المسيحى في المجتمع



المسيحى في المجتمع
================

مركز المسيح في المجتمع:
إن المحاولات الجبارة التي قام بها علماء الاجتماع والتربية والنفس خلال القرنين التاسع عشر والعشرين لرفع قيمة الإنسان الذاتية وتسليحه بأخلاق اجتماعية، بدون المسيح، باءت بخسارة عظيمة لا يمكن أن تعوَّض.


وقد ثبت أن الإنسان بدون المسيح لا يستطيع أن يحتفظ بميراثه الأخلاقي، مهما كان متيناً راسخاً. فبدون المسيح قد ينجح الإنسان أن يعمل كل شيء ولكنه لن ينجح في حفظ طهارته وأمانته وحبه للآخرين بدون عيب حتى النهاية. وقد تنجح البيئات المتقدمة أن تخدم الفقراء والضعفاء والمرضى والمشوهين بدون أي وازع ديني، ولكن بدون المسيح لا يمكن أن يبذل الإنسان نفسه من أجل هؤلاء الفقراء والضعفاء والمرضى!
لأن الإحساس بشخصية المسيح مصدر إلهام عظيم للإنسان كفيل أن يرده إلى حالة إيمان وتوبة ورجاء يفوق بها كل الاحتمالات السلبية. والإنسان الذي يتمسك بالمسيح يستمد منه طاقة تمييز فائقة يستطيع أن يحكم بها على كل الأمور ولا يطغي عليه الشر قط.
فشخصية المسيح في المجتمع مصدر قوة وحيوية، ترفع الإنسان فوق ذاته بدون جهد، فيرتفع الإنسان دون أن يشعر بارتفاعه لأنه لا يرتفع بذاته. لذلك، فعمل المسيح في المجتمع يختلف اختلافاً جوهرياً عن عمل الثقافات والعلم والمعرفة. لأنه إن كانت هذه يمكنها أن ترفع الإنسان بالمعرفة فوق ذاته، فهي لا تؤمِّنه ضد الكبرياء المحتمل من هذا النمو والارتفاع. أما المسيح فيرفع الإنسان إليه بالاتحاد الشخصي إلى ما لا نهاية.
المسيح قال: "أنا هو نور العالم" (يو 12:8)، ولكن –للأسف- لم يزل إلى الآن لا يضيء بما فيه الكفاية بسبب ضعف الموصلين لهذا النور. فالإنسان بحد ذاته معتم، وإذا حاول أن يمتص نور المسيح لذاته فقط يزداد عتمة، لأنه يزداد أنانية وكبرياءً بمعرفته. أما الذين يعكسون نور المسيح بسهولة على الآخرين تجدهم يتوهجون بالنور كقمم الجبال في مطلع الشمس!
الإنسان الذي يتصل بالمسيح بقلبه ويستعبد مشيئة نفسه لخدمة محبته يزداد حرية، يزداد شجاعة، يزداد بذلاً، يزداد رجاءً يسند به الضعفاء واليائسين.
الإنسان الذي يستمد كلماته من فم المسيح، هو بمثابة نبي وسط الجماعة، أي جماعة سواء كانت متدينة أو غير متدينة، لأنه يلهمها قوة جديدة هي دائماً في أشد الحاجة إليها.
والإنسان الذي تشعر الجماعة أنه محبوب لدى المسيح، تدفعه الجماعة التي يعيش معها لكي يتبوأ مكانه الأعلى في وسطها وتضطره أن يضع سراجه على المنارة، لماذا؟ لأنه يستطيع أن يدفىء قلوب الناس بحرارة المسيح وينير ظلمة القلوب بإشراق نور المسيح السري الذي يشع من وجهه وكلماته وحبه.
