تاريخ اعمال الرسل

سلام الرب لكم :
تاريخ اعمال الرسل


تاريخ كتابة السفر
يظن البعض أن السفر قد كُتب في الإسكندرية، لكن غالبية الدارسين يرون أنه كُتب في روما أثناء سجن الرسول بولس بعد وصول القديس لوقا إليها مع القديس بولس (أع 28: 16).
يرى كثير من الدارسين أن سفر الأعمال كُتب حوالي سنة 63م حيث نهاية ما ورد في السفر. في هذه الفترة بدأت حرب شنعاء ضد المسيحيين، وربما استشهد القديس لوقا بعد فترة وجيزة. وإذ أُحرقت روما وتعرض المسيحيون للذبح والحرق تأخر ظهور إنجيل لوقا وسفر الأعمال (ككتابٍ واحدٍ)، ولم يظهر إلا بعد الحرب السبعينية (حرق الهيكل علي يد تيطس) وهدوء الموقف واستعادة الكنيسة شيئًا من الحرية.
يبرّر بعض الدارسين كتابة السفر قبل عام 64م بالآتي:

1. يظهر اهتمام القدّيس لوقا في إنجيله بأورشليم أكثر من الإنجيليّين متى ومرقس، فقد دُعي "راوي الرحلات
Travel-narrative (لو9: 51-16: 15). حيث ركّز على تحرّكات يسوع المسيح نحو أورشليم. ويظهر اهتمامه بالمدينة المقدّسة في عرضه للقصص الخاصة بالقيامة. فقد ركّز على أورشليم. فلو أنّه سجّل السفر بعد أحداث خراب أورشليم عام 70م لما تجاهل هذا الحدث.
2. إذ يسجّل السفر ما عانته الكنيسة الأولى من متاعب ما كان يمكن تجاهل الاضطهاد الذي أثاره نيرون عام 64م، حيث استشهدت أعداد كبيرة من المسيحيّين من بينهم القدّيس بطرس وبولس. حتمًا سُجّل هذا السفر قبل ثورة نيرون العارمة، خاصة وأن السفر روى استشهاد كل من يعقوب بن زبدي واستفانوس، فلماذا لم يشر إلى استشهاد القدّيسين بطرس وبولس؟
3. يقدّم لنا السفر طبيعة اللاهوت المسيحي في صورته البدائيّة كما يناسب بدء عصر الرسل. فلغة السفر اللاهوتيّة تكشف إلى حد ما عن تاريخ كتابته، مثل دعوة المسيحيّين "تلاميذ" والإشارة إلى يوم الأحد بأول الأسبوع، كما جاء الوصف لكثير من الأحداث تكشف أن الكاتب شاهد عيان له علاقة قويّة بالرسل ويعيش في جوّ الكنيسة في عصر الرسل.
4. اتجاه الدولة نحو الكنيسة: يلاحظ في السفر أن الحكّام الرومان والقادة لم يثيروا اضطهادات ضد الكنيسة، وإن وُجدت فهي بوازع من اليهود. وفي بعض المواقف وقف الحكّام في صف بعض الرسل مثل القدّيس بولس حيث أنقذوا حياته من الخطط التي وضعها اليهود لقتله. هذا الاتّجاه كان سائدًا قبل اضطهاد نيرون للكنيسة عام 64م.
5. لم يشر سفر الأعمال إلى رسائل القدّيس بولس وغيره من الرسل ممّا يظهر أنّه كتب قبل جمع هذه الرسائل.
غاية السفر
1. سجل لنا الإنجيلي غاية كتابة الإنجيل، وهو تحقيق ما ابتدأ يسوع أن يعمله ويعلم به إلى يوم صعوده (لو 1:1-4)، وجاء هذا السفر يحمل ذات الهدف منذ لحظة صعوده إلى قرابة ثلاثين عامًا ليحقق عمل السيد المسيح خلال كنيسته بعد صعوده. أي تحقيق سفر أعمال المسيح بروحه القدوس في كنيسته الشاهدة له. فهو العامل فيها، وهو الذي أرسل إليها روحه القدوس.

