هل تحرف الكتاب المقدس ?

الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد كلمة الله المقدسة النقية التي لا تشوبها شائبة، يقول سليمان الحكيم "كل كلمة من الله نقية" (أمثال5:30)، كما يقول داود "كلمتك مثبتة في السموات" (مزمور89:119). فهي محمية من الله، مضمونة بوعده وقوته. فكلمته مهمة لديه لأنها غير منفصلة عنه، ولو افترضنا حدوث تغيير مرافق في طبيعة الله التي منزهة عن كل تغيير وتبديل. ولهذا يقول الكتاب المقدس "قد عظمت كلمتك على كل اسمك" (مزمور2:138). لابد أن تكون متيقنين من أن الله يحترم كلمته وهو غيور عليها، ولا يمكن أن يسمح لأحد أن يغير الحق ويضلل الناس. فكيف يسمح بانطفاء نور كلمته وهداه ويترك الناس يتخبطون في الظلمة والجهل يقول داود "سراج لرجلي كلامك ونور لسبيلي" (مزمور 105:119). تقول كلمة الله عنه بأنه " لم يترك نفسه بلا شاهد" (أعمال 17:14). إذ كيف يمكن أن يسمح الهادي أن تضيع كلمته التي هي وسيلة الهداية وطريقها ومقياسها. • أما الأسباب التي تدعونا لرفض القول بمبدأ التحريف فهي:

1- الإيمان المطلق بقدرة الله الكاملة على حفظ كلامه هدى للناس، واحترامه لكلمته التي هي غير منفصلة عنه، وإن أي قول بتحريف الكتاب المقدس هو اتهام مباشر صريح لله بالعجز والضعف والتواطؤ مع المحرفين وتضليل الناس! وحاشا لله أن يكون كذلك أو يفعل ذلك.

2- لقد اتبع نسّاخ أسفار الكتاب المقدس أدق الطرق للحفاظ على كلمة الله. فكانوا يحسبون عدد الكلمات الواردة في كل سطر وعدد أحرفها. فكانوا شديدي الحرص عليها وهذا ما يؤكد التقليد اليهودي.

3- قام السيد المسيح بتأكيد صحة الكتاب المقدس. فكان يستشهد دائماً من العهد القديم قائلاً "مكتوب" (لو4:4-8). كما قال "فإني الحق أقول لكم: إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل" (متى18:5). كما حدث اليهود على دراسة أسفار الكتاب المقدس قائلاً: "فتشوا الكتب لأنكم تظنون أن لكم فيها حياة أبدية، وهى التي تشهد لي" (يوحنا 39:5). كما قرأ السيد المسيح في المجمع من سفر إشعياء في العهد القديم (لوقا 16:4-20). ولم يشر من قريب أو بعيد إلى وجود أي تحريف فيه. كما وعد المسيح مؤكداً بأن كلامه لن يزول قال "السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول" (متى35:24).

4- لقد انتشر الكتاب المقدس في مختلف بقاع الأرض، بحيث يتعذر تحريفها حتى ولو حدث اتفاق على ذلك. فالنسخ الموجودة متطابقة.

5- إن العداء التقليدي بين اليهود والمسيحيين في مسائل العقيدة تمنع أن يتفق الفريقان على إحداث أي تغيير في الكتاب المقدس حتى ولو أرادا ذلك اكتشفا بأن مصلحتهما تقتضي ذلك. (ولا أحد يدرى كيف يمكن أن يتم ذلك). كما أن تعدد الطوائف المسيحية تجعل من المستحيل على واحدة منها لو أمكن أن يتفق أعضاءها أن تقوم بتحريف الكتاب المقدس دون أن تقوم الطوائف الأخرى بفضح أمرها. ولم نسمع أن مثل هذا الأمر قد تم. ومن الجدير بالذكر أن الطوائف المسيحية على اختلاف أنواعها وأسمائها تؤمن بنفس الكتاب المقدس.

6- يكتشف كل دارسي موضوعي للكتاب المقدس بعهديه انه كتاب متكامل في فكره متناسق ومنسجم في طروحاته لطرق معاملات الله مع البشر وحلوله لمشاكل الإنسان. فالعهد الجديد يشرح القديم ويتممه دون تناقض، وهذا يبطل الزعم بالتحريف. ومن الجدير بالذكر بأن من يقوم بتحريف شئ ما، فإن قصده يكون التخلص مما لا يعجبه أو مما يبدو منطقياً ومعقولاً. فلو أراد اليهود أن يحرفوا كتابهم (العهد القديم) لقاموا بحذف الشتائم الكثيرة التي وجهها الله لهم، والصفات المخزية التي نعتهم بها. ولعله لا يوجد كتاب يتصّدى لليهود بالنقد والتجريح كما يفعل الكتاب المقدس. ولو أراد المسيحيون أن يّحرفوا العهد الجديد لكان أولى بهم أن يحذفوا تلك المقاطع التي يبدو أنا تسئ إلى مسيحهم وتعرضه للضرب والجلد والموت المخجل على الصليب، بالإضافة إلى قيام أحد تلاميذه (بطرس) بتوبيخه وانتهاره عندما اعلمه السيد المسيح بأنه لابد أن يتألم ويموت (متى21:16-23). إن بقاء هذه الأمور في الكتاب المقدس دليل على أنه لم يكن بإمكان أحد أن يتلاعب بها.

