النبي أليشع

دعوة أليشع وبداية خدمته

(1ملوك 19:19-21، 2ملوك 2)

خلف النبيُّ أليشعُ النبيَّ العظيم إيليا في رسالته للمملكة الشمالية، ومعنى اسمه »الله خلاص«. ولا نعرف الكثير عن عائلته إلا أن اسم أبيه شافاط، من سبط يساكر.

ويبدو أن الأب كان رجلاً تقياً ذا غِنى، فقد كان حقله يستلزم اثني عشر زوجاً من البقر لحَرْثه. والنبي أليشع من بلدة اسمها »آبل محولة« في الطرف الشمالي من وادي الأردن الى الجنوب قليلاً من بحر الجليل. و»آبل محولة« اسم عبري معناه »مَرْجُ الرقص« وهو نفس المكان الذي طَرَدَ منه نبي الله جدعون ورجاله الثلاثُ مائة، المستعمرين المديانيين.

ومن المرجح أن »آبل محولة« اليوم هي بلدة »عين حلوة« على بعد عشرين كيلو متراً جنوب بيسان.

إيليا يدعو أليشع للخدمة الدينية:

أول ما نلتقي بنبي الله أليشع على صفحات التوراة المقدسة، في الأصحاح التاسع عشر من سفر الملوك الأول، عندما كان النبي إيليا هارباً من وجه الملكة الشريرة إيزابل، وأصدر إليه الرب أمراً أن يرجع الى برية دمشق ليمسح حزائيل ملكاً على أرام (المعروفة الآن بسوريا) وأن يمسح أليشع بن شافاط من آبل محولة نبياً خلفاً له.

واستجاب النبيُّ إيليا لدعوة الله، فذهب من المكان الذي كان موجوداً فيه، واتَّجه نحو آبل محولة، حيث وجد أليشع بن شافاط يحرث، واثني عشر زوجاً من البقر أمامه، وهو مع الزوج الثاني عشر. فمرّ النبيُّ إيليا بأليشع وطرح رداءه عليه، وكان هذا الرداء خصوصياً مميّزاً، وكل من يرتديه يُعرَف به أنه نبي، كما كان الأنبياء يلبسون ثوباً من الشعر.

وأدرك النبي أليشع معنى طرْح رداء إيليا عليه، فقد كان علامة تعيينه ليكون نبياً يعمل مع إيليا، يخدمه ويكون تلميذاً له، على أن يتولَّى مسئولية خدمة النبوَّة لبني اسرائيل بعد ذلك. ولا يسجِّل الوحي المقدس لنا شيئاً قاله النبي إيليا لأليشع وهو يدعوه، لكن أليشع شعر في أعماق قلبه بدعوة الله له »واللبيب بالإشارة يفهم«. وظل أليشع في مكانه وقتاً يفكر في تلك الدعوة الكريمة التي وجَّهها الله اليه ليكون نبياً.

وكان إيليا أثناء ذلك الوقت قد ترك أليشع ومضى، فجرى أليشع وراء إيليا وقال له: »دَعْني أقبِّل أبي وأمي وأسير وراءك«. ولم يكن أليشع يقصد أن يتأخر عن طاعة الدعوة، لكنه استجاب لها حالاً. غير أنه أراد أن يودّع أهل بيته بعد أن قرر تَرْكهم في سبيل خدمة الله، فكان لابد أن يخبرهم أنه ترك الأرض، ليتولّوا هم مسئولية حرثها.

ثم أنه أراد أن يعرِّفهم بدعوة الله له. وكانت إجابة إيليا على أليشع: »اذهب راجعاً، لأني ماذا فعلت لك؟«. والنبي إيليا يقصد أن الله هو الذي دعا أليشع للخدمة، ولم يكن إيليا هو الذي دعاه. ثم أن الله لا يطلب من الذين يطيعونه أن يقتلوا عواطفهم الطبيعية من نحو أهلهم، فان الذي يحبّ الله لابد أن يحب أهله أولاً. ولا يمكن أن تبدأ خدمة ناجحة إلا اذا بدأت في البيت وسط الأهل الذين نعرفهم.

وهكذا رجع أليشع من وراء إيليا، وأخذ بقرتين وذبحهما، وسلَق اللحم بخشب المحراث الذي كان يحرث عليه، وقدم للشعب فأكلوا. وبعد ذلك مضى وراء إيليا، وكان يخدمه ويتعلم منه ويتدرب على يديه.

أليشع يقبل الدعوة:

في استجابة النبي أليشع لدعوة إيليا ليخدم الله، نرى محبة أليشع الكاملة لله. لقد سلق اللحم بخشب المحراث، وأطعم الشعب، لأنه أراد أن يقول لله: »كل ما أملكه هو لخدمة الشعب، لأدعوه للتوبة«.

هذا العطاء هو علامة تكريس كامل لله، الذي يجب أن يحتلَّ المكانة الأولى في قلوبنا، وما أجمل ما قاله السيد المسيح: »اطْلُبُوا أَوَّلاً مَلَكُوتَ اللّهِ وَبِرَّهُ، وَهذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ« (متى 6:33).

أيها القارئ الكريم، إن الله يدعوك لتخدمه. قد تجيء الدعوة إليك بأن تترك عملك لكي تتفرَّغ للخدمة الدينية، وقد تجيئك لتخدم الله حيث أنت في عملك اليومي العادي ولو أن دعوة معظم الناس هي أن يخدموا الله في عملهم اليومي العادي.

وسواء دعاك الله لخدمة متفرغة، أو لجزء من الوقت، فان عليك أن تضع مصلحة الآخرين قبل مصلحتك وأن تضع الله أولاً قبل كل شيء في حياتك.

وخدمة الله تتطلب من جانبنا تواضعاً. كان أليشع من عائلة ثرية، وكان يعمل في حقله، ولكن ما أن قبل دعوة الله حتى بدأ يخدم النبي إيليا. إن السيد المسيح الذي غسل أرجل تلاميذه، يعلّمنا درساً عظيماً في خدمة الآخرين. وها هو أليشع يقدم لنا درساً رائعاً في سرعة طاعة دعوة الله، وفي الاستجابة التي لا تتردد لندائه، والتي تقول قولة رسول المسيحية بولس: ولكني لا أحسب لحياتي أيَّ قيمة، ما دمتُ أسعى الى بلوغ غايتي وإتمام الخدمة التي كلَّفني بها الرب يسوع: أن أشهد ببشارة نعمة الله (أعمال 20:24).

هل سمعتَ دعوة الله لك لتخدمه؟ إنَّ الله يدعونا جميعاً أن نعمل في كرمه، فلنضع الله أولاً في حياتنا، ونتقدم الى الأمام بغير تردُّد لنخدم الله، كما أسرع أليشع بطاعة الدعوة الإلهية، وسار وراء إيليا.

ولفترة طويلة ظل أليشع يخدم إيليا ويتدرَّب على يديه ويتعلم منه. لقد جاءت دعوة رجل الله إيليا لأليشع أثناء عمله في زراعة حقله، فالله لا يدعو الكسالى. وأطاع أليشع الدعوة بلا مراجعة.

بدأت خدمة أليشع بسيطة، فقد كان يصبُّ الماء على يدي إيليا، ولكن الله أقامه بعد ذلك على خدمة عظمى، كما سنرى. ونحن عندما نكون أمناء في الخدمة البسيطة التي يدعونا الله إليها، فانه يرقّينا ويرفعنا الى مستوى أعلى، إذ يقول لنا: »كُنْتَ أَمِيناً فِي الْقَلِيلِ فَأُقِيمُكَ عَلَى الْكَثِيرِ. اُدْخُلْ إِلَى فَرَحِ سَيِّدِكَ« (متى 25:21).

أليشع يتبع إيليا:

حان موعد انطلاق إيليا الى السماء بغير موت، فقد أرسل الله مركبة من نار أخذت إيليا الى السماء العليا. وعندما شعر إيليا بدُنوِّ أجله كان ذلك في الجلجال، محل سكن النبي أليشع. فقال إيليا لأليشع: »ابقَ هنا، لأن الرب قد أرسلني الى بيت إيل«. فرفض أليشع أن يترك إيليا، وقرر أن يذهب معه الى بيت إيل. وما أن وصل إيليا وأليشع الى بيت إيل حتى جاء بنو الأنبياء وقالوا لأليشع: »ألا تعلم أنه اليوم يأخذ الرب سيدك منك؟«. فأجابهم: »أعلم، فاسكتوا«.

وقال النبي إيليا لأليشع: »ابقَ هنا لأن الرب قد أرسلني إلى أريحا«. فأصرَّ أليشع أن يذهب مع النبي إيليا الى أريحا. وفي أريحا تقدم بنو الأنبياء الى أليشع وقالوا له الرسالة نفسها، إن الله سيأخذ منه سيده إيليا، فطلب منهم أن يسكتوا. وعاد إيليا يقول لأليشع: إن الرب قد أرسلني الى الأردن، وطلب منه أن يبقى في أريحا. ولكن أليشع أصرّ على الذهاب الى الأردن مع إيليا. وعندما وقف إيليا على حافة نهر الأردن أخذ رداءه ولفَّه وضرب ماء نهر الأردن، فانفلق الى هنا وهناك، فعبر إيليا وأليشع على الأرض اليابسة.

اطلب ماذا أفعل لك:

وبعد أن عبرا قال إيليا لتلميذه أليشع: »اطلُبْ ماذا أفعل قبل أن أُوخَذَ منك«. فأجاب أليشع: »ليكن نصيب اثنين من روحك عليَّ«. وكانت شريعة تقسيم الميراث عند موسى أن ينال الابن الأكبر نصيب اثنين من الميراث. وكان الأنبياء أبناء أبيهم الروحي إيليا، فطلب أليشع أن يكون أولهم ورئيسهم، كالبكر بين الأولاد، يأخذ نصيب اثنين من روح أستاذه إيليا.

وما أجمل الطمع في البركات السماوية. جميل أن نفتح قلوبنا لنتلقَّى من الله بركات أكثر، وقد قال المسيح لتلاميذه: »إِلَى الْآنَ لَمْ تَطْلُبُوا شَيْئاً بِاسْمِي. اُطْلُبُوا تَأْخُذُوا، لِيَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلاً« (يوحنا 16:24). وكانت إجابة إيليا على طلبة أليشع: »صَعَّبْتَ السؤال«. لقد صعّب أليشع السؤال على نفسه، لأنه طلب أن يأخذ نصيب اثنين من روح إيليا، وهذا يجعله يتحمل مسئولية ضخمة. ووضع إيليا شرطاً لنوال البركة المزدوجة، فقال لأليشع: »إن رأيتني أُوخَذَ منك، يكون لك كذلك، وإلا فلا يكون، وظل أليشع يرافق إيليا إلى أن رآه يصعد إلى السماء في مركبة نارية، فجعل أليشع يصرخ: »يا أبي، يا أبي، مركبة إسرائيل وفرسانها«. فقد كان إيليا بحقٍ جيشاً كاملاً في عمل مشيئة الله.

لو أن أحداً وجَّه إليك سؤالاً مثل الذي وجَّهه إيليا لأليشع: »ماذا أفعل لك؟« فماذا تكون إجابتك؟ هل تحب أن تنال روح اثنين في خدمة الله؟ هل تحب أن يكون نصيبك في خدمة الله والآخرين نصيباً مضاعفاً؟

رحلة روحية:

تُظهر الرحلة التي سافرها أليشع مع النبي إيليا لنا ما يجب أن نفعله في سفرنا الروحي إلى حياة أرفع وأرفع مع الله. بدأت الرحلة من الجلجال. ومعنى الجلجال »دحرجة العار«. ورحلتنا الروحية تبدأ دوماً بالتوبة، عندما نرجع إلى الله بكل قلوبنا، فيتدحرج عار الخطية عنا. ثم نتقدم في رحلتنا من دحرجة العار إلى بيت إيل، ومعناها »بيت الله«. وهذا يعني الصُّحبة الإلهية، والأُنس بالله.

وعندما نتوب الى الله يقبل توبتنا ويعطينا صُحْبَته المباركة. وإذ تكون لنا الصُّحبة ننتقل الى أريحا، البلد التي سقطت أسوارها أمام بني إسرائيل فانتصروا. فالذي يسير في صحبة الله بعد توبته ينتصر ويغلب، لأن الله ينصره. وتنتهي الرحلة بعبور نهر الأردن الذي يرمز إلى الموت، ذلك الموت الذي يؤدي إلى الحياة الأبدية وإلى مكان الراحة.

أيها القارئ الكريم، إن أردت أن تنتهي حياتك بأرض الراحة والمجد في محضر الله، فعليك أن تبدأ بالتوبة ودحرجة عار الخطية عن نفسك. ثم عليك أن تتمتع بالصحبة الإلهية، إذ تحيا في أُنسٍ مع الله وفي طاعة له. وعليك أن تختبر الانتصار اليومي في حياتك إذ ينصرك الله على خطاياك وعلى شهواتك.

