من أقوال مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث
الذي يبرر نفسه، يبقى دائماً حيث هو، لا يصلح من ذاته شيئاً،
لأن ذاته جميل في عينيه بلا عيب، أما الذي يحاسب نفسه بدقه،
ولا يعذر نفسه مطلقاً مهما كانت الظروف،
فهذا هو الشخص الذي يمكن أن يتخلص من عيوبه معترفاً بنقائصه
كان اﻷب اﺳﺤﻖ، رﺟﻠًﺎ ﺑﺎرًا وﺗﻘﻴًﺎ. كان ﻳﺪرس اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻤﻘﺪس ﻟﻴﻠًﺎ وﻧﻬﺎرًا ﻳﻄﺒّﻖ ﺑﺪﻗّﺔ كل أواﻣﺮﻩ. وﻗﺪ ذاع ﺻﻴﺘﻪ وﻗﺼَﺪَﻩ اﻟﻨﺎس ﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ ﻳﺴﺘﺸﻴﺮوﻧﻪ. و ﻓﻴﻤﺎ كان ﻳﺘﻘﺪّم ﺑﺎﻟﺴﻦ كان ﻳﺸﻌﺮ ﺑﺘﻌﺎﻇﻢ رﻏﺒﺘﻪ ﻓﻲ أن ﻳﺮى أﺧﻴﺮًا ذﻟﻚ اﻹﻟﻪ اﻟﺬي كان ﻳﺨﺪﻣﻪ ﻣﻨﺬ ﺳﻨﻴﻦ ﻃﻮﻳﻠﺔ. ذات ﻣﺴﺎء، ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻳﺘﻤﺎﻟﻚ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﺼﻠّﻰ هكذا: ﻳﺎ ربّ، إﻟﻪ ﺁﺑﺎﺋﻲ، اﺻﺮف وﺟﻬﻚ ﻋﻦ ذﻧﻮﺑﻲ، أﻧﻈﺮ إﻟﻲّ ﻧﻈﺮة ﺗﻌﻄّﻒ. وإذا كنت ﻗﺪ وﺟﺪت ﺣﻈﻮة ﻓﻲ ﻋﻴﻨﻴﻚ، ﻓﺎﻣﻨﺤﻨﻲ ﻧﻌﻤﺔ أﺧﻴﺮة: اﺳﻤﺢ ﺑﺄن أرى وﺟﻬﻚ وﻟﻮ ﻟﻠﺤﻈﺔ واﺣﺪة، ﻗﺒﻞ وﻓﺎﺗﻲ. ﺣﻴﻨﺬاك أرﻗﺪ ﺑﻨﻔﺲ
ﻣﻄﻤﺌﻨﺔ رﻗﺎدي اﻷﺧﻴﺮ
ﻓﺴُﻤﻊ ﻣﻦ أﻋﻠﻰ اﻟﺴﻤﺎء ﺻﻮت اﻟﻘﺪوس، ﺗﺒﺎرك اﺳﻤﻪ، ﻳﻘﻮل: ﻳﺎ اﺳﺤﻖ، ﺧﺎدﻣﻲ اﻷﻣﻴﻦ، ﻓﻠﻴﻜﻦ ﻟﻚ ﻣﺎ ﻃﻠﺒﺘﻪ، ﻓﻐﺪًا ﻋﻨﺪ ﻋﻮدﺗﻚ ﻣﻦ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ، كن ﻣﺴﺘﻌﺪًا، ﻓﺈﻧﻨﻲ ﺳﺄوﻣﺊ إﻟﻴﻚ
