شريعة الطلاق فى المسيحية

س: كيف أكمل المسيح شريعة الطلاق؟

ج: وردت شريعة الطلاق في سفر التثنية في التوراة حيث يقول "إذا أخذ رجلٌ امرأَةً وتزوَّج بها فان لم تجد نعمةً في عينيهِ لأنهُ وجد فيها عيبَ شيءٍ وكتب لها كتاب طلاقٍ ودفعهُ إلى يدها وأطلقها من بيتهِ ومتى خرجت من بيتهِ ذهبت وصارت لرجلٍ آخر فإن أبغضها الرجل الأخير وكتب لها كتاب طلاقٍ ودفعهُ إلى يدها وأطلقها من بيتهِ أو إذا مات الرجل الأخير الذي اتخذها لهُ زوجةً لا يقدر زوجها الأول الذي طلَّقها أن يعود يأخذها لتصير لهُ زوجةً بعد أن تنجَّست. لأن ذلك رجسٌ لدى الرب. فلا تجلب خطيةً على الأرض التي يعطيك الربُّ إلهك نصيباً"

وهنا نرى أن الله في التوراة قد أذن للإنسان بالطلاق، لكنه وضع له بعض القيود في الطلاق، وأول قيد هو أن يكون الطلاق كتابة وليس مشافهةً، كما قرأنا وكما فسرّها لنا المسيح في إنجيل متى قائلاً "وقيل مَن طلَّق امرأتََهُ فليُعطِها كتاب طلاق." وقد أراد الله ألا يكون الطلاق بالمشافهة لكن بكتابتهِ كتابة لكي يعطي فرصة للإنسان للهدوء والتأمل لعله يعدل عن تفكيره في الطلاق، لأن الطلاق مكروه أساساً من الله كما هو مذكور في نبوات ملاخي آخر أسفار العهد القديم "من أجل أن الرب هو الشاهد بينك وبين امرأة شبابك التي أنت غدرت بها وهي قرينتك وامرأَة عهدك. أفلم يفعل واحدٌ ولهُ بقية الروح. ولماذا الواحد. طالباً زرع الله. فاحذروا لروحكم ولا يغدر أحد بامرأة شبابهِ. لأنه يكره الطلاق قال الرب إله إسرائيل وأن يغطي أحدٌ الظلم بثوبهِ قال رب الجنود. فاحذروا لروحكم لئلاَّ تغدروا"

لذلك لم يسمح لهم الله بالطلاق مشافهةً حتى لا تتَهدَّم البيوت ويتشرد الأولاد، ويطلِّق الإنسان امرأتهِ في ثورة احتداد. بل أمر الله بكتابة كتاب الطلاق، وعادةً ما تستغرق هذه الكتابة فترة من الزمن لعلَّ الإنسان يتجاوب مع إرادة الله وتعامله معهُ ويتخلى عن الطلاق ويعيد السلام للأسرة.



ثم قيد آخر أيضاً وضعه الله لشريعة الطلاق وهو إن تزوجت هذه المرأة المطلّقة من رجل آخر، ثم طلَّقها هذا الرجل الأخير أو مات بعد أن اتخذها له زوجة، لا يقدر زوجها الأول أن يتخذها زوجة مرةً ثانيةً لأنها قد تنجست. ويؤكد الرب ذلك قائلاً: لأن ذلك رجسٌ لدى الرب فلا تجلب خطية على الأرض. وأراد الله من ذلك أن يعلمهم شيئاً من قدسية الزواج على قدر احتمال قلوبهم الغليظة في العهد القديم، فقد أراد الله أن يحفظ الإنسان عهوده، والطلاق هو غدر بالعهد، فإن غدرت بالعهد وطلقت امرأتك ثم ارتبطت امرأتك التي غدرت بها بعهد آخر مع رجل آخر فقد صارت محرّمة عليك لأن عهود الزواج لا تُعقدُ فقط على الأرض لكنها تراقَب من السماء كما هو مكتوب في ملاخي "من أجل أن الرب هو الشاهد بينك وبين امرأَة شبابك التي أنت غدرت بها وهي قرينتك وامرأة عهدك…. فاحذروا لروحكم ولا يغدر أحد بامرأة شبابهِ. لأنه يكره الطلاق"

لذلك أراد الله أولاً أن يعلّم الإنسان أن يحفظ عهده، ثانياً أن لا يعود الرجل إلى امرأتهِ إذا هي صارت لرجلٍ آخر، لأن هذا ينظر إليهِ الرب على أنه "زنى مُقنَّع" إذ يبني الإنسان زواجهُ على الإعجاب بالفتاة ثم يطلقها متى قبحت في عينيهِ، ثم تصير لرجلٍ آخر إذا حسنت في عينيهِ ثم يريد أن يلتصق بها رجلها الأول إذا عادت وحسنت في عينيه.. هذا خالٍ تماماً من قدسية الزواج والالتزام بعهده ووحدة المصير فيه حتى الموت.

هذا ما علّمه الله لشعبه القاس القلب في العهد القديم، لكن لكي نعرف حقيقة قدسية الزواج هلمَّ بنا إلى العهد الجديد حيث نجد المسيح قد أكمل هذا التعليم حيث يقول "وقيل مَن طلَّق امرأتهُ فليُعطِها كتاب طلاق. وأما أنا فأقول لكم إن مَن طلَّق امرأتهُ إلاَّ لعلَّة الزنى يجعلها تزني. ومَن يتزوَّج مطلَّقةً فإنهُ يزني" وهنا يحرِّم المسيح الطلاق بتاتاً إلاَّ لعلّة واحدة وهي الزنى، لأن هذا هو السبب الوحيد الذي ينقض قدسية الزواج. فإن طلق الرجل امرأته لغير علة الزنى يجعلها تزني بمعنى أنه فكها من رباط الزواج وهو لم يُفك أمام الله فيجعلها تزني أدبياً بتصورها أنها حرة من ارتباط ما زال موجوداً، وتزني عملياً إن هي صارت لرجل آخر لأنها ما زالت مرتبطة بالرجل الأول أمام الله، بل زواجها من رجل آخر يجعل هذا الرجل زانياً لأنه ارتبط بزانية كما هو مكتوب "أم لستم تعلمون أن مَنِ التصق بزانيةٍ هو جسدٌ واحدٌ لأنه يقول يكون الاثنان جسداً واحداً."



