"فها أنا أبشركم بفرح عظيم"

عند ولادة الطفل يسوع المسيح في مذود بيت لحم، أرسل الله ملاكه ليبشر بهذا الحدث المجيد، رعاة بسطاء كانوا يحرسون قطعانهم، فقال لهم الملاك: "لا تخافوا. فها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب أنه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب." (لوقا11:2) لقد بشّر الملاك هؤلاء الرعاة بفرح عظيم، إذ ولد المخلص المنتظر. ثم أعطاهم الملاك علامة وهي: تجدون طفلا مقمطا مضجعا في مذود. وعندها أنشدت الملائكة هذه الترنيمة التي مازال البشر يرددونها في مثل هذه الأيام من كل عام: " المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة." (لوقا14:2)

وفي مشهد آخر نرى المجوس الذين أتوا من المشرق، في طريقهم من أورشليم إلى بيت لحم. "وإذا النجم الذي رأوه في المشرق يتقدمهم حتى جاء ووقف فوق حيث كان الصبي. فلما رأوا النجم فرحوا فرحا عظيما جدا." (متى 9:2و10)

وإذا عدنا إلى نبوءة النبي أشعياء المشهورة في الأصحاح التاسع وابتداء من العدد السادس "لأنه يولد لنا ولد ونعطى ابنا.." لوجدنا أيضا ومن بداية هذا الأصحاح، نبوءة أخرى عن مجيء المسيح المخلص الملك، وإعلان خلاصه: "الشعب الجالس في الظلمة أبصر نورا عظيما. الجالسون في أرض ظلال الموت أشرق عليهم نور." ثم ختم النبي أشعياء هذه النبوءة بهذه الكلمات المعبرة: "أكثرت الأمة عظّمت لها الفرح. ويفرحون أمامك كالفرح في الحصاد. كالذين يبتهجون عندما يقسمون غنيمة." (أشعياء2:9و3) تشير هذه النبوءة أن الفرح الحقيقي لابد أن يترافق مع ولادة المخلص والملك يسوع المسيح، وإعلانه لرسالة الخلاص، رسالة التحرير من عبودية الخطية. وأن يترافق أيضا مع إشراق النور العظيم، أي نور المسيح في وسط الظلمة الحالكة. وأنه لابد أن يفرح فرحا حقيقيا كل من يختبر رسالة التحرير هذه، وكل من ينتقل من الظلمة إلى نور المسيح المشرق الساطع. يتضح لنا إذن من كل هذه الشواهد الكتابية، أن مجيء المسيح والفرح هما أمران لا يفترقان.

"فها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب." لقد بشّر الملاك الرعاة بفرح عظيم يكون لجميع الشعب. أما سبب هذا الفرح فهو ولادة المخلص المسيح الرب. أي ولادة المسيّا الموعود به منذ مئات السنين. والذي طالما انتظره الشعب على مر العصور والأجيال. فهو الرجاء الذي كان يتوق لمجيئه جميع مؤمني العهد القديم. وهو الأمل الوحيد بالإنقاذ والفداء الذي كان ينتظره كل الأتقياء.

أما المجوس وهم من الأمم، أي من غير شعب الله في ذلك الزمان، فقد فرحوا فرحا عظيما جدا، عندما رأوا النجم مرة أخرى يتقدمهم. هذا النجم الذي كان بالنسبة لهم إشارة إلى ولادة ملك عظيم. ولم يكن هذا الملك العظيم كما فهموا بعدئذ من الملك هيرودس في أورشليم، سوى الملك المسيح، الذي سيأتي من سبط يهوذا، ويملك إلى الأبد. ولهذا لم يكن مستغربا أن يفرحوا فرحا عظيما جدا، فها هي رحلتهم الشاقة المضنية قد أتت إلى نهايتها، وها هم يحققون آمالهم برؤية هذا الملك العظيم. ولهذا لم يكن مستغربا أيضا أنهم عندما رأوا الصبي يسوع مع مريم أمه، أن يخرّوا ويسجدوا له، وأن يقدّموا له الهدايا ذهبا ولبانا ومرا.