ﻓﻐﻤﺮ اﻟﻔﺮح اﻷب اﺳﺤﻖ واﺳﺘﻌﺪّ ﻟﻠﻘﺎء رﺑﻪ، ﺑﺎﻟﺼﻴﺎم وﻗﺮاءة اﻟﻜﺘﺎب. وإذ أﻗﺒﻞ اﻟﻐﺪ، أﺳﺮع إﻟﻰ ﻣﻐﺎدرة اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ وﻗﻔﻞ راكضاً إﻟﻰ ﻣﻨﺰﻟﻪ
كاﻧﺖ ﺣﺮكة كبيرة ﺗﺪبّ ﻓﻲ اﻟﺒﻴﺖ. واﺳﺘُﻘﺒﻞ اﻟﺮﺟﻞ ﺑﻬﺘﺎﻓﺎت اﻟﻔﺮح . ﻓﻤﻨﺬ ﻗﻠﻴﻞ كاﻧﺖ كنته ﻗﺪ وﺿﻌﺖ ﻗﺒﻞ ﻣﻴﻌﺎدها ﻓﺄﻧﺠﺒﺖ أول أﺣﻔﺎدﻩ. وﺻﺎح ﺑﻪ اﺑﻨﻪ اﻟﺒﻜﺮ ﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ: ﺗﻌﺎل واﻧﻈﺮه. وﻟﻜﻨﻪ دﻓﻌﻪ ﻣﻦ ﻃﺮﻳﻘﻪ وهو ﻳﻐﻤﻐﻢ: ﺣﺴﻨا، ﺣﺴﻨا ﺟﺪًا. ﺳﻨﺘﺮك اﻷﻣﺮ ﻟﻤﺮة أﺧﺮى، واﻧﺪﻓﻊ إﻟﻰ اﻟﺴﻠّﻢ اﻟﻤﺆدّي إﻟﻰ اﻟﺴﻄﺢ ﺣﻴﺚ كان ﻣﻦ ﻋﺎدﺗﻪ أن ﻳﺼﻠّﻲ. واﺧﺘﻔﻰ ﻓﻴﻪ ﺑﻌﺪ أن ﻣَﻨَﻊَ ﺑﺼﺮاﺣﺔ أن ﻳﺰﻋﺠﻪ أﺣﺪ، ﺣﺘﻰ وﻟﻮ كان ذﻟﻚ ﺑﺪاﻋﻲ ﺣﻤﻞ اﻟﻄﻌﺎم إﻟﻴﻪ
ﻓﻴﻤﺎ كان ﻳﺼﻌﺪ اﻟﺪرﺟﺎت ﺑﺄﺳﺮع ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ، اﺻﻄﺪم ﺑﺄﺣﺪ ﺗﻼﻣﻴﺬﻩ، اﻟﺬي هتف ﺑﻪ ﻗﺎﺋﻠًﺎ: إن ﺻﺪﻳﻘﻲ ﻗﺪ اﺗﻬﻢ زورًا. ﻓﺈن ﻟﻢ ﺗﺄتِ ﻟﺘﺪاﻓﻊ ﻋﻨﻪ، ﺳﻴﺪﻳﻨﻪ ﻗﻀﺎة ﻇﺎﻟﻤﻮن. أﺗﻮﺳﻞ إﻟﻴﻚ، ﻓﻠﻨﺬهب كلاﻧﺎ دون أي ﺗﺄﺧﻴﺮ! وﻟﻜﻨﻪ ﺻﺎح ﺑﺄﻋﻠﻰ ﺻﻮﺗﻪ: ﻣﺴﺘﺤﻴﻞ اﻟﻴﻮم، وﻗﺪ أﺧﺬﻩ رﻋﺐ ﻣﺠﻨﻮن ﻟﺪى ﺗﻔﻜﻴﺮﻩ ﺑﺎﺣﺘﻤﺎل ﺗﻔﻮﻳﺖ ﻣﻮﻋﺪﻩ
وﻟﻤﺎ ﺻﺎر وﺣﺪﻩ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻄﺢ، أﺧﺬ ﺑﺎﻟﺼﻼة واﻧﺘﻈﺮ. اﻧﺘﻈﺮ كل ﻓﺘﺮة اﻟﺼﺒﺎح، اﻧﺘﻈﺮ كل ﻓﺘﺮة ﺑﻌﺪ اﻟﻈﻬﺮ. وﻟﻜﻦ اﻟﻘﺪوس، ﺗﺒﺎرك اﺳﻤﻪ، ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻴُﻈﻬﺮ ذاﺗﻪ ﺑﻌﺪ. ﻓﻜّﺮ، ﻻ ﺑﺪ أن ﺻﻼﺗﻲ ﺗﻨﻘﺼﻬﺎ اﻟﺤﺮارة. ﻗﺪ أكون أﻃﻠﺖ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻓﻮق اﻟﻠﺰوم ﻣﻊ اﺑﻨﻲ أو ﺗﻠﻤﻴﺬي. ﻗﺪ ﺗﻜﻮن أﺻﻮات اﻟﺸﺎرع ﺗﺪﻓﻌﻨﻲ إﻟﻰ اﻟﺸﺮود. ﻟﺬا ﺻﻤّﻢ أن ﻳﺴﺠﺪ وأن ﻻ ﻳﺒﺪي ﺣﺮاكاً ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ ﻣﻬﻤﺎ ﺣﺼﻞ
