقف فى الوسط بين فريقين يصل بينهما، محاولاً إيجاد الوحدة الكاملة بينهما. والفريقان هنا هما الله والإنسان.
ومعروف أن العلاقة الرائعة التى جمعت بين الله والإنسان فى الفردوس قد تشوهت وفترت بسبب السقوط... فكان لابد من وسيط يقوم بالمصالحة... وكان أيوب الصديق يبحث عن هذا الوسيط: "ليس بيننا مصالح يضع يده على كلينا" (أى 33:9) ولم يكن الوسيط إلا ربنا يسوع المسيح الذى يجمع فى ذاته - بسبب الاتحاد الأقنومى - "كل ما للآب" (يو15:16)، فهو من نفس الجوهر الذى للآب وأيضاً كل ما للإنسان إذ "أخلى نفسه آخذاً صورة عبد صائراً فى شبه الناس. وإذ وجد فى الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب" (فى 7:2،8)، لذلك قيل عنه بحق "يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس، الإنسان يسوع المسيح، الذى بذل نفسه فدية لأجل الجميع" (1تى 5:2،6)، فالمسيح هو رئيس الكهنة الأعظم (لحن ميغالو)، ولكنه منذ البداية قد أختار أناساً ليمارس فيهم وبهم ومن خلالهم كهنوته الخاص "ثم دعا تلاميذه الأثنى عشر وأعطاهم سلطاناً على أرواح نجسة حتى يخرجوها، ويشفوا كل مرض وكل ضعف" (مت 1:10)، "وبعد ذلك عين الرب سبعين آخرين أيضاً وأرسلهم اثنين اثنين أمام وجهه إلى كل مدينة وموضع حيث كان هو مزمعاً أن يأتى" (لو1:10)، إلا أن مهمتهم لم تنحصر فى هذا العالم ولم تقتصر عليه بل أعطاهم أن يمارسوا كل كهنوته فهم معه حيث هو (يو 24:17)، "ويشتركون فى سلطانه" (مت 18:28-20)، "وما يحلونه على الأرض تحله السماء" (مت 19:16). بل صاروا خدام المسيح ووكلاء سرائر الله (1كو 1:4) حتى أنه قال لهم "الذى يسمع منكم يسمع منى. والذى يرذلكم يرذلنى" (لو16:10)... فحضور الكاهن يمثل حضور المسيح فى الكنيسة - لاحظ أن ألحان استقبال الأسقف فى الكنيسة هى ألحان تعلن عن حضور المسيح (ابؤورو، ايفلوجيمينوس، اكسماروؤت) - وبهذا المنظور يكون الكاهن وسيطاً بين الله والناس إذ أنه يمثل شخص ربنا يسوع المسيح... فهو من جهة متحد بالمسيح ومن جهة أخرى يجمع كل الشعب فى قلبه بالأبوة والحب ليوحدهم بالمسيح... وهذه، لائك، تمثل معاناة، يشبهها معلمنا بولس الرسول بآلام المخاض "يا أولادى الذين أتمخض بكم أيضاً إلى أن يتصور المسيح فيكم" (غل 19:4).

إن هذه المعاناة اليومية التى يقاسيها الكاهن ما هى إلا علامات أبوته التى بها يحمل هموم الناس ويطرحها تحت قدمى المسيح... أنه يتوب مع كل تائب "... عبدك (فلان) وضعفى نحن المنحنييْن برؤوسنا أمام وجهك المقدس. ارزقنا رحمتك، اقطع عنا كل رباطات خطايانا..." (التحليل الذى يقرأه الكاهن على رأس المعترف). ويصلى عن كل مريض ومسافر ومنتقل... ويطلب عن خلاص العالم والبهائم والزروع والمياه والأهوية... يشفع فى الأرملة واليتيم والغريب والضيف، ويئن مع الذين فى السجون والنفى ومع المظلومين والمتألمين..، ويرفع تنهدات بنى البشر لله أمام المذبح حاملاً عار الناس وخطيتهم متشبهاً بالمسيح الذى منه تستمد كل أبوة وكل قوة. 

2- النموذج :
ليس الكاهن واعظاً وحسب ولكنه أب، يسلم أولاده روح المسيح، أنه أكثر من أن يكون معلماً أو مرشداً روحياً بل هو شاهد عيان لانسكاب الروح القدس فى أبنائه، أنه إنسان تتجلى فيه بوضوح روح النبوة فى العهد الجديد - ليس بمعنى من يتنبأ بالمستقبلات بل من ينبئ بفكر الله وإرادته ويعلنه ويعلمه للناس.

