بولس الاسير



يُخْبِرُنا الكِتَابُ المُقَدَّسُ كَيْفَ أَرْسَلَ اللهُ ابنَهُ يَسُوعَ لِيُطْلِعَنا عَلى أَسْرارِ اللهِ ، وَيَدُلَّنَا إلى سَبِيْلِ الانْضمَامِ إلى مَلَكُوتِهِ .

لَقَدْ كَانَتْ رُومَا أَعْظَمَ مُدُنِ الْعَالَمِ أَهَمِيَّةً ، فِي عَهْدِ يَسُوْعَ وَعَهْدِ رَسُوْلِهِ الْمُتَمَيِّزِ بُوْلُسَ . وَكَانَ إِمْبَرَاطُوْرُ رُومَا هُوَ الَّذِي يَحْكُمُ الْعَالَمَ .

وَكَانَ عَلَى بُوْلُسَ أَنْ يَحْمِلَ بُشْرَى يَسُوْعَ إِلَى رُومَا قَبْلَ مَوْتِهِ .

وَبِإِمْكانِكَ الْعُثُوْرُ عَلَى قِصَّةِ مَا حَدَثَ فِي كِتابِكَ المُقَدَّسِ ، في الفَصْلِ 25 وَمَا يَلِيْهِ مِنْ فُصُوْلِ أَعْمَالِ الرُّسُلِ .

لَقَدِ اسْتَبَدَّ الْقَلَقُ بِأَتْبَاعِ يَسُوْعَ فِي أُوْرَشَلِيْمَ . فَقَدْ أُلْقِيَ الْقَبْضُ عَلَى بُوْلُسَ ، صَدِيْقِهِم ، الَّذِي مَضَى يَنْشُرُ بُشْرَى يَسُوْعَ فِي كُلِّ مَكَانٍ .

فَبِسَبَبِ أَعْمَالِ شَغَبٍ قَامَ بِهَا أَعْداؤُهُ ، أُلْقِيَ بِهِ فِي السِّجْنِ ، فِي مَدِيْنَةٍ تُدْعَى قََيْصَرِيَّةَ .

وَلَكِنَّ السِّجْنَ لَمْ يَمْنَعْ بُوْلُسَ مِنْ مُوَاصَلَةِ التَّبْشِيْرِ

بِيَسُوْعَ . فَقَدْ حَدَّثَ عَنْ حُرَّاسَ سِجْنِهِ ، وقُضَاتَهُ فِي الْمَحْكَمَةِ ، وَالْوَالِيَ ، بَلْ حَتَّى الْمَلِكَ .

وَكَانَ بُوْلُسُ يَقُوْلُ : " لَمْ أَرْتَكِبْ ذَنْباً . بَلْ كُلُّ مَا فَعَلْتُهُ هُوَ أَنَّنِي أَخْبَرْتُ الشَّعبَ بِأَنَّ يَسُوْعَ الّذِي قُتِلَ ، قَدْ قَامَ إِلَى الحَيَاةِ مِنْ جَديْدٍ " .

وَرَدَّ عَلَيْهِ الْوَالي : " عَلَى شَعْبِكَ أََنْ يُقَرِّرَ فِي هذِهِ الْقَضِيَّةِ ، وَبِالتَّالِي عَلَيْكَ الذَّهَابُ إِلَى أُوْرَشَلِيْمَ" .

فَأَجَابَ بُوْلُسُ : " مَعَ أَنَّنِي يَهُوْدِيُّ ، إِلا أَنَّنِي أَيْضاً مُوَاطِنٌ رُوْمَانِيٌّ ، وَإِنَّنِي أُطَالِبُ بِحَقّي فِي رَفْعِ قَضِيَّتِي إِلَى الامْبَرَاطُوْرِ " ز وَقَالَ لَهُ الْوَالِي : " إذَنْ سُنُرْسِلُكَ إِلَى رُومَا " .

وَوُضِعَ بُوْلُسُ وَسُجَنَاءُ آخَرُوْنَ عَلَى مَتْنِ سَفِيْنَةٍ كَانَتْ مُبْحِرَةً إِلَى رُومَا .

وَكَانَ بُوْلُسُ مَسْرُوْراً بِوُجُوْدِ صَدِيْقِهِ لُوْقَا بِرِفْقَتِهِ . وَكانَ يَقُوْمُ عَلَى حِرَاسَتِهِمَا أَحَدُ الْجُنُوْدِ .

