الاستنارة في حياة القديس انطونيوس




الاستنارة في حياة القديس انطونيوس
=======================

عن القديس أنطونيوس يقول بلاديوس:
============================

" كانت طلعته مضيئة بنور الروح القدس، تنم عن نعمة عظيمة وعجيبة، كان متميزا في رصانة أخلاقه وطهارة نفسه وكان يستطيع أن يرى ما يحدث على مسافة بعيدة"

لمحات من حياته :

قروي بسيط يقال أنه أمي، وعندما سأله الفلاسفة عن ذلك قال (من له عقل صحيح لا حاجة به الى المعرفة). وعندما سألوه عن الكتب التي تتلمذ عليها واستقى منها حكمته، أجابهم قائلاً:
" أيها الحكماء إن كتبي هي شكل الذين سبقوني".
ومع ذلك فإن رسائله العشرين لاسيما السبعة الأولى منها، تعكس بوضوح كيف كان هذا الأب مستنيرا. يقول هو نفسه عن تلك الرسائل والمكاتبات فيما بينه وبين تلاميذه (ومنهم رهبان أرسينوى):
"نحن نحتاج الى المعرفة المتبادلة بكلماته البسيطة "

والحقيقة وإن كان الكلام الذى كتبه في رسائله سهلاً بسيطًا كما قال هو، إلا أنه ُمملّح بالروح القدس، فاستمد كلامه قوة من الروح الساكن فيه، فأثر بشكل سرّى في الذين سمعوه أوقرأوا له.

يقول أيضاً لتلاميذه
" ليت اله السلام يعطيكم النعمة وروح الإفراز لتعرفوا أن ما أكتبه إليكم هووصية الرب".
ويطلب بإلحاح أن نطلب ذلك الروح الناري الذى أخذه هو.

ولقد اعتمد القديس على كلمة الله كغذاء وتعزية ومرشد في الطريق، واستخدم فقرات كاملة منها في رسائله. (المزخر فيه كل الحكمة) . أمران أوعاملان استنار بهما الأب أنطونيوس، فانفتحت أمامه آفاق واسعة لانهاية لها:

الروح القدس وكلمة الله

فلم يطفأ الروح الذى ناله في المعمودية، وانما أطاع الوصية الكتابية: " لا تطفأوا الروح " لقد تركه ليتوهج ويبلغ مدى بعيداً، ونال به صفاته وثماره

صفاته : الاستنارة ـ الحكمة ـ الشجاعة ـ المجاهرة.

وثماره : محبة ـ فرح ـ سلام ـ طول أناة ـ لطف ـ صلاح ـ إيمان ـ وداعة ـ تعفف (غلاطية 5 : 22)

ولقد أعانه الروح في كشف ما في كلمة الله من قوة وتعزية ورجاء، ودخل به الى الأبدية، فعاش منتمياً الى هناك وهو ما يزال في مغارته وبين تلاميذه في الجبل الشرقي !
"طوبى لعيونكم لأنها تبصر ولآذانكم لأنها تسمع" (متى 13 : 16)

ان الإعلان لا يأتينا من ذاته ولا نحصل عليه بالجهد البشرى، ولكن بالروح القدس، روح الإعلان الذى يكشف لنا أعماق الكتاب وُيدخلنا في هذه الأعماق، ويضطلع بتفسيره والتعريف بالحكمة التى فيه. هكذا كانت كلمة المسيح التي كشفت للقديس الطريق
" سراج لرجلي كلامك ونور لسبيلي " (مز119 :105)
"وصية جديدة اكتب إليكم ما هوحق فيه وفيكم ان الظلمة قد مضت والنور الحقيقي الآن يضيء" (1يو 2: 8)



كتب عنه بلاديوس :

جاءه بعض الاخوة يسألونه أمراً عسر عليهم فهمه في سفر اللاويين، فاتجه الشيخ على الفور الى الصحراء، أما أنبا آمون والذى كان يعرف عادته فقد تبعه سراً، وعندما وصل الشيخ إلى مسافة بعيدة رفع صوته قائلاً:
" اللهم أرسل الى موسى النبي ليفسر لي معنى هذه الآية ".
وفى الحال سمع صوتاً يتحدث إليه، قال أنبا آمون أنه سمع الصوت لكنه لم يفهم قوة الكلام !
هكذا تمتع أنطونيوس بأشراقات الله على نفسه في وسط الآم الزمان الحاضر.



الإفراز :

يقول لتلاميذه (أذكركم ليلاً ونهاراً لكى يعطيكم الله الإفراز والنظر الجديد، لكى تتعلموا التمييز بين الخير والشر في كل الأشياء، لأنه مكتوب: " اما الطعام القوي فللبالغين الذين بسبب التمرن قد صارت لهم الحواس مدربة على التمييز بين الخير والشر" (عب 5 :14).

