الاستحمام سبع مرات

الاستحمام سبع مرات
في نهر الأردن
قائد شجاع
موكب عظيم

كان نعمان قائدًا للجيش السوري، وكان عظيمًا وشجاعًا0 ذهب إلى الحرب وعاد إلى بلده بموكب عظيم0 قد قيّد جيشه الآلاف من الأسرى الذين يحملون على ظهورهم ذهبًا وفضة وقمحًا ومحاصيل أخرى، وكانوا يسحبون الجمال والأتن والحملان مع حيوانات أخرى0
 في هذا الموكب ترى السيوف وقد تلألأت، والحراب يمسك بها الجند عاليًا يلوحون بها.
  جاء العظماء وكل الشعب يستقبلون القائد البطل، وهم يصرخون: 
"هوذا بطلنا قادم!
ليحيا القائد العظيم نعمان!
يا لك من شجاع!
يا لك من قوي وعظيم!"
استقبال الملك له 
في عودة نعمان، جاء إليه الملك بمركبته الملوكية ليحيّى البطل الشجاع وجنوده، يرحب بهم بعودتهم إلى وطنهم غالبين.
صرخ الملك وسط الجماهير:
"إننا فخورون بك، وبرجالك العظماء!
لقد جلبت لبلادك مجدًا عظيمًا!
ها أنا أقدم لك مكافأة عظيمة: اثني عشر كيسًا مملوءًا ذهبًا، وأيضًا أسرى!"
كان نعمان فخورًا جدًا، لكنه إذ رأى البعض يحملقون في جلده المضروب بالبرص، صار في كآبة. لقد لاحظ أن كثيرين لا يريدون أن يلمسوه، إذ كانوا يخشون العدوى منه.
عاد نعمان إلى بيته حزينًا للغاية0 فإن المجد والغنى لم يقدرا أن يشبعا قلبه ويفرحاه.
زاره أطباء كثيرون، لكنهم لم يعرفوا كيف يستطيعون أن يعينوه، لأن البرص كان مرضًا لا يمكن شفائه0 كانوا يلوحون بأيديهم، ويهزون رؤوسهم، قائلين: "أيها القائد نعمان، إننا آسفون جدًا، ليس لنا ما نعينك به!"
نعمان والفتاة الصغيرة
عندما هاجم السوريون اليهود، أخذ نعمان بعض الأسرى، من بينهم فتاة صارت تخدم في بيته، وتهتم بزوجته.
لاحظت الفتاة نعمان مصابًا بالبرص، الأمر الذي يسبب إحباطًا لأسرته كلها، فاشتاقت أن تصنع شيئًا تعين به الأسرة.
في أحد الأيام وجدت سيدتها تصرخ باكية، فسألتها الفتاة العبرية عن السبب.
قالت السيدة:
"زوجى مريض بالبرص.
آه! مجرد التفكير في هذا الأمر يؤرقني.
إنه قائد جيش الملك،
لكنه بالمرض يفقد سعادته وبهجة الحياة!"
قالت الفتاة لسيدتها:
"كنت أود لو أن سيدى يعيش في السامرة؛
فإنه يوجد هناك نبي،
رجل الله، يدعى أليشع،
يستطيع أن يصلي لأجله،
فيشفيه الله في الحال".
كان أليشع يعيش في أرض يحسب السوريون أهلها أعداء لهم، ولم يكن بالأمر السهل أن يقبل القائد البطل أن يذهب إليهم بمذلة، وفي نفس الوقت كان يشتاق أن يُشفى بأية وسيلة".
قالت السيدة للفتاة:
"هل تظنين هذا أن النبي أليشع يقدر أن يشفي رجلي؟!
إنني سأخبره حالاً،
وأنا أثق أن الملك يسمح له بالذهاب،
لأنه يحبه جدًا، ويثق فيه، ويعتمد عليه".
لقاء مع أليشع
إذ سمع ملك سوريا عن النبي اشتاق أن يعين قائده المريض. قال له: "حتمًا تستطيع أن تذهب إليه؛ إنني أرسل خطابًا إلى ملك إسرائيل" ؛ ثم أعطاه الخطاب، جاء فيه: "أرجوك أن تشفي الرجل من البرص!"