وإن كنت مصرّاً على أن تأخذ البركة من الله، فعليك أن تتابع رحلة حياتك الروحية دون ارتداد ولا تخلُّف، ودون أن تعطلك المصاعب عن اتّباع الله. دحرج عنك عار الخطية بالتوبة، واستمتع بصحبة الله والأنس معه. اجعله يحارب معك وفيك لتغلب الخطية، حتى تعبر نهر الأردن الى حيث البركة والنعمة في محضر الله - حياة أبدية لا تنتهي أبداً
أليشع يشق نهر الأردن

(2ملوك 2:13، 14)

بعد أن صعد النبي إيليا الى السماء، مزّق أليشع ثيابه علامة حزنه على فراقه للنبي إيليا، ثم رفع رداء إيليا، إشارة الى المقام الجديد الذي تسلّمه، وضرب ماء نهر الأردن وقال: »أين هو الرب إله إيليا؟«. ثم ضرب الماء أيضاً فانفلق نهر الأردن، وعبر أليشع على الأرض اليابسة.

ولا زال المؤمنون يردّدون السؤال نفسه: أين هو الرب إله إيليا؟

* نحن نسأل هذا السؤال وقت الضيق لأننا نريد أن نرى الله المنقذ الذي يسرع إلى عوننا، فنقول: »اَلرَّبُّ نُورِي وَخَلَاصِي، مِمَّنْ أَخَافُ؟ الرَّبُّ حِصْنُ حَيَاتِي، مِمَّنْ أَرْتَعِبُ؟ عِنْدَ مَا اقْتَرَبَ إِلَيَّ الْأَشْرَارُ لِيَأْكُلُوا لَحْمِي، مُضَايِقِيَّ وَأَعْدَائِي عَثَرُوا وَسَقَطُوا. إِنْ نَزَلَ عَلَيَّ جَيْشٌ لَا يَخَافُ قَلْبِي. إِنْ قَامَتْ عَلَيَّ حَرْبٌ فَفِي ذلِكَ أَنَا مُطْمَئِنٌّ« (مزمور 27:1-3).

* ويسأل المؤمنون السؤال نفسه عندما يرون فساد المجتمع من حولهم، والشر يكاد ينتصر على الخير ويمحقه، فيدعون الله بالدُّعاء الذي دعاه به النبي حبقوق، عندما قال: »حَتَّى مَتَى يَا رَبُّ أَدْعُو وَأَنْتَ لَا تَسْمَعُ؟ أَصْرُخُ إِلَيْكَ مِنَ الظُّلْمِ وَأَنْتَ لَا تُخَلِّصُ؟ لِمَ تُرِينِي إِثْماً، وَتُبْصِرُ جَوْراً؟ يَا رَبُّ، عَمَلَكَ فِي وَسَطِ السِّنِينَ أَحْيِهِ« (حبقوق 1:2 و3، 3:2).

* ويسأل المؤمنون: »أين هو الرب إله إيليا؟« عندما يقفون أمام نهر الأردن ليعبروه. فعندما تحين الساعة الأخيرة التي ينتقل فيها الإنسان ليَمْثُل في محضر الله، يحتاج إلى نعمة الله الغنية التي تعبر به نهر الموت.

* فنحن من أنفسنا لا نستطيع أن نواجه المحاكمة الإلهية، لكن رحمة الله ونعمته هي التي تمكّننا من أن نقف في محضر الله القاضي العظيم، عالمين أنه »لَا شَيْءَ مِنَ الدَّيْنُونَةِ الْآنَ عَلَى الَّذِينَ هُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، السَّالِكِينَ لَيْسَ حَسَبَ الْجَسَدِ بَلْ حَسَبَ الرُّوحِ« (رومية 8:1).

وفي معجزة شقّ نهر الأردن بركتان:

البركة الأولى: أن أليشع أدرك أن الله استجاب صلاته وأعطاه روح اثنين من إيليا. لقد ثبَّت الله دعوة نبيّه أليشع، وها هو الآن يرى أن الله يختم على صدق تلك الدعوة التي وُجِّهت اليه. ونحن دوماً نحتاج إلى تقوية إيماننا.

مولاي إني مؤمن، زدني

عزماً يقوي بالفدا أمني

واجعل يقيني ثابت الركن

واشدُدْ بروحك مولاي إيماني

آمنت يا ربي، فقوِّ إيماني

شدّد يقيني، وزدْ فيك إركاني

أما البركة الثانية فكانت اعتراف بني الأنبياء بنبوَّة أليشع. لقد كانوا دوماً ينظرون الى أليشع باعتباره خادم إيليا، فمن يكون أليشع هذا ليتولى النبوَّة بعد إيليا؟ فأعطى الله نبيّه أليشع هذه المعجزة ليُقنع بني الأنبياء وبني إسرائيل جميعهم أن روح الله قد حلَّ عليه.

عندما يدعو الله نبياً فلا بد من أن يؤيدّه بما يُثبت صدق رسالته. هذا حدث مع موسى، ومع إيليا، ومع أليشع. والله دوماً يؤيّد رسالته بما يبارك ويبني، بكل ما هو حق وكل ما هو جليل وكل ما هو عادل وكل ما هو طاهر وكل ما هو مُسرّ وكل ما صيته حسن. لقد أبصر بنو الأنبياء إيليا يرتفع الى السماء في مركبة نارية، ورأوا أليشع يفلق نهر الأردن، فجاءُوا للقائه وقدموا له فروض الطاعة والإكرام. وتقول التوراة: »إنهم سجدوا إلى الأرض«. لقد كانوا يكرمون الرسالة التي جاءت من الله إليه، فالإكرام يُوجَّه كله الى الله، الذي جاء الأمر الكتابي عنه: »لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ« (متى 4:10).

إن كانت هناك صعوبة تعترض طريقك، أؤكد لك أن الله يريد أن يفتح لك في البحر طريقاً، وأن يعينك في وقت صعوبتك. إنَّ ما يبدو لك مستحيلاً هو عند الله ممكن، فاستمع للأمر: »ادْعُنِي فِي يَوْمِ الضِّيقِ أُنْقِذْكَ فَتُمَجِّدَنِي« (مزمور 50:15
تحويل مياه أريحا الرديئة

الى مياه صالحة للشرب

(2ملوك 2:19-22)

بارك الله أليشع وأعطاه روح اثنين من إيليا، فأجرى الله على يديه ضِعف ما أجرى على يدي إيليا من معجزات. لابد أن الله يؤيد نبيّه الصحيح الذي أرسله من عنده بمعجزة تجعل الناس يسمعون الكلام الذي يقوله من عند الله لهم.

وعندما اقتنع بنو إسرائيل بنبوَّة أليشع جاءه رجال مدينة أريحا بشكوى. قالوا: إن موقع المدينة حسن، أما المياه فرديّة والأرض مُجدبة. كان موقع مدينة أريحا حسناً، فقد كانت عند سفح الجبل، وكان أمامها سهل الأردن وحولها النخيل وغيره من الأشجار والأعشاب ذات الرائحة الطيبة.

كما كان موقع المدينة رائعاً من جهة التجارة. ولكن مياه ذلك الجزء من مدينة أريحا كانت رديئة فكانت أرضها مجدبة غير مثمرة. كان السببُ في جدوب الأرض هو رداءة المياه. وكانت هذه مشكلة تهدد أمن السكان كلهم.

وهنا طلب النبي أليشع أن يجيئه أهل أريحا بصَحْن جديد يضعون فيه ملحاً. وذهب بالملح إلى نبع الماء، وطرح الملح فيه وقال: »هكذا قال الرب: قد أبرأتُ هذه المياه. لا يكون فيها أيضاً موت ولا جَدْب«. وأكرم الله نبيَّه أليشع فاذا بالمياه تصبح حلوة. ويقول المفسرون إن المياه التي برئت هي العين التي تخرج من عين السلطان الحالية، وهي اليوم عذبة جيدة.

حوَّل الله المياه الرديئة الى مياه صالحة للشرب والري، فانصلح حال الأرض المجدبة وجادت بالثمر. وهكذا صارت الأرض صالحة في الموقع الحسن!

ألا ترى أن عند كل واحد منا امتيازات وعيوباً؟ لا يمكن أن تكون كل حياتنا امتيازات، ولا يمكن أن تكون كلها عيوباً. إنما تختلط الامتيازات بالعيوب. ولكنك تلاحظ أن كثيرين يتذمرون على السيئات في حياتهم، دون أن يشكروا على البركات التي أنعم الله عليهم بها.

لعله لهذا السبب ذَكّر داود النبي نفسه بأن تقدم الشكر لله، فقال: »بَارِكِي يَا نَفْسِي الرَّبَّ، وَلَا تَنْسَيْ كُلَّ حَسَنَاتِهِ« (مزمور 103:2). إن كانت في حياتك سيئات فإننا نؤكد لك أن الله هو مصدر الإصلاح. لم يكن السرُّ في إصلاح الماء الرديء هو الصَحْن الجديد، ولا في الملح الذي كان فيه، لكن في قوة الرب التي شفت المياه وأبرأتها. ولا زال الله إلى يومنا هذا يحل مشاكلنا، وفوق الكل يصلح مشكلة النفس الإنسانية. فنفوسنا أمَّارة بالسوء، وهي مصدر كل شر، ولابد أن الله يصلح نفس الإنسان الذي يريد ذلك بعمل نعمته.

وهناك أربع خطوات في تحويل الماء الرديء إلى ماء صالح للشرب:

الخطوة الأولى أن أليشع خرج الى نبع الماء - والإصلاح يبدأ أولاً من نبع النفس البشرية.

ثم أن للإصلاح واسطة بشرية، فقد طرح أليشع الملح في الماء.

أما الخطوة الثالثة فهي أن الإصلاح عمل إلهي. قال الرب: »قد أبرأتُ هذه المياه. لا يكون فيها أيضاً موت ولا جدب«.

والخطوة الرابعة هي أن الإصلاح الذي يجريه الله هو إصلاح دائم ومستمر، فالتوراة تقول: »برئت المياه إلى هذا اليوم«.

والآن تعال نطبق هذه الأفكار الأربعة على إصلاح نفوسنا. إن الإصلاح يبدأ في النفس. عندما يحسُّ الإنسان منا أنه خطَّاء بعيد عن الله، يدرك أنه يجب أن يتوب، لأنه »لَا يَحْتَاجُ الْأَصِحَّاءُ إِلَى طَبِيبٍ بَلِ الْمَرْضَى« (متى 9:12). لم يأت المسيح ليدعو الذين يحسّون أنهم أبرار، لكن الذين يشعرون أنهم خطاة.

وهناك واسطة بشرية للإصلاح: أن تستمع لكلمة الله بفم واعظ، أو من خلال الراديو، أو من على منبر الوعظ، أو من كتاب تقرأه، أو من شريط تستمع إليه، أو صديق يتحدث إليك في جلسة فردية.

ولكن هذا لا يكفي، فقد يحسّ الإنسان منا أنه خطَّاء، وقد يستمع إلى كلمة وعظ، لكن الأمر يحتاج الى عمل الله في قلبه، فالله هو الذي يتوّبنا ويردّنا إليه من أجل اسمه.

وعندما يُجري الله هذا التغيير في حياتنا، فإنه يكون دائماً ومستمراً، لأن الله يضمن لنا استمرارية الحياة معه. قال السيد المسيح: »هَئَنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ. إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ الْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي« (رؤيا 3:20).

إنك تقرأ الآن كلمة الرب لك، ودعوته لتتوب عن خطيتك. فإن كنت تفتح قلبك، وتدعوه أن يدخل حياتك، عندها يدخل ليغفر خطاياك، وليجعلك خليقة جديدة، وليشبع نفسك، كما هو مكتوب: »أَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَاناً أَنْ يَصِيرُوا أَوْلَادَ اللّهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ« (يوحنا 1:12). ندعوك أن تستمع لصوته، وأن ترجع إليه، وأن تفتح قلبك ليمتّعك بالسلام والبركة والنعمة
أليشع يلعن الساخرين

(2ملوك 2:2 25)

سافر أليشع من أريحا الى بيت إيل، وفيما هو في الطريق اذا بمجموعة صبيان صغار قد خرجوا من بيت إيل يسخرون منه قائلين: »يا أقرع! يا أقرع!«. ولعله كان أصلع الرأس. فلعن الأولاد. وهنا خرجت دبتان من الوعر افترستا من الأولاد اثنين وأربعين ولداً. وقد تتعجب من تسميتنا هذه الحادثة بأنها معجزة. وقد تتساءل: كيف يستجيب الله طلبة نبيّه وهو يطلب قتل أولئك الأولاد الصغار الذين سخروا منه؟

لا يجب أن تنسى أن هذا حدث في زمن شريعة موسى، التي تُعلّم أن عيناً بعين وسناً بسن، ولم تحدث في زمن السيد المسيح الذي علَّم تلاميذه : »أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لَاعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لِأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ« (متى 5:44).

لقد نظر النبي أليشع إلى الأولاد الذين سخروا منه على أنهم فرقة من جيش الشيطان، أرسلهم إبليس ليقاوموه، فلم ير فيهم أولاداً صغاراً بل رآهم جيش أشرارٍ قادماً عليه. وأراد كذلك أن يتعلَّم أهل بيته وبنو إسرائيل جميعاً أن الله الإله الحي قادرٌ أن يحمي عبده من مؤامرات الأشرار.