وقد فسّر لنا المسيح قدسية الزواج أكثر عندما "جاء إليه الفريسيون ليجرّبوه قائلين له هل يحلُّ للرجل أن يطلّق امرأتهُ لكل سبب. فأجاب وقال لهم أَما قرأتم أن الذي خلق من البَدءِ خلقهما ذكراً وأُنثى وقال. من أجل هذا يترك الرجل أباهُ وأمهُ ويلتصق بامرأَتهِ ويكون الاثنان جسداً واحداً. إذاً ليسا بعد اثنين بل جسدٌ واحدٌ. فالذي جمعهُ الله لا يفرّقهُ إنسان. قالوا لهُ فلماذا أوصى موسى أن يُعطَى كتاب طلاقٍ فتُطَلَّق. قال لهم إن موسى من أجل قساوة قلوبكم أَذِنَ لكم أن تطلّقوا نساءَكم. ولكن من البَدءِ لم يكن هكذا. وأقول لكم إن مَن طلَّق امرأتهُ إلاَّ بسبب الزنا وتزوَّج بأخرى يزني. والذي يتزوج بمطلَّقةٍ يزني. قال لهُ تلاميذهُ إن كان هكذا أمر الرجل مع المرأة فلا يوافق أن يتزوَّج. فقال لهم ليس الجميع يقبلون هذا الكلام بل الذين أُعطي لهم. لأنهُ يوجد خصيان وُلِدُوا هكذا من بطون أمَّهاتهم. ويوجد خِصيان خصاهم الناس. ويوجد خصيان خَصَوا أنفسهم لأجل ملكوت السموات. من استطاع أن يقبل فليَقبل"



وهذا يقودنا إلى أصل وأساس فكرة الزواج بل وسر قدسية الزواج ألا وهو أن الزواج في فكر الله إنما مُشبّه بعلاقة المسيح بالكنيسة واقتران المسيح بالكنيسة.

فدعونا نقرأ بتأمل ما ورد في رسالة أفسس بهذا الصدد "أيها النساءُ اخضعنَ لرجالكنَّ كما للربّ. لأن الرجل هو رأس المرأة كما أن المسيح أيضاً رأس الكنيسة. وهو مخلّص الجسد. ولكن كما تخضع الكنيسة للمسيح كذلك النساءُ لرجالهنَّ في كل شيءٍ. أيها الرجال أحبُّوا نساءَكم كما أحبَّ المسيح أيضاً الكنيسة وأسلم نفسهُ لأجلها لكي يقدسها مطهراً إياها بغسل الماءِ بالكلمة لكي يحضرها لنفسهِ كنيسةً مجيدة لا دنس فيها ولا غَضن أو شيءٌ من مثل ذلك بل تكون مقدَّسة وبلا عيبٍ. كذلك يجب على الرجال أن يحبوا نساءَهم كأجسادهم. مَن يحبَّ امرأتهُ يحبَّ نفسهُ. فانهُ لم يبغض أحدٌ جسدهُ قط بل يقوتهُ ويربيّهِ كما الربُّ أيضاً للكنيسة. لأننا أعضاءُ جسمهِ من لحمهِ ومن عظامهِ. من أجل هذا يترك الرجل أباهُ وأمهُ ويلتصق بامرأتهِ ويكون الاثنان جسداً واحداً. هذا السر عظيمٌ ولكنني أنا أقول من نحو المسيح والكنيسة. وأما أنتم الأفراد فليحبَّ كلُّ واحدٍ امرأتهُ هكذا كنفسهِ وأما المرأة فَلتَهَب رجلها"

ومن هنا نتعلم أن الزواج قد جعل الرجل وامرأته جسداً واحداً. فكيف ينفصل؟ ثم دعونا نسأل أنفسنا هذا السؤال، هل يطلق المسيح كنيسته لكل سبب؟.. كلا، بل يتعامل الله معنا ويردَّ نفوسنا إلى سبل البر من أجل اسمه. فالمسيح هو رئيس السلام. "وهو لا يشاء أن يَهلك أناسٌ بل أن يُقبل الجميع إلى التوبة." ولا يهلك إلاّ من ارتد للهلاك، أي من رفض الخلاص والفداء بإصرار وعناد ورفض مستمر لتعاملات الروح القدس معه كما رأينا في يهوذا الاسخريوطي الذي لقّبه المسيح "بابن الهلاك" وهذا ما يسميه الكتاب بالزنى الروحي كما هو مكتوب "بل زنوا وراء آلهةٍ أخرى وسجدوا لها." مكتوب "أما البار فبالإيمان يحيا وان ارتدَّ لا تسرُّ بهِ نفسي. وأما نحن فلسنا من الارتداد للهلاك بل من الإيمان لاقتناءِ النفس" وهكذا قد أكرمنا الله بأن نمارس ونشابه علاقة المسيح بالكنيسة من خلال الزواج المقدس المكرم كما هو مكتوب "ليكن الزواج مكرّماً عند كل واحدٍ" فليعطنا الرب أن نكرمه في بيوتنا وعائلاتنا وأولادنا وله كل المجد إلى الأبد آمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010