أسرع نعمان إلى السامرة يحمل الرسالة الملوكية، وقد أخذ معه ذهبًا وفضة وثيابًا جديدة. وكان في الطريق يحلم. "إني أعجب كيف يصلي الرجل. هل يقف باعتزاز ويلوح بيديه ويصرخ عاليا؟!"
جاء نعمان إلى حضرة الملك في إسرائيل ، وإذ قرأ الملك الرسالة اضطرب جدًا، قائلاً:
"ما هذا؟
ألعلي أنا هو الله الذي له القوة ليهب الحياة وينتزعها، حتى يرسل لي هذا الرجل أن أشفى إنسانًا من البرص؟!
بلى، إنها مصيدة0
إنه يود أن يدخل معي في معركة،
هذا هو ما يعنيه 
إن لم أشفِ قائده يأتِ بالتأكيد ويحاربني".
إذ سمع أليشع بالأمر بعث رسالة إلى الملك: "ليأتِ هذا الرجل إلىّ، فسيعرف أنه يوجد نبي الله في إسرائيل".
ذهب نعمان إلى بيت أليشع بموكبه العظيم من الخدم وأتباعه0 وكانت ضربات قلبه تتزايد جدًا. كان يقول في داخل نفسه:  "هيا  يا رجل اللّه، اخرج سريعًا وصلِ، واشفني اليوم". لقد توقع أن يأتي إليه النبي ويحّييه، لكن أليشع أرسل خادمًا ليحيّى هذا الرجل العظيم القادم من سوريا.
قيل لنعمان: "اذهب واغتسل في نهر الأردن سبع مرات، فتُشفى.
أصيب نعمان بحالة احباط، وقال في نفسه:
"حسنًا0 كنت أظن أنه يخرج إلىّ،
ويقف ويدعو اسم الرب إلهه،
ويضع يده علىّ ويشفيني. 
ولماذا أذهب إلى نهرهم الأردن؟
هل يمكن لهذا النهر المملوء طينًا أن يُقارن بأنهارنا؟
أليست أنهارنا بدمشق أفضل من كل مياه إسرائيل؟!
لدينا نهران جميلان في دمشق.
أليس نهرنا المحبوب أبانة، كالكريستال النقي،
وأيضَا فرعه فرفر العجيب؟!
أما كان يمكنني أن أذهب واستحم فيهما؟!
إنني لم أقطع هذه الرحلة الطويلة جدًا لأستحم اليوم!"
انطلق نعمان راجعًا وهو في حالة ثورة. لكن واحدًا من خدامه قال له: "آه، أرجوك أن تنفذ ما قاله لك النبي، فإنك بلا شك كنت تطيعه دون تردد لو أنه سألك أمرًا صعبًا؛ أليس كذلك؟"
أدرك نعمان أن خادمه هذا على حق، فاتجه نحو الأردن، ونزل فيه. غطس مرة وسبح حول نفسه ثم صعد إلى الشاطيء0 تطلع إلى جسده فلم يجد تغييرًا ما على جلده0 قال في نفسه: "لأجرب للمرة الثانية"، ثم غطس للمرة الثانية وسبح. تكرر الأمر للمرة الثالثة فالرابعة 
والخامسة ثم السادسة ، وفي هذا كله لم يطرأ أي تغيير. قال: "هل الاستحمام مرة أخرى يشفي جسدي؟!.. وليكن، سأجرب!"
ألقى نعمان بنفسه في النهر للمرة السابعة، ثم قفز إلى الشاطيء، وإذا به يجد نفسه قد برأ تمامًا من برصه الذي اختفى، 
وقد عاد جسمه كطفل صغير .
عاد نعمان إلى أليشع النبي، ووقف أمامه في اتضاع ، يقول له :"الآن علمت إنه لا يوجد في الأرض كلها إله مثل إلهك".
حاول نعمان أن يقدم هدية لأليشع النبي، لكن النبي رفض... 
عاد نعمان فرحًا إلى الملك وإلى زوجته والفتاة الصغيرة الأسيرة ،وكان يسبح الله ويشكره .
دخلت الفتاة إلى حجرتها وركعت تصلى أمام الله، قائلة:
"أشكرك يا رب لأنك شفيت سيدي نعمان.
لتشفِ كل مريض في العالم،
ولتعزِ كل حزين،
ولتشبع احتياجات كل إنسان.
أشكرك يا رب لأنك اجتذبت نعمان إليك.
متى أرى العالم كله يحبك؟!"


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010