توبة غير مقبولة

معروف إنه لا يوجد خطية بلا مغفرة إلا التى بلا توبة. و طالما أعطانا الله فرصة فى الحياة فكل يوم يعتبر فرصة للتوبة. و هو يعطنا زماناً للتوبة لكى نتوب. و لكن هل كل توبة مقبولة من الله؟! هذا السؤال قد يبدو لكثيرين أن إجابته هى (نعم) لأن باب التوبة مفتوح كل حين كما قال رب المجد "من يقبل اليّ لا أخرجه خارجاً" (يو 6 : 37). و يستدلون بذلك على قبول رب المجد يسوع المسيح توبة اللص اليمين فى لحظة حينما خاطبه قائلاً "أذكرنى يا رب متى جئت فى ملكوتك". فأجابه السيد المسيح قائلاً "اليوم تكون معى فى الفردوس" (لو 23). لذلك فالتوبة مقبولة فى أى وقت حتى لو على فراش الموت.

و لكن ...

يؤسفنى أن أقول أن هناك صلاة وتوبة غيرمسموعة و غير مقبولة أمام عرش النعمة. لذلك حينما يخاطب الشعب و "يقولون لماذا صمنا ولم تنظر . ذللنا انفسنا ولم تلاحظ" (إش 58 : 3) فيجيبهم الله قائلاً "فحين تبسطون أيديكم أستر عينيّ عنكم وإن كثرتم الصلاة لا أسمع. (لماذا؟!) ايديكم ملآنة دماً" (إش 1 : 15). بل أن بولس الرسول يقول عن عيسو "لم يجد للتوبة مكاناً مع إنه طلبها بدموع" (عب 12 : 17).

و يذكر سفر اللاويين من الحيوانات و الطيور النجسة المحرم على شعب إسرائيل أكلها "البوم والغوّاص والكركي" (لا 11 : 17). و يفسر لنا القديس القس منسى يوحنا لماذا هذه الطيور بالتحديد قائلاً:
1- البوم طائر يعيش طول اليوم نائماً و لا ينشط إلا فى الليل. مثله مثل الانسان الذى يعيش طول عمره بلا أعمال صالحة و لا ينشط سوى قرب فى آخر عمره.
2- الغواص طائر له رائحة فم كريهة جداً، و لكن بعد موته تستخرج مادة طيبة الرائحة من غدة فى فمه. مثله مثل من يعيش طول عمره فى الخطية، و لكنه يبدأ فى عمل الخير عند موته أو بعد موته كأن يتبرع بأمواله للمحتاجين مثلاً.
3- الكركي طائر لا يصيح طول عمره، و لكن عند موته يصيح بصوت عذب جداً. مثله مثل من لا يكلم الله و لا يصلى إلا و هو يحتضر و يموت يبدأ فى طلب المغفرة على خطاياه.

لقد أورد الله هذه الطيور الثلاثة فى الطيور النجسة التى لا يأكل منها شعب الله رمزاً لعدم قبول الله توبة من يقدمها فى آخر أيامه. و هناك قصة تحضرنى أود أن أرويها لكم.

تحكى القصة عن رجل بخيل جداً، لا يعرف شئ عن فضيلة العطاء. و طالما ما كلمه إبنه فى إن الصدقة و العطاء فضيلة تشفع له يوم الدينونة. فكان يقول الأب لإبنه أن يقدم صدقة باسمه بعد أن يموت. و طالما أراد الابن أن يقنع والده، و لكن الأب كان يصم آذانه. و فى إحدى الأيام كان يسير الأب و إبنه معه فى طريق مظلم، و كان الابن يحمل فانوس ليضئ الطريق. فتعمد الابن أن يسير خلف والده و هو يحمل الفانوس. فقال الأب لإبنه: "ما لك تسير متأخراً و أنت تحمل الفانوس؟! النور خلفى و لا أرى أمامى فكأنه بلا فائدة". و كأن الولد كان ينتظر هذا الطلب من أبيه فاندفع يقول: "هكذا يا أبى أعمال الخير التى تتبع الانسان لا تنفعه بعد موته، كما أن النور لا ينفعك طالما كان خلفك".

