فوائد وروحانية وفضائل الصوم ( لقداسة البابا شنودة)

فوائد الصوم
==========
بقلم قداسة البابا شنودة الثالث
---------------------------------

الفوائد الروحية للصوم كثيرة جداً:
________________________

* فهو فترة مناسبة للتوبة. ولمراجعة النفس فيما تفعله. وتقرير البعد عن كل ما يغضب الله. لكي يكون الصوم مقبولاً عنده. هي اذن فترة مصالحة مع الله يبدأها الانسان بصومه. وحبذا لو استمر فيها بدون عودة الي الاخطاء.

* والصوم أيضا فترة لمزيد من الصلوات والتسابيح. سواء في ذلك الصلاة الخاصة. أو الصلوات العامة في بيوت الله.

* والصوم هو دعوة عامة لضبط النفس ليس من جهة الطعام فقط. انما أيضا ضبط اللسان والحواس. وما يدور في القلب والفكر من مشاعر ونيات وأفكار. والتدرب علي رفض كل ما هو خاطيء.

* وفي الصوم يشعر الانسان بضعف جسده. فتبعد عنه كل خواطر العظمة والكبرياء. واذ يشعر بالجوع. فإنه أيضا يحن ويشفق علي الجياع والفقراء ويعطيهم.

وما أكثر الفوائد الروحية في الصوم. لا نحصيها. يكفي اختبار الصوم فترة مثالية يتدرب فيها الصائم علي حياة البر والفضيلة.

* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
أما فوائد الصوم للجسد. فهي عديدة أيضا..نذكر في مقدمتها أنها فترة راحة لبعض أجهزة الجسد:

الصوم فترة تستريح فيها كل أجهزة الجسم الخاصة بالهضم والتمثيل الغذائي. كالمعدة والأمعاء والكبد والمرارة. هذه التي يرهقها الأكل الكثير. والطعام المعقد في تركيبه. وبخاصة الأكل والشرب المتواصلين واللذين في غير مواعيد منتظمة. كمن يأكل ويشرب بين الوجبات. وكما يحدث في الضيافات. وفي تناول المسليات والمشهيات وما أشبه. فترتبك أجهزته. إذ يدخل فيها طعام جديد يحتاج الي هضم. علي طعام نصف مهضوم. علي طعام أوشك أن ينتهي هضمه..!

أما في خلال فترة الانقطاع عن الطعام. فتستريح أجهزة الجسم هذه. وبخاصة المعدة التي هي بيت الداء.

* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
ومن فوائد الصوم أيضا أن يتخلص الصائم من البدانة والترهل.

ومن السمنة التي يحمل فيها الانسان كمية من الشحوم والدهون ترهقه. وتتعب قلبه الذي يضطر أيضا أن يوصل الدم إلي مساحات إضافية. وإلي كتل من الأنسجة فوق المعدل الذي أراد له الله أن يعوله.. بالاضافة الي ما تسببه السمنة من أمراض عديدة للجسد.

فيصر الأطباء من أجل صحة الجسد علي انقاص وزنه. ويضعون له حكما لابد أن يسير عليه يسمونه الرجيم Regime ويأمرون الشخص البدين الذي يعتبرونه مريضاً بأن يضبط نفسه في الأكل. بعد أن كان يأكل بلا ضابط!

ان الصائم الذي يضبط نفسه. لا يحتاج إلي رجيم.

* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
ليت الانسان يصوم بهدف روحي من أجل محبته لله.. وسينصلح جسده تلقائيا أثناء صومه. فهذا أفضل من أن يصوم بأمر الطبيب لانقاص وزنه

لعل هذا يذكرني بالتي تظل تأكل الي أن يفقد جسدها رونقه. فينصحها الأطباء أن تصوم وتقلل الأكل وتتبع الريجيم. وهكذا تقلل الأكل ليس من أجل الله. وانما من أجل جمال الجسد أو صحته. فهي لا تأكل وفي نفس الوقت لا تأخذ بركة الصوم. لأنها ليست من أجل الله تفعل ذلك!