يبدو أعمال الرسل أنه يروي قصة غير مزخرفة تصف ببساطة طفولة الكنيسة الحديثة الولادة، لكن إذ نتحقق أن كاتبها لوقا الطبيب يمتدحه الإنجيل، نرى أن كل كلماته هي دواء للنفس المريضة.
القديس جيروم
2. تحقيق الوعد الإلهي الخاص بانتشار المسيحية في أورشليم واليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض (أع 1: 8)، أي انفتاح باب الإيمان لجميع الأمم، وهذا يحسبه الرب معجزة المعجزات التي صنعها ربنا يسوع بروحه القدوس خلال تلاميذه ورسله. العامل الأساسي في نشر الإيمان هو حلول الروح القدس الذي قدم للتلاميذ موهبة التكلم بالألسنة ليجتذب الأمم ويُبكم أفواه المتعصبين من اليهود، كما سندهم بعمل الآيات والمعجزات باسم يسوع المسيح، وقام بتوجيههم وجذب النفوس إلي الكلمة.
إلى فترة طويلة لم يكن من السهل على اليهود أن يتقبلوا دعوة الأمم للإيمان، خاصة إن دخلوا مباشرة دون تهودهم. هذا ما نلمسه من بعض كتابات الآباء وحوارهم مع اليهود، مثل كتابات العلامة ترتليان، الذي أبرز نبوات العهد القديم في قبول الأمم مثل ما جاء في المزمور: "أنا اليوم ولدتك. اسألني فأعطيك الأمم ميراثك" ( مز2: 7؛ 8)؛ وأيضًا "في كل الأرض خرج منطقهم، وإلى أقصي المسكونة كلماتهم" (مز 19: 4)
هذا وقد اشتركت القوات السمائية في العمل، فظهرت خدمة الملائكة بقوة لحساب انتشار ملكوت الله خلال الكنيسة.
لقد أعلن السيد لتلاميذه أنهم يُقدمون لملوك وولاة ويُحاكمون أمام مجامع (مت 10: 18)، هذا كله لن يقف عائقًا للكرازة في العالم كله (مت 24: 14).
3. سفر تاريخي لاهوتي: ينقل لنا الفكر اللاهوتي خلال أحداث تاريخية، معلنًا في بساطة أن السيد المسيح هو محور التاريخ، وأن تاريخ الخلاص جزء لا يتجزأ من التاريخ العام.
سجل لنا هذا السفر أعمال بعض الرسل مثل القديسين بطرس ويوحنا وبولس وغيرهم. لكنه ركز على عمل الروح القدس فيهم كقائدٍٍ ومدبرٍ لحياة الكنيسة الأولى، وعن عمله لكي تمتد الكرازة إلى أقصى المسكونة. لهذا ما أن وصل القديس بولس إلى روما، وشهد للسيد المسيح في عاصمة الدولة الرومانية التي كانت تسود العالم، حتى انتهى السفر دون إشارة إلى استشهاد القديس بولس في أيام نيرون. لأن غاية السفر هي أن البشارة بالخلاص قد بلغت بكل جرأة حتى قصر الإمبراطور.
يكشف هذا السفر عن استمرار قصد الله من التاريخ، فإن كانت أحداث الخلاص التي تمّت بالمسيح يسوع مخلّص العالم دخلت التاريخ كأحداث تاريخيّة، لكنّها يبقى هذا العمل الإلهي الفائق حسب "مشورة اللَّه المحتومة وعلمه السابق" (2: 23). هكذا أيضًا أحداث الكرازة المسجّلة في سفر الأعمال، هي أحداث تاريخيّة ووقائع زمنيّة، لكنّها تبقى شاهدة على استمرار تنفيذ خطّة اللَّه في العالم حتى تتحقّق كنيسة المسيح بكمالها، فتتأهّل للميراث الأبدي وشركة المجد. أحداثها هي تحقيق لنبوّات وردت في العهد القديم يقوم الروح القدس نفسه بتحقيقها عبر الأزمنة إلى يوم مجيء الرب الأخير.