وَبَعْدَ أَنْ أَبْحَرَتِ السَّفِيْنَةُ قَلِيْلاً ، هَبَّتْ عَاصِفَةٌ هَوْجَاءُ

وَانْدَفَعَتِ الرِّيَاحُ عَلَى السَّفِيْنَةِ ، وَدَفَقَتْ بالأَمْوَاجِ عَالياً فَوْقَ سَطْحِهَا ، وَتَراقَصَتِ السَّفِيْنَةُ صُعُوْداً وَهُبُوْطاً فِي الْبَحْرِ .

وَاسْتَولَى الذُّعْرُ عَلَى السُّجَنَاءِ وَالْبَحَّارَةِ ، وَرَاحُوْا يَصْرُخُوْنَ : " سَنَغْرَقُ جَمِيْعُنَا " .

وَلكِنَّ بُوْلُسَ كَانَ وَاثِقاً مِنْ أَنَّهُمْ لَنْ يَغْرَقُوْا ، إِذْ كَانَ اللهُ قَدْ أَوْحَى إِلَيْهِ أَنَّهُمْ سَيَبْلُغُوْنَ هَدَفَهُمْ سَالِمِيْنَ . فَخَاطَبَ الرِّجَالَ ، بِصَوْتٍ عَالٍ ، أَنْ يَضَعُوْا فِي اللهِ ثِقَتَهُمْ . وَأَخِيْراً ، عِنْدَمَا أَشْرَقَ الصَّبَاحُ ، شَاهَدُوا جَزِيِرَةً قِرِيْبَةً .

وَلكِنْ ، فَجْأَةً ، حَدَثَ صِدَامٌ هَائِلٌ ، إِذْ قَذَفَتِ الرِّيَاحُ السَّفِيْنَةَ عَلَى الرِّمَالِ وَانْهَالَتْ عَلَيْهَا أَمْوَاجٌ جَبَّارَةٌ فَأَخَذَتْ تَتَحَطَّمُ .

وَتَمَسَّكَ الْمُسَافِرُوْنَ بِحُطَامِ السَّفِيْنَةِ ، وَقَفَزُوا إِلَى مِيَاهِ الْبَحْرِ الْبَارِدَةِ ، وَجَاهَدُوْا فِي الوُصُولِ إِلَى الجَزِيْرَةِ .

وَتَساعَدُوْا عَلَى الْخُرُوْجِ مِنَ الْمَاءِ ، إِلَى بَلَغُوْا الشَّاطِئَ ، وَهُمْ يَتَعَثَّرُوْنَ ، وَكَانَتْ ثِيَابُهُمْ مُبَلَّلَةً بَارِدَةً ، فِيْمَا كَانَتِ الرِّيْحُ تَذْرُوْ الرِّمَالَ فِي وَجَوْهِهِمْ .

وَأَسْرَعُوا إِلَى جَمْعِ بَعْضِ الْحَطَبِ ، فَأَشْعلُوْا النَّارَ ، وَجَاءَ لِمُسَاعَدَتِهِمْ بَعْضُ سُكَّانِ الْجَزِيْرَةِ ، ثُمَّ أَخَذُوْا يُجَفِّفُوْنَ ذَوَاتِهِمْ قُرْبَ النَّارِ .

وَأَقْدَمَ بُوْلُسُ عَلَى النَّارِ بِمَزِيْدٍ مِنَ الحَطَبِ ، وَلَمْ يَلْحَظْ أَنَّ فِي الْحَطَبِ حَيَّةً كَانَتْ مُخْتَبِئَةً ، وَصَاحَ رِفَاقُهُ عِنْدَمَا رَأَوْا الأَفْعَى تَلْدَغُهُ ، وَظَنُّوا أَنَّهُ سَيَمُوْتُ لا مَحَالَةَ .

وَلكِنَّ بُوْلُسَ اكْتَفَى بِنَفْضِ الأَفْعَى عَنْهُ ، وَلَمْ يُصَبْ بِأَذىً ، فَأَيْقَنَ الْجَمِيْعُ أَنَّ الرَّبَّ كَانَ حَامِيَهُ .

وَعِنْدَما انْتَهَى فَصْلُ الشِّتَاءِ ، آنَ مَوْعِدُ اسْتِئَنَافِ الإِبْحَارِ إِلَى رُومَا . وَاسْتَقَلَّ الْمُسافِرُوْنَ سَفِيْنَةً أُخْرَى .

وَكَانَ الطَّقْسُ آنَذَاكَ جَمِيْلاً ، وَالرِّيَاحُ رَفِيْقَةً مُؤَاتِيَةً ، فَوَصَلُوْا بِسَلامٍ .