و لكن لماذا لا يقبل الله التوبة فى آخر أيام الانسان؟! الموضوع باختصار أن هذا الانسان يتوب لسبب من إثنين:
1- إما إنه يتوب عن خطية لم يعد له القدرة على فعلها. كأن يكون إنسان قاتل حكم عليه بالاعدام. هذا الانسان إنما يقدم توبة فقط حتى يسرق الفردوس، لا لإنه نادم فعلاً عن خطيته. و هو يندم و يتوب عن القتل لأنه لم يعد له القدرة على قتل أى أحد بعد أن صار فى السجن منتظراً تنفيذ حكم الاعدام. أو كأن يتوب إنسان عن خطية الزنا بعد أن شاخ و لم يعد يقوى على ممارسة هذه النجاسة بحكم تقدمه فى السن. هذا الانسان يتوب عن خطية بعد أن شبع بها ما دام كانت فيه قوة على ممارستها. أما الآن فهو يتوب عن خطية شبع منها تماماً و أرضى شهوته ضارباً بكل الوصايا عرض الحائط. و ها هو يتوب عنها لأنه لا يقوى على ممارستها فى هذه السن. أو كأن يسقط لص من على المواسير أثناء محاولته لسرقة إحدى الشقق. فهل سيقبله الله لو صرخ و هو فى الهواء "أذكرنى يا رب متى جئت فى ملكوتك" قائلاً له "اليوم تكون معى فى الفردوس"؟!! بالطبع هذا كلام غير منطقى و يتنافى مع عدل الله.
2- النوع الثانى هو نوع يتوب عن الخطية ليسرق الفردوس و يهرب من نار جهنم و العذاب الأبدى. و هذا النوع يبدى توبته بدموع و هو على فراش الموت صارخاً أن يرحمه الله و يغفر له ذنوبه التى عملها. هذا النوع لا يحب الله. و لكنه يريد أن يربح العالم كله، و فى نفس الوقت لا يخسر نفسه. فهو يريد أن يتمتع بملذات الحياة على الأرض، و أن يتمتع بالفردوس أيضاً. و هو حقيقة ليست رغبة فى التمتع بالفردوس بقدر ما هو رعب من نار جهنم. و هذا النوع يؤجل التوبة فى شبابه حتى يشيخ و يقدم التوبة عند موته أملاً فى الهروب من الجحيم إلى الفردوس. و الله ليس بساذج ليخضع لعملية النصب هذه من قبل هؤلاء من يظنون أنهم سيربحون كل شئ بذكائهم. فالله كل يوم يعطهم فرصة للتوبة، و لكنهم ينطبق عليهم قول الكتاب "أم تستهين بغنى لطفه وإمهاله وطول أناته غير عالم أن لطف الله إنما يقتادك إلى التوبة؟!" (رو 2 : 4).

و قد يسأل البعض كيف قبل الله توبة اللص اليمين، و القديسة بائيسة التى تابت فى ساعاتها الأخيرة؟! بالنسبة للص اليمين فلقد قال فيه أحد الآباء القديسين أن الله جعله الأول و الأخير من نوعه. لقد جعله أول من يسرق الفردوس فى لحظة حتى لا ييأس كل من يريد التوبة الحقيقية، و جعله الأخير حتى لا يطمع كل منافق فى الفردوس ظاناً إنه قد يكسبه بكلمات قليلة ينطقها عند موته. أما فى حالة القديسة بائيسة فقد ماتت و هى فى ريعان شبابها و لم تكن تعرف أن ساعتها قد جاءت. هذه القديسة ماتت بعد أن قدمت توبتها بصدق مستعدة أن تحيا عمرها كله فى الطهارة و النقاوة. و لقد رأى الله صدق توبتها، و إستقبل دموعها كرائحة بخور طيبة.