وهذه المعجزة الثالثة ترينا مصير المستهزئين. المستهزئ يسخر دائماً من الآخرين. وهي خطية منتشرة في أكثر الذين يسخرون من عيوب الناس التي لا يد لهم فيها. لم تكن لأليشع يد في أن يكون أشعر أو أقرع. ولا ننسى أن الذي يهزأ بخادم الرب يستهزئ بالخدمة نفسها، ولا بد أن الله يسرع لإنقاذ خادمه. ويقول لنا نبيُّ الله داود: »طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي لَمْ يَسْلُكْ فِي مَشُورَةِ الْأَشْرَارِ، وَفِي طَرِيقِ الْخُطَاةِ لَمْ يَقِفْ، وَفِي مَجْلِسِ الْمُسْتَهْزِئِينَ لَمْ يَجْلِسْ« (مزمور 1:1). فالإنسان الحكيم هو الذي لا يجلس مع المستهزئين، وبالتالي لا يشاركهم سخريتهم بالآخرين.

وهناك نقطة أخرى: المستهزئ قد يثير غضب الحليم، فهو يقسّي قلبه أمام التوبيخ العادي. وتقول التوراة إن أليشع لعن الأولاد الذين سخروا منه »باسم الرب«. فلقد طلب من الله أن يوقع عقوبة على هؤلاء الأولاد. لقد أثاروه - مع أنه رجل طيب طويل الأناة. ولا بد أنه حاول أن يُسكتهم مراراً، ولكنهم لم يرتدعوا. لعل واحداً في الطريق حاول أن يسكتهم ولكنهم لم يهتموا، بل مضوا في غيّهم واستهزائهم. فلا بد إن المستهزئ يلقَى عقابه. وقد قال إمام الحكماء سليمان: »لَا تُوَبِّخْ مُسْتَهْزِئاً لِئَلَّا يُبْغِضَكَ. وَبِّخْ حَكِيماً فَيُحِبَّكَ« (أمثال 9:8). ثم مضى يقول: »اَلِابْنُ الْحَكِيمُ يَقْبَلُ تَأْدِيبَ أَبِيهِ، وَالْمُسْتَهْزِئُ لَا يَسْمَعُ انْتِهَاراً« (أمثال 13:1). »اَلْمُسْتَهْزِئُ يَطْلُبُ الْحِكْمَةَ وَلَا يَجِدُهَا، وَالْمَعْرِفَةُ هَيِّنَةٌ لِلْفَهِيمِ« (أمثال 14:6). »اَلْمُسْتَهْزِئُ لَا يُحِبُّ مُوَبِّخَهُ. إِلَى الْحُكَمَاءِ لَا يَذْهَبُ« (أمثال 15:12).

أضرار السخرية بالغير:

إن الله لا يغضّ النظر عن أخطاء الشباب التي يظنُّ الناس أنها طبيعية في هذه المرحلة من العمر. ولا بد من أن يعاقب الله خطيئة المخطئ. يقيس الناس العيوب بمقدار الضرر الذي تحدثه في العالم المحيط بهم، ولكن الله يقيس العيوب بمقدار الضرر الذي تحدثه في الذين يقومون بها. والظالم في القليل ظالم أيضاً في الكثير.

وعلينا أن نتأمل دوماً في تأثيرات ما نفعل بالآخرين. إن الذين يَسْخرون بغيرهم يمتلئون بالسعادة لأنهم أذلّوا كرامة الإنسان. لكن ماذا عن الإنسان الآخر الذي أُذِل؟

وهناك نقطة أخرى: لا يجب أن يغيب عن بالنا أن خطايا الشباب تستمر معهم إلى الشيخوخة. إنها تُظهِرُ طبيعة نفوسهم، ونَقْصَ محبتهم لله، ونقص إحساسهم بمشاعر الآخرين. ولذلك فإنه جيد للإنسان أن يعرف الله في شبابه، كما يقول صاحب سفر الجامعة: »اذْكُرْ خَالِقَكَ فِي أَيَّامِ شَبَابِكَ« (جامعة 12:1). ويوصي إمام الحكماء سليمان الآباء أن يؤدبوا أولادهم، فيقول: »مَنْ يَمْنَعُ عَصَاهُ يَمْقُتُ ابْنَهُ، وَمَنْ أَحَبَّهُ يَطْلُبُ لَهُ التَّأْدِيبَ« (أمثال 13:24). »رَبِّ الْوَلَدَ فِي طَرِيقِهِ، فَمَتَى شَاخَ أَيْضاً لَا يَحِيدُ عَنْهُ« (أمثال 22:6).

قد نختلف اليوم مع النبي أليشع في أنه طلب من الله أن يهلك الأولاد الذين سخروا منه، لكن الدرس الذي يجب أن يبقى معنا هو أن نحترس من السخرية بالآخرين، وأن ننتبه إلى أن العادات التي نزرعها في أيام شبابنا ستبقى معنا إلى كهولتنا
إرواء ثلاثة جيوش

(2ملوك 3)

المعجزة الرابعة التي أجراها الرب بواسطة أليشع، هي أنه أرسل أمطاراً غزيرة، أروى بها عطش ثلاثة جيوش.

أما القصة فتقول إن الملك »عُمري« أحد ملوك إسرائيل كان قد استعمر مملكة موآب ووضعها تحت جزية ثقيلة، فكان ملك موآب يؤدي له صوف مئة ألف خروف ومئة ألف كبش، كل سنة، لأن بلاد موآب كانت غنية بالمواشي. وعندما مات الملك أخآب ابن الملك عمري، اغتنم ملك موآب الفرصة، لأن ملك إسرائيل الجديد كان مريضاً وضعيفاً، وامتنع عن أن يدفع الجزية. فرأى ملك إسرائيل أن يستعين بملك يهوذا، لأنه زوج عمته. واتَّجه الملكان معاً بجيشهما نحو مملكة موآب. وكان هناك طريقان يؤديان إليها، أحدهما إلى المشرق، وبعد عبور الأردن يتَّجه إلى الجنوب. أما الطريق الآخر فقد كان الى الجنوب غرب بحر لوط، ثم الى الشرق الى أدوم. واختار ملك إسرائيل وملك يهوذا الطريق الثاني، مع أنه أطول. ربما لأن الموآبيين كانوا مستعدين للدفاع عن بلادهم في الشمال، ولم يكونوا ينتظرون أن يأتي الهجوم عليهم من الجنوب. وربما استحسن الملكان أن يأخذا الطريق الثاني لأنه يمر بمملكة أدوم، وأرادا أن يأخذا جيش أدوم معهما.

وسارت الجيوش الثلاثة، سبعة أيام، الى أن نفد الماء، فالماء في تلك النواحي قليل، والجيش كبير. وكان ذلك من سوء تدبير قادة الجيوش الثلاثة، فقد كان يجب أن يسألوا عن احتياجات الجيش ويدبِّروها قبل أن يتقدموا للقتال.

ولما ضاق الأمر بالملوك الثلاثة قالوا: »لا بد أننا سنقع في يد ملك موآب«. ولكن ملك مملكة يهوذا تساءل: »أليس هنا نبيّ للرب، فنسأل الرب بواسطته؟«. فأجابه واحد من رجال مملكة إسرائيل: »هنا نبيّ اسمه أليشع كان يصبُّ ماءً على يدي إيليا«. فقال ملك يهوذا: »عنده كلام الرب«.

واتَّجه الملوك الثلاثة الى حيث كان النبي أليشع. وهذا التصرف علامة احترام كبير للنبي، فلم يرسلوا إليه يستدعونه، بل ذهبوا كلهم إليه. فقال النبيُّ أليشع لملك إسرائيل: »حي هو الرب الذي أنا واقف أمامه أنه لولا أني رافع وجه ملك يهوذا لما كنت أنظر إليك ولا أراك«. وهكذا نرى النبيَّ أليشع يتحدث مع الملك الشرير بغير خوف. ولكنه احترم ملك يهوذا، الملك يهوشافاط الذي كان قلبه كاملاً مع الله، فانتفع الأشرار بوجود إنسان بار بينهم.

وطلب النبي أليشع من الملوك الثلاثة أن يأمروا جنودهم بأن يحفروا الوادي جِباباً جِباباً. وجباب مفردها جب بمعنى »حفرة أو بئر أو بِرْكة«. وكان هذا امتحاناً لإيمانهم، فلم يكن هناك ما يوحي بنزول المطر. ولكن حَفْر الجباب يبيّن الاستعداد لمجيء البركة الآتية. ومضى النبي أليشع يقول: »هكذا قال الرب: لا ترون ريحاً لا ترون مطراً، ولكن هذا الوادي يمتلىء ماء، فتشربون أنتم وماشيتكم وبهائمكم. وذلك يسير في عيني الرب، فيدفع موآب الى أيديكم«.

إن حدوث معجزة يتطلَّب إيماناً من جانب الذي يُجريها، ومن جانب الذي ينتفع بها. لقد كان أليشع واثقاً من أن الله سوف يستجيب له ويرسل مطراً، دون أن يسمع الناس أيَّ صوت، لأن المطر لا ينزل في الأرض التي كانوا فيها، بل ينزل في بلاد أدوم. ومن على جبالها العالية ينساب ليملأ تلك الحفر التي حفروها.

ولا بد أن قادة الجيش كانوا مقتنعين بصدق كلام أليشع، لأنهم أمروا رجالهم العطشَى أن يعملوا في أشعة الشمس الحارقة ليحفروا حفراً لا يدرون كيف تمتلئ، لكنهم كانوا يثقون أن الله سيستجيب دعاء أليشع. وفعلاً امتلأت الحُفر ماءً. وكان لون الماء أحمر كالدم، ربما بسبب انعكاس أشعة الشمس عليه.

ولما رأى ملك موآب ورجاله الماء الأحمر اللون، ظنوا أن الملوك الثلاثة تحاربوا فيما بينهم فسالت دماء رجالهم كالأنهار، فترك جنود موآب سلاحهم وأسرعوا لينهبوا الجيوش الثلاثة، فهاجمتهم الجيوش الثلاثة وقضت عليهم.

ولما رأى ملك موآب أن الحرب قد اشتدت عليه، أصعد ابنه البكر محرقة على سور المدينة. وتقول التوراة إن نتيجة ذلك العمل كانت غيظاً عظيماً على مملكة إسرائيل. فربما غضب ملكا يهوذا وأدوم على ملك إسرائيل لأنه دعاهما لحربٍ تسبَّبَتْ في قتل ابن ملك موآب تلك الميتة القاسية. أو ربما غضب الموآبيون لما رأوا وليَّ العهد مقتولاً، فاستماتوا في الدفاع عن مدينتهم، فعادت جيوش الغزاة من حيث أتت.

أيها القاريء الكريم، إن كنت تريد بركة من عند الله، فعليك أن تجهز قلبك لنوال تلك البركة. فكما حفر رجال الجيوش الثلاثة الوادي حفراً كبيرة تلقّت الماء، هكذا علينا أن نجهّز قلوبنا لتلقّي البركة الإلهية، فننزع من نفوسنا كل ما لا يُرضي الله، وننتظر من فيضان أنهار نعمته أن تغمرنا، لتروي عطشنا، ولتزيل ظمأنا، ونحن نسمع قول المسيح: »إِنْ عَطِشَ أَحَدٌ فَلْيُقْبِلْ إِلَيَّ وَيَشْرَبْ« (يوحنا 7:37
دُهْنَة زيت ملأت أوعية كثيرة

(2ملوك 4:1-7)

هذه المعجزة جرت مع أرملة، كان زوجها أحد الأنبياء، مات وترك عليها دَيْناً كبيراً، وأطفالاً أيتاماً لترعاهم. وبعد موت النبي جاء المرابي ليأخذ المال المستحَقّ له، فلم تستطع الأرملة المسكينة أن تسدده، فأراد المرابي أن يأخذ ولدين من أولادها عبدَيْن له. وفي ضيقة نفسها توجّهت إلى نبي الله أليشع وقالت له: »زوجي قد مات، وأنت تعلم أنه كان يخاف الرب، فأتى المرابي ليأخذ ولديّ له عبدَيْن«. فسألها النبي أليشع: »ماذا أصنع لك؟ أخبريني ماذا في البيت؟« فأجابته: »ليس لي شيء في البيت إلا دُهنَة زيت« فقال لها: »اذهبي استعيري أوعية فارغة ولا تقلّلي، ثم ادخلي واغلقي الباب على نفسك وعلى بنيك، وصُبِّي في جميع هذه الأوعية، وما يمتلئ منها انقليه«. فذهبت من عنده وأغلقت الباب على نفسها وعلى أولادها، فكانوا يقدمون لها الأوعية وهي تصب. ولما امتلأت الأوعية قالت لابنها: »قدِّم لي أيضاً وعاء«. فقال لها: »لا يوجد بعد وِعاء«. وهنا توقف الزيت. فذهبت الأرملة إلى النبي أليشع وأخبرته بما فعل الله معها، فقال لها : »اذهبي بيعي الزيت وأوفي دينك، وعيشي أنت وبنوك بما بقي«.

لا بد أن النبي المريض كان قبل موته قد استدان ليدفع أجر دوائه، وليعول أسرته الكبيرة عندما عجز عن أن يكسب عيشه، فلم يترك لأرملته إلا دُهنة زيت. ودُهنة الزيت تكفي عادة لدهن لقمة من الخبز. ولقد طلب النبي أليشع من الأرملة أن تستعير أوعية من جيرانها، لأنه لم يكن في بيتها وعاء، فاستعارت الكثير من الأوعية، الأمر الذي أظهر عظمة إيمانها، إذ لم يكن عندها ما تملأ به تلك الأوعية، لكنها كانت واثقة أن الله سيستجيب لها، وسيُجري المعجزة التي وعدها بها.

