القديس مارشيلينو

ملأ صراخ الطفل المكان وحل محل السكون الرهيب الذي كان المدينة ... انه يريد أن يأكل ولكن كيف ترضعه أمه وتشبعه وهي لم تذق الطعام منذ يومين، لقد كان الجوع منتشر في إيطاليا في ذلك الوقت وأول من ذاق ألم الجوع هم الفقراء الذين لا يستطيعون أن يشتروا الطعام الغالي أو يتركوا البلاد ويرحلون لبلاد أخرى فيها يجدوا الطعام والشراب، وأخذت تفكر الأم الفقيرة ماذا تفعل رحمة بوليدها، استمر صراخ الطفل حتى تعب ونام وهو مازال جوعان، نظرت إليه الأم وقلبها يتمزق ولا تدري ماذا تفعل، وأخيرا جاءت لها فكرة، ولكنها أجلت تنفيذها لمنتصف الليل حتى لا يراها أحد، وعند منتصف الليل قامت ولفت الطفل بقطعة قماش مهلهلة وأخذته في حضنها ورحلت، ثم توقفت فجأة أمام المكان المنشود، لقد كان ذلك المكان هو دير الرهبان لقد قررت الأم أن تترك طفلها أمام الدير عسى أن يكون هؤلاء الرهبان أحن عليه من هذا العالم القاسي، وهناك تركته وهربت حتى لا يراها أحد، وكلما بعدت عن طفلها خطوة كانت تشعر أن قلبها ينخلع من ضلوعها ويصرخ سامحني يا بني إن هذا العالم القاسي ظلمك وظلمني معك ... فبعدك عن حضني يمزقني، جرت الأم واختفت وسط الظلام والدموع تسيل على خديها.
أيقظ صراخ الطفل الرهبان فخرجوا مسرعين عند البوابة كي يعرفوا مصدر هذا الصوت، وعندما فتحوا البوابة شلت المفاجأة ألسنتهم ما هذا طفل !!! من أين جاء؟ ومن والديه ؟ ياله من طفل مسكين ..
أخذه الرهبان وذهبوا به إلى الراهب المسئول عن الدير ليقرر ماذا نفعل، وبعد تفكير عميق قرروا أن يقيم الطفل عندهم ويصبحوا هم أهله، وبالفعل قاموا بتقسيم المهم عليه، فهذا مسئول عن طعامه .. وهذا عن شرابه .. وهذا يعتني به في الليل .. وهذا مسئول عن نظافته، وهكذا أصبح لكل منهم دور في حياة هذا الطفل، ولكن كان لابد أولا أن يختاروا له اسم وبعد عدة أسماء اقترحوها قرروا أن يسموه مارشيلينو.
أصبح مارشيلينو موضع اهتمام من كل الرهبان وكلما كبر كلما ازدادوا تعلقا به، مرت السنون وكبر الطفل وأصبح عمره خمس سنوات تقريبا، كان مارشيلينو يتميز بحب الفضول الشديد وكان يجد متعته وهو يكتشف كل ما هو جديد بالنسبة له، وفي يوم شاهدوه الرهبان وهو يحاول أن يصعد للعلِّية لذا طلبوا منه أن لا يصعد مرة أخرى خوفا عليه من الحشرات التي من الممكن أن تؤذيه وعليه أن يطيع كلامهم، ولكن حب الفضول لدى الطفل جعلته لا يستطيع أن يطيع كلامهم، لذا كان كل يوم يحاول الصعود وقبل أن يصل للمكان يخاف وينزل مسرعا، وذات يوم تشجع وصعد للعلِّية وهناك تغير مسار حياته بالكامل ونقطة تحول له ، لقد كان صعوده هو السبب انه أصبح القديس مارشيلينو .
** دعونا نكمل قصتنا ....