و لكن ...
قد يسأل البعض قائلاً: هل كل توبة ساعة الموت غير مقبولة؟! فيجيبهم الله "أنا الرب فاحص القلب مختبر الكلى لأعطي كل واحد حسب طرقه حسب ثمر أعماله" (أر 17 : 10). إن كانت التوبة من كل القلب بندم حقيقى عن الشر فالله يقبل هذه التوبة حتى و إن كانت فى الهزيع الأخير. أما لو كانت هذه التوبة عملية نصب يحاول بها الانسان الهروب من عذاب جهنم حيث نار لا تنطفئ و دود لا يموت فهو حالم. فالله عادل و ليس بساذج حتى يخدعه بشر أملاً فى ربح الدنيا و الآخرة.

فلنسرع جميعاً و لنتب الآن لأننا لا نعرف ماذا سيكون غداً، و لا نؤجل التوبة لأننا لا نضمن أن نعيش للحظة التى نتمنى أن نتوب فيها.

و أود أن أختم بقصة قرأتها تقول أن أحد الشباب صلى لله حتى يعلمه بساعة إنتقاله، و كان يصلى كثيراً حتى يعلمه الله بهذه الساعة. و أخيراً ظهر له ملاك و قال له إنه سوف يموت بعد ثلاث سنوات. فرح الشاب جداً و قرر أن يعيش حياة الخطية و الملذات الأرضية لمدة سنتين، و فى السنة الثالثة يقدم توبة بدموع حتى يرث الملكوت. و بالفعل إنطلق هذا الشاب ينهل من كل الملذات الآرضية لمدة سنيتين كاملتين. و فى سهرة ليلة رأس السنة الثالثة قرر أن يسهر سهرة الوداع للملذات ليبدأ التوبة من اليوم التالى فى بداية السنة الجديدة. سهر و سكر و خلاعة و مجون و زنا. و فى آخر السهرة إستقل سيارته عائداً لبيته حتى ينام و يصحو ليقدم توبة عن خطاياه. و لكن واأسفاه! فى طريق العودة إصطدمت سيارة الشاب بسيارة نقل كبيرة فتحطمت سيارته، و إنتقل الشاب إلى المستشفى يعانى إصابات خطيرة فى المخ. و على أثر هذه الاصابات دخل الشاب فى غيبوبة لمدة كبيرة. و فى ليلة رأس السنة كان الجميع يحتفلون بينما روح الشاب كانت تفارقه إلى الجحيم حيث ينتظر يوم الدينونة ليلقى به فى جهنم.

يا رب إرحمنا
موضوع مهم فعلا ولفت نظري لحاجات كتير اوي ماكنتش واخد بالي منها لكن دايما بحط في بالى ان ربنا هو الوحيد اللي مطلع على القلوب وفاحص الكلى وهو الوحيد القادر على قبول التوبة .
"أنا الرب فاحص القلب مختبر الكلى لأعطي كل واحد حسب طرقه حسب ثمر أعماله" (أر 17 : 10)

ده ملخص الموضوع. ربنا وحده عارف كل واحد جواه إيه. لكن دى دعوة لعدم تأجيل التوبة.
و لكن ...
قد يسأل البعض قائلاً: هل كل توبة ساعة الموت غير مقبولة؟! فيجيبهم الله "أنا الرب فاحص القلب مختبر الكلى لأعطي كل واحد حسب طرقه حسب ثمر أعماله" (أر 17 : 10). إن كانت التوبة من كل القلب بندم حقيقى عن الشر فالله يقبل هذه التوبة حتى و إن كانت فى الهزيع الأخير. أما لو كانت هذه التوبة عملية نصب يحاول بها الانسان الهروب من عذاب جهنم حيث نار لا تنطفئ و دود لا يموت فهو حالم. فالله عادل و ليس بساذج حتى يخدعه بشر أملاً فى ربح الدنيا و الآخرة



هذه ليست بتوبة ولا نستطيع ان نسميها توبة لانك كما قلت هى محاولة للسرقة وليست بتوبة من اساسه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010