الكاهن فى الكنيسة يقود أولاده نحو المسيح فى مسيرة روحية متدرجة، يتبعون خطواته فيما هو يتبع خطوات المسيح "لأنه إن كان لكم ربوات من المرشدين فى المسيح لكن ليس أباء كثيرون لأنى وأنا ولدتكم فى المسيح يسوع بالإنجيل. فأطلب إليكم أن تكونوا متمثلين بى" (1كو15:4،16)، "كما أنا أيضاً بالمسيح" (1كو 1:11).
فالحياة الروحية التقوية لا تلقن، ولا يستطيع المعلم الروحى إلا أن يساعد على تفتحها ونموها، وهذا يكون بحياته وسلوكه التلقائى العفوى التقوى، ويكون بالتفاف الأبناء حوله ليشربوا منه روح التقوى والعفة والوداعة... "كن قدوة للمؤمنين فى الكلام فى التصرف فى المحبة فى الروح فى الإيمان فى الطهارة" (1تى 12:4). وروح المسيح هذه تنتقل من جيل إلى جيل خلال الآباء الذين يحملون الوديعة ويسلمونها لأبنائهم بأمانة وتقوى "كونوا متمثلين بى معاً أيها الأخوة ولاحظوا الذين يسيرون هكذا كما نحن عندكم قدوة" (فى 17:3)، "وأنتم صرتم متمثلين بنا وبالرب.. حتى صرتم قدوة لجميع الذين يؤمنون..." (2تس9:3)، "وما سمعته منى بشهود كثيرين أودعه أناساً أمناء يكونون أكفاء أن يعلموا آخرين أيضاً" (2تى 2:2)، "وما تعلمتموه وتسلمتموه وسمعتموه ورأيتموه فىّ فهذا افعلوا" (فى 9:4).
هنا - وبسبب الأبوة فى الكنيسة - لم يعد الإيمان نظريات فلسفية تحارب عنها الكنيسة ضد الهراطقة ولا مجرد تحديدات قانونية أقرتها الكنيسة فى مجامعها المسكونية، بل هو حياة يعيشها الآباء فليتقطها منهم الأبناء، لينقلوها بدورهم إلى الأحفاد "من جيل إلـــى جيل وإلـــى دهر الدهور آمين".
إن سبب نقاوة إيمان أثناسيوس (تقواه)، وسبب تمسك الأقباط بإيمان أثناسيوس أنه (أبوهم)... ولا عجب فأثناسيوس نفسه شرب روح التقوى من أبيه (أنطونيوس)... 
الثالوث والحياة :
لقد عاش الآباء سر الثالوث ففهموا كيف تكون الأبوة والبنوة والروح الواحد، وصار الثالوث المعاش فيهم مصدر روح الأبوة فيهم فألتقط الأبناء روح الثالوث وأدركوه، لا على مستوى البرهان العقلى، بل على مستوى الخبرة الحية المعاشة فى الكنيسة، من خلال وحدة الكنيسة (الله الواحد) وتنوع أعضائها (الله الثالوث) فالكنيسة (الإنسان) خلق على صورة الله ومثاله 
التجسد والحياة :
كذلك عاش الآباء سر التجسد؛ فأدركوا كرامة الجسد وقداسة المادة وسلكوا كما يليق بتجسد الابن الوحيد فى العالم وسطنا... فكان التجسد الإلهى ينبوع تقواهم ونظرتهم المقدسة للجسد والمادة والعالم والكون... وألتقط الأبناء نفس الروح وعاشوها.
والأب الروحى فى قيادته لتلاميذه صاعداً بهم إلى القمة الروحية يأخذهم هويداً هويداً لئلا يستكدهم بحماس روحى  مزيف، فروح الأبوة لا ينتقل من الأب إلى تلاميذه بطريقة فورية إنما يتطلب نمواً ناضجاً هيناً بصبر وطول أناه "هذا أصليه أن تزداد محبتكم أيضاً أكثر فأكثر فى المعرفة وفى كل فهم" (فى 9:1)، "أنس ما هو وراء وأمتد إلى ما هو قدام. أسعى نحو الغرض لأجل جعالة دعوة الله العليا فى المسيح يسوع" (فى 13:3،14).

والآباء الأقباط يعرفون أن نقطة الانطلاق لهذا النمو التدريجى الأصيل هى المعمودية... ففيها أخذنا كل موهبة وكل نعمة نحتاجها على مدى جهادنا الروحى الطويل بطول العمر... ودور الأب أن يطلق فينا هذه الطاقات تدريجياً.. ويدعمها يومياً بنعمة الإفخارستيا، فيصير الصليب - مترجماً عملياً بالمعمودية والأفخارستيا - ينبوع جهادنا ونمونا منسكباً فينا من خلال أنامل الآب الروحى. 

