الإيمان والألم
=========
أنتم قصدتم لي شرًا ، أما الله فقصد به خيرًا ( تك 50: 20 )
من السهل علينا جميعًا إزاء بركات الرب وخيره الجزيل علينا،
أن نهتف له من الأعماق قائلين مع المرنم: « باركي يا نفسي
الرب ولا تنسي كل حسناته » . لكن ما أروع أن نتعلم بالإيمان أن نبارك الله في كل الظروف وفي كل وقت؛ عندما يعطي وعندما يأخذ أيضًا. فالإيمان لا يتعامل مع الشر الآتي
أو المصيبة الحاضرة أو الشيطان أو الأشرار كوحدات
مستقلة، بل إنه ينظر إلى الأمر برمّته على أنه بقصد
سماوي وترتيب إلهي حكيم. فو إن كان الله هو مصدر الخير
(يع 1: 17 ) والشيطان هو مصدر الشر، إلا أن الإيمان
يفهم أن لله سلطانًا على الشرير والأشرار، بل وقد جعلهم
لتحقيق مقاصده الصالحة. وبالتالي فإن الإيمان يرى الله وراء الخير، ووراء الشر أيضًا، الذي ما كان ليأتي من الشرير دون إذنه، بل ودون قصده وتعديلاته عليه! وهذا ما أدركه أيوب
قديمًا في أتون تجربته، فقال لزوجته: «أ الخير نقبل من عند
الله، والشر لا نقبل؟» (أي 2: 10 ). وقد سبق فقال: «الرب أعطى والرب أخذ، فليكن اسم الرب مباركًا» (أي 1: 21 ).
أوَ ليس الله هو الخالق الوحيد لكل شيء، وهو الذي ـ في حكمته ـ صنع الكل لغرضه، والشرير ليوم الشر (أم 16: 4 )؟ نعم إن الإيمان يدرك أن «فوق العالي عاليًا يُلاحظ، والأعلى فوقهما» (جا 5: 8 ). لقد سمح الله بوجود الشرير والأشرار لهدف واحد هو تحقيق مقاصده ـ تبارك اسمه.
أوَ لا تسطع هذه الحقيقة على مرّ الدهور في التاريخ المقدس؟ أوَ لا نختبر ذلك يوميًا في حياتنا ؟ أوَ لا نلاحظ ذلك بوضوح في مشهد صلب المسيح ؟ إن الأمثلة على ذلك تجل عن الحصر. والإيمان يثق أنه بعد أن يؤدي الأشرار دورهم، فسوف يذهبون إلى مصيرهم الأبدي التعيس. أما الآن، فإن الإيمان يوقن بأن الله يجعل كل الأشياء التي تأتي علينا؛ خيرًا كانت أم شرًا، تعمل معًا في اتجاه واحد هو الخير للذين يحبون الله (رو 8: 28 ).
إن كيلة خير تأتينا مع كيلة شر يحولهما الله في حياة أولاده إلى كيلتين من الخير. ولهذا السبب، فإن الإيمان يبارك الله لأجل الخير، ويباركه أيضًا لأجل الشر. «قولوا للصديق خير»
( إش 3: 10 )، وكما قال يوسف لإخوته بعد رحلة آلامه
الطويلة والمريرة
« أنتم قصدتم لي شرًا، أما الله فقصد به ( أي بنفس هذا الشر) خيرًا » فما أعظمه !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.