حيوانات و طيور نجسة فى العهد القديم

لماذا حرم الله أكل بعض الحيوانات في التوراة وحلل أكلها في الإنجيل، مثلاً الخنزير؟

ج: يلزمنا قبل الإجابة على هذا السؤال أن نعرف أنه لا يوجد كائن حي نجس بذاته لأن الله هو الذي خلق كل الكائنات الحية.. فالحيوانات والطيور والأسماك وكل شئ قد خلقه الله.. وفي كل يوم من الأيام الست التي خلق فيها الله الخليقة كان يرى ذلك أنه حسن. وهذا ما نقرأه في التوراة في سفر التكوين "وقال الله لتُخرِج الأرض ذوات أنفس حيَّةٍ كجنسها. بهائِمَ ودبَّاباتٍ ووحوشَ أرضٍ كأجناسها. وكان كذلك. فعمل الله وحوش الأرض كأجناسها والبهائِمَ كأجناسها وجميع دبَّابات الأرض كأجناسها. ورأى الله ذلك أنهُ حَسَنٌ" من هنا نعرف أن كل الخليقة حسنه. وهذا يؤكده الله في الإنجيل في سفر أعمال الرسل حين قال الله لبطرس "ما طهَّرَهُ الله لا تدنّسهُ أنت." وكان الله يقصد كل دواب الأرض والوحوش والزحافات وطيور السماء. وهذا أيضا عين ما ورد في رسالة روميه حين قال الرسول بولس "إني عالمٌ ومتيقّنٌ في الرب يسوع أن ليس شئٌ نجساً بذاتهِ"


س: والآن لماذا حرّم الله أكل الخنزير في التوراة مادام الخنزير ليس نجسا؟

ج: وللإجابة على هذا السؤال نقرأ من سفر اللاويين "وكلَّم الرب موسى وهرون قائلاً لهما كلّما بني إسرائيل قائلَين. هذه هي الحيوانات التي تأكلونها من جميع البهائِم التي على الأرض. كلُُّ ما شقَّ ظلفاً وقسمهُ ظلفين ويجترُّ من البهائِم فإيَّاهُ تأكلون إلاَّ هذه فلا تأكلوها مما يجترُّ ومما يشقُّ الظلف. الجمل. لأنهُ يجترُّ لكنهُ لا يشقُّ ظلفاً. فهو نجسٌ لكم. والوَبْر. لأنهُ يجترُّ لكنهُ لا يشقُّ ظلفاً فهو نجس لكم. والأرنب. لأنهُ يجترُّ لكنهُ لا يشقُّ ظلفاً فهو نجسٌ لكم. والخنزير. لأنهُ يشقُّ ظلفاً ويقسمهُ ظلفَين لكنهُ لا يجترُّ. فهو نجسٌ لكم… إني أنا الربُّ إلهكم فتتقدَّسون وتكونون قديسين لأني أنا قدوسٌ. ولا تنجِّسوا أنفسكم بدبيبٍ يدبُّ على الأرض."

من هذا نجد أن الله إنما يعلم شعبه في العهد القديم القداسة بإعطائهم تشبيهات من طبيعة الحيوانات فالحيوانات التي تؤكل أي الحيوانات المحللة لها طبيعتين، الأولى تشق الظلف وتقسمه ظلفين والثانية تجتر. والحيوانات التي لا تؤكل أي الحيوانات المحرمة هي التي لها طبيعة واحدة فقط من هاتين الطبيعيتين فهي إما تشق الظلف وتقسمه ظلفين وإما تجتر.

