إكرام الوالدين

وصلنى سؤال مفاده إذا كان الوالدين هو سبب المشاكل و الخصومة فى المنزل، فهل ما زال إكرامهما واجب؟!

عندما ذكر الكتاب المقدس الأبوين فقد ذكرهما بالاكرام. فيقول الكتاب المقدس "اكرم اباك وامك لكي تطول ايامك على الارض التي يعطيك الرب الهك" (خر 20 : 12). و يعود فيذكرنا فى العهد الجديد بنفس الوصية إذ يقول "فان الله اوصى قائلا اكرم اباك وامك" (مت 15 : 14). و لم يشترط الكتاب المقدس هنا حالة الأب و الأم لكى نكرمهم. فيوناثان مثلاً كان يكرم أباه شاول الملك حتى و هو يعلم أن أباه يضمر الشر لداود لا لشئ إلا للطمع فى الحكم و الكبرياء. و مع ذلك لم نسمع أن يوناثان قد أهان أباه، بل كان يخاطبه بكل إجلال و إحترام. و رب المجد يحذرنا من التبجح فى الوالدين قائلاً "ومن يشتم ابا او اما فليمت موتا" (مت 15 : 4). و يقول أيضا الكتاب المقدس "المخرب اباه والطارد امه هو ابن مخز ومخجل" (أم 19 : 26)، و أيضا "من سبّ اباه او امه ينطفئ سراجه في حدقة الظلام" (أم 20 : 20). و كذلك "العين المستهزئة بابيها والمحتقرة اطاعة امها تقوّرها غربان الوادي وتأكلها فراخ النسر" (أم 30 : 17). و قال بولس الرسول فى تصنيفه للأشرار "نمّامين مفترين مبغضين لله ثالبين متعظمين مدّعين مبتدعين شرورا غير طائعين للوالدين" (رو 1 : 30). فى كل هذا لم يذكر الكتاب المقدس طبيعة الوالدين الذين يجب إكرامهما. و الطلب الوحيد الذى يمكن مخالفته من الوالدين لو كان فى معصية الرب، فيقول بولس الرسول "ايها الاولاد اطيعوا والديكم في الرب لان هذا حق" (أف 6 : 1). أى أنه لا طاعة للوالدين لو كان الأمر ضد وصايا الله على أساس أنه "ينبغي ان يطاع الله اكثر من الناس‎" (أع 5 : 29). و لكن الكتاب يقول لا طاعة لهما، و لكنه لم يوصى بأن نحتقرهما، فما زال الأمر باكرامهما قائم.

و لم يقف الكتاب المقدس أمام الأبناء فقط، بل أوصى الآباء قائلا "وانتم ايها الآباء لا تغيظوا اولادكم بل ربوهم بتأديب الرب وانذاره" (أف 6 : 4). و أيضاً "ايها الآباء لا تغيضوا اولادكم لئلا يفشلوا" (كو 3 : 21). لذلك فالوصية تشمل الطرفين: إكرام الآباء من الأبناء، و عدم إغاظة الأبناء من الآباء. و البيت المملوء خصاما يحزن قلب الله. و لكن ليس معنى ذلك أن يضيع الأولاد، أو أن يحتقروا والديهم. بل بالعكس! قد يساعد هؤلاء الأولاد على إحلال السلام فى البيت. فمن الممكن أن يحاولوا التهدئة بين الأبوين، أو أن يستدعوا أب إعتراف يثق به الوالدين، أو قريب من الأسرة حكيم و مختبر ليحل المشاكل فى البيت. هذا من الناحية العملية. أما من الناحية الروحية فالصوم و الصلاة يسحقان الشيطان، فعلى الأبناء أن ينذروا صوما، و يصلوا لكى يحل السلام فى بيتهم. و كم من صلوات حلت مشاكل كثيرة. حزقيا صلى و تضرع لله فأهلك ملاك الرب جيش ملك آشور. و صلوات القديسة مونيكا قادت أغسطينوس للتوبة. و فى النهاية أحب أن أقول ملخصا كلامى بأنه و إن كان الأبوين طبعا مخطئين حتى يكون شجارهم أمام الأبناء مما يؤثر بالسلب عليهم، إلا أن إكرام الوالدين ما زال واجب - بل وصية من الله - لا يمكن إسقاطها لأى سبب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010