حقاً انها لمأساة: أن الانسان يقضي جزءا كبيرا من عمره. يربي أنسجة لجسمه. ويكدس في هذا الجسم دهوناً وشحوماً.. ثم يقضي جزءاً آخر من عمره في التخلص من هذه الكتل التي تعب كثيرا في تكوينها واقتنائها!

* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
الصوم أيضا يساعد علي علاج كثير من الأمراض:

ومن أهم الكتب التي قرأتها في هذا المجال كتاب ترجم إلي العربية سنة 1930 باسم "التطبيب بالصوم" للعالم الروسي ألكس سوفورين.

وقد ذكر هذا العالم أن الصوم يساعد علي طرد السموم من الجسم أي التوكسينات Toxina التي علي الرغم من أن الجسد يتخلص من كثير منها بوسائل الاخراج المختلفة. إلا أن جزءاً قد يتبقي يصلح الصوم لطرده.

ويقول هذا العالم أيضا إن الجسم في صومه. اذ لا يجد ما يكفيه من غذاء. تتحلل بعض أنسجته. وأولها الدهون والشحوم والأنسجة المصابة والمتقيحة وهكذا يتخلص منها الجسد.

وقد وجد هذا العالم أن الصوم الانقطاعي الطويل المدي بنظام خاص. يعالج كثيراً من الأمراض. واني أعرض بحثه للدراسة كرأي لعالم اختبر ما ورد في كتابه.

* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
هنا وأقول ملاحظة هامة وهي:

إن الذي يتعب الجسد. ليس هو الصوم. بل الأكل..

يتعب الجسد كثرة الأكل. والتخمة. وعدم الضوابط في الطعام. وكذلك كثرة الأخلاط غير المتجانسة من الأطعمة. ودخول أكل جديد علي أكل لم يهضم داخل الجسم. كما يتعب الجسد أيضا الطاقات الحرارية الزائدة التي تأتي من أغذية فوق حاجة الإنسان.. وما أكثر الأمراض التي يسببها الأكل..

لذلك يجب أن تتحرروا من فكرة أن الصوم يتعب الصحة.

علي العكس. فإن الصوم يجعل الجسد خفيفاً ونشيطاً.. فهو يعطي قوة للقلب. ونشاطا في الحركة. وصفاء للذهن. وقدرة أكثر علي التفكير.. ويخلص الجسد من المرض والماء الزائدين.

****************************************************
روحانية الصوم
===========

الصوم ليس مجرد فضيلة للجسد. بعيدا عن الروح. ذلك لأن كل عمل لا تشترك فيه الروح. لا يمكن أن يعتبر فضيلة علي الاطلاق. فما هو عمل الجسد في الصوم؟ وما هو عمل الروح؟

عمل الجسد في الصوم. هو تمهيد لعمل الروح أو هو تعبير عن مشاعر الروح..

الروح تسمو فوق مستوي المادة والطعام. بل فوق مستوي الجسد. فتقود الجسد معها في موكب نصرتها وفي رغباتها الروحية ويعبر الجسد عن هذا بممارسته للصوم.

ان قصرنا تعريفنا للصوم علي أنه إذلال أو إخضاع له. كما يري البعض. أو مجرد منع الجسد عما يشتهيه.. نكون قد شرحنا من الصوم سلبياته. دون أن نذكر عمله الايجابي الروحي. فما هو؟

* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
الصوم ليس مجرد جوع للجسد. بل هو غذاء للروح:

فليس الصوم تعذيباً للجسد. إنما هو تسامي الجسد. لكي يصل إلي المستوي الذي يتعاون فيه مع الروح. فليس هو ارهاق للجسد. بل إعداده في حالة روحية. يشترك فيها مع الروح في الصلاة والسجود والركوع. وفي عدم الانشغال بالمادة مما يعطل الروح عن عملها.

الصوم فترة ترتفع فيها الروح. وتجذب الجسد معها:

تخلصه فيها من أحماله وأثقاله. وتجذبه معا إلي فوق. بعيدا عن المادة بشتي أشكالها. وبعيداً عن الانشغال بالعالم وشهواته. لكي يعمل معها عمل الرب بلا عائق. والجسد في روحانيته يكون سعيداً بهذا.

* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
الصوم هو عمل روح زاهدة. تشرك الجسد معها في الزهد.

