سفر عاموس

كان عاموس النبي من تقوع ، المدينة الصغيرة التي تبعد حوالي 12 ميلاً جنوب أورشليم. لم يكن نبياً أو ابن نبي (عاموس 7 :14) ، لم يكن كاهناً كما أنه لم يكن عضواَ في مدرسة الأنبياء. كان راعياً للغنم وجانياً للجميز ولكنه رغم ذلك كان عارفاً بمعاملات الله مع شعبه ، ومع الشعوب المجاورة، كان واعياً بتعدياتهم على وصايا الله وأحكامه. بل وكان عالماً بحال الشعوب وما وصلت إليه من دمار أخلاقي وروحي. وربما كان هذا ناتجاً عن كثرة سفره إلى هذه المناطق المحيطة من أجل بيع المنتجات الناتجة عن الرعي والجمع.

وسفر عاموس يوضح لنا إمكانية اختيار الله لبعض الأشخاص المنهمكين في أعمالهم من أجل أن يقوموا بخدمته. فقد دعاه الله وعصى الرعي والقطف في يده وأرسله ليجمع التائهين في أرض بعيدة.

وفي اراضي تقوع تدرب عاموس على نبوته على يد الله مباشرة، الذي أرسله ليتنبأ في مملكة إسرائيل الشمالية الضالة، رغم انتمائه إلى مملكة يهوذا الجنوبية. وفي مدينة بيت إيل عاصمة الضلال على بعد 22 ميلاً من بلدته حيث نصب يربعام الأول العجل الذهبي ونادى به إلهاً لإسرائيل بدأ عاموس نبوته.

وقد تنبأ عاموس النبي حينما كان عزيا (779 – 740 ق.م) يجلس على عرش اليهودية وكان يربعام الثاني (783 – 742 ق.م) بن يوآش ملكاً على إسرائيل. وقد كانت هذه الفترة من فترات الازدهار الاقتصادي والنجاح السياسي ، فاستطاع يربعام أن يستعيد حدود مملكة داود القديمة ، وتدفقت الأموال على خزائنه ، وكانت الشعوب المحيطة ضعيفة بدرجة لا تقدر على تهديده. ورغم ذلك فقد كانت فترة للظلم الاجتماعي والضلال الروحي.

لذا فإننا نجد نبوته وهي تدعو إلى التوبة ، كما أنها تحذر من خطورة الظلم الناتج عن ترك الشعب لوصايا الله.

1. قضاء الله على الأمم (1 ، 2)

بدأ عاموس نبوته بالتأكيد أن إعلانه هذا إنما هو من الإله القوي الديان القادر على كل شئ، الإله الحقيقي الذي يرسل دينونته إلى جميع الأمم المحيطة من أجل شرورهم لأن شرهم قد كثر جداً ، فقد أطال أناته عليهم ولكن دون جدوى فقد تمادوا في الشر كما يخبرنا في العبارة الرمزية في بداية الحديث عن كل من الأمم (من أجل ذنوب ... الثلاثة والأربعة) ( 1 : 3 ، 6 ، 9 ، 11 ، 13 و 2: 1 ، 4 ، 6). فقد تنبأ على دمشق ، غزة ، صور (فينيقية) ، أدوم ، عمون ، موآب ثم تنبأ على يهوذا (المملكة الجنوبية) ، و إسرائيل (المملكة الشمالية) وأوضح شرور كل منها ، كما أوضح قضاء الله عليها.

فدمشق تعاقب لأنها داست جلعاد (2 مل 10 : 32 ، 33)

غزة وصور لأنهما سلما سبياً كاملاً لأدوم (2 اخ 21 : 16 ، 17 ، 28 : 18).

أدوم لأنها ساعدت الكلدانيين في حربهم ضد شعب الله (راجع عوبديا 10 – 12).

عمون من أجل الفظائع التي ارتكبوها في جلعاد (1 : 13).

موآب من أجل التصرفات البربرية نحو آدوم (2 مل 3 : 27).

يهوذا لأنها رفضت ناموس الله (2 اخ 3 – 19 ، 2 مل 25 : 9).

إسرائيل لشرورها الكثيرة (2 مل 17 : 17 – 23).

ثم استفاض في سرد خطايا إسرائيل وأوضح كسلهم وعدم مبالاتهم وظلمهم للفقير ، تحدث عن كذبهم وخداعهم وأسوأ من كل هذا عبادتهم للأوثان وتركهم للإله الحي. ورغم تأديب الله لهم حيناً ، وإرساله الأنبياء للتحذير أحياناً إلا أنهم لم يرجعوا إلى الله (4 : 6). ورغم كل ذلك فإنه يوضح أن فرصة التوبة ما زالت قائمة "اطلبوني فتحيوا" (5 : 4).

2. قضاء الله على إسرائيل (3 – 6)

لقد اخبر عاموس شعب إسرائيل بخطاياهم ، الطمع ، الجشع ، الظلم ، النجاسة (2: 6 –12)، ولكنهم برروا نفسهم بدعوى أنهم يعرفون الله وأنهم شعب الله ، لذا فإن الله يذكرهم بأن هذا يجعل خطيتهم أعظم وعقابهم أشد " اياكم فقط عرفت من جميع قبائل الأرض لذلك أعاقبكم على جميع ذنوبكم" (3 : 2). فليس كافياً أن تؤمن بالله أو أن تثق بوجوده ولكنه ينبغي أن تعمل أعمال الله وتنفذ وصاياه وأن لا تحد عن الحياة معه. فهو لا يسر بالمظهر ولكنه يبحث عن القلب والجوهر ( 5 : 21 ، 23 ، 25).