وقف الطفل في العلِّية يتأملها ويجول بنظره فيها ويحدث نفسه قائلاً :
هذا بيانو قديم متهالك .. وهذا كرسي فخم ولكن تنقصه أرجله .. أما هذا فهو صندوق مليء بملابس قديمة متهالكة ... وهذا ... آه .. ما هذا ؟؟ .. أنه صليب ضخم كبير، طوله بطول العلِّية .. ولكن من هذا الشخص المعلق عليه إنه لا يتحرك، مسكين لابد أنه يتألم ... يا سيدي لماذا أنت هنا معلق على هذه الخشبة، هل اقترفت خطأ ما لذا عاقبك أبي الراهب وعلقك على هذه الخشبة، يبدو انك تتألم كما يبدو انك جوعان دعني اذهب لأحضر لك طعام وشراب .
نزل مارشيلينو بعد أن رأى تمثال الرب يسوع وهو معلق على الصليب واعتقد أنه رجل معاقب وذهب للمطبخ كي يحضر له طعام وشراب، وبعد أن جمع كمية كبيرة من الطعام صعد للعلِّية وتقدم نحو التمثال وقال له : " تفضل لتأكل معي ..."
وهنا حدث شيء عجيب ... لقد تحرك التمثال وتجسد ونزل الرب يسوع من على الصليب وجلس مع مارشيلينو وأكل وشرب تكلم معه وفي نهاية الجلسة قال يسوع للطفل : " ماذا تريد مني أن افعله لك "
رد الطفل ببراءة : " أريد أن أرى أمي " ...أجاب يسوع قال : " ليس الآن "
وهكذا مرت الأيام ومارشيلينو يأخذ طعام من المطبخ ويذهب به ليسوع في العلِّية ويأكلا معا ويشربا معا ويتحدثا معا... وقد لاحظ الرهبان أن الطعام ينقص وأن مارشيلينو يختفي فجأة ثم يظهر لذا قرروا أن يراقبوه حتى يعرفوا السر، وبينما كان راهب يراقبه لاحظ ان مارشيلينو دخل المطبخ وخرج وفي يده لفة كبيرة وأسرع بها نحن العلِّية، فصعد وراءه الرهب حيث كانت المفاجأة، لقد وجد مارشيلينو وشخص يشبه كثيرا صورة تمثال الرب يسوع المعلق على الصليب ونظر للصليب ليؤكد لنفسه انه نفس الشبه ولكنه تسّمر في مكانه، لقد كان الصليب فارغ ... معقول هل هذا هو نفس التمثال !!! هل هو الرب يسوع الجالس الآن مع مارشيلينو !!
أسرع الراهب ليخبر باقي الرهبان ... ونفس الوقت قال يسوع لمرشيلينو :" لقد حان وقت تلبية رغبتك، اليوم سترى والدتك هل أنت مستعد أن تأتي معي "، أجاب مارشيلينو بكل ثقة :" نعم يا سيدي".
أخذه يسوع في حضنه وصعد به للسماء بجسده لمدة خمس دقائق فقط حتى يرى والدته .
جمع الراهب جميع الرهبان وصعدوا للعلِّية وهم غير مصدقين هذا الكلام الذي سمعوه، وعندما وصلوا للعلِّية وجدوا تمثال الرب يسوع وهو معلق على الصليب وكادوا أن يعاتبوا زميلهم على هذا المقلب السخيف ولكن شلت المفاجأة ألسنتهم فلم ينطقوا، ولقد وجدوا جسد مارشيلينو أما التمثال وقد فارقته روحه... لقد اختار مارشيلينو الحياة مع المسيح لأن ذلك كما قال بولس أفضل جدا .

** عزيزي عزيزتي ... هل نحن مستعدين للقاء يسوع ...
ماذا لو جاء صوت لنا اليوم يقول :" اليوم تطلب نفسك منك "، هل سنكون مثل الغني الغبي، أم سنكون مثل القديس مارشيلينو مستعدين للقاء يسوع في أي وقت ...
سؤال يحتاج لوقفة ... وإجابة تحتاج للحظة صدق مع النفس بدون تحليلات أو تبريرات لتصرفاتي التي تحزن يسوع ...
لقد قال يسوع :" إن لم ترجعوا مثل الأطفال لن تدخلوا ملكوت السموات "
الآن أترككم حتى اذهب ليسوع وأقول له :" اللهم ارحمني أنا الخاطي .. أغفر لي وسامحني .. وأدخل قلبي وامتلك حياتي .. وكن أنت صاحب السلطان على كل أموري .. ولتكن إرادتك في حياتي لا إرادتي ."
أمين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010