ومن هذا يتضح أن الرجاء المسيحي بالحياة الأبدية وبمجيء المسيح هو العصب الرئيسي المسئول عن المسير والنمو في الحياة الاجتماعية.
الحياة الاجتماعية، من وجهة نظر المسيح نفسه، إعداد دائم للمستقبل. لذلك، فمركز المسيح في المجتمع البشري ليس هو داخل دائرة المجتمع بل خارجها: "قد قام ليس هو ههنا... لماذا تطلبن الحي بين الأموات؟" (لو 6:24 و5)!!
فالمسيح ارتفع إلى فوق لكي يجذب إليه الجميع!!
ما معنى هذا؟
معناه أن عمل المسيح في المجتمع البشري ليس أن يصبح أكثر لياقة للحياة على الأرض أو أكثر تعاوناً أو أُلفة أو سلاماً أو فرحاً أو راحة أو متعة. فهذه كلها يمكن أن تؤمِّنها المجهودات البشرية والأموال.
ولكن عمل المسيح هو أن يجعل المجتمع البشري أكثر لياقة للحياة الأبدية، أي أكثر فهماً لله وأكثر حباً له وبذلاً من أجل محبته، وأكثر صبراً على كل ضيقات ومحن الأرض، وأكثر احتمالاً لمظالم الناس وشرورهم، وأكثر شكراً في كل الأحوال، وأكثر اتضاعاً بما يناله من خيرات ومواهب، وأكثر أمانة على القليل، وأكثر تجرداً من كل ما يعوق مسيره، وأكثر طهارة التي بدونها لا يُحسب له شيء.
ما هو عمل المسيحي داخل المجتمع:
الإنسان المسيحي بالنسبة للمجتمع يمكن توزيعه على ثلاث فئات:
في الأولى: المسيحي الذي لم يعِ بعد مسيحيته وحقوقها.
وفي الثانية: المسيحي الذي وعى مسيحيته وحقوقها ولم يعِ بعد واجباته بالنسبة للمجتمع.
وفي الثالثة: المسيحي الذي بلغته الرسالة كاملة بالنسبة للمجتمع.
سمات الفئة الأولى:
وفيها لا يكون المسيحي قد وعى بعد مسيحيته ولا تكون تعاليم المسيح قد تحولت فيه بعد إلى فعل داخلي أي إلى حياة، ولا تكون الحرارة الإلهية قد دخلت قلبه التي هي علامة فاعلية الروح القدس القادرة على التحويل والتغيير والتجديد.
ويكون الإنسان في هذه ما يزال يعيش بأخلاقه وعاداته وميوله ومزاجه التي اكتسبها من الأسرة والبيئة، أي لم يتغير بعد. ولهذا يكون أقرب للتأثر بالبيئة وأخلاقها السائدة من تأثره بالإنجيل.
سمات الفئة الثانية:
وفيها يكون المسيحي قد وعى مسيحيته وعياً داخلياً، وتحولت تعاليم المسيح فيه إلى حياة وإلى حرارة تظل تُكمِّل تحويله داخلياً وتغير شكله يوماً بعد يوم. هنا يكون الإنسان في حالة يقظة وفعل، ولكنه يكون غير مهيأ "للتفاعل" مع المجتمع الذي يعيش فيه. أي أنه بالرغم من قدرته المدهشة في الذود عن نفسه ضد شرور الوسط وإغراءات انحلال البيئة، الأمور التي كان ينجذب إليها سابقاً، إلا أنه يقوى على إقناع الغير بضررها وفسادها، وهو بهذا يعتبر أنه ناجح في حربه السلبية داخل المجتمع ليحمي نفسه من التيارات، ولكنه لا يكون قد تسلح بعد بأسلحة الحرب الإيجابية التي بها يستطيع أن يوقف التيار ليحمي المجتمع نفسه من شروره.