وَكَانَ فِي رُومَا أُنَاسٌ يَعْلَمُوْنَ بِأَمْرِ يَسُوْعَ . وَعِنْدَمَا بَلَغَهُمْ خَبَرُ مَجِيءِ بُوْلُسَ خَرَجُوْا إِلَى لِقَائِهِ .

وَابْتَهَجَ بُوْلُسُ لَمَّا وَجَدَ ، فِي رُومَا ، أًصْدِقَاءَ ، مِنْ أَتْبَاعِ يَسُوْعَ .

وَاقْتَادَ الْجُنْدِيُّ الْمُكَلَّفُ بِحِرَاسَةِ السُّجَنَاءِ بُوْلُسَ إِلَى أَحَدِ الْمَنَازِلِ ، وَقَالَ لَهُ : " لَمْ تُؤْذِ أَحَداً ، وَلَمْ تَسْرِقْ شَيْئاً ، وَمِنْ ثَمَّ يُمْكِنُكَ الْبَقَاءُ هُنَا ، إِنَّمَا بِحِراسَةِ

جُنْدِيٍّ . لَنْ يُسْمَحَ لَكَ بِالْخُرُوْجِ ، وَلكِنْ سَيَكُوْنُ في اسْتِطَاعَةِ أَصْدِقَائِكَ زِيَارَتُكَ " .

وَهكَذَا أَقْبَلَ الرَّاغِبُوْنَ فِي سَمَاعِ بِشَارَةِ يَسُوْعَ لِزِيَارَةِ بُوْلُسَ فِي ذلِكَ الْمَنْزِلِ . وَكَانَ بُوْلُسُ سَعِيْداً بِالتَّحَدُّثِ إِلَيْهِمْ عِنْ يَسُوْعَ وَمَلَكُوْتِ اللهِ .

وَكَانَ بُوْلُسُ يَقْضِي مُعْظَمَ وَقْتِهِ فِي كِتَابَةِ الرَّسَائِلِ .

إِذْ إِنَّهُ قَدْ بَشَّرَ فِي مُدُنٍ عِدِيْدَةٍ ، وَصَارَ لَهُ فِيْهَا الْكَثِيْرُوْنَ مِنَ الأَصْدِقَاءِ ، الَّذِيْنَ كَانُوا يَتَسَاءَلُوْنَ عَمَّا صَارَتْ إِلَيْهِ أَحْوَالُهُ .

وَكَانَ بَعْضُ أَصْدِقَائِهِ لَمْ يَسْمَعُوْا سِوَى الْقَلِيْلِ عَنْ أَخْبَارِ يَسُوْعَ وَمَلَكُوْتِ اللهِ فَبَعَثَ بُوْلُسُ إِلَيْهِمْ بِرَسَائِلَ مُسْتَفِيْضَةٍ ، وَأَطْلَعَهُمْ عَلَى مَا جَرَى لَهُ ، وَذَكَّرَهُمْ بِأَنَّ يَسُوْعَ قَدْ مَاتَ مِنْ أَجْلِهِمْ ، ثُمَّ قَامَ ، وَبِتِلْكَ الْقِيَامَةِ وَهَبَهُمُ اللهُ حَيَاةً جَدِيْدَةً .

وَكَانَ بُوْلُسُ سَعِيْداً بِمَا أَصَابَهُمْ مِنْ تَحَوُّلٍ .

وَاخْتَارَ بُوْلُسُ بَعْضَ أَصْدِقَائِهِ الأَمِينِيْنَ لِيَحْمِلُوْا رَسَائِلَهُ . وَكَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُسَافِرُوْا عَلَى مَتْنِ الْبَوَاخِرِ ، أَوْ عَلَى ظُهُوْرِ الْحَمِيْرِ .

وَكَانَ عَلَيْهِمْ أَحْيَاناً السَّيْرُ مَسَافَاتٍ طَوِيْلَةً لِلْوُصًوْلِ إِلَى مَنْ كَتَبَ لَهُمْ بُوْلُسُ رَسَائِلَهُ .

وَلَدَى وُصًولِ إِحْدَى رَسَائِلِهِ ، كَانَ الْمَسِيْحِيُّونَ يَجْتَمِعُوْنَ لِيَقْرَؤُوْهَا ، وَيُعِيْدُوْنَ قِرَاءَتَهَا الْمَرَّةَ تِلْوَ الْمَرَّةِ ، تَدْفَعُهُمْ رَغْبَةٌ مُلِحَّةٌ فِي مَعْرِفَةِ كُلِّ شَيْءٍ عَنْ أُسْلُوبِ الْعَيْشِ فِي مَلَكُوْتِ اللهِ .

