† † † تاريخ اللغة القبطية † † †

سلام الرب لكم :

لاً: اللغة المصرية القديمة Old Egyptian، هي لغة الأسرات من الأولى إلى الثامنة (حوالى 3110 – 2155 ق.م)، وتشمل لغة نصوص الأهرامات Pyramid
ووثائق رسمية أو نصوص جنائزية أصولية ونقوش قبور تشمل سير لحياة بعض الأشخاص.، وتمضي اللغة القديمة بقليل من التطوير إلى المرحلة التالية
ثانياً: اللغة المصرية المتوسطة Middle Egyptian، ربما كانت لغة التخاطب في زمن الأسرات من التاسعة إلى الحادية عشر (2154 – 1999 ق.م).، وإستمرت كلغة للروايات والأعمال الأدبية. ثم أتخذت بعد ذلك في زمن متأخر في عصر الأسرة الخامسة والعشرين والسادسة والعشرين لإحياء أمجاد الماضي وتقليد التراث القديم.
ثالثاً: اللغة المصرية المتأخرة Late Egyptian، كانت لغة التخاطب في عصر الأسرات من الثامنة عشر إلى الرابعة والعشرين.، وقد دونت بها المستندات والخطابات والقصص والروايات.
رابعاً: اللغة الديموطيقية Demotic، وهي اللغة المستخدمة في الكتب والوثائق المكتوبة بالخط الديموطيقي، من الأسرة الخامسة والعشرين حتى العصر الروماني المتأخر (736 -452 ق.م).
خامساً: اللغة القبطية Coptic، هي اللغة المصرية في آخر تطوراتها حسبما كُتبت بالخط القبطي، إبتداء من القرن الثالث الميلادي وحدثها الأقباط - وهم نسل المصريين القدماء بعدما آمنوا بالمسيحية - والرأي السائد لدى العلماء أن اللغة القبطية قد تطورت عن اللغة المصرية، وتنحدر من اللغة المصرية المتأخرة Late Egyptian مباشرة، وفي القرون التي سبقت إختراع الأبجدية القبطية لم تكن هناك سجلات مكتوبة تعبر عن حقيقة أسلوب الكلام في الحياة اليومية.
ويؤكد العلامة "شين Chaine" أن اللغة المصرية واللغة القبطية كانتا متعاصرتين وموجودتين معاً منذ أقدم العصور، وأن اللغة المصرية لم تكن لغة متكلَّمة وإنما هي لغة مأخوذة من القبطية بإعتبار القبطية هي الأصل، وقد صيغت بحيث يستخدمها الكهنة والكتبة في الكتابة فقط، أي أن المصرية لغة صاغها بعض المصريين الناطقين بالقبطية لهدف الكتابة فقط، (وبحسب فهمي، ربما يقصد العلامة شين أنه كانت هناك لغتان للمصريين منذ أقدم العصور لغة للكلام، ولغة للكتابة، وأن اللغة القبطية كانت لغة الكلام لدى المصريين، ومراحل تطورها هي المصرية القديمة فالمتوسطة فالمتأخرة، بينما اللغة المصرية هي لغة الكتابة، ومراحل تطورها هي الكتابة الهيروغليفية فالهيراطيقية فالديموطيقية، وهي مأخوذة عن القبطية بإعتبارها الأصل، بالطبع ذلك قبل تدوين اللغة القبطية بحروف هجائية وإستخدامها في الكتابة منذ القرن الثالث الميلادي)
تدوين اللغة القبطية: كُتبت اللغة القبطية بإستخدام الأبجدية اليونانية، مع إضافة سبعة حروف من الديموطيقية لتعويض الأصوات القبطية التي لا يوجد ما يماثلها في الحروف اليونانية، فأصبحت الأبجدية القبطية تتكون من الأبجدية اليونانية مضافاً إليها في نهايتها الحروف السبعة التالية: شاي، فاي، خاي، هوري، جنجا، إتشيما، تي، والكتابة القبطية هي الوحيدة بين صور الكتابة المصرية التي تسجل الحروف المتحركة.

التأثيرات اليونانية في اللغة القبطية: منذ فتح الإسكندر الأكبر مصر سنة 322 ق.م، أستخدمت اللغة اليونانية في الإدارات الحكومية، وأقبل المصريون على تعلمها فإنتشرت بين الطبقات الراقية والمتوسطة والفقيرة معاً، لذا دخلت بعض المفردات اليونانية إلى اللغة المصرية، ومع الزمن وُجدت في اللغة القبطية كثيراً من المفردات اليونانية، وفي الكتب القبطية المترجمة عن اللغة اليونانية نجد أن حصيلة المفردات اليونانية الدخيلة تزداد بصفة خاصة عن الكتب الأخرى، والسبب في ذلك يرجع إما لكسل المترجم، أو تفضيله الكلمة اليونانية، أو نفوره من الكلمة القبطية خصوصاً عند ترجمة بعض العبارات اللاهوتية إذ أن الأقباط كانوا يعتقدون أن الأشياء المقدسة تتدنس إذا أعطيت تسميات وثنية.