فلا يكون الصوم هو الجسد الجائع. بل الجسد الزاهد..

وحينئذ لا يمتنع الجسد عن الطعام بينما يشتهيه. وإنما هو قد وصل إلي الوضع الذي لا يشتهي فيه هذا الطعام. لذلك يمتنع عنه.

والصوم هو فترة روحية يقضيها الجسد والروح معاً في عمل روحي. يشترك فيه الجسد مع الروح في عمل واحد هو عمل الروح.. يشترك معها في الصلاة والتسبيح. وفي التأمل والعشرة الإلهية.

فيصلي: ليس فقط بجسد صائم. انما أيضا بنفس صائمة..

بنفس صائمة عن الأرضيات الفانيات. وبفكر صائم وقلب صائم عن الشهوات والرغبات الجسدية. وبروح صائمة عن محبة هذا العالم الزائل وكل ما فيه من مغريات.. نعم. نفس ليس في داخلها إلا شهوة الخير والبر. وشهوة الوجود مع الله. تتمتع بنوره. وتتغذي بعشرته.

* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
من أجل هذا كله. يفرح الأبرار بالصوم..

يفرح القلب النقي بهذه الفترة التي يقترب فيها إلي الله. ويقترب فيها أيضا إلي الناس بكافة أعمال البر والمعاملة الحسنة.

يفرح بفترات الصوم. أكثر مما يفرح بالأعياد التي يأكل فيها ويشرب.. فهو لا يصوم. وفي أثناء الصوم يشتهي متي يأتي وقت الافطار. وانما في الافطار يشتهي الوقت الذي يعود فيه الصوم من جديد.

والصائم الذي ساعده الصوم علي اقتناء الكثير من الفضائل. يفرح بصومه وبالفضائل التي اقتناها فيه. ويحرص عليها ويجعلها لنفسه منهج حياة. فلا يتخلي مطلقا عن فضائل الصوم. حينما يأتي العيد والافطار.

*****************************************************

فضائل تصاحب الصوم
===============

الصوم ليس مجرد امتناع عن الطعام وإلا صار عملاً جسدانياً.

إنه ليس غاية في ذاته. إنما هو وسيلة توصل إلي غاية. والغاية هي إعطاء الفرصة للروح. لكي تقترب أكثر وأكثر إلي الله.

الصوم هو فترة روحيات مركزة. هو ارتفاع عن الأرضيات. لكي يتذوق الإنسان السمائيات. انه فترة مشاعر مقدسة نحو الله. علي الأقل فيها الشعور بالوجود في حضرته الالهية. والصوم أيضاً هو فترة جهاد روحي: جهاد مع النفس. وجهاد ضد الشيطان.

وأيام الصوم هي أيام للطاقة الروحية وفترة تخزين روحي الصوم يوصل إلي قوة الروح. وقوة الروح تساعد علي الصوم.

ولا يتأتي ذلك كله. إلا بفضائل تصاحب الصوم.

فما هي هذه الفضائل؟ نذكر في مقدمتها التوبة

* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
التوبـة
------------------
الصوم هو أيام مقدسة. يحياها الانسان في نقاوة وطهر: يكون فيها الفكر طاهراً. والقلب طاهراً. والجسد بعيداً عن كل دنس. ومادامت الخطية تبعدنا عن الله. فيجب أن نبتعد عن الخطية بالتوبة. لنقترب إلي الله.

في الصوم. يصوم الجسد عن الطعام. وتصوم الروح عن كل شهوة خاطئة. وهكذا بدون التوبة. يرفض الله الصوم ولا يقبله.

فالإنسان الظالم لا يقبل الله صومه. إلا إذا تاب عن ظلمه. وأصلح ما قد أفسده الظلم. وهكذا أيضاً القاسي والسارق والزاني. وكل من يسلك في الخطية علي الرغم من صومه. لذلك علي كل انسان أن يراجع نفسه ويقومها. ويصطلح مع الله والناس. لكي يقبل الله صومه.

* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
وإن تاب الانسان عن الخطية في الصوم. فليستمر في هذه الحياة الطاهرة بعد ذلك أيضاً. فليست التوبة قاصرة علي الصوم فقط. إنما قد يتدرب الانسان عليها أثناء صومه. حتي يتنقي قلبه من أدرانها ومن شهوتها. فإن تنقي. يحتفظ بهذا النقاء كمنهج حياة.

وفي ذلك كله. فليعدّ الصائم نفسه للجهاد مع الشيطان.

فالشيطان يحسد الصائم علي صومه. ويكره منه توبته ونقاوته. فيحاربه بكل وسيلة لكي يبعده عن الطريق الروحي ويسقطه. ملتمساً لذلك حيلاً وأسباباً. فعلي الإنسان أن يكون متيقظاً ومتنبهاً لكل الفرص التي تتاح له للخطيئة أثناء فترة الصوم. وبخاصة المخادعة والمتنكرة منها. إذ تلبس ثياب الحملان. وهي ذئاب خاطفة!

**********************************

الصلاة والعبادة
-------------------------
أنت تصوم لكي تقترب إلي الله. وفي اقترابك اليه تصلي.

والذين يصومون. وليس في أصوامهم أي عمل روحي: لا صلوات. ولا تأمل. ولا قراءات روحية. ولا تسابيح. ولا تراتيل.. هؤلاء تكون أصوامهم ثقلاً عليهم. وبلا فائدة.. فالامتناع عن الطعام هو الناحية السلبية من الصوم. أما إعطاء الروح غذاءها. فهو العنصر الايجابي من الصوم. بل هو العنصر الأساسي والجوهري.

الصوم فترة للصلوات. لان صلاة واحدة تصليها في عمق وأنت صائم. لهي أسمي من صلوات كثيرة تصليها وانت ممتليء بالطعام.

حقا. ما أعمق الصلوات. ان كانت في أيام مقدسة.

* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
واحرص في صلاتك. ان تكون خارجة من قلبك. وبكل مشاعرك.

لا يكن هدفك ان تكرم الله بشفتيك. بينما قلبك مبتعد عنه تماما. فالصلاة هي صلة بالله. فلا تحاول ان تريح ضميرك بشكليات. أي بمجرد تلاوة لا روح فيها ولا عمق. بل صلّ وانت تعني وتقصد كل عبارة تصليها لتكن لك صلواتك القلبية التي تشعر فيها بعشرة مع الله.

ولا شك ان الصوم المصحوب بعشرة الله. يتحول إلي متعة روحية.

ويجد الانسان لذته في الصوم. ويود لو يستمر فيه. ويري ان الفطر يرجعه الي استعمال الجسد الذي استراح منه طوال فترة صومه.

والصلاة هي فتح القلب لله. هي جسر ذهبي يوصل ما بين الارض والسماء. هي اشتراك مع الملائكة في تسبيح الله.

* * * * * * * * * * * * * * * * * * *
كما ان الصلاة ينبغي ان تشمل كل أنواعها.
-----------------------------------------------
فتشمل الشكر لله عن كل ما فعله لأجلنا. ولا ننسي كل احساناته الينا كأفراد وجماعات. وحسنة هي فترة الصوم نعرض فيها كل طلباتنا علي الله. طالبين عونه وحفظه. بل كثير من الناس يفرضون علي أنفسهم أصوامنا خاصة يطلبون فيها من الله حل مشكلات معينة.

وفي الصوم يحسن بالانسان ان يصلي الي الله لكي يغفر له خطاياه. وكل ما قد خرج فيه عن طاعة الله. متعهدا باصلاح كل ما أفسده. طالبا معونة الهية تساعده علي ذلك.

* * * * * * * * * * * * * * * * * *
التخشع
-----------------
والصوم هو فترة خشوع أمام الله

يمثل ذلك الركوع والسجود أمام الله. والابتهال بقلب منسحق.

وكما ينسحق الجسد بالجوع. كذلك تنسحق الروح أيضا. وتنحني النفس أمام الله. وإذ يشعر الجسد بضعفه. تشعر الروح أيضا بضعفها.

وفي الشعور بالضعف. يبطل الانسان كل ما عنده من كبرياء وخيلاء. وتتضع نفسه. ولا يمشي في عزة وخيلاء.