وطلب منها النبيُّ أن تغلق الباب على نفسها وعلى أولادها، فلم يأت الزيت من الخارج، لكن الله بارك في دُهنة الزيت حتى جعلت تفيض وتفيض إلى أن ملأت الأوعية كلها.

وتوقَّف انسياب الزيت عندما انتهت الأوعية، فلقد أعطاها الله بقدر ما كان لها من ثقة. وعلى قدر كمية الأوعية الموجودة في البيت ملأ الله الاحتياج كله. ولم تتصرف الأرملة في الزيت الذي أعطاه الله لها، لأنها كانت تدرك أن الزيت ليس زيتها هي، لكنه للرب. فمضت من جديد تطلب من أليشع رجل الله نصيحته. وعندما أعطاها التصريح بأن تبيع وتوفي الدَّيْن فعلت ذلك طاعةً لأمر الرب.

تُعلِّمنا هذه الأرملة دروساً عظيمة:

أنه لا مكان لليأس مع وجود الإيمان، فمع أن أبواب الأرض أُغلقت في وجهها، إلا أنها أدركت أن باب السماء لا يمكن أن يُغلق، فمضت الى رجل الله أليشع تشكو له سوء حالها، وهي تدرك أن الرب سيدبر لها مخرجاً.

وكانت الأرملة عظيمة في إيمانها، فقد جمعت أوعية كثيرة، في ثقة كاملة أن الرب سيعطيها ما يملأها كلها.

وكانت تدرك أنها وكل ما عندها ملكٌ لله، فلم تتصرف فيما أعطاه الله لها بغير أن تستشير رجلَ الله. فهي تعلّمنا أننا مجرد وكلاء، ولسنا مالكين، فليس ما عندنا ملكاً لنا، لكنه عطية من الله لنا، يجب أن نتصرف فيه باعتباره وديعة عندنا وليس مملوكاً لنا.

كما نتعلم أن الله يستطيع أن يخلّص بالقليل وبالكثير، وبركة الله تُغني ولا يزيد الله معها تعباً، والله يعطي نفس الإنسان نعمة بقدر ما يتَّسع قلبه لينال تلك النعمة. فإذا فتحنا قلوبنا لله على مصراعيها، فسيعطينا بركة عظيمة. وبقدر ما نسلّم له حياتنا بقدر ما يعطينا من نِعم. في مطلع كل صباح افتح قلبك لله واطلب منه أن يملأك من نعمته. وفي نهاية كل يوم افتح قلبك له واعترف بخطاياك، وتلقّ غفرانه.

والزيت في الكتاب المقدس يرمز لنعمة الله، فإن كانت عندك دُهنَةُ من الزيت صغيرة، فان الله يجعلها شيئاً عظيماً، لو سلَّمت نفسك له. سلِّم للرب أفكارك ورغباتك وأهدافك وأعمالك. وكلما انسكبت نعمة الله على أعمالنا اليومية ونشاطاتنا تتبارك أعمال أيدينا.

ولا تنس أن الله يعطيك نعمة لتستخدمها لخير الآخرين. لقد أعطى الله بركة لتلك الأرملة لتسدد ديونها، فتحقَّق أمر الكتاب المقدس: »لَا تَكُونُوا مَدْيُونِينَ لِأَحَدٍ بِشَيْءٍ إِلَّا بِأَنْ يُحِبَّ بَعْضُكُمْ بَعْضاً« (رومية 13:8). وفي الوقت نفسه حصلت على المال الكافي لتربّي أولادها.

سعيد هو الإنسان الذي لا يحيا لنفسه فقط، لكنه يحيا للآخرين أيضاً. سعيد هو الإنسان الذي يطلب نعمة من الله تكفي احتياجات قلبه، واحتياجات المحيطين به أيضاً. فافتح قلبك لنعمة الله، واطلب منه أن يملأك بالبركة، ولا بد أن نعمة الله ستفيض عليك لتباركك وتبارك المحيطين بك
إقامة ابن الشونمية من الموت

(2ملوك 4:8-37)

تدور أحداث هذه المعجزة حول ولد وحيد لأمه مات، فأقامه الله من الموت بواسطة النبي أليشع. وتتلخَّص القصة في أن سيدة عظيمة كانت ساكنة في بلدة اسمها شونم، من نصيب سبط يساكر. وهي اليوم بلدة »سولم« على بُعد خمسة وعشرين كيلومتراً من الكرمل، على جانب جبل الدَّحي الجنوبي الغربي، على بعد خمسة كيلومترات شمال مرج ابن عامر.

تصف التوراة المرأة بأنها كانت عظيمة، لأنها كانت غنية، أو زوجة لرجل غني. ونستنتج من القصة الكتابية أنها كانت امرأة ذكية وتقية وكريمة، وكان إيمانها عظيماً في وقت انحطاط ديني في الدولة الإسرائيلية كلها. وقد دعت المرأة الشونمية نبيَّ الله أليشع ليميل إلى بيتها كلما مرَّ ببلدها ليأكل خبزاً ويستريح. وذات يوم قالت لزوجها: »علمتُ أن النبي أليشع رجلَ الله مقدسٌ فَلْنَبْنِ له عِلّيَّة صغيرة، نضع له فيها سريراً وخِواناً وكرسياً ومنارة، حتى إذا جاء إلينا يستريح فيها«.

وذات يوم ذهب أليشع إلى شونم ودخل إلى العِلّيَّة التي جهَّزتها له، ثم طلب من خادمه جيحزي أن يستدعيها، وقال لها: »لقد انزعَجْتِ بسببنا. فماذا نصنع لك؟ هل هناك شيء أكلف به الملك من أجلك، أو رئيس الجيش؟« فأجابت: »أنا ساكنة وسط شعبي في سلام«. فعاد يسألها: »ماذا أصنع لك؟« فقال جيحزي: »ليس لها ابن، ورجلها قد شاخ«. فقال أليشع: »في مثل هذا الوقت من السنة القادمة ستحتضنين ابناً«. فأجابت مندهشة: »لا يا سيدي رجل الله، لا تكذب عليّ!«. ولكن الله استجاب لدعاء أليشع وأعطى الشونمية ابناً.

وكبر الولد وذهب مع أبيه إلى الحقل، وبقي وسط الحصادين، فأصابته ضربة شمس، فأعاده أبوه إلى البيت إلى أمه حيث مات.

أدركت المرأة الشونمية أن الله أعطاها هذا الغلام بمعجزة، فقد كانت عاقراً ولم يكن ممكناً أن يكون لها أولاد. كان الولد عطية الله لها. فحملته إلى عِلّيَّة أليشع، وأرقدَتْه على سريره، وأغلقت عليه الغرفة، وأرسلت إلى زوجها طالبة أن يرسل لها واحداً من رجاله مع حمار، لأنها تريد أن تذهب إلى رجل الله ثم ترجع. فسأل زوجها: »لماذا؟« قالت له: »سلام«.

ولما رآها أليشع قادمة من بعيد قال لخادمه جيحزي: »هذه هي المرأة الشونمية. اركض للقائها واسألها: أسلامٌ لك؟ أسلام لزوجك؟ أسلام لولدك؟« فكانت إجابتها: »سلام«. فلما وصلت حيث كان أليشع قالت له: »هل طلبْتُ ابناً من سيدي؟ ألم أقل لك:لا تخدعني؟«. فأدرك نبيُّ الله أن ابنها قد مات، فطلب من خادمه أن يأخذ عكازه، ويذهب مسرعاً إلى البيت وأن يضع العكاز على وجه الصبي الميت ليقوم. ولكن المرأة العظيمة قالت: »حيٌّ هو الرب، وحيّةٌ هي نفسك أنني لا أتركك« - فقام أليشع وتبعها. ولما دخل البيت وجد الصبي ميتاً مضطجعاً على سريره، فأغلق الباب عليه وعلى الصبي، وصلى إلى الرب، واضطجع فوق الصبي ووضع فمه على فمه وعينيه على عينيه ويديه على يديه، وتمدّد على الولد، فعطس الولد سبع مرات، ثم فتح عينيه. فدعا أليشع جيحزي خادمه وقال: »ادع المرأة الشونمية«. ثم قال لها: »احملي ابنك«. ولكن المرأة سجدت أولاً شكراً لله، ثم حملت ولدها.

لقد أجرى الله معجزة إقامة الولد الميت بناء على صلاة أليشع، وكانت صلاة إلى الرب تدل على محبته للولد الذي جاء نتيجة لاستجابة الصلاة. نعم كان أليشع يحب الولد ويحب أهله. ربما ظن أليشع أن عكازه يشبه عصا موسى، ولكن الله لم يكن يريد أن يقوم الولد من موته بفضل العكاز، ولا بفضل الخادم جيحزي، ولا بفضل أليشع نفسه، بل بفضل الله سامع الصلاة. فكان لا بد من أن أليشع بنفسه يدعو الله لأن يقيم الولد الميت.

وفي القصة لمسة شكر رائعة لله، فإن النبي أليشع عندما طلب من الشونمية أن تحمل ابنها لم تحمله، بل سجدت أولاً على الأرض ورفعت صلاة شكر إلى الله، ثم حملت ابنها وخرجت. ان إحساسها بالدَّيْن لله كان أقوى من مشاعرها كأم نحو ولدها الذي مات ثم قام. وهذا يبيّن مقدار حبها لله وتقديرها لفضله عليها.

إن أية أم عادية في مثل هذا الموقف كانت تسرع أولاً لتحمل ابنها، ثم تسجد أمام الله شاكرة. أما هذه السيدة فقد سجدت أولاً شكراً، ثم حملت ابنها.

ليتنا نتعلم كيف نعبّر عن الحب لله والشكر له قبل أن نأخذ عطاياه، فما أكثر الذين ينشغلون منا بالهدية وينسون المُهدي الذي أنعم علينا بها
القضاء على السموم في الخضروات

(2ملوك 4:38-41)

دارت حوادث هذه المعجزة في مدينة الجلجال الواقعة الى الشمال من بيت إيل، حيث وُجدت مدرسة الأنبياء التي كان أليشع يتردد عليها كثيراً. وكانت البلاد تعاني من مجاعة كبيرة، فاجتمع بنو الأنبياء وجلسوا أمام أليشع جلوس التلاميذ أمام معلمهم، فأمر أليشع خادمه أن يضع قِدْراً كبيرة على النار ويسلق سليقة لبني الأنبياء ليأكلوا. وذهب واحد منهم إلى الحقل ليلتقط بقولاً، فوجد يقطيناً برياً، فالتقط منه قثاء برياً ملء ثوبه، وأتى وقطَّعه في قدر السليقة. ويُرجَّح أن ما وجده ذلك التلميذ كان الحنظل، وطعمه مرٌّ يسبِّب الإسهال والمغص والقيء. ولم يدركوا أن الخُضر التي جاء بها زميلهم كانت سامة.

وعندما نضج الطعام غرفوا منه وصبُّوا لسائر التلاميذ ليأكلوا. وهنا عرفوه من طعمه المرّ، فتوقفوا عن الأكل، قبل أن يأكلوا منه مقداراً يسمّم أجسادهم ويُميتهم، أسرعوا جميعاً لأليشع قائلين: »في القِدْر موت يا رجل الله«. فأمرهم النبي أن يجيئوا بدقيق ألقاه في القدر، ثم أمر أن يُعطوهم ليأكلوا. »فكأنه لم يكن شيءٌ رديءٌ في القدر«. لقد حدثت المعجزة، وبفضل الله، أزال الدقيقُ الأثر السام للقثاء البري. ليس في الدقيق ما يضاد السم، لكنه كان الواسطة التي اختارها الله ليُبطل مفعول السم. وأكمل القوم أكلهم، لأنهم وثقوا في كلام الله الذي قاله أليشع.

إن النبي الحقيقي هو الذي يستطيع أن ينجو من السم بفضل الله، وهو الذي يستخدمه الله ليوجد وسيلة تنجّي من السموم.

قال بنو الأنبياء للنبي أليشع: »في القِدر موت يا رجلَ الله«. وهناك قدور كثيرة في عالمنا مليئة بالسموم، علينا أن نتجنَّبها تماماً.

* هناك قدِر المسكر، فإن الذين يسكرون بالخمر يدمّرون حياتهم ويسمّمونها، كما يسممون حياة عائلاتهم وأصدقائهم. لذلك يأمرنا الإنجيل: »وَلَا تَسْكَرُوا بِالْخَمْرِ الَّذِي فِيهِ الْخَلَاعَةُ« (أفسس 5:18). ويقول إمام الحكماء سليمان: »اَلْخَمْرُ مُسْتَهْزِئَةٌ. الْمُسْكِرُ عَجَّاجٌ، وَمَنْ يَتَرَنَّحُ بِهِمَا فَلَيْسَ بِحَكِيمٍ« (أمثال 20:1). علينا أن نتخلص من قدر المسكر فلا نقرَب الخمر، لأن من يبدأ بشُرْب كأس سرعان ما يطلبُ الكأسَ الثانية. في شرب الكأس الأولى يكون سيدَ الموقف، لكن الكأس تصبح سيدة الموقف بعد ذلك، فتستعبدُ ذلك الإنسان الذي بدأ ولا يستطيع أن يتوقف.