كتب المصريون لغتهم في المراحل الأولى بالخطوط التالية:

أولاً: الخط الهيروغليفي Hieroglyphic Ssrip،
وقد أستخدم الخط الهيروغليفي للنقش على حوائط المعابد والمقابر، كما أستخدم أيضاً للكتابة على أوراق البردي، والكتابة بالخط الهيروغليفي ترجع إلى عصر الأسرة الأولى (3110- 2884 ق.م) منذ أكثر من خمسة آلاف سنة، ويحبذ البعض تاريخاً أقدم من عصر الأسرة الأولى بعدة مئات من السنين، كما أن إستخدامه في الكتابة على قطع الشقف (أي كسر الأواني الفخارية)، وأوراق البردي قد إستمر إلى عصور المسيحية، أما آخر كتابة بالخط الهيروغليفي فنجدها بعد ذلك بقرن من الزمان، أي في أواخر القرن الرابع الميلادي، وهي بالتحديد ترجع إلى سنة 394م، وقد وجدت في جزيرة فيله (أنس الوجود) بأسوان حيث تأخرت هناك عبادة الأوثان إلى ذلك الزمن، أي أن الكتابة بالخط الهيروغليفي استمرت حوالي ثلاثة آلاف وخمسمائة سنة.
ثانياً: الخط الهيراطيقي Hieratic
، والتسمية مشتقة من الكلمة اليونانية "هيراطيقوس Hieratikos" أي "كهنوتي Priestly"، وقد سميَّ كذلك لأنه كان الخط المعتاد إستخدامه بواسطة الكهنة خلال العصر اليوناني الروماني، وهو خط مبسط من الخط الهيروغليفى، يتم بالبساطة والإنحناءات الدائرية التي تنتج عن الكتابة السريعة بالقلم البوص (بدلاً من الزوايا الحادة التي تنتج عن النقش بالأزميل عند كتابة الهيروغليفية على الحجر).

ثالثاً: الخط الديموطيقي Demotic
والتسمية مشتقة من الكلمة اليونانية "ديموطيقوس Demotikos" أي "شعبي Popular"، وهو صورة سر يعة جداً من الخط الهيراطيقي ظهرت لأول مرة في زمن الأسرة الأثيوبية أي الأسرة الخامسة والعشرين (736 – 657 ق.م)، ثم أصبح خلال عصور البطالمة والرومان هو الخط المعتاد لإستخدامات الحياة اليومية، وفي بعض الأحيان وجد حتى على اللوحات الحجرية، وآخر ما لدينا من النصوص الديموطيقية يرجع إلى سنة 452 م، ومن المعروف أنه لم يلغ ظهور أى خط من الخطوط إستخدام الخطوط السابقة له، وإنما إستخدم كخط في مجاله، بل أنه في العصر البطلمي - الروماني كانت الخطوط الثلاثة مستخدمة معاً في وقت واحد.