والمعنى الروحي الذي يقصد الله أن يعلمه لشعبه من طبيعة شق الظلف وقسمه ظلفين في الحيوان هو أنه ينبغي أن يكون هناك فاصل بين تراب الأرض وقدم الحيوان وهذا الفاصل هو ما يميز سلوك أولاد الله عن سلوك أهل العالم. وهذا الفاصل هو في الظلف الذي يعمل عمل الحذاء بالنسبة للإنسان الذي يفصل بين خطوات الإنسان وتراب الأرض. فالخطوات ترمز للسلوك والحذاء يرمز لحفظ السلوك من تراب الأرض. وطبيعة شق الظلف تؤكد هذا المعنى. هذا الشق الذي يرسمه الحيوان بقدمه حينما يطأ على الأرض إنما يعبر عن التميز والاختلاف الدائم بين سلوك شعب الله وسلوك أولاد العالم كما علمنا الإنجيل "لأنهُ أيَّة خلطةٍ للبرّ والإثم. وأيَّة شركةٍ للنور مع الظلمة." وأيضا في التوراة يرد ذات المعنى إذ يقول الكتاب "وفصل الله بين النور والظلمة. ودعا الله النور نهاراً والظلمة دعاها ليلاً." وهكذا يريد الله أن يعلم شعبه أن سلوك أبناء النور الذين هم شعبه ينبغي أن يختلف تماما عن سلوك أبناء الظلمة الذين هم أولاد إبليس.

ولكن شق الظلف لا يكفي لحياة القداسة إذ ينبغي أن تتوفر الطبيعة الثانية وهي طبيعة الاجترار. والاجترار يعني أن الحيوان يعيد مضغ وهضم الطعام وهذا روحيا يرمز للإنسان الذي يعيش متأصلا في كلمة الله فليست كلمة الله بالنسبة له طعام يأكله ثم ينتهي منه لكنه طعام باق يحيا به ويتلذذ به.



س: لكن لماذا لا تكفي إحدى الطبيعيتين لحياة القداسة؟

ج: ذلك لأنه يوجد بشر يجتهدون جدا في السلوك بدون أن تكون بينهم وبين كلام الله شركة قوية، شركة تلذذ وشوق. فاجتهادهم في السلوك ليس نابعا من شركة روحية مع الله بل من اقتناعات بشرية وطبيعة أخلاقية إنسانية وهذه ليست قداسة. ويوجد أيضا بشر يتكلمون كثيرا عن الله وعن وصايا الله لكن حياتهم ليست بحسب أقوال الله فكلامهم نظري وليس عملي وهذه أيضاً ليست قداسة. القداسة التي يريدها الله لنا هي أن نعيش في سلوك مقدس مبني على علاقة وشركة مقدسة مع الله القدوس. وقد علم الله شعبه في العهد القديم هذه القداسة بهذه الرموز في التوراة فحرم أكل الحيوانات التي تشق الظلف فقط أو الحيوانات التي تجتر فقط وحلل لهم أكل الحيوانات التي تشق الظلف وتجتر معا.

فمثلا حرم الله عليهم أكل الجمل والوبْر والأرنب لأن كل منهم يجتر لكنه لا يشق ظلفاً أي أن كل منهم يرمز للإنسان الذي يتكلم بكلام الله لكنه لا يعيش حياة مقدسة مختلفة عن أهل العالم.

ومن الجانب الآخر حرم الله عليهم أكل الخنزير لأنه يشق ظلفاً ويقسمه ظلفين لكنه لا يجتر وهذا كما تعلمنا يرمز للإنسان الذي يعيش حياة مختلفة عن العالم لكن لا توجد بينه وبين الله علاقة حقيقية وشركة إيمانية.


س: لكن لماذا لم يستمر هذا الوضع في الإنجيل أليس التوراة والإنجيل كتاب واحد؟

ج: نعم التوراة والإنجيل كتاب واحد هو الكتاب المقدس كلام الله لكن التوراة بما يحمل من رموز وناموس وفرائض إنما أعطاه الله لليهود بواسطة موسى ليعد أذهانهم للإنجيل. "لأن غاية الناموس هي المسيح للبرّ لكلّ من يؤمن." فحينما يكتشف الإنسان متطلبات قداسة الله المعلنة رمزيا في التوراة ويكتشف أنه بنفسه لا يقدر أن يرضي الله يدرك ويتأكد من احتياجه لنعمة الله الغنية التي ظهرت في تجسد المسيح "إذاً قد كان الناموس مؤَدبّنا إلى المسيح لكي نتبرّر بالإيمان" فبالإيمان بشخص ربنا ومخلصنا وفادينا يسوع المسيح، وبالإيمان بعمله الذي عمله لأجلنا على الصليب كفارة لخطايانا يعطي المسيح للمؤمنين الحقيقيين به شركة الطبيعة الإلهية وبهذا تصبح الشريعة مغروسة في قلوب المؤمنين كما هو مكتوب "يقول الربُّ أجعل نواميسي في أذهانهم وأكتبها على قلوبهم وأنا أكون لهم إلهاً وهم يكونون لي شعباً." فلا يحتاجون بعد أن يتعلموا القداسة برموز من طبيعة الحيوانات لأن الله يعلمهم إياها في شخص الروح القدس الساكن فيهم. لذلك كل الأطعمة محللة في العهد الجديد الذي هو الإنجيل كما هو مكتوب في "لأن ليس ملكوت الله أكلاً وشرباً. بل هو برٌّ وسلامٌ وفرحٌ في الروح القدس." آمين
هل حرم الله مأكولات أخرى في التوراة غير الحيوانات التي قرأنا عنها؟