وﻟﻜﻨﻪ ﻋﺒﺜًﺎ ﺣﺎول ﺳﺪّ أذﻧﻴﻪ ﻋﻦ اﻟﺼﺮاخ واﻟﻀﺠﻴﺞ اﻟﻠﺬﻳﻦ ﺗﺼﺎﻋﺪا ﻓﺠﺄة ﻣﻦ اﻟﺴﻠّﻢ، ﻓﻠﻢ ﻳﺴﻌﻪ ﺗﺠﻨّﺐ ﺳﻤﺎع اﻟﺼﻮت اﻟﺬي كان ﻳﺼﻴﺢ ﻓﻲ أذﻧﻪ ﺑﻨﺒﺮة ﺛﺎﻗﺒﺔ: ﺑﺎﺳﻢ اﻹﻟﻪ اﻟﺤﻲّ، ارﺣﻤﻨﻲ ﻳﺎ ﺳﻴّﺪ، أﻋﻄﻨﻲ ﻗﻠﻴﻠًﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﺎل، ﻓﺄﻧﺎ ﻣﺤﺮوم ﻣﻦ كل ﺷﻲء وأﻧﺖ ﻏﻨﻲ. وﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﺠﺐ ﺣﺘﻰ وﻻ ﺑﺮﻓﻊ رأﺳﻪ. وكان اﻧﻔﺮاﺟﻪ ﻋﻈﻴﻤًﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺳﻜﺘﺖ أﺧﻴﺮًا أﻧّﺎت اﻟﺪﺧﻴﻞ وﻗﺪ ﻃﺮدﻩ اﻟﺨَﺪَم ﺑﻀﺮﺑﺎت كبيرة
ﻋﺎد اﻷب اﺳﺤﻖ إﻟﻰ اﻧﺘﻈﺎرﻩ اﻟﻤﻨﻔﺮد. ﺣﻞّ اﻟﻤﺴﺎء ﺛﻢ هبط اﻟﻠﻴﻞ ، وﻟﻜﻨﻪ كان ﻻ ﻳﺰال وﺣﻴﺪًا. وأﺧﻴﺮًا اﻧﻔﺠﺮ ﻳﺄﺳﻪ. ﻓﻤﺰّق ﺛﻴﺎﺑﻪ وﺷﻜﺎ ﺑﺤﺮارة: ﻣﺎذا ﻓﻌﻠﺖُ ﺑﺤﻘّﻚ، ﻳﺎ اﻟﻬﻲ، ﺣﺘﻰ اﻧﻚ ﻧﺴﻴﺘﻨﻲ ﻋﻠﻰ هذا اﻟﻤﻨﻮال؟ كيف ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻬﻤﻞ أﻧﺖ ﻋﻠﻰ هذه اﻟﺼﻮرة ﻣﺎ ﻗﻄﻌﺘﻪ ﻣﻦ وﻋﻮد؟
ﻋﻨﺪ ذاك ﺳُﻤﻊ ﻣﻦ أﻋﻠﻰ اﻟﺴﻤﺎء ﺻﻮت اﻟﻘﺪوس ﺗﺒﺎرك اﺳﻤﻪ، ﻳﻘﻮل ﺑﺼﺮاﺣﺔ: ﻟﻢ أﻧﺴﻚْ ﻳﺎ اﺳﺤﻖ. ﻋﻠﻰ دﻓﻌﺘﻴﻦ، أرﺳﻠﺖُ بطلبك
وﻓﻲ اﻟﻤﺮة اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ أﺗﻴﺖُ ﺑﻨﻔﺴﻲ. وﻟﻜﻨﻚ ﻟﻢ ﺗﺼﻎِ إﻟﻲّ ﻗﻂ، وﻗﺪ ﺗﺮكتني أُﻃﺮد ﻣﻦ ﺑﻴﺘﻚ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.