الفضل في تثبيت الأبجدية القبطية في الوضع الذي تُعرَف به حالياً، وتطبيق نظام هجاءة الكلمات، وتطويع القواعد والأساليب لا بد أن يُعزى إلى الكنيسة المصرية.. فلا شك أن هذا العمل كان جزءاً من برنامج التبشير بالإنجيل في القرى والبلدان المصرية، والذي نظمته الكنيسة في حبرية البابا ديمتريوس الإسكندري البطريرك الثاني عشر وخلفائه.
انتشرت المسيحية في الإسكندرية أولاً خلال القرنين الأول والثاني الميلادي، وكان لمدرسة الإسكندرية اللاهوتية الذائعة الصيت دور كرازي فعَّال .. وكانت اللغة اليونانية سائدة في الإسكندرية (حيث كانت اليونانية هي لغة الثقافة في العالم وقتذاك)، لذا فكانت تصلح كوسيلة للتبشير سواء لليونانيين أو المصريين السكندريين والمثقفين.. وفى تلك المرحلة لم تكن هناك حاجة إلى ترجمة أسفار الكتاب المقدس من اليونانية إلى القبطية، لأن النص اليوناني مفهوم لدى السكندريين يستخدمونه في التعليم وفى خدمة القداس.
ولكن مع ختام القرن الثاني للميلاد انتشرت المسيحية انتشاراً واسعاً بين المصريين، فامتلأت الدلتا والصعيد بالمؤمنين الذين لا يعرفون اليونانية.. فلا شك إذاً أن اللغة المصرية كانت هي لغة التبشير خارج الإسكندرية وخاصة في أرياف الدلتا وبلاد الصعيد، لذا كان من الطبيعي أن تترجم بعض فصول الكتاب المقدس للغتهم.. ولصعوبة الكتابة الديموطيقية تبنى المبشرون تطوير كتابة اللغة المصرية باستخدام الحروف اليونانية مع إضافة سبعة حروف من الديموطيقية - ما عُرف ب "اللغة القبطية".
بدأت ترجمة الكتاب المقدس إلى اللغة القبطية في القرن الثالث الميلادي، فقد تمت ترجمة الأناجيل إلى القبطية قبل سنة 270م.. حيث أن القديس أنطونيوس أبو الرهبان(251- 356م) المصري الريفي الذي لم يتعلم الكتابة ولم يكن يتحدث سوى لغته القبطية (المصرية) والذي إذا تحدث مع اليونانيين فبواسطة مترجم، نقرأ في سيرته التي كتبها القديس أثناسيوس الرسولي أنه دخل إلى بيت الرب أثناء قراءة الإنجيل وسمع الرب يقول للغني "إن أردت أن تكون كاملاً فاذهب وبع مالك واعط الفقراء فيكون لك كنز في السماء وتعال واتبعني" (مت 19: 21) فخرج ونفذ الوصية ووزع ممتلكاته على القرويين، فلا بد أنه سمع قراءة الإنجيل باللغة القبطية

غدت اللغة اليونانية هي اللغة الرسمية لمصر منذ فتح الإسكندر الأكبر لمصر في الثلث الأخير من القرن الرابع قبل الميلاد، وكانت هي لغة الثقافة في العالم كله وقتذاك، وكانت اللغة المستعملة في مدرسة الإسكندرية الذائعة الصيت، على أن اللغة القبطية ظلت هي اللغة السائدة بين المصريين الوطنيين في أنحاء القطر المصري...، وإستمر هذا الوضع إلى ما بعد الفتح العربي لمصر عام 640 م، وظلت القبطية لغة رسمية في الدواوين حتى بعد الفتح العربي لمصر.

وفي خلافة "الوليد بن عبد الملك بن مروان" الأموي، وولاية واليه على مصر "عبد الله بن عبد الملك" عام 706 م (87 هـ)، أُعلنت اللغة العربية اللغة الرسمية في البلاد المصرية بدلاً من اللغة القبطية...، كان الوالي عبد الله بن عبد الملك يكره النصارى جداً، فإشتد عليهم وعمل على نزع الكتابة في الدواوين من أيديهم ونقلها إلى العربية.. ولما رأى القبط أن هذا التغيير في لغة الدواوين يفقدهم وضعهم في الدولة، عولّوا على تعلم اللغة العربية، فظهر ما عرف بإسم "السلالم" – وهي كتب تحوي الكلمات العربية مكتوبة بحروف قبطية، كما نقلت أسماء البلاد إلى العربية فتحرفت عن أصلها.

تقول د. سيدة الكاشف في كتابها "مصر في عصر الولاة": "بدأ العرب بعد فتح مصر بأقل من نصف قرن يتجهون إلى تعريب البلاد وإلى جعل اللغة العربية لغة رسمية وذلك لعدم معرفتهم باللغة القبطية.. كما تم ترجمة الإنجيل وعدة كتب دينية مسيحية أخرى إلى اللغة العربية وذلك ليعرف المسلمون إذا كان في هذه الكتب ما يمس الدين الإسلامي بسوء.. وقد ساعد التعريب على شيوع اللغة العربية وإنتشارها بين الموالي والأقباط، فأصبحت اللغة العربية لغة الدواوين، كما بدأت تظهر طبقة الكتَّاب، كذلك أصبحت اللغة العربية لغة الإدارة، فضلاً عن أنها لغة الثقافة، بالإضافة إلى كونها لغة السياسة والدين".

وما لبثت اللغة القبطية أن تلقت ضربة قاصمة على يد الخليفة الفاطمي "الحاكم بأمر الله" (996- 1021م) الذي أصدر أوامره بإبطال إستخدامها نهائياً في المنازل والطرقات العامة أيضاً، ومعاقبة كل من يستعملها بقطع لسانه.. فقد ضيق على الأولاد والبنات والسيدات بالبيوت، بأمره بقطع لسان كل سيدة تتكلم بها مع أولادها وأطفالها.