ج: نعم حرم الله أيضا على اليهود أكل بعض أنواع الكائنات المائية وكذلك بعض أنواع الطيور وذلك في نفس الإصحاح الذي حرم فيه الله أكل بعض الحيوانات ولنفس الغرض الروحي وهو إرادة الله أن يعلم شعبه القداسة. فمكتوب في سفر اللاويين "وهذا تأكلونهُ من جميع ما في المياه. كلُّ ما لهُ زعانف وحرشف في المياه في البحار وفي الأنهار فإياهُ تأكلون. لكن كل ما ليس لهُ زعانف وحرشف في البحار وفي الأنهار من كل دبيبٍ في المياه ومن كل نفسٍ حيَّة في المياه فهو مكروه ٌلكم"

وكما رأينا في الحلقة السابقة أنه لا بد أن يتوافر شرطان في الحيوان لتحليله للأكل وهما شق الظلف والاجترار كذلك نجد في الكائنات المائية شرطين ينبغي توافرهما لكي يتمكن الإنسان اليهودي من أكل هذه الكائنات وهذان الشرطان هما الزعانف والحرشف وإلا فهذه الكائنات محرمه له.

ولكي نتمكن من فهم المعنى الروحي من هذا التحريم يجب أولاً أن نعرف ماذا تفعل الكائنات المائية بالزعانف والحرشف.

الزعانف تساعد الأسماك على العوم وتوجيه الحركة. والحرشف يحمي جسم السمكة. وهذا ما قصده الله في تعليم شعبه القداسة. أنه ينبغي أن يكون للمؤمنين زعانف تساعدهم على العوم وحرشف لحماية نفوسهم وكيانهم، فالمياه ترمز إلى العالم والكائنات التي في المياه ترمز للبشر المتحركين في هذا العالم والأسماك إذ تعوم بمساعدة الزعانف تستطيع أن تواجه تيارات المياه وتستطيع أن تعوم ضد هذه التيارات لتسير في المسار الذي تريده وهذا ما يريده الله لأولاده المؤمنين أن يعيشوا القداسة مختلفين عن سائر الشعوب ومضادين لتيارات العالم والخطية والجسد والشهوات ليسيروا في المسار الذي رسمه الله لهم في الأعمال الصالحة التي سبق الله وأعدها لهم وهكذا يكون للمؤمنين نعمةً وإرشاداً روحياً من الله حتى يستطيعوا أن يتعاملوا مع كل من يقابلهم في الحياة بحكمة وبساطة كما علمنا سيدنا المسيح له كل المجد "كونوا حُكَماءَ كالحيَّات وبسطاءَ كالحمام."

وإذا نظرنا إلى أي حوض ممتلئ بالسمك، نجد الأسماك كلها تعوم في سلاسة وسلام بدون تخبط أو تعطل وكأن لكل سمكة منهم مسارا واضحا لا يتعارض مع مسار أي سمكة أخرى، بل يتناسق معه مما يعطي جمالا لحوض السمك، والزعانف هي التي تمكن الأسماك من العوم بهذه الكيفية.

وهذا ما يريد الله أن يعلمه لنا أيضا إذ نمتلئ من الروح القدس فنتمم خدمتنا وسعينا ولا نتخبط مع رسالة أخرى أعطاها الرب لآخر ولا نعيقها ولا نهدم بعضنا بعضا بل بالعكس نبني بعضنا بعضا ونعوم في تناسق لتمجيد الرب في حياتنا.. والعوم هنا مقصود به السلوك في نعمة ورحمة وسلام المسيح مع الجميع حتى مع المعاندين، فيعطينا الله حكمة في التعامل معهم ونعمة لتقديم الحق الإلهي لهم في محبة وسلام ليخلصوا وينجو من مكايد إبليس.