سمات الفئة الثالثة:
وفيها يكون الإنسان قد نجح في حربه الداخلية مع نفسه، وأخضع ميوله وشهواته وآماله لمشيئة المسيح، وضبط ذاته ضبطاً روحياً أهَّله أن يسلمها للرب تسليماً ناجحاً يزداد قوة وعمقاً كل يوم، وأصبح يحس أنه ليس حراً في تصرفاته لأن يد الرب تمسكه وتقوده. كما أنه لم يعد في نظر نفسه قادراً على شيء، ولكن يثق في الرب أنه قادر أن يصنع به كل شيء –لو أراد – وهو يتبع هذه الإرادة حتى الموت. وبهذا يتسلح الإنسان بأقوى سلاح في حربه الإيجابية تجاه العالم، وهو الاختفاء وراء الرب، فينجح دائماً وفي نفس الوقت ينجو من الغرور!!
الهدف الذي يسعى إليه المسيحي من عمله في المجتمع:
أولاً – تحديد الهدف:
حينما سلم المسيح الرسالة إلى تلاميذه لم يلجأ إلى التخصيص، لا بالنسبة إلى حقول العمل ولا بالنسبة لنوع العمل، فجعل الكل مسئولاً عن كل العالم، يتلمذونهم للمسيح بمقتضى كل تعليمه!! ولأن هذا يعتبر فوق الطاقة، لذلك قدم لهم نفسه كعامل يضمن التنفيذ.
+ "فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم.." (مت 19:28)، "وتكونوا لي شهوداً في أورشليم وفي كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض" (أع 8:1).
+ "وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به"،
+ وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر". (مت 20:28).
فماذا كان هدف المسيح في تقديم نفسه للعالم؟
هنا نجد أنفسنا ملزمين أن نوضح هدف الإنجيل كله. ولكن هذا ليس بالأمر الصعب، فالإنجيل ناطق بذاته وواضح جداً وسهل. ويمكن اختصار كافة تعاليم المسيح التي وردت فيه إلى ثلاثة اتجاهات ثابتة محددة:
الاتجاه الأول: يختص بعلاقة الإنسان بالله.
الاتجاه الثاني: يختص بعلاقة الإنسان مع نفسه.
الاتجاه الثالث: يختص بعلاقة الإنسان بأخيه الإنسان.
الذي يعمل في هذه الغايات الثلاث ويجعلها هدفاً فعالاً، هو المسيح. فهو الذي يجعل علاقة الإنسان بالله تقوم على أساس روحي، وهو الذي يرفع من قيمة خلاص النفس فوق العالم كله، وهو الذي يوحد الإنسان بالإنسان. فالمسيح هو العنصر الفعال وراء هدف العمل الذي يعمله المسيحي في العالم، وهذا واضح جداً من قول المسيح: "علموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به. وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر" (مت 20:28). لأن تعليم العالم بكافة وصايا المسيح لا يجدي نفعاً بدون المسيح، لأن الوصية غير قادرة بذاتها أن تغير العالم إذا لم يكن المسيح يعمل فيها ومعها. لذلك يستحيل على أي إنسان أو جماعة أو هيئة أن تنجح في تحويلها لأي مجتمع إلى حالة أفضل ويبقى هذا التحول مستمراً نامياً، إلا إذا كان داخلاً ضمن مشيئة الله وعمله ويكون المسيح "هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا" (في 13:2).
فالمسيحي يؤمن إيماناً لا هوادة فيه أن تغيير المجتمع وتجديده إنما يتم على مستوى سري بتحولات صغيرة تتم في أركانه المتباعدة بواسطة جهود موضوعة تحت قيادة الرب، تعمل معاً كالخميرة حينما تتوزع في العجين كله. على أن أي تحول في أبسط صورة من صوره إنما يتم كعمل من أعمال الله المستمدة من سر التجسد والفداء!
ثانياً: تثبيت الهدف:
حينما ينجح المسيحي في الوصول إلى هدفه في المجتمع على أساس هذه الغايات الثلاث، لا يكون ذلك كافياً لضمان بقاء النفس البشرية أو أية جماعات ثابتة ونامية في حدود هذا الهدف، إلا إذا انتقلت النفس أو الجماعة من حالة تأثر إلى حالة تأثير، أي يلزم لكي يكون إيمان الإنسان حياً أن يكون فعَّالاً باستمرار. فكل إنسان في المسيح يسوع مُطالب أن يكون حياً عاملاً كعضو في جسم الرب، وذلك يستلزم أن يكون متحداً بالكنيسة ملتصقاً بها.
المصدر الذي يستمد منه المسيحي قوة العمل:
القوة التي يعمل بها المسيحي في المجتمع الذي يعيش فيه يستمدها من المصدر الآتي:
أولاً: من علاقته الشخصية بالمسيح.
ثانياً: من حضور المسيح.
ثالثاً: من فاعلية كلمة المسيح.

موضيع فى منتهى الروعه






صلى لضعفى `17`

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010