وَقَدْ عُنِيَ الْمَسِيْحِيُّوْنَ أَشَدَّ عِنَايَةٍ بِرَسَائِلِ بُوْلُسَ . وَمَا زِلْنَا نَسْتَطِيْعُ الاطِّلاعَ عَلَى الْكَثِيْرِ مِنْهَا ، فِي كِتَابِنَا الْمٌقَدَّسِ . وَمِنْ بَيْنِ الرَّسَائِلِ وَاحِدةٌ كَانَ بُوْلُسُ قَدْ بَعَثَ بِهَا إِلَى أَهْلِ رَومَا قَبْلَ وُصُوْلِهِ إِلَى تِلِكِ الْمَدِيْنَةِ .

وَمِنْهَا رَسَائِلُ إِلَى أَهْلِ كُوْرِنْثُسَ ، وَتَسالُوْنِيْكِيَا ، وَغَلاطِيَا ، وَأَفَسُسَ وَفِيْلِبّي وَكُوْلُسِّي .

وَمِنْهَا رَسَائِلُ وَجَّهَهَا بُوْلُسُ إِلَى أَصْدِقَاءَ مُقَرَّبِيْنَ مِثْلِ تِيْمُوْثَاوُسَ ، وَتِيْطُسَ ، وَفِيْلِيْمُوْنَ .

لَقَدْ وَقَفَ بُوْلُسُ حَيَاتَهُ عَلَى اتِّبَاعِ آثارِ يَسُوْعَ ، مُتَطَلِّعاً إِلَى الانْضِمَامِ إِلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ .

وَيُقَالُ إِنَّهُ قُتِلَ فِي رُومَا بِسَبَبِ تَبْشِيْرِهِ بِالْمَسِيْحِ يَسُوْعَ .

تِلْكَ الْبُشْرَى نَفْسُها مَا زَالتْ تَسْرِي فِي الْعَالَمِ أَجْمَعَ مُنْذُ أَلْفَيْ سَنَةٍ .

وَمَا زِلْنَا الْيَوْمَ نَتَكَلَّمُ عَنْهَا .





خاتمة

" من الكتاب المقدّس " سلسلة قصصيّة من 52 رواية للأطفال . كلّ قصّة قائمة بذاتها ويؤلّف مجموعها الكتاب المقدّس ، أي قصّة حبّ الله للبشر ، في كلّ زمان ومكان .

إن الأعداد ( من 31 إلى 52 ) مقتبسة من العهد الجديد وتخبرنا عن حياة يسوع ابن الله وعن تعليمه . وإن هذه القصص تحدّثنا عمّا فعل يسوع وقال ، وعن الشعب الذي لاقاه . إن كلّ ما نعرفه عن حياة يسوع مدوَّن في الأناجيل الأربعة التي كتبها كلٌّ من متى ومرقس ولوقا ويوحنّا . وكلمة " الإنجيل " تعني البُشرى السعيدة .

وختامُ السلسلةِ أربعُ قصصٍ تحدّثنا عن المسيحيّينَ الأوّلينَ الذينَ نشروا بُشرى السعادة هذه بينَ الناسِ ، كما أمرهُم يسوعُ . وما زالَ أحفادُهم يلهجونَ بها حتى أيّامنا الحاضرة .

قصة محاكمة بولس وسفره إلى روما مستمدَّةٌ من أعمال الرسل ، من الفصول 25 إلى 28 . وثمة كذلك ثلاث عشرة رسالة من رسائل العهد الجديد ، من رسالته إلى الرومانيين حتى رسالته إلى فيليمون ، تحمل توقيع بولس ، وهي تظهر حبه العميق لجماعات المسيحيين المبعثرة ، واهتمامه بالكنائس الناشئة .

وفي رسالته الأخيرة ، الرسالة الثانية الى تيموثاوس ، يلقي بولس نظرة الى الوراء ، على حياة قضاها في خدمة يسوع ، وهو يتطلع الى الموت ، ويقول : " لقد جاهدت الجهاد الحسنَ ، وبلغت نهاية الشوط ، وحفظتُ الإيمان " .

وَكان الموتُ أشدَّ إثارة من الحياة ، ليقينه بأنه الطريق إلى لقاء يسوع والبقاء معه ، وأنه به يلقى مكافأته ، " إكليلَ الحق " الذي يهبه اللهُ لكلٍِ من أتباعه المخلصين ، يوم يدين العالَمَ .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010