والمسيح يسوع نفسه هو أكبر وأوضح مثل لنا في السلوك بحكمة وقداسة ورحمة، فكم من مرة تآمروا ضد شخص الفادي وجربوه لكنه كان يعلمهم ويرشدهم وينذرهم كما حدث حينما "ذهب الفريسيون وتشاوروا لكي يصطادوهُ بكلمةٍ. فأرسلوا إليهِ تلاميذهم مع الهيرودسييّن قائلين يا معلّم نعلم أنك صادقٌ وتعلّم طريق الله بالحق ولا تبالي بأحدٍ لأنك لا تنظر إلى وجوه الناس. فقُلْ لنا ماذا تظنُّ. أَيجوز أن تُعطَى جزيَةٌ لقيصر أم لا. فعلم يسوع خبثهم وقال لماذا تجرّبونني يا مراؤون. أَرُوني معاملة الجِزيَة. فقدَّموا لهُ ديناراً. فقال لهم لِمَن هذه الصورة والكتابة. قالوا له لقيصر. فقال لهم أعطوا إذا ما لقيصر لقيصر وما لله لله. فلما سمعوا تعجبوا وتركوهُ ومضوا" فهنا قد أجاب المسيح بحكمة وفهم ولم يقع في الفخ المنصوب له في سؤالهم فقد كانوا يتوقعون أن إجابة المسيح لن تخرج عن إجابتين إما أن يجيز لهم اعطاء الجزية فحينئذ يقع المسيح مع الشعب، أو لا يجيز لهم اعطاء الجزية فيقع المسيح تحت حكم الوالي وسلطانه لكن إجابة المسيح خيبت كل توقعاتهم الخبيثة. وليس ذلك فقط لكن في ذات الوقت أخذ المسيح مؤامرتهم وحولها إلى تعليم نافع لحياتهم ولحياتنا جميعا وهو أن نعطي الجميع حقوقهم. وقيصر هنا يرمز للسلطة أو العمل أو المذاكرة أو كل التزام دنيوي وضعه الله على عاتقنا. وهنا يعلمنا المسيح أن نكون أمناء في كل التزامات حياتنا الدنيوية.

وفي نفس الوقت فالصورة التي لنا والكتابة أي القيمة التي لنا كليهما من الله، فالله هو الذي خلقنا على صورته وإذ تشوهت هذه الصورة بسقوط الإنسان، الله هو الذي جاء إلينا متجسدا ليدفع ثمن سقوطنا وخطيتنا ويشترينا بدمه على الصليب، وأيضاً الله هو الذي أعطانا القيمة أو الكتابة بالمواهب والوزنات وكافة العطايا التي أعطانا إياها الله لكي نتاجر بها لنجمع ثمراً للحياة الأبدية.

وحينما قال المسيح "أعطوا إذاً ما لقيصر لقيصر وما لله لله" كان يقصد أن نكون أمناء في سلوكنا مع الناس هنا وأيضا أن نسلم قلوبنا وفكرنا ونفسنا وكياننا كله لله الذي اشترانا وافتدانا. وهكذا يعلمنا المسيح كيف نسلك بسلاسة ومحبة حتى مع الأعداء فنقدم لهم في كلامنا وسلوكنا نعمة المسيح القادرة أن تحكمهم للخلاص من الهلاك وتمتعهم بهذه النعمة التي نحن فيها مقيمون.



أخيرا أقول أن الزعانف والحرشف لهما فكرة روحية مترابطة ومتكاملة. فالزعانف كما تعلمنا تمكن السمك من العوم بحرية وسلاسة وتناسق والحرشف يحمي جسم السمكة. فمن يتعلم فينا السلوك في المسيح في محبة وسلام مع الجميع هكذا يحميه الله من التخبط والانكسار والانهزام فمع أن ابليس وأولاده لا يتركون المؤمنين في حالهم بل يهجمون عليهم بالرماح والسيوف والحراب لكن الله لا يترك الشرير يمس الصديق. فأعطى الصديق حرشفا لحمايته من كل سهام إبليس كما قال الكتاب "كثيرة هي بلايا الصديق ومن جميعها ينجيهِ الربُّ"