وإقتدى بالحاكم الطاغية في محاربة اللغة القبطية كثيرون ممن جاءوا بعده.
وهكذا باتت اللغة القبطية محصورة داخل الكنائس والأديرة.
وقد أتت أيام إشتد فيها الرعب على الكنيسة، فإضطر الآباء إلى وضع ستائر على أحجبة الهياكل وقت خدمة القداس خوفاً من الحكام الغاشمين الذين كانوا إذا سمعوا الصلاة باللغة القبطية يهجمون على الكنائس ويفتكون بمن فيها بدون شفقة ولا رحمة.

ومما يدل على أن اللغة العربية بدأت تناهض اللغة القبطية في القرن التاسع، تلك الرؤيا المنسوبة خطأ لأنبا صموئل القلموني- والتى يرجح أنها ترجع إلى القرن العاشر، وهي تحتوي على حث مؤثر على الإهتمام باللغة القبطية، ومنها تعرف أن اللغة العربية بدأت تحل محل اللغة القبطية حتى في جهات كثيرة بالوجه البحري..
وأول من ألف كتاباً باللغة العربية من الأقباط هو "ساويرس بن المقفَّع" أسقف الأشمونين الذي كان معاصراً للبطريرك "أفرآم بن زرعة السريانى" ال62 (975- 979)، وهو الذي ترجم سير الآباء البطاركة مما وجده من مخطوطات بدير الأنبا مقار ودير نهيا وما وجده بحوزة بعض النصارى باللغة القبطية واليونانية إلى اللغة العربية التي كانت شائعة حينذاك.

وأخذ علماء الأقباط يصيغون مؤلفاتهم بالعربية، ومن أمثلتهم "أولاد العسَّال" الذين وضعوا مؤلفات دينية ولغوية كثيرة، و"جرجس بن العميد" المعروف بـ "إبن المكين"، و"أبو شاكر بن الراهب" شماس الكنيسة المعلقة، و"شمس الرئاسة أبو البركات بن كبر"، والقس "بطرس السدمنتى"، و"علم الرئاسة بن كاتب قيصر" .. ولهذا فقد عمد هؤلاء العلماء إلى وضع قواعد مختصرة للغة القبطية وتدوين مفرداتها لحفظها من الضياع والإندثار.
وكان البابا "غبريال بن تريك" البطريرك ال70 (1131- 1146م) هو أول من صرح بقراءة الأناجيل والخطب وما إليها باللغة العربية في الكنائس، وذلك بعد تلاوتها باللغة القبطية.

وظل نجاح اللغة العربية مطرداً، حتى أنه في القرن الثالث عشر كانت اللغة العربية هي السائدة..
ولكن على الرغم من إنتشار اللغة العربية، فإن اللغة القبطية بقيت لغة التخاطب في الوجه البحري حتى القرن السابع عشر"،

وقال "المقريزي" (من القرن الخامس عشر) في كلامه عن دير موشة "والأغلب على نصارى هذه الأديرة معرفة القبطي الصعيدي.. ونساء نصارى الصعيد وأولادهم لا يكادون يتكلمون إلا القبطية الصعيدية"،
ويقول العلامة "ماسبيرو" في محاضرة له عن "صلة المصريين الأقدمين بالمصريين الحاليين" ألقاها عام 1908 "من المؤكد أن سكان صعيد مصر كانوا يتكلمون ويكتبون باللغة القبطية في السنين الأولى من القرن السادس عشر، في أوائل حكم الأتراك".

وفي القرن الثامن عشر لما قاربت اللغة القبطية على الزوال- كلغة للتخاطب، بدأ الأقباط يكتبونها بحروف عربية.
كُتبت القداسات أصلاً باللغة اليونانية، ثم تُرجمت إلى اللغة القبطية بدون مردات الشماس وبعض آلحان الشعب.. وفي مدة حكم العرب بدأت اللغة العربية تحل محل القبطية تدريجياً حتى إذا ما إنتهى القرن التاسع عشر بدأت اللغة العربية تغلب على لغة القداس، وأصبحت اللغة القبطية قاصرة على التسبحة والألحان الطويلة والألحان الموسمية.

ومع كل هذه الظروف القاسية بقيت اللغة القبطية هي لغة الكنيسة..
(عن كتاب تاريخ الكنيسة القبطية – إصداركنيسة رئيس الملائكة ميخائيل ومارمينا بستاتين أيلاند بنيويورك)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010