* وهناك قِدر أخرى مليئة بالسموم، هي قِدر المال الحرام. وعلينا أن نحذر من أن يدخلَ جيبَنا مال حرام، لأنه كالنار التي تُحرق الإنسان على هذه الأرض وفي أبديته، لأنه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟ أو ماذا يعطي الإنسان فداء عن نفسه؟ كما قال لنا السيد المسيح. إن الذين يريدون أن يكونوا أغنياء بطرق خاطئة، يقول عنهم الإنجيل المقدس إنهم »يَسْقُطُونَ فِي تَجْرِبَةٍ وَفَخٍّ وَشَهَوَاتٍ كَثِيرَةٍ غَبِيَّةٍ وَمُضِرَّةٍ تُغَرِّقُ النَّاسَ فِي الْعَطَبِ وَالْهَلَاكِ، لِأَنَّ مَحَبَّةَ الْمَالِ أَصْلٌ لِكُلِّ الشُّرُورِ، الَّذِي إِذِ ابْتَغَاهُ قَوْمٌ ضَلُّوا عَنِ الْإِيمَانِ، وَطَعَنُوا أَنْفُسَهُمْ بِأَوْجَاعٍ كَثِيرَةٍ« (1تيموثاوس 6:9،10).

* وهناك قِدر أخرى بها سمّ هي قِدر ما نأكله دون أن نشكر الله من أجله، فإن الذين يأكلون بغير شكر لا يعطون الله حقَّه. فعلينا قبل أن نأكل طعامنا أن نرفع عيوننا إلى الله بالشكر، لأنه وهبنا ما نأكل. فاذا أحسسنا بفضل الله علينا وقدّرناه، سيبارك الله لنا ما نأكله وما نمتلكه
عشرون رغيفاً تُطعم مئة رجل

(2ملوك 4:42،43)

هذه معجزة ثامنة لنبي الله أليشع، فقد جاءه مرة رجل من بعل شليشة (وهي قريبة من الجلجال) وأحضر معه للنبي خبز باكورة، وهو الخبز الذي كانت الشريعة توجب تقديمه لله، لأن الإنسان يجب أن يعطي أولَ ما عنده للرب. جاء الرجل بعشرين رغيف من شعير، كما جاء بسويقٍ في جرابه. والسويق هو »الطحين الناعم« الذي يُستخرج من البرغل. لقد كان الرجل كريماً في وقت اشتدت فيه المجاعة. كما كان نبي الله أليشع كريماً، فقد أمر تلاميذه أن يعطوا الشعب هذا الطعام ليأكلوه.

ولكن أحد الرجال تعجب لأن الشعب كثير والطعام قليل فسأل: »هل أجعل هذا الطعام القليل أمام مائة رجل؟« فمضى أليشع يُلقي أمرَه: »أعط الشعب ليأكلوا، لأن هكذا قال الرب: يأكلون ويفضُل عنهم«. فوضعوا الطعام أمامهم فأكلوا وفضل عنهم حسب قول الرب.

لا يجيء الشبع من كثرة الأكل ولا من تعدُّد أنواعه، بل من بركة الرب عليه. وللرب طرق كثيرة في إشباع الجياع. إن الله يأخذ ما عندنا، إن كان قليلاً، ويكثره ببركته. إنه يجعل القليل كثيراً بنعمته وفضله. وعندما نقدم لله تقدماتنا القليلة وخدمتنا الضعيفة فإنه يكملها ويقوّيها ويجعل منها شيئاً عظيماً.

وهذه المعجزة تذكّرنا بما فعله المسيح عندما أخذ خمس خبزات وسمكتين، فأطعم منها خمسة آلاف، وفاض ما ملأ اثنتي عشرة قفة، بعد أن شبع الجميع.

إن بركة الرب هي تُغني ولا يزيد الله معها تعباً. ندعوك أن تسلم ما عندك لله، وأن تسلم نفسك له. فإن قلت له: »كل ما عندي لك يا ربي. لك ربي أنا أهدي كل ما عندي«. فسيباركك، ويبارك المحيطين بك من خلالك
شفاء قائد الجيش السوري

(2ملوك 5)

تتلخَّص قصة هذه المعجزة في أن رئيس جيش أرام (الجيش السوري) كان مصاباً بمرض البرص، ولم تستطع الوصفات الطبية كلها أن تشفيه. وكان في بيته خادمة صغيرة يهودية أخبرت سيدتها، زوجة نعمان، أن نبياً اسمه أليشع في بلدها يستطيع أن يشفيه. ونقل نعمان الخبر الى ملك أرام ( سوريا) آنذاك، فكتب لنعمان رسالة توصية يقدمها لملك بني إسرائيل ليشفي نعمان.

وخاف ملك إسرائيل كثيراً لأنه لا يستطيع أن يفعل شيئاً.

ولكن الخبر وصل إلى النبي أليشع، فاستدعى نعمان السرياني وطلب إليه أن يذهب إلى نهر الأردن ليغتسل هناك سبع مرات، فيرجع لحمه كلحم صبي صغير. ورفض نعمان أن يذهب إلى نهر الأردن بحُجَّة أن أنهار بلاده أعظم وأفضل! ولكن رجاله قالوا له: »لو أن النبي أمر أمراً عظيماً، أَمَا كنت تعمله؟«. فسمع لنصيحتهم، ونزل وغطس في نهر الأردن سبع مرات، حسب قول النبي أليشع، فرجع لحمه كلحم صبي صغير، وطهُر من المرض.

ورجع نعمان إلى النبي أليشع مع كل جيشه ليقدّم له شكراً، هديةً. ولكن النبي أليشع رفض الهدية تماماً. فاستأذن نعمان السرياني في أن يأخذ حِمْل بغلين من التراب ليبني مذبحاً للرب، إذ يمدُّ التراب على وجه قطعة الأرض، فتصير القطعة كلها أرضاً مقدسة، ثم يبني مذبحاً عليها، لأنه عرف نعمان أن الله هو الإله الحقيقي، وأن الصنم الذي يتعبَّد له السوريون وقتها ليس شيئاً.

وهكذا نال السرياني شفاءه، وقدم شكره لله.

كان نعمان السرياني، قائد الجيش السوري، يملك الشيء الكثير. كان يملك النجاح، إذ كانت حملاته العسكرية موفَّقة. وكان يملك المكانة المرموقة، فقد كان مرفوع الوجه عند ملكِهِ في دمشق. وكان يملك المال الكثير ولكنه كان مريضاً بالبرص. وأحاطت به جماعة من الناس مدَّت له يد المساعدة، فتعال نرى من قدَّم مساعدة لنعمان لشفائه من برصه.

أول من قدم المعونة كانت الزوجة الصالحة. كان عندها دموع الحب تبكي بها على مرض زوجها العزيز. إنها زوجة باكية لكنها لا تستطيع أن تفعل أكثر من ذلك. ولما رأتها جاريتها تبكي، تشجعت وقدمت لها نصيحة.

الشخص الثاني الذي قدم ما عنده لنعمان السرياني كانت تلك الجارية اليهودية، التي قدمت شهادتها عن النبي أليشع نبي الله. لم تبْقَ عندها دموع، فقد سكبتها كلها على نفسها وعلى أهلها الذين أُخذت من بينهم منذ صغرها. ولم يكن عندها مال تقدمه لنعمان، فهي جارية أسيرة، لكن إيمانها بالله كان عظيماً. صحيح أنها لا تستطيع أن تقدم الشفاء، لكنها تستطيع أن ترشد للشافي. فقدمت نصيحتها وشهادتها إذ قالت لمولاتها: »يا ليت سيدي يقف أمام النبي الذي في السامرة، فإنه كان يشفيه من برصه«.

وهناك شخص ثالث حاول أن يقدم معونة لنعمان السرياني، ذلك هو الملك السوري آنذاك، الذي أرسل رسالة ومالاً إلى ملك إسرائيل، وقال له: »عند وصول هذا الكتاب إليك، أرسلت إليك نعمان فاشْفِهِ من برصه«. كان يملك المال والسلطان، لكنه لم يستطع أن يفعل شيئاً لمعونة قائد جيشه.

وكان هناك شخص رابع، هو ملك بني إسرائيل، الذي ما أن تلقَّى تلك الرسالة حتى مزق ثيابه وقال: »هل أنا الله لكي أُميت وأُحيي، حتى أن هذا يرسل إليَّ أن أشفي رجلاً من برصه؟ فاعلموا وانظروا أنه إنما يتعرَّض لي«. لقد خاف من تحرُّش ملك أرام.

أظهر ملك إسرائيل عجزه، ونقص إيمانه وأنانيته وجهله ببلده وإلهه. لم ير ملك إسرائيل نبيَّ الله أليشع، ولم يشعر بآلام نعمان. كان كل ما رآه هو عرشه المهدَّد، فخاف على نفسه وعلى عرشه.

على أن هناك شخصاً عظيماً قدَّم خدمته، هو النبي أليشع، الذي أعطى درساً عظيماً في التواضع والقوة التي منحتهما السماء له. لقد أرسل أليشع إلى ملك إسرائيل يقول له: »لماذا مزقتَ ثيابك؟ ليأتِ إليَّ فيُعلَم أنه يوجد نبي في إسرائيل«. لقد أراد أليشع أن يوضّح أن الإله الحقيقي ورسالته الحقيقية هي في إعلانه السماوي بالإله الواحد.

وكان هناك جماعة من أصدقاء نعمان قدَّموا لقائدهم نصيحة. فعندما رفض في كبرياء أن يغطس في نهر الأردن، نصحوه بأن يجرِّب وصفة النبي أليشع، فقد تفيده. والحمد لله أن نعمان قبل مشورتهم، فغطس في نهر الأردن ونال الشفاء.

على أننا لا يجب أن ننسى أبداً أن الله فوق هؤلاء جميعاً. الله هو الذي قال: »أريد فاطهُر« فنال نعمان شفاءه. ولقد أحسَّ نعمان بهذا الجميل، فقرر أن يوقف التعبُّد لأوثانه، لأنها لم تنفعه بشيء. وعزم أن يقدم العبادة لله وحده. وهذا اعتراف بالفضل يجب أن نقوم به دوماً. فعندما يغمرنا الله بنِعَمه، نعزم بكل قلوبنا أن نتَّخذه سيداً لحياتنا ورباً لنا يمتلك زمام حياتنا، ويقودنا ويرشدنا يوماً بعد يوم، ويكون هو الهادي الوحيد لنا، الذي نقول له كما قال المرنم آساف في مزموره: »بِرَأْيِكَ تَهْدِينِي وَبَعْدُ إِلَى مَجْدٍ تَأْخُذُنِي« (مزمور 73:24). فإن كان رأيُ الله يهدينا، فلا بد أن نصل الى أمجد حياة هنا على الأرض، وهناك في محضره في السماء
لَعْن جيحزي بالبرص

(2ملوك 5:19-27)

رأينا كيف أعاد الله الصحة الى نعمان قائد جيش أرام (سوريا) آنذاك، على يدي النبي أليشع. وعندما شعر نعمان بالصحة الكاملة تسري في جسده، وشعر بالفضل، أراد أن يقدّم هدية من مالٍ وثيابٍ لنبيّ الله أليشع، وقال له: »خُذْ بركة من عبدك«. ولكن أليشع رفض وقال: »حيّ هو الرب الذي أنا واقف أمامه، أني لا آخذ«. وألحَّ قائد الجيش السوري على النبي أليشع أن يأخذ، فأبى أن يأخذ أي شيء.

وكان جيحزي خادم أليشع واقفاً، ولم يعجبه أن سيده رفض الهدية، فلما انصرف نعمان السرياني قال جيحزي في نفسه: »امتنع سيدي أليشع أن يأخذ من يد نعمان السرياني ما أحضره من هدايا. إذاً لأَجْرِ وراء نعمان«. وما أن رآه نعمان يركض وراءه حتى نزل من مركبته الحربية، وقال له: »أسلام؟« فأجاب جيحزي: »سلام. كل ما هنالك أن سيدي أليشع أرسلني إليك قائلاً إنه قد جاء إليه غلامان من جبل أفرايم من بني الأنبياء، محتاجان إلى مساعدة، ولذلك فإنه يرجو أن ترسل وزنة من الفضة وحُلَّتين من الثياب«. ولا شك أن نعمان افتكر أنه إن كان أليشع قد رفض أن يأخذ شيئاً لنفسه، فإنه ربما يقبل هدية لأجل غيره. فقال لجيحزي: »بل أرجوك أن تقبل وتأخذ لا وزنة واحدة من الفضة بل وزنتين«. وأعطاه أيضاً حُلَّتين من الثياب.

وطلب نعمان من اثنين من رجاله أن يحملا هذه الهدية ويسيرا بها مع جيحزي. فحملها الرجلان الى أن وصلا إلى أكمَة قريبة من بيت أليشع. وعندها توقف جيحزي وودَّعهما، وأخذ منهما الهدية وأدخلها الى بيته، ثم توجَّه إلى بيت أليشع ليكون هناك في خدمة سيده، كما تعوَّد أن يفعل.