7- أكد علم الآثار والحفريات على صدق الحوادث التي أشار إليها الكتاب المقدس. كما أن المخطوطات المكتشفة حديثاً أكدت مطابقة تلك المخطوطات القديمة لكلمة الله الموجودة بين أيدينا. ومخطوطات خرائب قمران مثلاً على ذلك. فقد أكتشف من بينها سفر إشعياء النبي، وهو مطابق حرفياً لسفر إشعياء كما هو بين أيدينا فقط.

8- تعود النسخ الأولى التي نسخ العهد الجديد حسب آخر الاكتشافات المخطوطة إلى فترة لا تتعدى القرن الميلادي الأول. كما أن شأن اقتباسات الأدباء والفلاسفة والمفكرين ورجال الدين المبكرة لأجزاء مختلفة من الكتاب المقدس في حالة جمعها أن تشكل العهد الجديد كله. ومن الجدير بالذكر أن ما يميز المؤمنين بالمسيح ليس إيمانهم بكتاب سماوي موحى به فحسب، وإنما كون المسيح الذي يؤمنون به إلهاً حياً يعمل في حياتهم ويغيرها ويصنع المعجزات. فهم اتباع إله حي لا كتاب جامد.

• أما الذين يصّرون على القول بتحريفه فعليهم أن يجيبوا عن الأسئلة التالية: 1-

متى وقع التحريف المزعوم؟ (مع ذكر سبب تحديد هذه الفترة).

2- أين تم التحريف؟ (اسم المنطقة أو المدينة).

3- أين المواضع التي لحقها التحريف؟ (حدد الآيات التي حرفت).

4- من الذي قام بالتحريف؟ (حدد الأسماء والجنسيات).

5- لماذا حصل التحريف؟ (حدد الدوافع وراء ذلك ومن المستفيد).

6- كيف تمكن المحرفون من تحريفه مع كونه منتشراً هائلاً بأعداد كبيرة من النسخ بين أيدي كثير من الناس في مختلف أنحاء العالم؟ (وكيف سكت العارفون بوقوع التحريف على ذلك؟

7- كيف يمكن قياس التحريف المزعوم؟ أين هي النسخ التي تُدعى أنها اقدم من النسخ الموجودة لدينا اليوم وتظهر اختلافاً عنها لنتأكد من وقوع هذا التحريف فعلاً لم لا يستطيع أحد أن يقدم دليلاً ملموساً على هذا التحريف؟

8- أين كان الله عندما تم هذا التحريف؟ هل وقع رغماً عنه أم بأذنه؟ هل كان نائماً أم ضعيفاً أو لا مبالياً؟ إذا قلنا بإمكانية تحريف الكتاب المقدس، كلمة الله، فإن من شأن هذا أن يهز ثقتنا في نقاء وحي الله عامة وفى قدرة الله على متابعة وحيه وأمانته في حفظ كلامه. أما بالنسبة لدواعي القول بالتحريف. فإن البعض يقولون بأن الكتاب المقدس لا يتفق مع غيره من الكتب، مما يثبت في رأيهم وقوع التحريف. لكن وقوع هذا الاختلاف والتناقض ليس عيباً في الكتاب المقدس ولا هو مشكلة من مشاكله. فالكتاب المقدس هو الأصل وهو المعول عليه. وإذا كان الكتاب المقدس لا يرضى بتعاليمه السامية وحقه الواضح أهواء بعض الناس وميولهم، ولا يناسب الطرق والمقاييس التي ارتضوها لحياتهم، فهذه مشكلتهم وحدهم. وإن رفض الحق لا يُعفى من مسؤولية إتباعه وتّحمل نتائج ذلك أمام الله. وإنه ليحق لنا أن نتساءل عن سبب قبول الكثيرين لهذا المزاعم حتى بدون أن يكلفوا أنفسهم مشقة دراسة الكتاب المقدس. أما حان الوقت لأن نستعمل عقولنا ونبحث جادّين عن الحق؟ أم إن إطلاق الأحكام العامة والهروب من مواجهة أسهل وأفضل؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010