الشيزوفرينيا الروحية

أصل تسمية الفصام كان يسمى سابقاً بمرض العَتَه المبكر إلى أن أعطاه الدكتور بلويلر عام 1911 التسمية المتعارف عليها حالياً بالشيزوفرينا «Schizophrenia» وهذا المصطلح مشتق من الكلمتين اللاتينيتين «Schiz» ومعناها الانقسام و «Phrenia» ومعناها العقل.

يقصد بمرض الفصام "الشيزوفرينيا" ضعف الترابط الطبيعي المنطقي بالتفكير، ومن ثم السلوك والتصرفات والأحاسيس. فيمكن للشخص نفسه أن يتصرف ويتكلم ويتعامل مع الناس بطريقة تبدو طبيعية تماماً في بعض الأحيان، ولكنه قد يقوم ببعض التصرفات الغريبة وكأنه شخص آخر في أحيان أخرى. كل هذا يكون بسبب الضلالات التي تنتاب هذا المريض وما يصاحبها من تهيؤات وأوهام يتهيأ له أنها تحدثه أو تأمره بالقيام بأفعال غير منطقية.

و الشيزوفرينيا الروحية هى تلك التى تنتاب معظمنا - و خاصة الخدام و المرتبطين بالكنيسة - فتراهم داخل الكنيسة و كأن التقوى و الورع يكاد يشع من عيونهم، فى حين أنك تراهم خارج الكنيسة فى حالة أخرى أقرب ما تكون إلى من نسيميهم أولاد الشوارع. و هو يعتبر نوع من أنواع الشيزوفرينيا التى سبق تعريفها فى الفقرة السابقة. فإن كانت الشيزوفرينيا كمرض تنتج من ضعف الترابط الطبيعى المنطقى بالتفكير، فالشيزفرينيا الروحية تنتج بسبب ضعف الترابط الطبيعى بين الانسان و الله. فبينما نجد أن الوحى الإلهى يكلمنا قائلاً "فى كل شئ نظهر أنفسنا كخدام الله" ( 2 كو 6 : 4 ) إلا أننا نقتصر ظهرونا كخدام الله داخل الكنيسة فقط. أما خارج الكنيسة فتنابنا صفات أخرى لا تمت بصلة للمسيحية ولا للروح القدس الذى فى داخلنا و كأننا قد حبسنا الله داخل جدران الكنائس و حينما نقابله نظهر له الوجه الذى يرضيه، بينما نحن خارج الكنيسة لا نرى الله فنظهر الوجه الآخر.

و لذلك حينما نرى الانسان داخل الكنيسة نظنه قد إقترب من درجة القداسة. و لماذا لا و هو الذى يسبح مثل الملائكة، حافظاً لتراث الكنيسة من الألحان، قوياً كالصخرة فى أرثوذوكيسته، مواظباً على ممارسة وسائط النعمة من توبة، و إعتراف، و حضور القداسات، و التناول من جسد و دم المسيح إلهنا. و لكن هؤلاء "لهم صورة التقوى ولكنهم منكرون قوّتها" ( 2 تى 3 : 5 ) فلقد أصبحوا "نحاساً يطن او صنجاً يرن" ( 1 كو 13 : 1 ). فهم مثل جهاز التسجيل يرددون الألحان و الصلوات و لكنهم لا يفهمون ما يرددونه، أو مثل القرص الصلب (HARD DISK) فى جهاز الكمبيوتر يحفظون عن ظهر قلب الكتاب المقدس، و القوانين الكنسية، و سير القديسين، و الطقوس و لكنهم لا يؤمنون بها. و نسمع صوت الله فى سفر الرؤيا يخاطبنا قائلاً "أنا عارف أعمالك إنك لست بارداً ولا حاراً . ليتك كنت بارداً أو حاراً. هكذا لأنك فاتر ولست باردا ًولا حاراً أنا مزمع أن أتقيأك من فمي" ( رؤ 3 : 15 ، 16 ). بل أنى أقول بضمير مرتاح أن الشيطان حاله أفضل من هؤلاء المصابين بالفصام الروحى حيث أن موقفه ثابت ولا يعرج بين الفرقتين ( 1 مل 18 : 21 ). فهو يتبع الله فى الكنيسة، و يتبع البعل خارج الكنيسة.