وشعر النبي أليشع بروحه أن خادمه خانه، فسأله: »من أين جئت يا جيحزي؟« فأجاب: »لم يذهب عبدك الى هنا أو هناك«. فقال له النبي أليشع: »لقد أدرك قلبي ما حدث معك عندما نزل نعمان السرياني من مركبته ليلتقي بك. هل هذا وقتٌ لأخذ الفضة ولأخذ الثياب، ولاستخدام الفضة في شراء مزارع زيتون وكروم، وشراء غنم وبقر وعبيد وجوارٍ؟«. والنبي أليشع بهذه الكلمات يوبخ خادمه، لأنه رأى كل ما دار في نفسه وفكره. فقد كان جيحزي يفكر وهو عائد في الأملاك التي سيقتنيها بالمال الذي أخذه من نعمان. ثم قال النبي أليشع له: »برص نعمان يلصق بك وبنسلك الى الأبد«. فإذا بمرض البرص يصيب جيحزي، فخرج من أمام أليشع أبرص كالثلج.

عندما رفض النبي أليشع هدية نعمان السرياني، كان يريد نعمان أن يفكر في قدرة الله، الذي لا يأخذ من البشر أجراً على ما يعطيه، وكان يرجو أن يفكر نعمان أكثر وأكثر في الإله الحي ويحس بمديونيّته له. ولقد حدث هذا فعلاً، عندما طلب نعمان أن يتعبّد لله الحي. وكان يأمل أن قائد الجيش السوري يتوقَّف عن غزو إسرائيل في أية مرحلة قادمة ما دام هو حياً. كان أليشع يفكر في مصلحة روحية لخير نعمان الديني، كما كان يفكر في مصلحة سياسية لخير بلاده.

أما جيحزي فلم يكن يفكر إلا في نفسه. لقد ضيَّع فائدة كبيرة في عالم الدين، وفي عالم السياسة، لأن تفكيره كان مركَّزاً على نفسه فقط. وكم من أشخاص يضيّعون خيراً على ملكوت الله، ويضيّعون خيراً على بلادهم لأنهم لا يفكرون إلا في مصلحتهم الشخصية، ولا ينظرون إلا تحت أقدامهم.

وكان عقاب الله على جيحزي شديداً، فقد حلَّ برص نعمان بجيحزي المسكين.

وعلينا أن نفكر دوماً فيما هو أهمّ من مصلحتنا، كما يعلّمنا الإنجيل المقدس: »لَا تَنْظُرُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَا هُوَ لِنَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَا هُوَ لِآخَرِينَ أَيْضاً« (فيلبي 2:4). إن جيحزي وهو يفكر في نفسه، ارتكب مجموعة أخطاء. لقد كذب على معلّمه أليشع- وهل كان يمكن أن يُخفي عن عيني الله شيئاً؟ لقد خسر جيحزي بهذه الكذبة ثقة سيده.

إن المال الذي ناله من نعمان لم يكن ليعوّض كرامته في عيني أليشع. ألم يكن من المتوقع أن يصير جيحزي نبيَّ بني إسرائيل المقبل، كما كان أليشع خليفة النبي إيليا؟ ولكن بحفنة قليلة من المال ضيَّع جيحزي مستقبله الديني وخدمته لله. كان يمكن أن يدخل التاريخ باعتباره أحد الأنبياء العظماء، لكنه دخل التاريخ باعتباره الخادم الكاذب الأناني الأبرص.

تُعمي الخطية عيني الإنسان، فقد أعمت عيني جيحزي وسط كل الظروف الطيبة التي كان يمكن أن تجعل منه نبياً عظيماً. ومن المؤسف أن استقامة تصرف أليشع، وسيرته الطيبة، لم تغير شيئاً من رؤية جيحزي الضعيفة.

إننا نحتاج أن نُخضع رغباتنا لأفكارنا، فتسود عقولُنا على شهواتنا. وعلينا أن نحترس من الخطية القاتلة، فلا نجعل شهواتنا تهزمنا. لقد كان لجيحزي امتيازات روحية كبيرة، ولكنها لم تبعده عن الخطية، لأن الخطية كانت كامنة في قلبه. ربما تكون ساكناً بالقرب من مكان عبادة. ربما كان واحد من أهلك الأقربين رجلَ دين، لكن ذلك لا يعني أبداً أن حياتك ستكون منتصرة على الخطأ.

عليك أن تسلّم نفسك لله ليحلّ بنعمته داخلك، ليجعل حياتك محل رضاه وبركته، فهذه هي العلاقة الشخصية بينك وبين الله التي يجب أن تنمّيها وتحرص عليها
الحديد يطفو على الماء

(2ملوك 6:1-7)

تقول قصة هذه المعجزة إن بني الأنبياء أخبروا النبي أليشع أن المكان الذي يسكنون فيه ضيّق، واقترحوا أن يذهبوا إلى وادي الأردن، ويقطعوا هناك خشباً من الأشجار بأيديهم، ليبنوا بيوتاً يسكنونها. فسمح لهم أليشع بأن يفعلوا ذلك.

وقال واحد من بني الأنبياء لأليشع: »نرجوك أن تصاحبنا في رحلتنا إلى الأردن« فأجاب: »إني أذهب« - وانطلق معهم الى الأردن حيث بدأوا يقطعون الخشب. وبينما كان واحد يقطع خشبة، طارت قطعة الحديد من الفأس ونزلت في الماء، فصرخ الشاب: »آه يا سيدي! ليس الفأس ملكاً لي، لكني استعرته. فماذا أفعل الآن؟«. كان الحديد نادراً في تلك الأيام. فما كان من النبي أليشع إلا أن سأل: »أين وقعَتْ قطعة الحديد؟« فأروه الموضع، فقطع عوداً من شجرة ألقاه هناك، فطفا الحديد فوق الماء. فقال أليشع لتلميذه: »ارفعه لنفسك«. فمدّ يده وأخذه من على سطح الماء.

من الواضح أنه ليس في عود الشجرة قوة ذاتية ليرفع الحديد، لكنه مجرد آلة في يد الله. وعندما ألقى به أليشع في الماء قام بالمهمة ورفع الحديد. كان هذا العود كالشجرة التي طرحها موسى في الماء المرّ، فصار ماءً عذباً (خروج 15:25). وكان كالملح الذي طرحه النبي أليشع في النبع في مدينة أريحا فأصلح أمر المياه الرديئة (2ملوك 2:19-22). وكان كالطين الذي طلى به السيد المسيح عيني الأعمى فأبصر (يوحنا 9:6). إن إلهنا الصالح يعمل بواسطة آلات مختلفة، ويستخدم وسائط متعددة، لأنه يريد أن يسدّد كل عوزنا الجسدي. ليس عند الرب مانع من أن يخلّص بالكثير أو بالقليل.

وقد انتقد بعض الناس هذه المعجزة وقالوا: »إن الفأس قليلة القيمة، لا تستحق إجراء معجزة«. وهو انتقاد في غير محله، فإن كل ما يهم أولاد الله يهم الله، وكلّ ما يسبّب لهم إزعاجاً يجعل الله يهتم لينقذهم من كل ما يزعجهم. وهناك آية في التوراة تقول عن الله: »فِي كُلِّ ضِيقِهِمْ تَضَايَقَ وَمَلَاكُ حَضْرَتِهِ خَلَّصَهُمْ« (اشعياء 63:9).

هل يوجد ما يضايقك؟ أؤكد لك أن الله يحس بك ويهتم، فإنه محبة، وهو يريد أن يخلصك من كل ما يضايقك. ولقد جاء المسيح إلى عالمنا ليخلّص البشر من خطاياهم. ولم يتركنا الله أبداً بدون إعلان سماوي يرينا طريق الخلاص، ولم يهمل مرة صرخة إنسان دعاه. إن هذه المعجزة ترينا اهتمام الله بأصغر الأمور في حياتنا. لقد طفا الحديد فوق الماء خدمة لأولاد الله. ولكنه لا يمكن أن يطفو فوق الماء لأولاد إبليس، فكل شيء مهم عند المؤمنين يهمُّ أباهم السماوي.

وتُعلّمنا معجزة طفو الحديد فوق الماء الدروس التالية:

كان بنو الأنبياء عاملين منتجين، أرادوا أن يبنوا لأنفسهم بيوتاً بتعب أيديهم. صحيح أنهم كانوا فقراء، لكنهم كانوا أمناء. وكم حَزِن ذلك الشخص الذي فقد الرأس الحديدي لفأسه، لأنه كان قد استعارها. ولو أنها كانت مِلكاً له لَمَا حزن عليها كل هذا الحزن، فقد كان يريد أن يردّ ما استلفه إلى صاحبه.

وتُعلّمنا القصة أننا يجب أن نهتم بأصغر الأمور. لو أن الفأس كانت مثبّتة بطريقة جيدة في خشبة الفأس، لما طارت في الهواء وهو يقطع بها الخشب. علينا أن نهتم بكل شيء في حياتنا لكيلا يكون هناك تسيُّب. إن كان في حياتك تسيّب من أي نوع، فعليك أن تهتم بأن تقوّمه وتصلحه.

لقد سبَّب طيران الحديد في الهواء بسبب عدم تثبيته مشاكل كان يمكن أن يستغني الجميع عنها. وكم من مشاكل تحدث لنا، لا بسبب ما نسميه »القدَرَ« ولكن بسبب إهمالنا وتقصيرنا في التدقيق فيما نعمل. لذلك يقول إمام الحكماء سليمان: »كُلُّ مَا تَجِدُهُ يَدُكَ لِتَفْعَلَهُ فَافْعَلْهُ بِقُوَّتِكَ« (جامعة 9:10). ويقول أيضاً: »نَفْسُ الْكَسْلَانِ تَشْتَهِي وَلَا شَيْءَ لَهَا، وَنَفْسُ الْمُجْتَهِدِينَ تَسْمَنُ« (أمثال 13:4). ويقول: »أَرَأَيْتَ رَجُلاً مُجْتَهِداً فِي عَمَلِهِ؟ أَمَامَ الْمُلُوكِ يَقِفُ. لَا يَقِفُ أَمَامَ الرَّعَاعِ« (أمثال 22:29).

وسواء كانت المشكلة التي تواجهك بسبب خطإ ارتكبته، أو بسبب خطإ ارتكبه غيرك، فتعال إلى الله بها، لأن المشكلة هي مقدمة التدخُّل الإلهي، الذي سيجيئك في أصعب أوقات حياتك ليعينك. وعندما تُظهر اعتمادك الكلي على الله فإنه يمدُّ يدَ المحبة إليك لينقذك وينشلك. إن الله هو الإله القادر على كل شيء، والذي يحكم كل شيء، ولا زال يُجري المعجزات يوماً بعد يوم، فيجعل الحديد يطفو على الماء
أليشع يكشف خطط العدو

(2ملوك 6:8-23)

في المعجزة الحادية عشرة رأينا كيف ألقى أليشع عوداً من النبات على الماء، فطفت قطعة الحديد من فأس كانت قد سقطت فيه.

أما المعجزة الثانية عشرة فتُمثّل نوعاً آخر من دوائر النفوذ الإلهي على العالم كله، فقد حدث أن بنهدد الملك الأرامي (السوري) آنذاك، أراد أن يغزو مملكة إسرائيل، فدبّر مع رجاله مكاناً معيّناً يعسكر فيه جيشه. فأرسل النبي أليشع إلى ملك إسرائيل يحذره من ذلك المكان، لأن الجيش السوري حالّ فيه، فأخذ ملك إسرائيل حِذْره من المكان، الأمر الذي جعل ملك سوريا يظن أن واحداً من رجاله يتجسس عليه، ويُبلغ ملك إسرائيل بأخبار تحركاته. فجمع الملك السوري رجاله وجعل يسألهم، فقالوا له: »ليس الأمر كذلك، لكن أليشع النبي الذي في إسرائيل يخبر ملك إسرائيل بما تتكلم به في حجرة نومك«. فسأل ملك سوريا عن محل وجود أليشع، وعرف أنه في دوثان، التي تقع على بُعد عشرين كيلومتراً شمال السامرة العاصمة، (وفيها البئر التي طُرح فيها يوسف). فأرسل جيشاً عظيماً جداً ليُلقي القبض على أليشع.

وفي الصباح الباكر استيقظ خادم أليشع ورأى الجيش العظيم الذي يحاصر المدينة. رأى خيلاً ومركبات وجيشاً ثقيلاً، فجرى إلى سيده أليشع يسأل: »آه يا سيدي، كيف نعمل؟« لم يَرَ الغلام مفراً من القتل أو من الأسْر. فأجابه أليشع: »لا تخف، لأن الذين معنا أكثر من الذين معهم« - فقد كان النبي أليشع يرى ما لا يُرى. كان يرى جيش الله المحيط به ليحميه، كما قال صاحب المزامير: »مَلَاكُ الرَّبِّ حَالٌّ حَوْلَ خَائِفِيهِ وَيُنَجِّيهِمْ« (مزمور 34:7). وصلى أليشع وقال: »يا رب افتح عيني الغلام ليبصر« ففتح الرب عينيه فأبصر، وإذا الجبل مملوء خيلاً ومركبات نارٍ حول أليشع. لقد كان عند خادم أليشع إيمان أن الله يخلّص سيده، لكنه كان إيماناً ضعيفاً متزعزعاً، فطلب أليشع من الله أن يقوّي الإيمان الضعيف برؤية جسدية. لقد كان جيش الرب حاضراً، لكن خادم الرب لم يره.