وفي الشعور بالضعف. يدخله لون من الزهد في كل ما يرفعه من زخرف هذه الدنيا. التي كل ما فيها فاني وباطل.

فهل تشعر بكل هذا في صومك؟

********************************
الصدقة والعطاء
------------------------
الذي يشعر بالجوع في الصوم. يشفق تلقائيا علي الجياع. فيعطيهم. والذي يمارس الحرمان الاختياري في الصوم. يشعر بحاجة المحرومين وعوزهم. فتدخل في قلبه مشاعر الرحمة نحو كل هؤلاء.

لذلك يكثر في الصوم الاحسان إلي الفقراء. ليس من جهة الطعام فقط. بل في كل احتياجاتهم. ويتأكد الصائم - حينما يعطي - انه لا يعطي من جيبه. انما من حق الله عليه.. وما أجمل عبارة ذلك المرشد الروحي الذي قال: "إذا لم يكن عندك ما تعطيه لهؤلاء المساكين. فصم وقدّم لهم طعامك".

هناك جزء من أموالك من المفروض ان تقدمه لله. وهذا تعطيه في فترة الصوم للفقراء. وتقول للرب الاله "من يدك أعطيناك" وتشعر انك فيما تأكل. يأكل هؤلاء الفقراء معك.

* * * * * * * * * * * * * * * * * *
الزهد
-------------
قد يمتنع الانسان عن الطعام. ولكنه يشتهيه. ولذلك لا يكون السمو في الامتناع عن الطعام.انما في الزهد فيه.

الارتفاع عن مستوي الاكل يوصل الي الزهد فيه والي النسك ايضا. فان لم تستطع الوصول الي هذا الزهد والنسك. فماذا تفعل؟ علي الاقل - من أجل ضبط النفس - لا تأكل وتشرب كل ما تشتهيه نفسك. وان لم تستطع. خذ جزءا ولا تأكل الكل. اترك شيئا.

ان دانيال النبي قال عن صومه: كنت صائما ثلاثة اسابيع اياماً. لم آكل طعاما شهيا. ولم يدخل في فمي لحم ولا خمر. ولم أدّهن.

هنا يبدو ضبط النفس: ان نفسك تريد. وأنت ترفض أن تستجيب إلي رغبتها. وتنجح في رفضك. فتكتسب قوة ارادة.

ويمكن ان تنفذ هذا التدريب بالنسبة إلي رغبات أخري من رغبات النفس. فتصير الرغبات خاضعة لارادتك.

* * * * * * * * * * * * * * * * * * *
ضبط النفس
--------------------
جميل ولازم ان تضبط نفسك ضد كل رغبة خاطئة. سواء أتتك من داخلك أو من حروب الشياطين. فان الذي يحكم نفسه. خير ممن يحكم مدينة.

لذلك امسك زمام ارادتك في يدك. وبخاصة في أيام الصوم.
---------------------------------------------------------
وكما يشتهي جسدك الأكل والشرب فتمنعه عنهما. وتنجح في منعك. كذلك امنعه عن شهواته الخاطئة. بنفس قوة الارادة التي اكتسبتها من الصوم. واضرب لك هنا بضعة أمثلة:

* الامتناع عن التدخين في أثناء صومك. اجعله يمتد بعد ذلك.
------------------------------------------------------------
ولو بأسلوب من التدريج: نصف ساعة ثم ساعة فأكثر. وكلما تشتهي ان تدخن. امنع نفسك علي قدر ما تستطيع. الي ان تبطل هذه العادة الرديئة التي تضيع صحتك ومالك وارادتك. بل تضيع أيضا صحة الذين حولك. من أسرتك أو من أصحابك.

* الامتناع عن الصحبة الرديئة التي تقود إلي أخطاء عديدة.
--------------------------------------------------------------
عالما ان المعاشرات الرديئة تفسد الاخلاق الجيدة - والمعروف ان كثيرا من الشباب قد تعود الادمان علي المخدرات عن طريق مجموعة من الاصدقاء قادته الي ذلك. فتورط معهم. وتدرج حتي خضع للمخدر.

* الامتناع عن قراءة المجلات الماجنة. والكتابات المفسدة للفكر.