ويحوي قضاء الله على إسرائيل عقابهم "لأنهم باعوا البار بالفضة" (2 : 6) وفي هذا نبوة عن ظلمهم للسيد المسيح الذي بيع بثلاثين من الفضة.

وقد أدان الله سيدات إسرائيل على ما فعلوه من ظلم فدعاهم ببقرات باشان وذلك لكسلهم الشديد وانكبابهم على المسرات العالمية (4 : 11) ، فقد اشتهروا في هذا الزمان بالجشع والقسوة وعدم الفهم والكسل والسلوك البهيمي في إشباع الشهوات الجسدية.

حتى الذبائح والأعياد التي يقدمونها رفضها الله " بغضت كرهت أعيادكم ولست ألتذ باعتكافاتكم" (5 : 21). فلم تكن احتفالاتهم من الجلجال إلى بيت إيل سوى احتفالات للضلال والبعد عن الله وعبادة الآلهة الغريبة لذا كانت مكرهة أمام الله (5 : 4 – 6)، لذا فقد اراد الله منهم العودة إليه لتحيا نفوسهم . لقد استخدم الله كل الطرق لكي يرجعهم إليه فيم يرجعوا، كما اهتم عاموس بتوضيح الضربات التي أرسلها الله عليهم ليتوبوا فلم يتوبوا. لذا كان عقابهم على يد آشور في يوم قضاء الرب (5 : 18 – 20) .

عقاب الله الذي يحل على إسرائيل في 5 رؤى رآها عاموس

الرؤيا الأولى: هجوم الجراد (7 : 1- 3)

في الرؤيا الأولى رأى عاموس عشباً أخضر (العشب متأخر النمو) والله يصنع جراداً ، فأكل الجراد كل العشب الأخضر ، وحينئذ تشفع عاموس " أيها السيد الرب أصفح . كيف يقوم يعقوب فهو صغير" فاستجاب الله ولم يصنع هذا بالشعب.

الرؤيا الثانية : النار المحرقة (7 : 4 – 6)

وفي هذه الرؤيا رأي عاموس الله وقد ارسل ناراً للمحاكمة فأكلت الغمر والجقل، وتشفع عاموس كما في المرة السابقة. فلم تكن هذه الضربة.

الرؤيا الثالثة: زيج الاختبار (7 : 7 –11)

وفي هذه الرؤيا رأي الرب واقفاً على حائظ قائم وبيده زيج. والزيج هو خيط البنَّاء الذي يمده علي الحائط لتسوية صفوف الطوب به . وقد شُبه إسرائيل ببناء أو حائط ، والرب يمتحنه بالزيج ليكتشف عدم استقامته. فكان إسرائيل بعيداً جداً عن مقاييس الله. ومن الملاحظ أن عاموس لم يتشفع من أجل الشعب هذه المرة لأن الله أعلن أنه لا مجال للصفح بعد، فتقفر مرتفعات اسحق، وتخرب مقادس إسرائيل، ويكون السيف من نصيب بيت يربعام.

الرؤيا الرابعة: سلة القطاف (8 : 1 – 3)

وفي هذه الرؤيا رأى عاموس سلة للقطاف ، أي السلة التي يتم فيها جمع المحصول دليل على نهاية فترة زراعته وبداية عملية حصاده. مما يرمز إلى أن عقاب إسرائيل قد حل "فتصير أغاني القصر ولاول في ذلك اليوم... الجثث كثيرة يطرحونها في كل موضع بالسكوت".

الرؤيا الخامسة: السيد قائماً على المذبح (9 : 1 – 10)

وفي هذه الرؤيا، رأى عاموس السيد قائماً على المذبح طالباً من عاموس أن يضرب تاج العمود أي رأس العمود حتى ترتجف الأعتاب وتكسر على رؤوس شعب إسرائيل الأشرار، ولا يكون لهم نجاة أيا كان المكان الذي يحاولون فيه الاختباء من وجه الله.

و أثناء هذه الرؤى حاول أمصيا كاهن بيت إيل ويربعام الثاني ملك إسرائيل أن يبعدا عاموس عن مدينتهم وأن يمنعاه عن التنبؤ على إسرائيل. وهدداه فأوضح لهما أنه يتنبأ بسلطان من الله وأكد على دينونة المدينة وملكها (7 : 14 – 17).

وعود مفرحة تحققت في مجئ السيد المسيح مخلص العالم ومؤسس الكنيسة المجيدة (9: 11 – 15)

ثم يذكر عاموس نبوة عن مجئ السيد المسيح الذي جاء لكي يقيم مظلة داود الساقطة ويحصن شقوقها ويقيم رمها ويعيد بنائها كنيسة مجيدة لا عيب فيها ولا غضن ولا شئ من مثل هذا. حينما يفيض على كنيسته ببركات السماء ومواهب الروح القدس وعطاياه التي لا حصر لها. حينما يرد سبي شعبه من اسر إبليس ، ويقيمهم في كنيستهم "وأغرسهم في أرضهم" فلن يقلعوا منها إلى الأبد ، ويسكنون مع الله وملائكته في أورشليم السماوية، الأرض الجديدة التي وعدنا الله بها

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010