أيها القاريء الكريم، عندما تدعو الله فانه يستجيب لك ويحميك. والحماية موجودة دائماً، حتى لو لم تشعر بها. إن العناية الإلهية لا يمكن أن تتخلى عن أولاد الله أبداً، رغم أنهم في مرات كثيرة لايستطيعون أن يروا يد العناية المُحبّة الممتدّة إليهم. عندما ترى أعداءك يحيطون بك، صلّ أن يفتح الله عينيك لتبصر معونة الله. والصلاة هي الطريقة التي تفتح العيون لنرى بالإيمان عناية الله. عليك أن تصلي، وعليك أن تؤمن بالعناية الإلهية، وستلمسها في حياتك يوماً بعد يوم.

وفي الصباح نزل الجيش السوري الى المدينة، ليُلقي القبض على النبي أليشع، فصلّى النبي: »يا رب، اضرب هؤلاء بالعمى«. فاستجاب الله صلاته، وأصاب العمى كل الجيش السوري الذي جاء ليهجم على النبي. فقال لهم أليشع: »ليست هذه هي المدينة! اتبعوني فأسير بكم إلى الرجل الذي تفتشون عنه«. فسار بهم إلى أن أوصلهم إلى داخل العاصمة، مدينة السامرة - عاصمة مملكة إسرائيل!

في دوثان كان أليشع أسيراً بيد الجيش السوري، أما في السامرة فقد كان ذلك الجيش أسيراً بيد ملك إسرائيل. ولما دخلوا وسط السامرة قال النبي أليشع: »يا رب افتح أعين هؤلاء فيبصروا«. ففتح الرب أعينهم، فأبصروا، وإذا هم في وسط العاصمة الإسرائيلية. ووصلت الأخبار بسرعة إلى ملك إسرائيل، فجاء إلى النبي أليشع وسأله: »هل أضرب يا أبي؟«. فأجابه: »لا تضرب. إن الذين لك الحق في ضربهم هم الذين سبيتَهم بسيفك وبقوسك«. ثم قال له: »ضع خبزاً أمامهم فيأكلوا ويشربوا، ثم يعودوا إلى ملكهم«. فأَوْلَمَ ملك إسرائيل وليمة عظيمة للجيش السوري، فأكلوا وشربوا، ثم أطلقهم فعادوا إلى ملكهم.

في هذه المعاملة التي طالب أليشع ملك إسرائيل أن يعامل بها أعداءه نرى المحبة العجيبة التي تغفر للأعداء. وكانت النتيجة أن امتنع الجيش السوري عن مهاجمة أرض إسرائيل لمدة من الزمن.

من هذه القصة نتعلَّم درسين:

إن ملائكة الله تعتني بأولاد الله. عندما خرج بنو إسرائيل من مصر ندم فرعون أنه أطلقهم، فجمع جيشه وسار وراءهم. وكان ملاك الله يسير أمام بني إسرائيل. فلما اقترب المصريون منهم، انتقل ملاك الله الذي يسير أمامهم وابتدأ يسير وراءهم فدخل بين جنود المصريين وبين بني إسرائيل الضعفاء، فلم يقتربوا منهم الليل كله. لقد أرسل الله ملاكه وحمى أولاده الضعفاء من فرعون العاتي المتجبّر (خروج 14:19 و20).

وعندما كان دانيال النبي ملقَى في جب الأسود أرسل الله ملاكه فسدَّ أفواه الأسود، فلم تقترب منه الليل كله، فتحقق قول المرنم: »لِأَنَّهُ يُوصِي مَلَائِكَتَهُ بِكَ لِكَيْ يَحْفَظُوكَ فِي كُلِّ طُرْقِكَ« (مزمور 91:11).

درس الغفران. لقد جاء الجيش السوري ليلقي القبض على النبي أليشع، فأولم لهم وليمة عظيمة. وهذا يذكّرنا بالسؤال الذي قدمه الرسول بطرس للسيد المسيح: »كَمْ مَرَّةً يُخْطِئُ إِلَيَّ أَخِي وَأَنَا أَغْفِرُ لَهُ؟ هَلْ إِلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ؟« قَالَ لَهُ يَسُوعُ: »لَا أَقُولُ لَكَ إِلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ، بَلْ إِلَى سَبْعِينَ مَرَّةً سَبْعَ مَرَّاتٍ« (متى 18:21 و22). وعلّمنا المسيح: »إِنْ أَخْطَأَ إِلَيْكَ أَخُوكَ فَاذْهَبْ وَعَاتِبْهُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ وَحْدَكُمَا. إِنْ سَمِعَ مِنْكَ فَقَدْ رَبِحْتَ أَخَاكَ. وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ، فَخُذْ مَعَكَ أَيْضاً وَاحِداً أَوِ اثْنَيْنِ، لِكَيْ تَقُومَ كُلُّ كَلِمَةٍ عَلَى فَمِ شَاهِدَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ. وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُمْ فَقُلْ لِلْكَنِيسَةِ« (متى 18:15-17). وقد علّمنا المسيح أيضاً أن نصلي قائلين: »وَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا كَمَا نَغْفِرُ نَحْنُ أَيْضاً لِلْمُذْنِبِينَ إِلَيْنَا« (متى 6:12
الله يفتح كوى السماوات

(2ملوك 6:2 7:19 و20)

في المعجزة الثانية عشرة رأينا كيف جاء جنود من الجيش السوري ليُلقوا القبض على النبي أليشع، فطلب من الله أن يصيبهم بالعمى، ثم أخذهم إلى وسط عاصمة بني إسرائيل، مدينة السامرة، وهناك فتح عيونهم، ثم طلب من ملك إسرائيل أن يولم لهم، فأولم لهم وليمة عظيمة. ولكن الجيش السوري نسي معروف ملك إسرائيل، فجاء مرة أخرى ليحاصر مدينة السامرة. ولجأ ملك إسرائيل إلى قاعدته المحصّنة على رأس تل، واستمر الجيش السوري يحاصر السامرة حصاراً طويلاً أليماً، حتى صار رأس الحمار الذي لم يُؤكَل مطلقاً، طعاماً ثميناً، بلغ ثمنه ثمانين قطعة من الفضة. أما رُبْع الأوقية من زبل الحمام فقد صارت بخمس قطع من الفضة.

وخرج ملك إسرائيل ليتقصَّى أحوال شعبه المحاصَر، فصرخت إليه امرأة: »خلّصنا يا سيدي الملك«. فقال: »يخلصك الرب. من أين أخلصك أنا؟ أمن البيدر أو من المعصرة؟«. فلم يكن هناك بيدر قمح ولا معصرة زيت. ثم قال لها: »مالك؟« فحكت له قصة مؤلمة للغاية. قالت له إنها اتفقت مع جارتها على أن يسلقا ابنها في اليوم الأول ليأكلاه، على أن يسلقا ابن جارتها في اليوم التالي. وسلقت الأم ابنها وأكلته الأمّان مع العائلتين. ولكن الأم الثانية رفضت أن تسلق ابنها في اليوم التالي!

كانت القصة مريعة، فقد كان الجوع نتيجة الحصار شديداً، أصاب الناس بالجنون، حتى فقدت الأم المسكينة غريزة الأمومة بسبب ضغط الجوع. ولما سمع ملك إسرائيل ذلك مزق ثيابه، وإذا به يلبس المسوح، ملابس الحزن، تحت ملابسه الخارجية. أغلب الظن أن الملك في حزنه وانكساره أمام الله كان يخفي مسوحه حِفاظاً على الروح المعنوية لشعبه - وربما كان يريد أن يتذلل أمام الله بذلك.

وانقلب غضب الملك فوراً على النبي أليشع،وقال: »هكذا يصنع لي الله وهكذا يزيد، إن قام رأس أليشع بن شافاط على جسده اليوم«. فقد ظنَّ الملك أن أليشع لعن الشعب فأصابه الحصار الذي جلب الجوع. وكان يعتقد أن أليشع يقدر أن يخلّص شعبه لو أراد، واتهم الملك أليشع بأنه يرفض ذلك. وربما كان أليشع قد وبّخ الملك على شروره، وقال له إن خطاياه هي السبب في غضب الرب على شعبه، فأصابهم ما أصابهم من حصار وجوع ومذلة.

وأرسل الملك رجالاً من عنده ليقطعوا رأس أليشع. وكان أليشع جالساً وسط شيوخ البلاد، فكشف الله له عن مجيء رسول الملك، والملك من ورائه. فقال للشيوخ: »هل رأيتم أن ابن القاتل هذا قد أرسل لكي يقطع رأسي؟«. ولما وصل الملك قال أليشع له، ولكل الحاضرين: »اسمعوا كلام الرب: هكذا قال الرب: في مثل هذا الوقت غداً تكون كيلة الدقيق بشاقل وكيلتا الشعير بشاقل في باب السامرة«.

وكان الكلام غريباً وصعب التصديق، فقال صديق الملك الخاص: »هوذا الرب يصنع كُوى في السماء! هل يكون هذا الأمر؟« فأجابه النبي أليشع: »إنك ترى بعينيك، ولكنك لا تأكل منه«.

وتحقق كلام الله على فم نبيّه أليشع، بالرغم من استحالة تحقيق ذلك. ففي الليل جعل الرب جيش سوريا يسمعون صوت مركبات وخيل، وصوت جيش عظيم. فظنّوا أن ملك إسرائيل قد استأجر ضدهم ملوك الحثيين والمصريين ليأتوا عليهم. الحثيون قادمون من الشمال، والمصريون قادمون من الجنوب. فهرب رجال الجيش السوري في العِشاء، وتركوا خيامهم وخيلهم وحميرهم، لينجوا بأنفسهم. وبالطبع لم يعرف رجال بني إسرائيل أن السوريين قد هربوا. وكان أول من علم بهذا أربعة رجال بُرص، كانوا ممنوعين من دخول البلد بسبب مرضهم، وكان الأهالي يلقون لهم الطعام من بعيد. لكن بسبب الجوع القاتل انقطع الأهالي عن تموينهم بالطعام، فقرر البُرْصُ أن يذهبوا إلى رجال الجيش السوري. لقد اعتبروا أنفسهم أمواتاً على أي حال - من الجوع، أو بسيف السوريين. ومن يعلم: ربما أشفق السوريون عليهم وأطعموهم.

وعندما وصل البُرْص الأربعة إلى معسكر السوريين لم يجدوا أحداً. فدخلوا خيمة وأكلوا وشربوا وحملوا منها فضة وذهباً وثياباً ومضوا وطمروها. ثم عادوا ودخلوا خيمة أخرى، وحملوا منها طعاماً وخيراً كثيراً وطمروه. ثم قال بعضهم: »لسنا عاملين حسناً. هذا اليوم هو يوم بشارة ونحن ساكتون. إن انتظرنا الى ضوء الصباح يصادفنا شر. هلم الآن ندخل ونخبر بيت الملك«.

ووصلوا إلى سور المدينة وأبلغوا البواب هناك، الذي أبلغ بدوره الملك. وظن الملك أنها حيلة وخِدعة من السوريين. لقد ابتعدوا قليلاً حتى يخرج الإسرائيليون، فينقضّ السوريون عليهم ويقتلونهم جميعاً. فاقترح واحد من رجال الملك أن يذهب بعض الرجال لاستطلاع الأمر - وذلك على خمسة خيول من الخيول الهزيلة الجائعة التي بقيت داخل المدينة، تجرّ مركبتين، يمضون بهما وراء السوريين ليروا إلى أين وصلوا. وذهب الرجال بخيولهم الهزيلة ومركبتيهم فشاهدوا الطريق ملآنة بالثياب والأواني التي طرحها السوريون في استعجالهم. فرجع الرسل وأخبروا الملك، فخرج الشعب وأخذوا ما وجدوه من طعام وملابس. وهكذا تحققت كلمة أليشع النبي: صارت كيلة الدقيق بشاقل وكيلتا الشعير بشاقل.

وبسبب خروج الشعب كله مندفعاً بسرعة، داسوا على صديق الملك، فقتلوه. لقد رأى تباشير النصر لكنه لم يأكل منه، تماماً كما قال نبي الله أليشع. كان إيمانه ضعيفاً فلم ينل بركة.

وهذه المعجزة تعلّمنا أنه عندما يعطينا الله خيرات يجب أن نشارك الآخرين فيها. هذا ما عمله الرجال البُرْص. ما أن بلغتهم الأخبار المفرحة حتى أسرعوا بها إلى بيت الملك ليخبروا شعبهم بها. إن الفقير الذي وجد الغِنى الروحي يقدر أن ينشر الأخبار المفرحة بالخلاص الذي جاءنا به السيد المسيح. إن خيرات الله غير محدودة، فلنتقاسمها معاً. »من يُرِدْ فليشرب ماء الحياة مجاناً«. ويستطيع الله أن يروي ظمأنا جميعاً إن نحن ارتوينا وحاولنا أن نروي غيرنا أيضاً.

نحن جائعون نلتمس خبزاً لأرواحنا من عند الله، وعلى كل جائع وجد خبز الحياة أن يدعو جائعاً آخر ليجد شبعه أيضاً
أليشع يُخبر حزائيل بمستقبله

(2ملوك 8:7-15)

في المعجزة السادسة التي أجراها الله على يدي النبي أليشع، قرأنا عن المرأة الشونمية التي أعطاها الله ابناً، ثم قرأنا كيف أقامه أليشع من الموت.