يبدأ هذا المنع في الصوم. ويستمر بعده..

وهكذا يستمر عامل المنع عندك بالنسبة الي كل شيء ضار. وتكتسب فضيلة ضبط النفس التي تنفعك في كل نواحي حياتك.

ان قهر الجسد - بضبط النفس - هو وسيلة تأخذ به الروح حريتها.

وضبط الجسد لازم. حتي لا ينحرف فيهلك الروح معه.

وحينما يكون الجسد منضبطا. تمسك الروح بدفة الموقف. وتدبر مسيرة الحياة كلها. والجسد حينذاك لا يقاومها. بل يخضع لقيادتها ويشترك معها في كل عمل صالح.

* * * * * * * * * * * * * * * * *
صوم اللسان والفكر
-------------------------
قال أحد الآباء الروحيين في هذا المعني:

صوم اللسان خير من صوم الفم عن الطعام. وصوم القلب

عن الشهوات الرديئة خير من صوم الاثنين "اللسان والفم".

ومع صوم القلب عن الشهوات. يصوم الفكر ايضا عنها.

وللاسف: غالبية الناس أثناء الصوم. يهتمون فقط بصوم الفم عن الطعام. بينما القلب والفكر هما الأهم. وكذلك أخطاء اللسان ما أخطرها. لان اللسان يفضح ما في القلب من المشاعر والأحاسيس حتي التي يريد ان يخفيها.

وصوم اللسان معناه ألا يأخذ حريته في الكلام بكل جيد ورديء.

بل كما قال داود النبي "ضع يا رب حافظاً لفمي. باباً حصيناً لشفتيّ". لذلك فالانسان الصالح لا يسرع بنطق أية كلمة تخطر علي عقله. بل انه يصوّم فمه عن الكلام الرديء. ويضبطه فلا يلفظ إلا الكلام الصالح الذي للبنيان الذي يستفيد به كل من يسمعه.

* * * * * * * * * * * * *
كذلك صوم الفكر
----------------------
فلا يسمح الانسان لأية فكرة ان تجول بذهنه. ولا يتمشي معها ما دامت فكرة خاطئة. بل يصوم عنها ذهنه. ولا يعطي الذهن فرصة ليتغذي بمثل هذه الأفكار.

والأفكار تنبع من القلب. ثم تعود اليه وتصبح مشاعر

ولذلك فان صوم الفكر وصوم القلب. يتبادلان المواقع معا. كسبب ونتيجة. ان صوّمت قلبك عن الشهوات الرديئة. فسوف يصوم فكرك تلقائياً عنها. إذ لا يرد اليه من القلب ما يغذيه..

وبالمثل ما يرد إلي القلب من نيات. ان صوّم الانسان قلبه عنها. فلن تصل الي الارادة. فتصوم الارادة حينذاك عن تنفيذ كل نية شريرة. لانها لم تصدر عن القلب الصائم. اذن المهم هو صوم القلب والفكر عن كل رغبة خاطئة. أما صوم الجسد فهو أقل شيء.

* * * * * * * * * *

الاعتكاف والصمت
-----------------------
الاعتكاف والصمت لازمان للعمل الروحي خلال الصوم.

ففي اعتكافه. يصمت الصائم. وإذ لا يوجد من يتكلم معه. فانه يكلم الله. أي يصلي. والمعروف ان الصائم - في حالة نسكه وجوعه - قد يكون في حالة من ضعف الجسد لا تساعده علي بذل مجهود في الحديث - لذلك يصمت ويصلي. أو يستغل وقته في قراءات روحية. فالاعتكاف له أليق وأنسب.

وفي صومه تكون روحه منشغلة بالتأمل في الالهيات. لذلك فاللقاءات والأحاديث تعطله عن العمل الروحي داخل قلبه.. وأيضا فان الزيارات - ان قام بها - تمنع تفرغه.

حاول اذن ان تعتكف في صومك. لتنشغل بصلواتك وقراءاتك الروحية وتأملاتك. وان اضطررت إلي الخلطة. فليكن ذلك في أضيق الحدود. وعليك اذن ان تتخلص من الوقت الضائع. لكي تقضيه مع الرب الهك.

وكل عام والجميع بخير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010