3 – الرعاية
الراعى هو الأب الذى يقبل جميع أولاده - على علاتهم – ويهتم بإحتياجاتهم ويسهر على راحتهم ويحمل همومهم ويتوب عنهم "وكان لما دارت أيام الوليمة أن أيوب أرسل فقدسهم (أبناءه) وبكر فى الغد وأصعد محرقات على عددهم كلهم لأن أيوب قال: ربما اخطأ بنى وجدفوا على الله فى قلوبهم هكذا كان أيوب يفعل كل الأيام" (أى 5:1).


والكاهن فى قبوله الجميع لا يجذبهم إلى نفسه بل إلى من يمثله ويخدمه، أى المسيح. وعندما يقبلهم إنما يرى فيهم المسيح "ما فعلتموه بأحد أخوتى هؤلاء الأصاغر فبى فعلتم" (مت 40:25). لأن كل من أجتاز المعمودية قد صار بالحق عضواً فى جسد المسيح... والكاهن مستأمن على جسد المسيح؛ ليخدمه ومن هنا يصير اهتمام الكاهن بكل عضو فى الكنيسة هو اهتمام بالمسيح... نعم أن هذا الاهتمام المتسع مؤلم أحياناً كثيرة ويصلب الكاهن صلباً، ويحرمه من حقه الطبيعى فى الراحة والإجازة، ولكن رغم ذلك فالأب دائماً يفرح بفرح أولاده ونجاحهم وتقدمهم وشبعهم...لذلك يعلمنا أبونا قداسة البابا شنوده "إذا تعب الكاهن يسترح الشعب وإذا استراح الكاهن يتعب الشعب" ونحن كلنا خلفه نفضل أن يتعب الكاهن ليسترح الشعب... والكاهن يكسر ذاته فى إقدام وصبر وفرح بالآخرين... وهذا هو صليب المسيح... والخدمة لا تخرج عن كونها صليب المسيح... إن نخدم الناس يعنى أن نحيا فى محبة الله والناس، ومحبة الله هذه عُبّر عنها بالصلب "لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل أبنه الوحيد لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يو16:3)... 
فالأب الكاهن يدخل فى خبرة هذه المحبة المصلوبة لأن هذا هو واقع خدمته... أنه يقدم حباً بلا حدود لشعب متسع متباين فى فكره وقبوله لخدمة الكاهن... قد يقابل حب الكاهن بعدم الاكتراث أو بالرفض ولكن على كل حال، فهو أب.. سيظل مجاهداً، ومنبهاً، ومقدراً، ومشجعاً على رجاء أن يخلص الابن ويقبل إلى الحق... فالمسيح نفسه "إلى خاصته جاء وخاصته لم تقبله" (يو 11:1) ولكنه أكمل سعيه نحو خلاص البشر حتى التمام لأنه أب يحب أولاده... 

وكذلك الكاهن "إن كانوا قد اضطهدونى فسيضطهدونكم" (يو 20:15) فى "ليس عبد أعظم من سيده ولا رسول أعظم من مرسله" (يو 16:13).. فالكاهن يحمل نير المسيح وينحنى تحت أقدام الأبناء ليغسل قاذوراتهم وهو مترفق بهم "كنا مترفقين فى وسطكم كما تربى المرضعة أولادها. هكذا إذا كنا حانين إليكم كنا نرضى أن نعطيكم لا إنجيل الله فقط بل أنفسنا أيضاً لأنكم صرتم محبوبين إلينا... كنا نعظ كل واحد منكم كالأب لأولاده ونشجعكم ونشهدكم لكى تسلكوا كما يحق لله الذى دعاكم إلى ملكوته ومجده" (1تس 7:2-12)، وهذا الحمل لا يسبب تأففاً للأب ولا يمثل عبئ (جهد) غير محبوب، بل بالعكس يصرخ مع معلمنا بولس الرسول: "أفرح فى آلامى لأجلكم" (كو24:1) ففرحة الكاهن بعطائه تلزمه بأن يعطى أكثر مما ينتظره الناس منه، ليس آيات ولا أعمالا باهرة بل أبوة روحية حانية.

خدمة الكاهن هى أن يلد أبناء لله، ويتألم لأجل أبنائه وبسببهم كما يتألم معهم فى نموهم الروحى كأولاد لله، وهو لا يستطيع أن يلد حياة دون بذل حياته، ولكن العجيب والمفرح فى آن واحد أنه لا يبذل حياته هو، بل أن حياة المسيح هى التى تبذل وتنسكب من خلاله، وبقدر ما يبذل الكاهن نفسه حباً بالمسيح تكون الغلبة لحياة المسيح التى تعمل فى  أولاد الله وتحييهم وهو معهم، لحياة أبدية... وبقدر البذل تستعلن الأبوة، وتتجلى صورة الله فى (أبونا) القديس 

لم أسمع شيئاً

لا تدينوا فلا تدانوا لا تقضوا على أحد فلا يقضى عليكم إغفروا يغفر لكم (لو 6 : 37)
لم أسمع شيئاً:


    عند باب مبنى أسقفية الفيوم القديم سأل الأب الكاهن عن أبيه الأسقف نيافة الأنبا أبرآم، فقيل له أنه جالس على الأريكة (الدكة) كعادته فدخل إليه.