لكن إن لم نسلك في المسيح كما يحق للدعوة التي دعينا إليها سنجد سهام إبليس قد جرحتنا وأتعبتنا جدا.. ولقد أوصانا السيد قائلا "فلا يتأَلَّم أحدكم كقاتل أو سارق أو فاعل شرٍّ أو متداخل في أمور غيرهِ. ولكن إن كان كمسيحي فلا يخجل بل يمجّد الله من هذا القبيل"

فالزعانف والحرشف متلازمان ومتكاملان. وليعطنا الرب نعمة أن نكرمه في حياتنا وسلوكنا فيكرمنا الرب. آمين
هل حرم الله أيضاً أكل بعض أنواع الطيور في التوراة؟

ج: نعم فمكتوب في سفر اللاويين "وهذه تكرهونها من الطيور. لا تُؤكَل. إنها مكروهةٌ. النسر والأَنوق والعقاب… وكل دبيب الطير الماشي على أربعٍ فهو مكروهٌ لكم. إلاَّ هذا تأكلونهُ من جميع دبيب الطير الماشي على أربعٍ. مالهُ كراعان فوق رجليهِ يَثِب بهما على الأرض. هذا منهُ تأكلون. الجراد على أجناسهِ والدبا على أجناسهِ والحَرجُوان على أجناسهِ والجُندُب على أجناسهِ. لكن سائر دبيب الطير الذي لهُ أربع أرجل فهو مكروهٌ لكم."

وهنا نرى أن الطيور المحللة هي التي لها كراعان فوق رجليها تثب بهما على الأرض. و غير ذلك فهو محرم على اليهود. والكراعين هما الساقين فوق الرجلين -كما في الجراد مثلاً- وهذان الكراعان يجعلان حركة الطير الطبيعية على الأرض هي القفز وليس المشي. وهذه هي الفكرة الروحية التي أراد الله أن يستخدمها ليعلم شعبه القداسة.. فموطن الطيور هو السماء كما قال المسيح "انظروا إلى طيور السماء" لكنها تنزل أحيانا إلى الأرض لتجمع طعاما أو تتمم غرضا. فكيف يسلك الطير عندما ينزل إلى الأرض؟ هل يقفز عليها؟ هذه قداسة. هل يدب عليها؟ هذه نجاسة. فالطير الذي يتوافق مع تراب الأرض ينجس نفسه. والطير الذي لا يتحمل تراب الأرض فيثب عليه يقدس نفسه.

والمعنى المقصود من تقديس نفسه هو أن يخصص الإنسان نفسه للموطن السماوي. وهذا ما يريد الله أن يعلمه لشعبه. ليدرك شعب الله أن موطنه السماء. فهو إذاً غريب ونزيل على الأرض ولهذا يمتدح الله إيمان إبراهيم قائلاً عنه "بالإيمان تغرّب في أرض الموعد كأنها غريبة ساكناً في خيامٍ مع اسحق ويعقوب الوارثيَن معهُ لهذا الموعد عينهِ. (لماذا؟) لأنهُ كان ينتظر المدينة التي لها الأساسات التي صانعها وبارئُها الله."

ووثبات الطير على الأرض تشير إلى وثب أبناء الله على الأرض وما فيها من خيرات أو ملذات أو هموم. فالمؤمن الحقيقي لا ينبغي أن يغرق في ملذات العالم بل يثب عليها. ولا ينبغي أن تغلبه آلام وهموم العالم بل يثب عليها. والوحي المقدس يصف لنا وسيله القفز وهما الكراعان فوق الرجلين أي الساقين وهذا روحياً يشير إلى الصلاة -أي الركب المنحنية- فالمؤمن الحقيقي يثب على ملذات العالم بأن يحني ركبتيه مصلياً وطالباً من الله أن يحميه من شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة، وبالصلاة والركوع يغلب الملذات ويثب عليها. وبالصلاة أيضاً ينتصر على الهموم والآلام، وإذ يحني ركبتيه مصلياً يفتح الرب عينيه وذهنه على غرض الله من التجارب والآلام. لأن مع المسيح أمرنا وله قد دُفع كل سلطان "كل شئ به كان وبغيره لم يكن شئ مما كان." وفي الصلاة أيضاً يتكلم الله مع المؤمن بالروح القدس الساكن فيه فيريح قلبه من جهة التجربة المؤلمة وبذلك يثب المؤمن على التجارب والهموم والآلام واثقا ومتعلما "أن كل الأشياءِ تعمل معاً للخير للذين يحبون الله الذين هم مدعوُّون حسب قصدهِ."



