انار البصيرة

يقول القمص لوقا سيداروس فى كتابه " رائحة المسيح فى حياة أبرار معاصرين " : من النفوس التى قبلت الإيمان و دخلت حظيرة المسيح الراعى الصالح ، و هى متقدمة فى السن ، توجد عينات مختارة بالحق قبل أن تتصور فى الرحم ، و قد بدا إختيارها واضحا وضوح الشمس فى وضح النهار . و قد شاهدنا ذلك بإعيننا فصار فينا عزاء بالنعمة و الرجاء .

إن كنيسة المسيح ستظل تلد أبناء للمسيح إلى مدى الدهور لأن الروح القدس الذى يخصبها ، كائن فيها و حال حلولا دائما . و لأن الكنيسة لا تشيخ و لا يعتريها العقم بل هى مخصبة و ولود . و هذه عينة ممن وضعتهم النعمة فى طريقنا للعزاء و التشجيع ، و رأينا أنه من الواجب أن تتعزى نفوس كثيرة بالتعزية التى نلناها من الله .

من هذه النفوس إحدى السيدات ، قبلت الإيمان و هى فى أواخر الأربعينات من عمرها و هى أم لأولاد و بنات ، و لما إنفتح قلبها للرب ، إنفتح بلا مانع و بلا عائق فأحبت الرب حبا ً فائقا ً غامرا ً و تمتعت بصليب المسيح و دمه الغالى أيما تمتع .

فكانت بعد أن نالت نعمة العماد مواظبة على الصلاة و حضور القداسات و التناول من الأسرار بشغف و جوع و عطش لا يُعبر عنه .

و فى إبريل سنة 1979 كنت أعمد مجموعة من الأمريكان بكنيسة مارمرقس الكاروز فى لوس إنجلوس و فى أثناء دورتهم فى الكنيسة بعد القداس ، و هم لابسون ثيابا ً بيضاء و ممسكون بالشموع الموقدة ، كانت هذه السيدة تزغرد بصوت عالى ، و كان السرور مع دموع غزيرة تهطل من عينيها . و كانت تقول " أنا الوحيدة التى أشعر بما يشعرون و أعرف قيمة النعمة التى حصلوا عليها .. لأنكم تعمدتم أطفالا ً فكبرتم فى النعمة ، أما أنا فحرمت منها زمانا ً هذا مدته ، فلما أعطانى الرب أن اذوق طعم حبه ، صرت أقدر مدى سخاء المسيح و نعمته المتفاضلة علىّ " .

و كانت تقول لى " لو جاز أن يكون فى الحياة المسيحية حسد ، فإنى أحسد الذين ولدوا فى النعمة منذ نعومة أظافرهم و شبوا فيها و تمتعوا بها مدى الحياة " . و كنت أقول لها " إن النعمة ليس لها قياس ، فليس بكيل يعطى الله الروح ، و ما يمكن أن يحصل عليه إنسان فى لحظة من الزمان قد لا يقاس بما يحصل عليه آخر فى سنوات و سنوات " .

" هكذا يكون الآخرون أولين و الأولون آخرين . لأن كثيرين يدعون و قليلين ينتخبون " .

و كانت السيدة فى بساطة القلب ، و بساطة الإيمان تفرح بالكلمة فرحا ً روحيا ً عجيبا ً ، و كانت تستوعبها بقامة روحية فاقت كثيرين ممن طال عهدهم فى الكنيسة . و كانت هناك عقبة فى سبيل نمو هذه السيدة ، فهى أمية لا تعرف القراءة و الكتابة . و كانت تتعذب إذ أنها تريد أن تغترف لنفسها من ينابيع الحياة و تزداد فى المعرفة .. تريد أن تقرأ الإنجيل ، و تصلى المزامير ، فقد كان مصدر معرفتها الوحيد هو السماع . تسمع الكلمات فى العظات و تسمع الألحان ، و قراءة الإنجيل ، و لكنها لا تستطيع أن تستزيد بنفسها ، فالكتب بالنسبة لها شىء مختوم .. و حدث أنه مع الأيام التى كانت تتردد فيها على الكنيسة ، أنه زاد شوقها إلى المعرفة ، و حينها إلى القراءة فى كلمة الله .

و فى أحد الأيام كان الشماس يوزع المزامير على جموع المصلين فى بداية القداس .. ثم عبر بها و وزع عليها مزمورا ، فهزت رأسها و لم تكن فى يدها أجبية ، و قد تأثرت تأثرا ً بالغا . و بعد القداس الإلهى عادت إلى منزلها و دخت حجرتها ، و قالت للرب بدالة عجيبة " كيف أن جميع الناس يتمتعون بك و يصلون لك و أنا محرومة من هذه النعمة " .. و توسلت إليه قائلة " لابد أن تعطينى هذه النعمة لأقرأ " و كانت تبكى بحرقة قلب .

و ياللعجب ، فتحت الأجبية فى يدها ، و كان أن الرب أنار ذهنها فقرأت للحال بدون معلم ، و هى لا تكاد تعرف الألف من الياء . و جاءتنى مسرعة فى حالة من الفرح و التهليل ، تكاد تطير .. و كم كانت دهشتى إذ صارت تقرأ المزامير أمامى بطلاقة و بدون أخطاء .. و مجدت الذى قال – و هو الصادق فى مواعيده – " لا يعلم كل واحد أخاه أو كل واحد إبن مدينته قائلا إعرف الرب لأن الجميع سيعرفوننى من صغيرهم إلى كبيرهم " ، " و أيضا ً يكون الجميع متعلمين من الله " .
ان السيد المسيح هو الحياة ,هو مفتاح كل شيء
فمن فى يد الله لا يعوزه شيئ `15`
فهل اطلب شيئا سواك
((( اطلبوا اولا ملكوت السموات )))
`17`

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010