و إن كان مرض الشيزوفرينيا حتى الآن يعتبر مجهول الأسباب، إلا إننا سنورد بعض الأسباب التى تقودنا إلى مثل هذا المرض الروحى الخطير:

1- الذات و الكبرياء: ففى داخل الكنيسة نحن نظهر كخدام الله حتى يمتدحنا الناس، و حتى ينظرون إلينا نظرة المنبهر المعجب بقداستنا المصطنعة. أما فى خارج الكنيسة فنحن نساير أبناء هذا العالم فى تصرفاتهم، و سلوكهم، و خطاياهم حتى نرضى أبناء هذا العالم و نصير من المحبوبين و المقربين لهم.

2- النسيان: فنحن ننسى أننا هيكل الله و روح الله يسكن فينا ( 1 كو 3 : 16 ) و لكننا نسنى ذلك. كما إننا نسنى وصايا الله و هذا ناتج من عدم محبة الله من كل القلب. فالذى يحب الله يحفظ وصاياه ( يو 14 : 15 ، 21 ). و وصايا الله ليست قاصرة فى تنفيذها داخل جدران الكنيسة. فالكنيسة فى حد ذاتها ما هى إلا مبنى تمارس داخله الصلوات و الخدمات، و لكن مفهوم الكنيسة العميق هو جماعة المؤمنين الذين يمارسون هذه الصلوات و الخدمات. و ما دامت وصايا الله صالحة لكل مكان إذاً فالكنيسة فى كل مكان نتواجد فيه لأننا نحن أنفسنا "هيكل الله الحي كما قال الله إني سأسكن فيهم وأسير بينهم وأكون لهم الهاً وهم يكونون لي شعباً" ( 1 كو 6 : 16 ). فلو كان يسكن فينا و يسير بيننا فهذا يعنى إنه معنا داخل و خارج الكنيسة. فهل الله يسير بيننا داخل الكنيسة، و حينما نخرج من الكنيسة نترك الله داخلها؟! حاشا!

و علاج هذا المرض الخطير فى منتهى البساطة مثله مثل أى مرض و تنحصر فى ثلاث نقاط:

1- الاحساس بأننى مريض و محتاج للعلاج: فإن لم تشعر أو لم تعترف بأنك مريض فسوف لا تقتنع بجدوى العلاج. و هذه الخطوة لا تأتى إلا بمحاسبة النفس. يجب أن أجلس مع نفسى كما فعل الابن الضال و أحاسب نفسى. هل أنا أظهر نفسى كخادم الله فى كل شئ؟! و يجب أن أكون صارماً مع نفسى، غير مدلل لها، ولا ألتمس لها أعذار.

2- الذهاب إلى الطبيب: و الطبيب الروحى هنا هو أب الاعتراف الذى شأكشف له عن مرضى حتى يصف لى العلاج المناسب.

3- المواظبة على العلاج: فما جدوى إن كنت قد عرفت أننى مريض، و ذهبت إلى الطبيب دون أن أواظب على العلاج؟! حسن فعلت بالجلوس مع نفسى، و حسن فعلت بالذهاب إلى الطبيب. و لكن كل هذا لن يؤتى ثمره دون المواظبة على القانون الروحى (العلاج) الموصوف بواسطة أب الاعتراف. و كثير مننا يذهب ليعترف و لكنه لا ينفذ القانون الروحى. و هذا يحدث إما للتراخى، أو لأن الذات فينا مرتفعة بعض الشئ فنظن أنفسنا أكبر روحياً من تنفيذ القانون الروحى.

ربنا يعطنا ألا نصاب بهذا المرض الخطير الذى طالما فقد بسببه كثيرين أبديتهم و يجب أن نعلم أن أول و أخطر أسباب هذا المرض الخطير هو الكبرياء ظانين إننا أقوى من الوقوع فى مثل هذا المرض الروحى متناسين أن خطية "طرحت كثيرين جرحى وكل قتلاها اقوياء" ( أم 7 : 26 ).

يا رب إرحمنى
God bless you Hazam, it is very useful subject for all generations.

Be merciful to me, God; be merciful to me because I come to you for protection.
`17`

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010