4. إنجيل الروح: إذ كثيرًا ما يشير هذا السفر إلى الروح القدس، فواضح أن غاية السفر ليس الكشف عن المتاعب التي واجهتها الكنيسة في بدء انطلاقها، وإنّما تأكيد أن اللَّه بروحه القدّوس هو الموجّه لكل حركة في تاريخها. فنمو الكنيسة لم يتحقّق خلال مجهودات الرسل الذاتية ومواجهتهم للمصاعب، إذ بحسب الفكر البشري كان يستحيل قبول العالم للإيمان، لكنّه هو ثمرة تحرّك اللَّه نفسه محب البشر، العامل في حياة الرسل كما الشعب... يعطي الروح القدس الرعاة قوة للكرازة، ويهبهم مواهب للرعاية. هو عطية الله لأولاده في المعمودية، يهب حكمة روحية، ويقدم كلمة وقت الضيق (6: 10)؛ مواهبه لا تقتني بمال (أي بالسيمونية أعمال 8). كما يظهر قوة الروح القدس في مواجهة المقاومين من اليهود، وفي وقوف التلاميذ والرسل أمام ولاة وملوك والسلطات. إنه حصن الكنيسة المحيط بها، وسرّ قوّتها ومجدها. وكما جاء في سفر زكريّا: "وأنا يقول الرب أكون لها سور نارٍ من حولها، وأكون مجدًا في وسطها" (زك 2: 5).
5. دفاع عن رسولية القديس بولس رسول الأمم. فقد تعرضت شخصيته للنقد الشديد، وأُتهم بمقاومة موسى "الناموس"، وأنكرت بعض الجماعات رسوليته. إنه وثيقة دفاعية، توفق بين الفكرين البولسي والبطرسي إن صح التعبير، بين الرغبة في كسب الأمم وبين الالتزام بحفظ الناموس.
تشابه الرسولان: فكلاهما ابرأ معوقين (أع 3؛ 14)، وشفيا المرضى بطرق غريبة (أع5؛ 19)، وحُسبا ساحرين (أع 8؛ 13)، وأعادا إنسانا للحياة (أع9؛ 20)، وخرجا من السجن بطريقة معجزية (أع 12، 16)، وقاما بثلاث رحلات تبشيرية. هذا التماثل بين الشخصيّتين قُدّم بطريقة رائعة ومثيرة بهدف تأكيد أن القدّيس بولس كان رسولاً على ذات المستوى مع القدّيس بطرس.
أبرز السفر مواقف لبطرس الرسول في خدمته للأمم، ومواقف للرسول بولس فيها يحرص ألا يكسر الناموس (أع 16؛ 18).
6. وثيقة لاهوتية تعليمية: يحوى 18 مقالاً أو خطابا يمثلون رُبع السفر، أغلبها تقدم صورة حية لتعليم الكنيسة الأولى وفكرها اللاهوتي. يمكننا القول أن سفر أعمال الرسل قدّم بذار قانون الإيمان المسيحي، خاصة الإيمان بعمل اللَّه الخلاصي، والتعرّف على الآب والروح القدس يسوع المسيح والروح القدس، وعملهم في حياة الكنيسة كما في حياة المؤمن كعضو حيّ في الكنيسة. غير أنّه لا يمكننا القول بأن ما ورد في السفر هو المنهج الكامل لكل تعاليم الكنيسة. فمع تناغم ما ورد في السفر مع رسائل الرسل، إلاّ أن الرسائل قدّمت في شيء من التوسّع العقائد الإيمانيّة والتعاليم المسيحيّة والسلوك اللائق بالمؤمن في حياته الخاصة وبيته والكنيسة والمجتمع الذي يعيش فيه.
7. مرشد للكنيسة: يقدم هذا السفر الخطوط الرئيسية لكنيسة السيد المسيح، كمرشدٍ لها عبر الأجيال، حتى تنمو بلا انحراف، وسط الضيق.
8. لم يكن يشغل ذهن الإنجيلي لوقا تسجيل تاريخ الكنيسة الأولى، أو عرض لتاريخ الرسل وأعمالهم المجيدة، لكن غايته كرازيّة. فالسفر عمل تبشيري ينادي بالخلاص لكل إنسان أين كان موقعه، وأيّا كانت ظروفه. فالسيّد المسيح نفسه يقدّم بروحه القدّوس الخلاص للجميع دون تفرقة عنصريّة. يقدّم إنجيله لليهودي كما لليوناني والروماني... للرجل كما للمرأة، للولاة والحكّام وقوّاد الجيش كما للفقراء وعامة الشعب، للأغنياء كما للفقراء

شكرا ليكى على تعب محبتك lolla

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010