    إذ رآه الأب الأسقف همّ عليه مسرعًا في بشاشة ليحتضنه ويقبّله، ثم سأله عن أخباره، فتنهد الأب الكاهن بمرارة وهو يقول:


    - لم أنم الليل كله يا أبي الأسقف.


    - لماذا؟


    - بسبب زميلي الكاهن.


    هنا صمت الأب الأسقف دون أن تظهر على وجهه أية ملامح، لكن الكاهن استرسل في الحديث عن زميله الكاهن. وإذ طال الحديث جدًا والكاهن يشكو زميله استدعى الأنبا أبرآم أحد العاملين في الأسقفية يدعى رزق، وسأله أن يهيئ له فنجان قهوة.


    شرب الكاهن الفنجان واسترسل أيضًا في الحديث، وإذ أطال عاد نيافته فطلب للكاهن فنجانًا آخر.


    عاد الأب الكاهن يتحدث في مرارة، والأسقف لا ينطق ببنت شفة ولا ظهرت أيّة علامة تعبر عن شيء كانعكاس لما يسمعه. وأخيرًا ختم الكاهن حديثة هكذا: "لقد أطلت الحديث عليك يا أبي الأسقف لكنك لم تجبني بكلمة ولا أرشدتني ماذا أفعل". عندئذ تطلع إليه الأب الأسقف وهو يقول: "سأطلب لك فنجان قهوة يزن عقلك... صدقني إني لم أسمع شيئًا من كل ما قلته".


    خجل الكاهن جدًا من نفسه واعتذر عما صدر منه من شكوى ضد الكاهن زميله، طالبًا منه أن يصلي من أجله حتى يقدر أن يضبط لسانه بل وفكره فلا يدين أحدًا، انحنى برأسه يعتذر عما قاله، سائلاً الأب الأسقف أن يصلي من أجله لكي يعطيه الرب حلاً عن خطاياه.


    خرج الأب الكاهن من حضرة أبيه الأسقف ليجد أمامه زميله الكاهن فاحتضنه وقبَّله ناسيًا كل ما صدر منه.


    عاد الكاهن إلى الأب الأسقف وأسرع بعد فترة ليست بطويلة فسأله الأسقف عن حال زميله، فأجاب الكاهن أن كل الأمور تسير بخير وأنه يشعر بأن زميله الذي كان قبلاً يراه كمُضايق له قد صار لطيفًا معه للغاية، بل ويشعر أنه غير مستحق لزمالته ونوال بركته، وكان الكاهن يمتدح زميله جدًا، ففرح به الأسقف، وتطلع إليه ببشاشة وهو يقول له: "أسرع إلى الكنيسة واشترك في صلاة القداس الإلهي".


    خرج الأب الكاهن من حضرة أبيه الأسقف وأسرع إلى الكنيسة حيث اشترك مع الآباء الحاضرين في القداس، وكان متهللاً جدًا، يشعر بلذة روحية فائقة، وكانت نفسه كأنها منطلقة في السموات عينها.


    انتهى القداس الإلهي بسرعة عجيبة، وانطلق الكاهن يحمل "قربانة حمل" نحو الباب الخارجي، ففوجئ به مغلقًا. أخذ الكاهن يقرع باب الكنيسة حتى فتح له الفراش وهو مندهش.


    - كيف دخلت يا أبي الكنيسة؟


    - كان الباب مفتوحًا.


    - أنا لم أفتحه بعد.


    - كيف هذا؟ فإنني اشتركت مع بعض الآباء في خدمة القداس الإلهي.


    - أي قداس؟


    - القداس الإلهي.


    - لم يُقم اليوم قداس إلهي.


    - أقول لك أنني اشتركت في الصلاة بنفسي، وها هي "قربانة الحمل".


    عندئذ أدرك الأب أنه إنما كان يصلي القداس الإلهي مشتركًا مع جماعة من الآباء السواح مكافأة له عن تركه إدانة أخيه الكاهن واتساع قلبه بالحب.


VVV
V ليصمت لساني عن الإدانة،


فيرفع قلبي وفكري إلى سمواتك،


V ليتني لا انشغل بضعفات الآخرين،


فأتمتع بشركة السمائيين!


V هب لي ألا أدين أحدًا،


فأهرب من الدينونة الأبدية!


لأبونا تادرس يعقوب

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010