وبعد سنوات قال أليشع للشونمية: »اذهبي من هنا أنت وبيتك، وتغرّبي، لأن جوعاً شديداً قادم على هذه البلاد وسيستمر سبع سنوات«. فأطاعت المرأة قول نبي الرب، وانطلقت هي وأهل بيتها لتتغرّب في أرض الفلسطينيين سبع سنين. وفي نهايتها رجعت لبلادها، فوجدت أن آخرين استولوا على حقلها، فذهبت إلى الملك ترفع إليه شكواها.

في تلك اللحظة كان جيحزي خادم أليشع واقفاً في حضرة الملك يروي له بعض المعجزات التي أجراها أليشع. وبينما هو يخبره كيف أحيا أليشع الميت، إذا بالشونمية تتقدم لترفع شكواها لأجل بيتها وحقلها. فقال جيحزي في اندهاش: »يا سيدي الملك، هذه هي المرأة، وهذا هو ابنها الذي أحياه أليشع«. فسأل الملك السيدة، فأخبرته كيف أقام الله ابنها من الموت بواسطة أليشع. وأنصفها الملك وأرسل معها واحداً من رجاله أعاد إليها مالها، وجميع غلات الحقل من حين تركت الأرض إلى ذلك اليوم.

ثم ذهب النبي أليشع الى دمشق، وكان ملك سوريا مريضاً، فأرسل قائد جيشه (واسمه حزائيل) ومعه هدية كبيرة الى النبي أليشع ليرحب به وليسأله: »هل أُشفى من مرضي هذا؟«. وحمل حزائيل الهدية ومضى يستقبل بها النبي أليشع ويسأله عن مصير صحة الملك، فقال: »قُلْ للملك شفاء تُشفى، وقد أراني الرب أنه يموت موتاً«. وأغلب الظن أن أليشع قصد أن يقول لحزائيل: إني أعلم أنك ستردُّ على سيدك جواباً لطيفاً يتوقّعه، فتقول له شفاء تُشفَى. ولكن الرب يقول إنه يموت موتاً.

ثم ثبّت أليشع نظره على حزائيل حتى خجل حزائيل، لأنه شعر أن أليشع عرف أفكار قلبه. فابتدأ النبي أليشع يبكي. فسأله حزائيل: »لماذا يبكي سيدي؟« فأجابه: »لأني علمت ما ستفعله ببني إسرائيل من الشر، فإنك تحرق حصونهم بالنار، وتقتل شبانهم بالسيف، وتحطم أطفالهم، وتشق حواملهم«. فأنكر حزائيل أنه سيفعل ذلك.

وعاد حزائيل إلى الملك وأخبره أنه سيعيش.

وفي الغد أخذ حزائيل اللِّبدة، وربما كانت بساطاً على الأرض وغمسها بالماء ونشرها على وجه الملك، فمات، وتولى حزائيل المُلك عوضاً عنه. لقد كان حزائيل متواضعاً، ولكنه بعد قتل سيده قتل بني إسرائيل - بدأ صالحاً، ثم صار رديئاً.

وأنت إذا أهملت واجبك تجاه الله، فإنك تستعبد نفسك للشر. أما إذا تأملت في تكليف الله لك وانتظاراته منك، فإنك ستستخدم قوّتك لعمل الخير. في داخل كل إنسان منّا قوّة مخيفة للشر، علينا أن نحترس منها. ونحن نتذكر أنه عندما أراد قايين أن يقتل أخاه هابيل، حذَّره الله من ذلك قائلاً: »لماذا اغتظت ولماذا سقط وجهك من الغيظ؟ إن أحسنت أفلا رفعت وجهك؟ وان لم تحسن فعند الباب خطية رابضة، إليك اشتياقها وأنت تسود عليها«. فالله يقول لقايين: إنك يجب أن تصرف الغضب من داخل نفسك، وإلا فإن الخطية التي تشتاق إليها سوف ترتكبها، ولو أنك تقدر أن تسود عليها (تكوين 4:6 و7). وما أجمل ما يقول الكتاب المقدس: »بَاعِدْ رِجْلَكَ عَنِ الشَّرِّ« (أمثال 4:27).

مَسْح ياهو ملكاً على إسرائيل:

ودعا النبي أليشع واحداً من بني الأنبياء وقال له: »خُذْ قنينة الدهن هذه بيدك واذهب الى راموت جلعاد وفتّش عن ياهو بن نِمْشي وامسحْهُ ملكاً على إسرائيل«. وكان الله قد أمر نبيَّه موسى أن يعمل دهناً خاصاً يمسح به الكهنة، وأمره ألاَّ يصنع أحد مثلَه على مقاديره، وأن يكون هذا الدهن مقدساً. ولم نسمع أن واحداً من ملوك إسرائيل أنه مُسح بالدهن إلا ياهو وحده. وكان ياهو قائداً شجاعاً، يسوق بجنون، لا يخاف أحداً من الناس، ولا يخاف الله! وكان ناجحاً في كل شيء إلا في الأمور الدينية! ولم يكن أحد يجرؤ أن يخالف أوامره. وكان قائداً للجيش في زمن الملك أخآب.

والتقى النبي الصغير بياهو وصبّ الدهن على رأسه، وقال له: »هكذا قال الرب إله إسرائيل، قد مسحتُك ملكاً على شعب إسرائيل، فتضرب بيت أخآب سيدك، فينتقم الرب لدماء عبيده الأنبياء، ودماء جميع عبيد الرب، من يد إيزابيل الملكة الشريرة. وتبيد كل بيت أخآب، ولا تُبق منهم أحداً كبيراً أو صغيراً حقيراً أو عظيماً«.

ويتذكر القاريء أن الله كان قد كلّف نبيّه إيليا أن يمسح حزائيل ملكاً على أرام، وأن يمسح ياهو بن نمشي ملكاً على إسرائيل، وأن يمسح أليشع بن شافاط نبياً عوضاً عنه (1ملوك 19:15 و16). وقام النبي إيليا بتخصيص النبي أليشع للخدمة الدينية خَلَفاً له، ولكنه لم يمسح حزائيل ولا ياهو. وها نحن نرى وصية الله للنبي إيليا تتحقق، فقد مسح أليشع حزائيل ملكاً على دمشق، وكلف أليشع واحداً من أولاد الأنبياء أن يمسح ياهو بن نمشي ملكاً على إسرائيل. صحيح أن إيليا لم ينفذ الوصية بنفسه، لكنه نفَّذها من خلال أليشع، ومن خلال ذلك الشاب النبي. وهذا يعني أن كل الذين يخدمون الله يخدمونه في سلسلة متصلة لا تنقطع. وهذه الحقيقة تجعلنا نحسّ أننا امتداد لجماعة المؤمنين العظماء الذين يخدمون الله.

حقق الله رغباته في إيليا وفي اليشع وفي ذلك النبي غير المعروف، ويمكن أن يحقق قصده فيك أنت، لو أنك سمحت له أن يفعل ذلك
إقامة ميت

(2ملوك 13:14-21)

مرض أليشع مرضه الذي مات به، فجاء إليه ملك إسرئيل وبكى على وجهه وقال: »يا أبي يا أبي، يا مركبة إسرائيل وفرسانها«. نعم كان أليشع جيشاً بكامله يحمي شعبه من الأخطار. فقال أليشع للملك: »خُذْ قوساً وسهاماً وركِّب يدك على القوس وافتح الكوَّة لجهة الشرق«. ففعل الملك كذلك. فقال أليشع: »ارمِ السهام«. فرمى الملك فقال أليشع: »سهم خلاص للرب، وسهم خلاص من أرام، فإنك تضرب أرام في أفيق الى الفناء«. وأفيق هذه تقع شرق نهر الأردن، على بُعد خمسة كيلومترات من بحيرة طبرية. ثم قال أليشع للملك: »خذ السهام«. فأخذها، ثم قال له: »اضرب على الأرض«. فضرب الملك ثلاث مرات وتوقَّف. فغضب عليه النبي أليشع وقال: »لو ضربت خمس أو ست مرات كنت أفنيت أرام. أما الآن فإنك تضرب أرام ثلاث مرات فقط«.

وقد تبدو القصة غريبة، لكنها تعلّمنا درساً في الاستمرار بدون توقف. فعندما يكلّفك إلهك بعملٍ ما، عليك أن تبدأ فيه إلى أن تنتهي منه، وعليك أن تكون طويل الأناة في خدمة الله وفي مقاومة الشر. نبدأ أعمالاً كثيرة صالحة، ولكننا سرعان ما نيأس ونتوقف، ويريد الله أن يعلّمنا درساً في ألاّ يعطلنا شيء عن عمل مشيئته الصالحة. كثيراً ما نبدأ حياة الصلاة ونتوقف. كثيراً ما نبدأ حياة دراسة الكلمة المقدسة ونتوقف. وقد نبدأ في أداء خدمة معيَّنة لله ولكننا لا نستمر فيها. وهذا يحدث أيضاً في حياتنا الثقافية، فقد نبدأ قراءة كتاب لا ننتهي منه أبداً. وقد نبدأ في تعلُّم هواية ولا نتقنها أبداً. لو أننا تعلمنا كيف نثابر ونستمر، سنحقق أهدافنا وننتصر.

عزيزي القاريء، ارمِ مزيداً من السهام بقوة في سبيل الله ومن أجل مجده وبكل طاقتك، لتحقق قصد الله فيك!

ثم مات أليشع ودفنوه:

كان الغزاة الموآبيون يهاجمون بلاد إسرائيل في كل موسم حصاد - كانوا يجيئون كل سنة، بسبب ضعف الحالة الحربية والسياسية في دولة إسرائيل، ليستولوا على المحصول الذي تعب الفلاحون فيه السنة بطولها.

وبينما كان بنو إسرائيل يدفنون رجلاً إسرائيلياً، إذا بهم يرون الغزاة الموآبيين قادمين عليهم، فطرحوا الرجل الميت في قبر أليشع. وحدثت معجزة عظيمة لا نظير لها، لأنه لما نزل جسد الرجل ومسّ عظام أليشع، قام الرجل على رجليه وعاش. هذه معجزة لا شبيه لها. ميت يحيي ميتاً! فما هو الغرض من هذه المعجزة التي لا شبيه لها؟

أقول أولاً: إن هناك سبباً سلبياً. لم يكن القصد من هذه المعجزة أن يكرم الناس عظام النبي أليشع، فلم تكن عظام أليشع أبداً مكان تكريم، ولم يكن قبره أبداً مزاراً لأحد بالرغم من تلك المعجزة العظيمة. إن الله يريدنا أن نعبده وحده، وأن نوجّه إليه هو الاهتمام كله. وحده سامع الصلاة. وحده صانع المعجزات. وما رجاله العظماء إلا مجرد آلات كانوا في يده عمل بهم، ومجّد ذاته فيهم. لكنهم هم أنفسهم ليسوا موضع العبادة.

وأعتقد أن هناك سببين واضحين لتلك المعجزة:

أن نتأمل في قوة الله العظيمة. إن الله الذي يقيم الميت إنما يكرر معجزة خَلْقِ آدم من التراب، ويكرر معجزة أخرى، هي تتويب الخاطئ الميت في ذنوبه وخطاياه ليقيمه من قبر خطيته العفن، وليبعث فيه حياة جديدة. ويقول الإنجيل المقدس لنا: »وَأَنْتُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَمْوَاتاً بِالذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا،... اَللّهُ الَّذِي هُوَ غَنِيٌّ فِي الرَّحْمَةِ، مِنْ أَجْلِ مَحَبَّتِهِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي أَحَبَّنَا بِهَا، وَنَحْنُ أَمْوَاتٌ بِالْخَطَايَا أَحْيَانَا مَعَ الْمَسِيحِ وَأَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ... لِأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالْإِيمَانِ، وَذلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللّهِ. لَيْسَ مِنْ أَعْمَالٍ كَيْلَا يَفْتَخِرَ أَحَدٌ. لِأَنَّنَا نَحْنُ عَمَلُهُ، مَخْلُوقِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لِأَعْمَالٍ صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ اللّهُ فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا« (أفسس 2:1-10).

وأعتقد أن هناك سبباً آخر جعل الله يُجري هذه المعجزة بواسطة عظام أليشع: هو أن يفكر الناس في تعليم أليشع بعد موته. لَكَمْ بيَّن أليشع للناس محبة الله وصلاحه وعنايته وقُدرته التي لا نظير لها، بالمقارنة بتلك الآلهة التي كانوا يصنعونها بأيديهم. ترى هل افتكروا ما قاله لهم؟ هل ملكت تعاليمه على قلوبهم؟ ما أسرع ما ينسى الناس، والله يريد أن يذكّرنا بتعاليمه باستمرار، لأنه يعرف جبلتنا يذكر أننا تراب نحن، ولذلك أجرى هذه المعجزة بعد موت أليشع ليذكِّر الناس بتعاليم أليشع.

أيها القاريء الكريم، هذا الكتاب صوت من الله لك، يذكّرك أن الله يحبك ويريد أن يخلّصك من خطاياك ويطهّرك. أرجوك أن تنتبه لصوت الله وأن تفتح قلبك له. `17`

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010