من الملفت للانتباه حقا أن الله أراد إعلام البشر جميعا بولادة الملك المخلص المسيح. فأخبر الملاك الرعاة، الذين هم من شعب الله في ذلك الزمان، عن هذا الحدث المجيد. بينما كان النجم في الفلك هو العلامة التي أراد الله من خلالها الإعلان عن ولادة الملك المسيح، إلى الأمم من غير شعبه. وهذا ما يؤكد أن ولادة المسيح كانت خبرا هاما وعظيما يجب أن يعلن لجميع البشر. انطلاقا من هذه الحقيقة نجد أن فئتين مختلفتين من البشر فرحت عند ولادة الطفل يسوع. فئة الرعاة التي مثّلت شعب الله في القديم، وفئة المجوس التي مثّلت الأمم. وبتعبير آخر إن البشرية جمعاء كان لابد أن تفرح عند ولادة المخلص الملك يسوع المسيح. فإلى ماذا تشير هذه الظاهرة أن الفرح كان لابد أن يشمل البشر جميعا؟

تشير هذه الظاهرة أولا إلى أن هدف الله كان منذ البداية، أن يشمل خلاص المسيح وملكوته جميع البشر. لقد كان الوعد قديما أنه من نسل المرأة سيأتي من يسحق رأس الحية، أي الشيطان. (تكوين15:3) ويفتح بالتالي باب الخلاص للبشر جميعا. ثم كان الوعد لإبراهيم أن من نسله ستتبارك جميع أمم الأرض. (تكوين18:22) وأوضح لنا الرسول بولس فيما بعد، أن النسل المقصود هنا هو المسيح. وأن الناموس الذي أتى بعد أربعمائة وثلاثين سنة لا ينسخ أي يبطل عهدا، قد سبق الله أن أقامه من نحو المسيح. (راجع غلاطية15:3-18) أي أنه بواسطة مجيء المسيح وإعلان خلاصه وملكوته، ستتبارك جميع أمم وشعوب الأرض. أجل لقد أحب الله العالم أي البشر جميعا، ولهذا أرسل المخلص الملك يسوع المسيح، لكي يقوم بعمل الخلاص والفداء، وليملك على قلب كل من يؤمن به.

وتشير هذه الظاهرة ثانيا: أنه لا يوجد عند الله فرق بين شعب وآخر وأمة وأخرى، وأن الجميع متساوون أمامه. إن خبر ولادة المسيح، كان يجب أن يكون خبرا مفرحا لجميع البشر، لأن الجميع بدون أي استثناء، سيستفيدون من ولادته وإعلان خلاصه. إذ لا فرق في ذلك عند الله. وها هو الرسول بولس يخاطب المؤمنين بالمسيح قائلا: "لأنكم جميعا أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع. لأن كلّكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح. ليس يهودي. ولا يوناني. ليس عبد وحر. ليس ذكر وأنثى لأنكم جميعا واحد في المسيح يسوع." (غلاطية26:3-28) إن كل شخص يؤمن بالمخلص المسيح، والخلاص الذي أعده الله من خلاله، يصبح من أولاد الله بغض النظر عن جنسيته وخلفيته. إذ كما كتب الرسول بولس في مكان آخر: "لأن ليس عند الله محاباة." (رومية11:2) ولهذا نحن اليوم كمؤمنين، وبالرغم من مرور ألفي سنة على ولادة المخلص الملك يسوع المسيح، فإننا نفرح ونبتهج بولادته، وإعلان خلاصه للبشر جميعا. وندعو الآخرين لكي يفرحوا ويبتهجوا هم أيضا بولادته، عن طريق الإيمان بعمل الفداء الذي قام به.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010