ولكن كيف يقتنون التمرن:

شدد القديس انطونيوس كثيراً على تطهير النفس وتقديسها لكى تستنير، في ذلك يقول:
" تتقدس النفس النقية وتستنير بالله من اجل صفائها، عندئذ يفكر ذهنها فيما هوصالح وتنبع عنها ميول وأفعال صالحه ".

يقول أيضاً:
"كما يكون الجسد أعمى بدون العينين فلا يعاين الشمس المنيرة على الأرض والبحر ولا يقدر ان يتمتع بضيائها، هكذا تكون النفس عمياء بدون العقل السليم والحياة الصالحة، فلا يكون لها معرفة بالله ولا تمجد الخالق صانع الخيرات للبشرية كلها، ولا تقدر ان تتمتع بالفرح عن طريق حصولها على عدم الفساد ونوالها تطويباً أبديا).

إذا فالنور موجود .. علينا فقط إلا نطفئه "لا تطفئوا الروح " (تسالونيكي الأولى 5 :19)

(تعاين العين ما هومنظور ويدرك العقل ما هومنظور فالعقل المحب لله هو‘مفرز للنفس)[7]



الحروب مع الشياطين:

رأى القديس في رؤياه المصابيح المضيئة المحيطة بالرهبان وملائكة يحرسونهم بسيوف، فتنهد قائلا : ومع ذلك فالشياطين تحاربهم، فأجابه صوت
" إن الشياطين لا تقوى على أحد، لأني منذ تجسدتُ سحقت قوتهم عن البشريين".
ولكن كل إنسان بإرادته يقبل عوض الشيطان أو يرفضها، فالشيطان يعرض دون أن يفرض.

هكذا أدرك القديس منذ البداية انهم ضعفاء بسبب سقوطهم مثل البرق، ومثل أسد واجهه ُمصارع جبار أثخنه بالجراح وتركه متهالكا .. ليلهو به أطفاله. ولكن القديس عرف في الوقت ذاته ان الاتضاع هوسر النصرة ..وقد سخر منهم كثيرا ولكن باتضاع. سألهم ذات مرة عندما تجمهروا عليه يريدون ازعاجه: أيها الأقوياء ماذا تريدون منى أنا الضعيف ؟. وفي مرة أخرى و عندما تجمهروا عليه مرة ُاخرى: ألم أقل لكم أنني ضعيف، فعلام تجمهركم ؟ !.



يقول لتلاميذه
(لا أمل الطلبة عنكم ليلا ونهاراً، لكى يفتح الرب عيون قلوبكم وتعرفوا مكر الشياطين وخداعهم وشرهم، وأن يعطيكم قلبا صاحيا وروح إفراز لكى تستطيعوا ان ترفعوا ذواتكم ذبيحة لله، وتتحرزوا من مشورة الشياطين الرديئة.

ويقول أيضاً:
"فالآن يا أحبائي الذين صرتم لي أولادا اطلبوا نهارا وليلا لكي تأتي عليكم موهبة الإفراز هذه التي لم تأت عليكم قبل الآن منذ دخولكم هذا الطريق النسكي.. وأنا أيضا.. " .



الطاعة والافراز:

الطاعة للمدبر هي أجمل ما يتحلّى به التلميذ، ولكنها ليست طاعة ُمطلقة بلا وعي ولا معرفة، بل طاعة مستنيرة، وهي في الوقت ذاته عمل صعب للغاية، يتطلب اتضاع كبير، ففي امكان الإنسان أن يفعل أي شيء ما دام برغبته هو، ولكنه في الطاعة يصير محمولاً على مشيئة آخر.
وليس المطلوب من الإنسان أن يكون ساذجاً لكي يقتني الطاعة الكاملة،
وانما هو يثق في معلمه كما يثق في أن الله يتكلم فيه، وأنه من أجل طاعته سوف ُيحوّل الله أوامر معلّمه إلى خيره. يقول القديس أنطونيوس " الطاعة ُتخليك مسئولية الطريق".

أخيراً:

علينا أن نصلي إلى الله بإلحاح لكي يهبنا روح الإفراز، والاستنارة التي بها يتسع ُافقنا الروحي واللاهوتي، لنستطيع أن نميّز بين الجيد والرديء، وندرك أبعاد الحب الإلهي..


" أن تدركوا مع جميع القديسين ما هو العرض والطول والعمق والعلو وتعرفوا محبة المسيح الفائقة المعرفة لكي تمتلئوا إلى كل ملء الله " (أفسس 3: 18، 19).






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010