ومن الواضح أن خيرات العالم أو همومه تقدر أن تغرق الإنسان المتدين الذي له صورة التقوى ولكنه ينكر قوتها، وللأسف يمكن أيضاً لهذه الخيرات أو الهموم أن تؤثر في المؤمن في حال عدم أمانته فتغرقه جزئياً، لكن المؤمن الأمين، المنحني الركبتين، المصلي بالشكر، الشاكر في كل حين على كل عطايا الرب وخيراته وعلى كل آلام الزمان الحاضر، فالرب يعطيه نعمة ليرشده كيف يتصرف كوكيل على هذه العطايا التي أعطاها الله له وأيضاً كيف يحتمل بصبر كل ألم وهبه الرب إياه، وهكذا يعيش المؤمن بنعمة المسيح وشركة الروح القدس، مرتفعاً على كل ما في العالم بقوة الصلاة. وهذه القوة هي التي عبَّر عنها الكتاب المقدس في العهد القديم بالكراعان فوق الرجلين للوثوب بهما على الأرض.

نعم ما أحلى هذه الحياة المنتصرة على العالم. "وهذه هي الغلبة التي تغلب العالم إيماننُا."

والجدير بالذكر أيضاً أن هذا التفسير إنما يؤكد لنا حقيقة ارتباط العهد القديم بالعهد الجديد لأنه كتاب واحد لأن الله واحد مكتوب عنه "الذي ليس عندهُ تغييرٌ ولا ظلُّ دوران."

لذلك فتعليم كلمة الله كله واحد ابتدأ برموز وطقوس وظلال واكتمل في المسيح يسوع المُشرق من العلاء لينير لنا الطريق إلى النهار الكامل والمعرفة الكاملة في بيت الآب فمكتوب في بداءة الرسالة إلى العبرانيين "الله بعد ما كلّم الآباءَ بالأنبياءِ قديماً بأنواعٍ وطرقٍ كثيرة كلَّمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنهِ الذي جعلهُ وارثاً لكلِّ شئٍ الذي بهِ أيضاً عمل العالمين"

لذلك كما تعلمنا في العهد القديم أن الطيور المحللة هي التي لها كراعان فوق رجليها تثب بهما على الأرض رمز أن المؤمن موطنه السماء، لذلك لا يتوافق مع تراب الأرض بل يثب عليه، هكذا نتعلم أيضاً في العهد الجديد. فمثلاً نقرأ في رسالة أفسس "الله الذي هو غنيٌ في الرحمة من أجل محبَّتهِ الكثيرة التي أحبَّنا بها ونحن أمواتٌ بالخطايا أحيانا مع المسيح. بالنعمة أنتم مخلَّصون. وأقامنا معهُ وأجلسنا معهُ في السماويَّات في المسيح يسوع". من هذا نفهم أن المؤمنين المفديين موطنهم السماء وليس الأرض. ولذلك يقول في كولوسي "فإن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالسٌ عن يمين الله. اهتمُّوا بما فوق لا بما على الأرض." وهذا يؤكد لنا روعة هذه النعمة التي نحن فيها مقيمون، فالمسيحي الحقيقي وطنه السماء، لذلك هو يطلب السماويات ويهتم بما فوق ولا يهتم بما على الأرض. حتى إن الكتاب يقول في فيلبي "لا تهتمُّوا بشيءٍ بل في كل شئٍ بالصلاة والدعاءِ مع الشكر لتُعلَم طلباتكم لدى الله. وسلام الله الذي يفوق كلَّ عقلٍ يحفظ قلوبكم وأفكاركم في المسيح يسوع."

هذه هي القداسة أن نعيش الحياة المنتصرة في رضى وحمى الله بقوة عمل روحه القدوس في الصلاة والشركة الدائمة مع المسيح يسوع له كل المجد. آمين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010